الصديق الخيالي

2.5K 162 78
                                    

انتظرت في مضجعي لساعة كاملة وانا احدق في جدران الغرفة تارةً وبالسقف تارةً اخرى حتى تملكني الضجر كشيطان يتملك عروسه ليلة زفافهما ، سرت الى المطبخ والمنزل غارق في الظلمة كعادته بوقت نومي ، ما ان دنوت من الثلاجة لارتوي بكوب ماء عذب حتى اوقفني صوت ينادي اسمي ، استدرت بعينين مجفلتين انظر للظلام بذعر ، اجيل نظري بسرعه دون ابصار شيء ، ارتعش جسدي حين سمعته مرة اخرى ، لم يكن صوت الرجل المحترق انما صوت ناعم كصوت طفل صغير يأتي من خارج المنزل ، سرت نحو الباب ولااعلم كيف تحركت قدماي تحت هذا الضغط الهائل من الرعب الذي كاد يخنق قلبي ويسكته الى الابد ، فتحته ببطئ شديد لتزداد دهشتي بتسلل ضوء الشمس الغامر لينير ظلمة المنزل مما امدني بالشجاعه لفتح الباب والخروج ، وضعت يدي لأصد اشعة الشمس واستعيد بصري شيئا فشيئا ، نظرت حولي وكان المكان حديقة منزلي نفسها ، لم تتغير سوى ان الليل اصبح نهار  ، " ستيفاني " سمعت اسمي مرة اخرى وكان قريبا هذه المرة ، اتجهت لمصدر الصوت وكلما تقدمت يفاجئني الصوت بكوني لم اقترب منه ابدا مع انني سرت كثيرا ، الى ان .. رأيتها ، الشجرة الكبيرة هي ذاتها وحولها فتاة صغيرة تضحك بخفوت وتكلم نفسها ، كانت ترتدي فستان صغير ابيض وحذاء بنفس اللون شعرها يصل الى رقبتها بني اللون ، توسعت عيناي ما ان لمحت تلك الخصلة السوداء وانا اقترب ، يبدو انها لاتستطيع رؤيتي ، ساقترب اذن ، توقفت قدمي قبل ان اطئ الارض بأول خطوة للاقتراب منها عندما سمعت " ابي لايصدقني عندما اخبره عنك "
مع من تتحدث ؟ هل تكلم نفسها ؟ انها تنظر لمكان معين عندما تتحدث ، كأنها تكلم شخص غير مرئي ..، تراجعت قليلا لأراقب ، شعرت بهالة وجود شخص ثالث غيرنا ، شخص وهمي هي فقط تراه ، هل تهلوس ياترى ؟ ولما لااستطيع رؤيته ؟ جلست على العشب النضر بعيدا قليلا عنها واسمتع لحديثها " اجل انت صديقي المفضل حتى ان لم يصدقني احد وعندما اكبر سأتزوجك "
" م.. ماذا ؟؟! مالذي تقولينه او اقوله لشخص خيالي .. في احلامك ايها الاحمق البشع ،حسنا لست بشع بما انني لااراك " تأففت بأنزعاج ، هل هذا حلم ام انها ذكرى من الماضي ؟ نظرت حولي بتسائل فأنا لم اكن هنا عندما كنت صغيره بل انتقلنا بوقت لاحق ، هل هذا مجرد حلم ..؟ على كل حال من هذا الصديق الخيالي ... تذكرت فجأة روايتي التي عنوانها كما قلت الان ، أيعقل انها عنه ، هذا الشخص الذي لااستطيع رؤيته ..؟ لكنني كتبتها في مراهقتي والاصدقاء الخياليين يختفون عندما يكبر الطفل قليلاً ، هناك قطعة ناقصه في هذا اللغز ، شيء افتقد اليه لأفهم مايدور حولي ، بعد تنهيدة تحمل كل هذه التساؤلات عدت لمراقبة الفتاة الصغيره وهي تدور بمرح حول الشجرة ، تضحك ببراءه جعلتني ابتسم لااراديا ، ابتسم لاول مرة بعدما حدث اليوم ، قطبت جبيني بفضول وانا اراها تنقش شيئا ما على الشجره ، اقتربت لاشبع فضولي ، كانت اناملها الصغيره تحاول جاهدة حتى نجحت اخيرا بكتابة اول حرف من اسمها S ، حالما استيقظ سأذهب الى الشجرة لاتأكد من شكوكي حول كون الامر ذكرى من الماضي ام مجرد حلم لااكثر ، ابتعدت الفتاة بأبتسامة فخوره بما قامت به وقالت " الان دورك ، اكتبه بجانب حرف اسمي " كما توقعت لم يحدث شيء ، لم تظهر كتابة او صوت ، انها تتخيل فقط ..، ذهبت الى المرج الاخضر واستلقيت عليه باسطة ذراعيّ بعد ان راقبت الفتاة وهي تبتعد حتى اختفت من امام ناظريّ ، كانت الشمس في كبد السماء الا ان اشعتها ليست حارقه انما دافئة بشكل لطيف والنسمات الخفيفه جميله ، اغمضت عينيّ لاستمتع بهذا الجو واستمد التفائل قليلا والراحه النفسيه لأقول وداعا للحزن واليأس ، ارتسمت صورة الكابتن في مخيلتي جعلت تنهيدة تفلت من بين اضلعي وتكاد تحطمها ، شعرت بالغرابة من تحرك شعري الذي على جبيني بهذه الطريقه فالرياح ليست بتلك القوه ، انتصبت جالسه لابتعد بسرعه حين ايقنت ان شخصا امسك خلصة من شعري يطويها باصابعه كما خيل الي ، نظرت حولي بأستغراب لكن لاشيء ، لاشيء ابدا ، اذن ماذ.. انعقد لساني لأقول بتردد والكلمات تخرج متقطعه ولااعلم من اين اتت هذه الفكره حتى اقول " هل .. هل انت .. الشخص الخيالي ؟ .. هل انت هنا ..؟ لم اتلقى جواب او اشارة تؤكد شكوكي لكن هالته التي انبئتني بوجوده لاازال اشعر بها بالقرب مني ، زفرت بهدوء لأعود واستلقي واضعة يدي خلف رأسي ومغمضة العينين قائلة " اعلم انك هنا ، انا اشعر بك " لا اشارة لا جواب مجددا ، ازعجني ذلك قليلا وسألته لاخرج مابداخلي من تساؤلات " هل سافقد صوابي قريبا ؟ هل انا في حلم ؟ أأنت صديقي منذ الطفوله ؟ اقصد خيالي طبعا " تقلبت لانام على جنبي وقد داعب النعاس عينيّ وقلت بصوت ناعس خفيض " هل لاتزال صديقي ؟ " استسلمت للنوم حتى انني لم ادرك في تلك اللحظه هل ماشعرت به حقيقي عندما احسست بذراع تحتضنني بلطف ام انني اتخيل ؟ هل كانت جواب على اسئلتي ام اوهام فقط ..؟ استيقظت على سريري اتثائب وابعثر شعري لادعك عينيّ بنعاس وانظر حولي .. كنت قد نمت معاكسا للسرير وهكذا كنت استلقي قبل ان انهض لشرب الماء الليلة الماضيه ، اذن ذلك كان حلم لكن لم اشعر انني في حلم الا بعد مرور فترة ليست بالقصيره .. هل بدأت لااميز بين الاحلام والواقع ؟! علي ان اهدأ من روعي كي لا ارتبك وأقع في مصيدة الرعب ، انا في غنى عن غموض اخر يفقدني صوابي ، نهضت بتململ وتثاقل لاقوم بروتيني اليومي تناول الافطار والانغماس في القراءه وربما سأذهب الى الشجره لأتأكد من الحلم ، استولت علي الفكره حتى انني لم اشعر بطعم ما اكلته لانتصب واقفه واقرر الذهاب على الفور ، فتحت الباب لاتسمر في مكاني وقد ارتعد قلبي بعنف من الذهول والفزع الذي اصابني لأقف كتمثال من الشمع غير قادرة على ادراك مايحدث ، هل اصبحت عمياء فجأةً ؟ اعدت النظر الى داخل المنزل لأراه منيراً بالاضوية ثم نظرت خارجاً الى السماء التي يعانقها الظلام بحميمية ، لكن انه الصباح ..، كيف يعقل ؟! اغلقت الباب واستندت عليه التقط انفاسي من جراء الصدمة ، مالذي يجري .. من المستحيل ان يكون الوقت مساءاً الان !! ماذا يحدث في هذا العالم ..؟ بدأت اذرع المكان ذهاباً واياباً بمحاولة لتنظيم ضربات قلبي المتسارعه وترتيب افكاري المشتته ، اخذت مصباح يدوي وعقدت العزم على الذهاب للشجره وكأن وسواساً اصابني للتأكد من الحرف الذي نقشته الفتاة ، اذا كان موجود فأنا لاازال بعالم الخيال وان لم يكن فأنا في الواقع وأي واقع هذا الذي لم اعد ادرك منه شيئا ، التفت في مسيرتي لكلا الاتجاهين والخلف لعدة مرات من شدة خوفي ، بعد فترة جعلها الذعر خمسة اضعاف مما هي في الحقيقة وصلت الى حيث الشجرة لاتفحصها بأهتمام بالغ واتلمس الحرف المنقوش ليطمئن قلبي قليلا فأنا في الحلم لكن مالبثت ان تزعزعت ثقتي وتلاشى اطمئناني ليدب فيّ الفزع والذعر من جديد عندما لمحت حرفاً اخر ، لمن حرف ال A هذا ؟! أمن المعقول ان يكون لذلك الصديق الخيالي ؟ هذا هو التفسير الوحيد .. لكن ان لم اكن في حلم او واقع فأين انا ؟؟! التفت بسرعه لسماعي صوت خطوات تقترب وقد تراقصت قزحتيّ عينيّ كما ترقص جارية امام سيدها المستبد ، وجهت المصباح نحو الظلام بيدين مرتعشتين .. لا يوجد احد لكن الصوت .. بسرعة فائقة سُحبت تحت الارض وكأن شياطين العالم السفلي تناديني ، تملكني الفزع حتى خيل الي ان روحي اسُدعيت للحساب قبل ان تنفصل عن جسدي نهائياً ، شعرت بموت اطرافي من شدة الخوف وفقدت الشعور كلياً بحواسي .. التفت حولي وكان رأسي هو الجزء الوحيد الذي استطيع تحريكه بينما اشتد خناق الخيوط التي قيدت جميع اجزاء جسدي لتمنعه من الحركة ولو انشاً واحداً ، تسارعت انفاسي وانا اقاوم هذه الخيوط بكل ما اوتيت من القوه .. مازاد من ذعري وارتعاشي هو الصمت المطبق الذي يقف الى جانب رهبة الظلام الحالك ..