فَرَغَت أخيراً منْ تجهيزِ حقيبتها، ما اعتبرَتْهُ شجاعةً كبيرةً مِنها. نَظَرتْ إلى باطِنِ كفَّيها، وأمعَنَتْ ـ بفراغٍ ـ في التَّجاعيدِ والتَّفاصيلِ فيهِما. أحسَّتْ بشيءٍ خاوٍ فيها، ثمةَ شيءٌ عظيمٌ مَفقود.
جالَتْ ببصرِها أنحاءَ الغُرفةِ الَّتي كانَتْ لها مُنذُ وقتٍ طويل. جُدرانُها تَحمِلُ الأحمرَ والأسودَ والأبيض، مَكتَبٌ في الزاويةِ عليهِ القليلُ مِن أغراضِها، أمَّا البقيةُ فَقَد حَزَمَتها مِن قبل. في الزَّاويةِ الأُخرى سريرُها الَّذي غُطِّيَ بمِلاءةٍ حمراء، وعلى يمينهِ طاولةٌ صغيرةٌ بِدُرجين. في الحائطِ المُقابِلِ دولابٌ مُتَوسِّطُ الحجم، وعلى الجدرانِ تنتَشرُ صورٌ لعددٍ منْ مُطربيها المفضَّلين. غُرفةٌ تُناسِبُ فتاةً بالسادسةِ عشرَ منْ عُمرِها.
فوقَ المكتبِ لَمحتْ صورةً بِإطارٍ فضيٍ لامِع. ما إنْ لَمَستها بأنامِلِها الطويلةِ حتَّى فاضَتْ دَموعها الَّتي كانَتْ قدْ احتجَزَتْها قبلَ وهلة، فاضَتْ أقوى من قبل. تَرى في الصٌّورةِ فتاتينِ تضحكان. هي لا تُصدِّقُ أنَّ الفتاةَ ذاتَ الشَّعرِ الذَّهبيِ المُموَّجِ في الصورةِ قدْ ماتَتْ. كانَتْ أُختَها بالرُّوحِ لا بالدَّم. كانَتْ، لَمْ تَعُدْ مُنذُ صَعَدَتْ إلى السَّماءِ وَلَنْ تَعود.
ركَّزَتْ على الفتاةِ الباسمةِ بجانِبِ ذاتِ الشَّعرِ الذَّهبي. هِيَ أيضاً ذَهَبَتْ بعيداً ولنْ تَعود. ربَّما لم تَذهَبْ إلى السَّماءِ كما فَعَلَتْ الأُخرى، لكنَّها ذَهبَتْ بعيداً، عَن نَفسِها. الغُربةُ عنِ الرَّوحِ ألَمُها عَظيم.
وَضَعتِ الصُّورةَ فوقَ المكتبِ مرَّةً أُخرى، هيَ والأغراضُ الأخرى ستبقى هُناك، ماضٍ جميلٌ انتهى.
نَظَرَت إلى الغُرفةِ كرَّةً أُخرى، ثمَّ ذهبتْ إلى الزَّاويةِ الوحيدةِ الفارغةِ في الغُرفة، تنتحبُ بصمتٍ قاتل.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
![](https://img.wattpad.com/cover/83512369-288-k502205.jpg)