استيقظت كاترينا في وقت الفجر والشمس لم تشرق بعد ..
أحست كاترينا بدوار حاد للغاية ولم تستطع الوقوف بسبب هذا
الدوار ، أغمضت عينها ونامت ..
ولم تستيقظ إلى بعد أن جاءت نامي إلى غرفتها وقالت :
" كاترينا .. كاترينا ، استيقظي أنه الصباح وسنتأخر عن الجامعة "
" حسنًا ، سأتجهز الآن للجامعة "
" عندما تنتهين تعالي وتناولي الفطور "
تبتسم كاترينا وهي تقول :
" سأحضر عندما أنتهي من التجهيز للجامعة "
اتجهت كاترينا مباشرة إلى الحمام لتستحم وتتجهز للجامعة
بينما نامي خرجت من غرفة كاترينا
مباشرة بعد أن أيقظتها ..خرجت كاترينا من الحمام وأحست بالدوار من جديد
لكنها لم تتفوه بكلمة بل ظلت صامتة ..
تحسست جسدها فوجدت أن حرارتها مرتفعة بعض الشيء ..
لم تهتم بالأمر ولن تهتم !!
كل ما يشغل تفكيرها الآن هو آلان الذي يخفي قصة مؤلمة
خبأها في آخر صفحات حياته ..
نزلت بهدوء من السلم واتجهت نحو غرفة المعيشة ..
ووجدت هناك صحن مليء بالطعام فعرفت أن نامي قد أخرجت
الطعام من أجلها ؛ لأنها تعلم أن كاترينا لن تتناول الطعام
إذا لم تخرجه من المطبخ ، وكاترينا لا تتوجه عادةً إلى المطبخ
سوى في الأيام التي عليها أن تطبخ فيها
سواءً أكان لها أم لنامي ..
أمسكت بالصحن وبدأت تأكل حتى أحست بالشبع ولم
يتبقى في الصحن سوى تفاحة ..
أخذتها كاترينا ووضعتها في حقيبتها ..ثم خرجت هي ونامي وركبتا السيارة ووجهتهما واحدة ..
ألا وهي الجامعة ..
ونزلت من السيارة ومعها نامي ..
نظرت كاترينا نحو ممرات لندن الواسعة ..
فجأة وقعت عيناها على رجل فقير جالس لا يتكلم ولا يشكو ..
وتبدو عليه علامات التعب وكأنه لم يأكل شيء منذ أيام !!
والجوع ينهب من جسده نهبًا ..
طلبت من نامي أن تسبقها إلى الجامعة وذهبت للمخبز القريب
منه ..
اشترت أصناف عديدة من الخبز فسألها البائع :
" هل تعدين وليمة للغداء اليوم ؟ فقد أشتريتِ كمية كبيرة من الخبز "
ردت كاترينا وهي تبتسم :
" لا .. ولكنني اشتريت ذلك الخبز من أجل ذلك الرجل الذي يجلس هناك ، فهو جائع وتبدو عليه علامات الضعف "
" ولمَ تساعدينه ؟ أنه لا يستحق .. "
قاطعته كاترينا وردت عليه وأقنعته :
" عندما نفعل الخير .. لا يجب علينا أن نعطي من يستحق ومن لا يستحق .. ففاعل الخير ليس إلا مجرد سحابة تمر فتهطل بالبركات والخيرات وترسم السعادة في نفوس الآخرين وتذهب بعيدًا دون أن تطلب أجرها "
ودفعت كاترينا ثمن الخبز والخباز قد أعجب بما قالته ، وخرجت كاترينا وهي متجهة نحو الرجل العجوز فأعطته الخبز والتفاحة التي كانت في حقيبتها فقال الرجل العجوز :
" شكرًا لك يا ابنتي .. لكن لم يكن عليكِ
شراء هذا العدد الكبير من الخبز "
ثم أخرج من الكيس خبزًا وهو ينظر نحوه بإندهاش وهو يقول :
" وهذا الخبز باهض الثمن "
قالت كاترينا وهي تبتسم للرجل :
" لا بأس يا سيدي "
ثم أخرجت من حقيبتها مبلغ من المال وهي تقول :
" خذ يا سيدي فهذه ستعينك في شراء ما تحتاج إليه "
دمعت عينا الرجل الفقير وقال لها شاكرًا :
" أنا عاجز عن شكرك فعلًا .. أتمنى لك السعادة في حياتك "
بعدها ذهبت كاترينا وهي لا تعلم أن آلان كان ينظر إليها وقد علم بكل ما قامت به فقال في نفسه :
" طيبة أنتِ يا كاترينا .. وتحبين توزيع السعادة على الناس وأنتِ في ذروة ألمك "
بينما الخباز تأثر بالموقف الذي كانت بطلته كاترينا !!
فاتجه نحو الرجل وهو يحمل في يديه بعض المال
وقال له وهو يبتسم :
" خذ هذا المال كله لك .. وأريد منك أن تعمل معي في المخبز ابتداء من اليوم .. فهذا المال لن يكفيك طول عمرك يا عزيزي "
قال العجوز للخباز :
" لا أعرف كيف أشكرك يا سيدي "
قال الخباز وهو ينظر بخجل إلى الرجل :
" لا تشكرني أنا بل أشكر تلك الفتاة .. فتلك العبارة التي قالتها قد
غيرت حياتي كليًا "
وبعد أن ودع الرجل توجه سريعًا نحو كاترينا وقال لها :
" أهنئك على أخلاقك .. فلولا تلك العبارة لما لان قلبي أبدًا "
فردت كاترينا وهي تبتسم وتقول :
" سيدي .. أنت إنسان .. والإنسان بطبعه يميل لفعل الخير ، وملامحك لا تخفي طيبتك "
" شكرًا لك يا بنيتي فعلًا "
ابتسمت كاترينا وهي تلوح بيدها :
" لا شكر على واجب .. إلى اللقاء يا سيدي أراك قريبًا "
" إلى اللقاء يا ابنتي "دخلت كاترينا الجامعة وآلان خلفها ..