، اخذت انفاس عميقه الواحده تلو الاخرى  كي اخفف هيجان قلبي المرتعد خوفاً حتى لايخرج من صدري محطماً اضلاعي بقسوه .. تباطئت دقاته رويدا رويدا واخذت نفساً اخر لأضيع في هذا الهدوء المستفز للاعصاب واتناسى امر شلل اطرافي عن الحركه .. حاولت اللجوء لعالم افكاري وتخيلاتي الواسعه لأهرب مما انا فيه لحين انقضاء هذا الكابوس .. اجل انه كابوس فقط لاشيء حقيقي ، سأستيقظ عاجلاً ام آجلاً ، خذلني خيالي وتخلت عني افكاري لتتركني في اللامكان اسبح في مستنقع ضحل من اليأس السادي الذي فرض سيطرته على عقلي المتهاوي ذعراً والمتمسك بأخر خيوط التعقل لدي حتى لااصاب بالجنون .. اطلقت ضحكة هستيريه تبعه بكاء صامت ، مرت ساعات طوال او هكذا بدى لي الوقت ، اكاد اجزم انني اصبحت عمياء وصماء تماما ، غزاني شعور بالاستسلام بعد ان يأست من كل شيء وتداعت قصور آمالي لتصبح رماداً في يديّ الريح ، على كل حال من لي في هذه الحياة ..؟ ليس هناك من سيفتقدني فلما اقاوم ولما اعيش ؟ لطالما كنت وحيده لما لااسلم نفسي لقدري واستقبل موكب زفافي الى عالم الظلمة والوحشة حيث انتمي ..؟! الى من سأعود ؟ لااحد .. من يريدني ؟ لااحد .. ، غرقت في ظلمات نفسي واطلقت العنان للمرارة التي نمت في داخلي منذ زمن لتتفتح زهرة سوداء ذابلة تقطر سماً من اليأس ، طوقت نفسي بهالة من الكئابة والبؤس وانكمشت كدمعة يتيمة تخلت عنها محاجر عينيها وملجئها ، شعرت بتسرب الحياة من جسدي لتتركه جثة بارده كصقيع الشتاء ..، " شكرا ستيفاني " في عمق يأسي استرجعت ذاكرتي صوت سكارليت الحنون لأبتسم داخلي بألم ، اجتاح بريق اخاذ مخيلتي واطمئن قلبي لهذه الذكرى الجميلة لتلسعني الدموع دون شعور مني وتعيد مافقدته من احاسيس لجثماني الخاوي وكأنما دبت فيّ الحياة من جديد ، استغربت رغبتي بعدم الاستسلام وطرد شيطان اليأس الذي تغلغل في جوفي ، يالعينيه وسحرهما لقلبي ، أيفعل بريقهما كل هذا ؟ تشبثت بأمنيه لربما تكون من اخوات المستحيل والمعجزات الا انني لم اتخلى عنها ، اريد رؤيته من جديد ، مرة اخرى واخيرة سأقبل بهذا ، وقت فنائي لم يحن ، ليس بعد ، لاازال اريد الحياة ، قاومت بشدة لاتخلص من قيودي ، شعرت بتراخيها لانفض جسدي بعنف واتحرر ، احسست بالسعادة تجد سبيلها لقلبي لتداعب الحزن بعيدا عنه وتزهر بذور الامل فيه ، سرت ببطئ استدل بنور ذكرياتي على الطريق وكأنني مخمورة ارتشفت كأس ذهب ، سرعان ما غزتني رجفة قوية لاتخبط في سيري واتراجع للخلف وشفتي ترتجف ، كان يقف بعيدا ويحدق بي ، تراجعت حتى التصقت بجدار لم اكن اعرف بوجوده ، بين لي الضوء الباهت جدا حتى يكاد يكون منعدما انني في مواجهة مع غريمي المنتظر ، لن انكر رهبتي منه والدليل احتمائي بالجدار املاً ان تهزه الشهامة لينتفض ويقف امامي ليدافع عني وليس العكس كما هي الحالة الان ، ابتلعت ريقي بصعوبه وتذكرت كلام الكابتن بشأن احتمال وجود سبب لفعله مايفعل لذلك سألته بصوت مرتعش مخنوق " ماذا .. تريد مني ؟ " تحرك من تيبسه قليلا واقترب خطوة  جعلت ركبتيّ تصطكان هلعا وانا ازيد من التصاقي بالجدار لعلني اغوص داخله لكن يا لأمنياتي المسكينة كم هي بعيدة المنال كسمكة عشقت الصحراء ونسيت حقيقتها ، وقف ولم يكمل طريقه اتجاهي مما جعلني اسأله وانا استغرب من نفسي واحسدها على الشجاعة التي اتتني من حيث لااعلم " هل ترغب بأخباري شيئاً ؟ " تسارعت انفاسي عندما تقدم خطوة اخرى وتوقف ، اثارت فعلته هذه تساؤلات مما جعل خوفي يقل ويزداد فضولي نحوه ، عاودت التسائل " هل اعرفك من قبل ؟ " تقدم خطوة ايضا واصبحت مرتابة وتسللت الشكوك لقلبي ، ماتراه يقصد بتقدمه خطوة على كل سؤال ؟ هل يجيبني بطريقته ؟ هل تدل كل خطوة على الاجابة بنعم ؟ اذن اجابات اسئلتي بنعم او لا فقط ..، قررت استجماع كل ما املك وما لااملك من شجاعه وقوة لفعل امر يثبت جنوني اخيرا وهو الاقتراب منه لكن أي جبانة هي انا وكأن الجُبن خرج من رحمي لانني جاهدت وبشق الانفس تركت اظافري تشبثها بالجدار لكن خانتني قدماي واقسمت ان لاتترك مكانها فأكتفيت بالكلام قائلة بخوف من الاجابة " هل ستؤذيني ؟ " تقدم خطوة واطمئن قلبي لمجرد استنتاج لربما اخطأت فيه وقد يكون خطأ لاتحمد عقباه لكن آن اوان حل هذا الغموض وكشف جميع الاوراق ولابأس بوضع نفسي على حد السكين لأجل حصولي على الاجابات .. تركزت عيناي على مكان فمه غير الموجود لاسأل بشرود ذهن " هل هذا شكلك الحقيقي ؟ " انفرجت اساريري عندما تقدم خطوة اخرى لاسأل بسرعه " هل ستدعني بسلام ؟ " لم يتحرك ولم تتحرك عيناي المتسعة عنه ، جف حلقي لاعتباري هذا جواب بالنفي حاولت تدارك الامر لاقول " لكن لن تؤذيني ؟ " تقدم خطوة شتتّ افكاري وبعثرت الكلمات داخلي ، ماذا يعني انه لن يتركني ولن يؤذيني الا يعلم ان فقط رؤيتي له تفزعني .. تبقت خمس خطوات ليكون امامي مباشرةً وهذا ما لايجب ان يحدث  لكن ماذا افعل بالكم الهائل من الاسئله الذي يدور في رأسي .. تجرأت وتحديت خوفي وجبني لاصرخ قائلة بدون وعي " كفى لقد اكتفيت ، لما اخاف منك دائما وما جريمتي حتى تكون حياتي هكذا ؟ اريد ان اكون كباقي الفتيات اعيش حياة عادية لايتربصني فيها شخص يشبه الشجرة المحترقة ويبث الرعب في كياني في كل ثانيه اعيشها ، أليس لديك قلب الا تفهم معاناتي ؟ لاتتركني في عالمي ولاتتركني في عالم اخر ، اين تريدني ان اكون ؟ "
لم يتحرك قيد انملة ولم تطرف عينيه الحمراوين ، التصقت بالجدار بعد ان ابتعدت عنه سنتيمتر واحد بسبب انفعالي ، كنت التقط انفاسي بتسارع لاتجرعها بصعوبه ، مد يده لترتجف شفتيّ برعب وسرعان ما اعادها لمكانها ، لم امسك نفسي  عن سؤاله " هل انا الوحيدة التي تأتي اليها ؟" تقدم لتتقلص المسافة بيننا الى اربع خطوات واربع اسئلة ، واردفت " هل تأتي برغبتك ؟" تقدم