4.

87 17 9
                                    

صَمتً مُزعِجٌ على مَتنِ الطَّائرة. تارةً أحسَّتْ بِهِ يلتَهِمُها بِبُطءٍ وألم، وتارةً أحسَّتْ بِهِ يَعبَثُ بِجوارِحِها الرَّكيكة. قَدْ يَكونُ انعِكاساً لخواءِ أرواحِ الأشخاصِ الَّذينَ يجلِسونَ في مقاعِدِهم مُنتَشِرينَ هُنا وهُناك، فكَّرتْ بِصمتٍ غريبٍ ودَخيلٍ على الصَّمتِ الآخَر. كانَ هُدوؤها بطريقةٍ ما، يَحمِلُ قصَّةَ وَجعٍ لا يَفهَمُها، أحد، ولا حتَّى هِيَ نفسها. طَيفٌ خفيٌ أرغَمها على التوقُّفِ عنِ التَّفكير، لِتستَسلِمَ لَهُ بكلِّ جوارِحِها وتغفُو على مَقعَدِها، ودَمْعُها لايزالُ غيرَ جافٍ على وَجنَتيها.

لا تَدْري كَم مِنَ الوقتِ مرَّ إلى أن أتَت أيقظَتها أُختُها لَيلَكْ مِنْ نومِها لِتُخبِرَها بأنَّهم قد وَصَلوا. تمنَّتْ أنَّ ليلَكْ لَمْ تُوقِظها. تمنَّتْ أ، تواصِلَ نَومَها لِتبتَعِدَ عنِ الواقِع، نومَها الهادئِ بلا كوابيسٍ أو أحلام، نومٌ انقَطعَتْ فيهِ عنِ العالمِ لفترة تمنَّت أن تَطول.

نَزَلَتْ مَع عائلَتِها من على مَتنِ الطَّائرة. تيَّارٌ مِنَ الهواءِ هبَّ على وجهِها لِيجعَلَ أطرافَ حِجابها تتطايرُ مَعه. لَم يَكُنْ كنسيمِ بِلادِها الَّذي يتخلخلُ الرُّوح، كانَتْ مُجرَّدَ رياحٍ باهتةٍ بلا أي قيمة، على الأقلِّ بالنِّسبةِ لَها.

في عالمٍ آخَر أوْ زمانٍ آخَرْ كانَت ستَكونُ سعيدةً مع صديقَتِها وعائلَتِها، كانَتْ ستُواصِل حياتها كأيِّ مُراهِقةٍ بِعُمرِها، لكنَّها وُضِعَتْ هُنا في هذا العالَم الكَئيب، تُجاهِدُ كي تَحفَظَ روحَها في دولةٍ غريبةٍ عَنْها.

تساءلَتْ إلى أينَ ذَهَبتْ أحلامُها. إنَّ الرُّوحَ مَنبعُ الأحلامِ بِرأيها، لذلكَ تساءلت أينَ هَرَبتْ أحلامُها بعيداً عن روحِها المُحطَّمة. سؤالٌ آخرُ لَن تَعرِفَ لهُ جواباً.
* * *

غُربة.حيث تعيش القصص. اكتشف الآن