6.

89 17 11
                                    

لَمْ تَنَمِ الليلَةَ الماضِيةَ بِأكمَلِها، شُعورٌ سيءٌ رافَقَها وجَعَلَ عينيها تأبيانِ النومَ، وبَدَلَ كوابيسِ الرُّقادِ رافَقَتها أوهامُ اليَقَظة. أشباحٌ منَ الماضي تتكرَّرُ أمامَ عينيها السوداوين. أطلَّ الفَجْرُ وعيناها مَفتوحَتانِ على مِصراعَيْهِما. تَشْعُرُ بالتَّوتُّرِ يتَملَّكُها بِقوَّة.

نَهَضَتْ مَعْ مجيءِ والِدَتِها ـ الَّتي ظنَّتها نائمةً ـ لِتُوقِظَها، توضأتْ ثُمَّ ارتَدَتْ حِجاباٌ لِتُصلِيَّ الفَجر. سَجَدَتْ مُطوَّلاً تَدعو بِصَمت، فَلَم تَكُنْ تَدري ماذا عَساها تَقولُ مِمَّا تَراكَمَ داخِلها، لكنَّها أيقَنَتْ أنَّ اللهَ يَسمَعُ نِداءَ قَلْبِها. فَرَغَتْ مِنْ صَلاتِها هادِئةً مُطمَئنَّةَ النَّفس. لِصلاةِ الفَجرِ سِحرٌ غَريبٌ كَفيلٌ بِجَعلِ أيِّ امرئٍ يَنسى ما بِهِ مِنْ هَمٍ وألم. صلاةٌ تَستَطيعُ بِسُهولةٍ أنْ تَقتَحِمَ ذواتَنا الملوَّثَةَ وتُنَقِّيها مِنْ كُلِّ ما لطَّخَها مِنْ وَجَع.

نَهَضَتْ تَخلَعُ حِجابَها، ثُمَّ نَزَلَتْ إلى الدَّورِ السُّفليِّ لِتَصنَعَ لَها كُوباً مِنَ الشُّوكولا السّاَخِنة، المَشروبُ الَّذي كانَ رَفيقَها طيلةَ الأيَّامِ الماضِية.

السَّاعَةُ السَّادِسَة، صَعَدَتْ غُرْفَتَها مرَّةً أُخرى لِتَختارَ شيئاً تَلبَسه. اختارَتْ قَميصاً رماديَّ اللونِ بِكُمينِ طَويلينِ وَ يَصِلُ إلى فوقِ رُكبَتَيها، مَعْ بِنطالٍ أسوَدٍ وحِجابٍ يَمْزِجُ اللونَين مَعاً. ارتَدَتْ ملابِسَها وحِذاءَها المُسطَّحَ ثُمَّ انتَظَرتْ والِدَها لِيُقِلَّها. رَكِبَتِ السَّيارةَ ثمَّ تَرجَّلَتْ مِنها عِندَ وُصولِها دونَ وداعِ والِدِها، وما لَبِثَتْ أنْ دَخَلَتْ المَدرَسَةَ إلَّا واتَّجَهت كُلُّ الأنظارِ إليها، الجَميعُ يَنظُرُ مُتَسائلاً عَنِ الفتاةِ الغريبةِ الَّتي دَخَلَتْ بِغِطاءٍ في رَأسِها وملامِحَ لا يألَفونَها. تَقدَّمَتْ فتاتانِ شقراوتانِ نَحوها وسألتاها إن كانَتْ عَرَبيةً مُسلِمةً كَما يبدو عَلَيْها، وَحينَ أومَأَتْ لَهُما سارَعَتا للذَّهابِ بعيداً عَنْها. تَنَهَدَتْ ثُمَّ مَضَتْ إلى داخِلِ المَبنى مُحاوِلةً أن تتجاهَلَ النَّظراتِ الَّتي تتبَعُها.

غُربة.حيث تعيش القصص. اكتشف الآن