مجددا ليصبح قريب كثيرا مني ، مع ان خوفي بدأ يتلاشى واعتدت على شكله المخيف لكن حواسي بكامل حذرها منه لاكتفي من الاسئلة واحدق به بفضول ، لقد قال ان هذا ليس شكله الحقيقي ، اذن كيف يكون وهل هو مخيف اكثر من هذا ولما يأتيني انا فقط ،  هناك سبب لاشك بهذا ، اتسعت عينيّ لاخرهما وانتفض قلبي بعنف بعد ان سرت رجفة هزت اوصالي توقفت الكلمات داخل حنجرتي وكأنها تتدافع جميعها للخروج بنفس اللحظه ، تخلى عني صوتي وفقدت جفوني وظيفتها ، اقتربت منه خطوتين تحت سيطرة اللاوعي على جسدي لاترك له خطوة الاجابة ، نظرت له بعدم تصديق لأقول بصوت يُكذب نفسه " لما تمتلك رائحة البحر ؟ هل.. هل انت الكابتن ؟" في وسط دهشتي وتعجبي حد الذهول احتضنني بين ذراعيه بقوه حتى كاد يحطم اضلاعي ، طوقته بذراعيّ ولاازال في صدمتي لكن يبدو ان رائحة البحر هي من سيرتني ، ابتعدت قليلا وانا اشعر بتفتت جسده ، نظرت بدهشه للسواد الذي يتحطم شيئا فشيئا ويتحول لرماد اسود وكأنه كان غلاف يكسوه ، ابتعدت خارج نطاق ذراعيه لأضع يدي على فمي بحركة لااراديه وانا ارى عينيه الذهبيتين وتعلو فمه ابتسامة عذبة ، ابتعدت غير مصدقة تتنازعني الافكار بمالذي يحصل لي ؟ هل اهلوس ؟ هل وصلت لهذا الحد من الهذيان والجنون ؟ انتشلني من افكاري قائلا " التقينا مجددا " نزلت دموعي بحرقة بفرح عارم لاتصفه الكلمات بسعادة تحتاج لاختراع لغة جديده بشوق لم ولن ينطفئ ابدا ، اقترب بسرعه لاحتضاني وتمتم بينما يمسح على راسي بلطف " بكائك يعذبني ، لاتبكي مجددا ، انا اسف على كل ماسببته لكِ من خوف وحزن لكن كان لابد من هذا "
كلماته جعلتني ارفع رأسي بتسائل واستغراب قائله " ماذا تعني ؟ " داعب وجنتي بأنامله ليقول بعيون تفيض لهفة وشوق " لو تعلمين ماذا حدث منذ فراقكِ " بدى الحزن واضحا على قسمات وجهه فسالته بفضول وهدوء " لقد مضى يوم على ذلك فماذا حدث ؟" ابتسم بأسى وهو يقول " يوم ؟ ربما بالنسبة لكِ .. اما انا فقد مضت سنوات "
" اخبرني كل شيء منذ البدايه ..، عندما كنا على الجزيره "
" حين بدأتِ تتلاشين امام عينيّ وانا عاجز عن القيام بشيء يمنع ذلك .." اغمض عينيه ليعيدني لصدره وكأنه يخشى استرجاع تلك الذكرى ثم قال هامسا " كُدت اجن ، وقمت بأمر حتى المجنون لايفعله "
" ما هو ؟ "
" هل تذكرين صندوق الذهب ؟"
" الذي وجدناه بالغرفة السرية ، اجل اذكره "
" في تلك اللحظه فقدت كل لون للحياة ورغبت باسترجاعك مهما كان الثمن ، فتحته لأصبح داخل لعنة الساحرة ، كانت لعنتها بالنسبة لي استجابة لصلواتي ، شعرت ان ملائكة السماء تمنحني احدى المعجزات "
" وماذا حدث بعدها ؟ " قبل جبيني وقال ممازحا "ادركت ان اللعنات لاتشبه المعجزات بشيء "