فجأة شعرت بالدوار من جديد ..
لم تستطع الوقوف وأحست أن العالم يدور من حولها ..
وتتهاوى شيئًا فشيئًا ..
لاحظ آلان أن كاترينا بدأت تتهاوى فأسرع وأمسكها
قبل أن تقع وقال وبصوته شيء من الخوف :
" ك .. كاترينا .. ما بك ؟ "
" لا يا آلان .. لا تخف علي أنا بخير "
" أي خير هذا الذي تتحدثين عنه .. ووجهك يبدو شاحبًا "
" قلت لا تخف يا آلان .. هيا سنتأخر على المحاضرة "
" أتستطيعين المشي بمفردك ؟ "
" آلان لا داعي لكل هذا الخوف "
ثم اتجها نحو القاعة ..بدأت المحاضرة ويزداد تعب كاترينا والمرض يزيدها أضعاف
ألمها وآلان لا يبعد عينيه عنها وهو يعيش كل دقيقة من دقائق المحاضرة بقلق ..
انتهت المحاضرة ، وبعد انتهائها أخرجت كاترينا هاتفها فوجدت رسالة من نامي ونصها الآتي :
" كاترينا .. أنا اليوم سأخرج مع أنجلو وسأعود في وقت متأخر فأسبقيني إلى المنزل .. واعتني بنفسك "
بعد أن قرأت كاترينا الرسالة أرادت أن تخرج من القاعة ..
فاقترب منها آلان وقال وهو يشعر ببعض الحزن عليها :
" كاترينا .. دعيني أساعدك ، فأنت متعبة للغاية "
" شكرًا لك آلان "
" لا شكر على واجب .. كاترينا أنتِ تستحقين كل الخير لأنكِ فعلًا إنسانة نقية و قلبك صافي "وخرجا من الجامعة وتحول ذلك البياض الذي يكسو بشرة كاترينا إلى لون زرقة المحيط اللامتناهية ..
وبدأت كاترينا تشعر بالألم أكثر فأكثر ..
حتى توقفت عن المشي فجأة !!
ارتعب آلان وقال بصوت يملأه القلق :
" ك .. كاترينا ما بك ؟ أنتِ تتألمين بشدة "
" يا آلان أنا متعبة للغاية ، وأشعر بألم في قلبي .. آآه كم هو مؤلم "
" كاترينا تماسكي قليلًا فسيارتي قريبة من هنا "بعدها صعدت كاترينا السيارة وآلان يرافقها ..
فقالت كاترينا بصوت مليء بالحنان والألم :
" آلان .. ملامحك تخفي ماضيًا أليمًا وفي جعبتك قصة ..
أرجوك أفصح عن ما في قلبك ولا تخفي عني شيء .. فعيناك تبديان مشاعرك "
" ولكنك متعبة .. "
قاطعته كاترينا وهي تقول بصوت خافت :
" أرجوك آلان "
" حسنًا .. سنتجه للمستشفى .. وسأخبرك كل شيء "
همست كاترينا بصوت خافت :
" شكرًا فعلًا "بعدها حرك آلان السيارة واتجه نحو المستشفى وقال :
" أنا من عائلة واترسون وكنت أعيش في لفربول ، ثم انتقلت إلى لندن بعد
أن فقدت عائلتي بأكملها "
ثم تابع بصوت حزين :
" فقدتهم وأنا في التاسعة من عمري .. فقد كانت عائلتي مستهدفة من
قبل عصابة فقتلتهم كلهم .. أمي أبي وأخوتي الستة وجدتي كلهم ماتوا أمام ناظري فهم لم يروني لأنني كنت مختبأً تحت الطاولة المغطاة بالمفرش ولم يفصح
أحد بوجودي .. ثم تم نقلي إلى الملجأ فعشت هناك 5 سنوات ثم تبنوني عندما كنت في السادسة عشر من العمر .. صحيح أن كثير من المشاكل واجهتني ولكنني استطعت التغلب عليها "
ثم ابتسم وهو في ذروة ألمه ..
تقول كاترينا بصوت حزين :
" آسفة .. فقد ذكرتك بماضيك "
" لا بأس كاترينا "
" أتدري آلان ؟! نحن متشابهان كثيرًا فأنا أيضا فقدت عائلتي
في الخامسة من عمري "
" لقد كنت صغيرة للغاية .. وتمتلكين صبرًا لا مثيل له "
ثم قالت كاترينا بصوت خافت :
" الآن أشعر بالراحة ، بعد أن جعلتك تبتسم .. آآه .. رغم أنني أتألم بشدة "
" تماسكي كاترينا فقد اقتربنا .. "ترى ما الذي سيحدث لكاترينا ؟ وماذا عن آلان ؟
انتظروا الفصل القادم
أنت تقرأ
ذكريات الماضي وأشواق الحاضر
Romansسنرافق كاترينا بعد أن أكملت الثامنة عشر عامًا ونتعرف على أحداث حدثت في الماضي ونمر بشيء من معاناتها وآلامها .. فيا ترى ما الذي سيحدث ؟؟