واردف بنبرة عميقة " لعنة ام معجزه لم يكن الاسم يشكل فارقا لدي ، تلاعبت بي روح الساحرة ونقلتني الى عالمكِ عندما كنتِ طفله ، لم ارفض ذلك بل كنت سعيدا لرؤيتكِ والتحدث معكِ " اجبته بدهشه " انت كنت صديقي الخيالي ؟! "
" اجل ، اطلقتي علي اسم الصديق الخيالي عند اول مرة ترينني بها ، بقيت معكِ سنوات الى ان اصبحتِ في السادسة عشر "
" اين ذهبت عندما بلغت السادسة عشر ؟ "
" لم اذهب بل انتِ لم تعودي قادرة على رؤيتي ، كنتِ تتكلمين عن صديقك الخيالي لكن لااحد يصدقك لانك الوحيدة التي ترينني ثم فعلتِ كما يقولون بعد ان اقنعوكِ انني من نسج خيالكِ "
" لكنك لم تكن كذلك وحتى اذا قالوا انك لست موجود فأنا كنت اراك اليس كذلك ؟ "
" لا ، عندما اقنعتي نفسك بأنني مجرد خيال لم تعودي قادرة على رؤيتي شعرت بالالم والضياع ، كلمتكِ حاولت استعادتك واستعادة وجودي معك لكن لم تسمعي صوتي حينها تدخلت روح الساحرة لتمنحني خيارين احلاهما مر ، الاول ان اعود لعالمي واتخلى عنكِ وهذا ليس خياراً بالنسبة لي او اتحمل اللعنه وابقى بقربك ، وفعلت "
" لكن كيف اصبحت بذلك المظهر المرعب والكثير من الاشياء لاافهمها ، الساعه 10:15 و تقمصي الروايات "
" الساحرة فعلت بي هذا ، لانني احببتك وانتِ لم تفعلي ارادت ان تنتقم لما حدث معها فجعلتكِ تعانين كل هذا وتشعرين بألم الشخصيات التي تتقمصينها والساعه كانت الوقت الذي لم تعودي ترينني فيه "
احمررت خجلاً لاقول بتلعثم " ا..احببتني ؟ " ابتسم ليرفعني في الهواء ويدور بي قائلا بسعاده " لم احببكِ قط بل عشقتكِ منذ البدايه " ازداد احمرار وجنتيّ وتسارعت دقات قلبي لأحاول تغيير الموضوع قائلة " وماذا حدث بعد ذلك ؟"
" حاولت اخبارك لكن كل مرة ترينني فيها تخافين مني لذلك لم اظهر واتحدث معكِ ، راقبت احلامك وحدث ما لايجب حدوثه ، كنتِ تغيرين الاحداث السيئه وهذا يرتد عليكِ بالاضرار كما لاحظتي من كدمات بجسدك وفقدانكِ الذاكره ، كل مرة احذركِ ولكنك لاتسمعين وتنسين كل هذا لتعاودي الكرة "
" اتذكر انني عندما بقيت مستيقظه اجبرتني على النوم لم اجد تفسيرا لذلك "
" عندما ترينني لاتحلمين وانا كنت ارغب بأن تحلمي حتى تجدينني وينتهي كل هذا وتزول اللعنه لذلك اضطررت لجعلك تخافين من البقاء مستيقظه "
" وقد وجدتك "
ابتسم وهو ينظر لعينيّ بحب قائلا " اجل لقد فعلتي " لمعان عينيه وهو ينظر لي ابتسامته الساحره يكفيني كل هذا ويغنيني عن العالم ، وجوده بقربي هو كل ما اريد ، شعرت بمنتهى السعادة وتجلى كل شعور حزين مررت به ، نسيت كل شيء بقربه ، ادركت نهايتي السعيدة اخيرا بجانب من احب ، احتضنته والابتسامة لاتفارقني ، استنشقت رائحة البحر التي عشقتها واغمضت عينيّ بسلام بين ذراعيه ..

فتحت عينيّ لأحدق بالسقف ، انتصبت جالسة اجيل النظر بغرفتي واحاول جمع شتات افكاري ، كنت نائمة بعكس السرير كما كنت قبل ان اخرج من المنزل ، مالذي يحدث ؟ اين الكابتن ؟ قفزت من سريري لابحث عنه في المطبخ وغرفة الجلوس ، تسمرت في مكاني نتيجة فكرة ، هل كنت احلم ؟ أكان كل ذلك مجرد حلم ؟ دفنت وجهي بيديّ وقد غزاني حزن رهيب ، شعرت بداخلي يتقطع الاف الاجزاء ويتعذب بمرارة ، هل كان حلم داخل حلم ؟ تمنيت ذلك ونسجته في احلامي ؟ شعرت برغبة كبيره في البكاء لكن حزني كان اكبر من ان ارثيه بالبكاء حتى ان عينيّ اختنقت بدموعها دون ان تخرجها ، سمعت انين قلبي المسكين ولوعته ، اه يا قلبي مابالك تتعلق بالمحال ، كيف للخيال ان يصبح واقعك ، تقبل مصيرك وانسج همومك بدل من امنياتك العقيمه ، امنيات لن تزهر ابداً ، شعرت انني اغوص ببحر من الاسى والحزن ، بحر من السواد لانهاية له وكأنني اُشيع حبي وقلبي معا وأقف في حدادهما ، تهاوت الدنيا في نظري واظلم العالم كما اظلمت عينيّ ، ارتعش جسدي واجفلني صوت هامس " هل استيقظت اميرتي ؟" استدرت لاقابله غير مصدقه وقد تحجرت في مكاني بينما ارخت عينيّ لجامها لتدع الدموع تنساب بحرية ، همست بنبرة خافته مستنكره " كابتن !" مسح دموعي بأنامله قائلا بنبرة رقيقه " ارجوس ، اخبرتكِ انكِ ستعرفين اسمي عندما نلتقي مجددا " احتضنته بقوه خشية فقدانه مرة اخرى ، خيل الي انه سيتلاشى ويختفي اذما تركته ، احتضنني بدوره وقال بقلق ملاحظا ارتعاشي " هل انتِ بخير ؟ " اجبته من بين شهقاتي " اعتقدت انك اختفيت .. وانني لن اراك مجددا " احتضن وجهي بين كفيه وقال بصوته الذي يبعث على الدفئ والامان " انا لن اترككِ ابدا ، ثقي بي "
ابتسمت مطمئنة وانا اتذكر كلامه السابق ، لم يخلف وعده وثقت به وسأثق به دائما ، كنت اشعر بسعاده وانا اراقبه يتناول فطوره معي ، حاولت اشباع عينيّ بقسمات وجهه الجميل لكن شوقي اكبر من ذلك ، خرجنا نتنزه وتحمست للذهاب ورؤية حروف اسمينا على الشجرة ، تأملنا المكان بسعادة وقال ارجوس بمكر " حبيبتي ، لااضنني بشع لدرجه رفضكِ الزواج مني " شهقت بتفاجئ لأقول متلعثمة وخجلة " س..سمعتني ؟ " اطلق ضحكة عاليه وقال " لم ترينني لكنني كنت هناك " اجبته بسعاده " شعرت بك " وقفت متجمده بعينين متسعتين احدق بعدم استيعاب ، لاتفسير منطقي لما اراه ، توقف ارجوس على بعد مني لكونه تقدم قليلا وقال بأستغراب وقلق " حبيبتي مابكِ ؟ " ابتلعت ريقي بتوتر لاقول بخوف " الشجرة ، اختفت ! " نظر ارجوس بهدوء الى حيث كانت الشجرة ، ليرى ما اراه ، وكأنها لم تتواجد هنا من قبل ، اردفت بنبرة مذعوره " ارجوك اخبرني ، هل انا في الخيال ام الواقع ؟" نظر لي وابتسم بعذوبه وهو يمد لي يده قائلا " هل هناك فرق ؟ " هدأت انفاسي لآخذ بيده واقول بأبتسامه سعيده " لا، بما اننا معا لافرق لدي " قال بمكر " اذن سنقيم الزواج هنا "
ضحكت قائله " من قال انني سأقبل ؟ " قطب جبينه وقال بأنزعاج مصطنع " اياكِ ان تفكري برفضي كما انكِ وعدتي بذلك عندما كنتِ صغيره " استلقينا على المرج الاخضر وانا في نشوة سعادتي لاسأله بهدوء وقد تشابكت ايدينا " اين الشجرة الان ؟ "
" برفقة اصدقائها ، في الغابه " ابتسمت بأطمئنان وانا احدق بالسماء الزرقاء والنسمات تداعب وجهي ، في نهاية الامر ليس هناك شخص وحيد .. حتى انا .

النهايه *^*

🎉 لقد انتهيت من قراءة منتقم من عالم اخر 🎉
منتقم من عالم اخر حيث تعيش القصص. اكتشف الآن