* البشري المختلف 3*

4 1 0
                                    


 مر وقت طويل ، ولازلت أبحث عن طريق عودة هذا الطفل المسكين ، فقد لاحظت عليه التأقلم الغير المتوقع مع أفراد شعبي ، على الأرجح، ستستغل ذاكرته الفارغة والطرية الوضع ، وستشحن بذكرياته الحالية لتصبح في النهاية أساس حياته .

أجل ، هذا يبدو واضحا لي خلف نافذة غرفتي ، بين الأعشاب يلعب مع الأطفال المختلفين ، ألاحظ ابتسامته غير المبتكرة وخطواته السريعة ، يسقط أرضا ويأتي لي شاكيا والدموع تسري من عينيه الزرقاوتان على خديه ، وتلك النظرات البريئة التي كسرت جدار الحقد من قلبي على البشر ، كل هذا جعلني أشعر بالحب تجاهه ، وتمنيت في تلك اللحظة أن يكون إبني ، لأني أرى فيه صفات ربانية قوية ، وخارقة للعادة ، عكس إبني الذي افتقد حس المسؤولية وأصبح ممتلكا للشر والحقد.

سأشد الرحال للبحث عن مملكة البشر التي عشت فيها صغري وهمشت من قبل بشرها ،وشعرت فيها بأني شيئ لن يجدي بشيئ.

قضينا شهرا واحدا نبحث عن مطلبنا ، لكننا لم نجد أي أثر لمخلوقات بشرية ، استسلمنا و قررنا العودة لديارنا ، فما إن كدنا نصل لنصف الطريق حتى انغلقت السماء غيوما و اشتد البرد والرياح ، والرعد والبرق ، أدركت أن العاصفة ستكون قوية ولا ملجأ لنحمي به أنفسنا و أحصنتنا ، وما يقلقني أكثرذلك الطفل البشري الذي يرتجف من الشعور بالبرد الممزوج بالخوف ، حملته بين ذراعي كي يتدفأ قليلا وسرنا نركض باتجاه جحر قد نقضي فيه هذه الليلة كمخبأ ومأوى ، تلك الليلة نام الطفل على صدري وأحسست بنبضات قلبه الخافتة المرفوقة بصوت قطرات المطر ، أحسست بحبي لذلك الطفل كلما سمعت منه كلمة *بابا* مقلدا أصدقائه عندما ينادون أبوهم . لكن كل هذه الأحاسيس الجميلة تتحطم إلى ألم يصيبني عندما أتذكر أنني بشري مختلف ومخيف ، وهو بشري من غيرصنفي لابد من عودته لدياره ، هكذا أمضيت تلك الليلة العاصفية جنب الطفل .

حل الصباح و سلكنا طريق العودة إلى مملكتي ، لكننا لم نجد الطريق التي جئنا منها ، بقينا وسط غابة مظلمة نبحث ، ومحاط من حولنا أشجار عملاقة ، ولا وجود لمنبع ضوئي نرى به الطريق ، ونحن نقاوم ظلمة الغابة بابتعادنا البطيئ ، رأينا فجأة جماعة من البشر يحملون سيوف ويصرخون قائلون "إنهم من خطفوا طفل الملك هيا فلنقبض عليهم" ، وعند اقترابهم إلينا هلعوا من شكلنا للحظة لكن زعيمهم كان أقوى فقبض علينا، لم نرد محاربتهم فنحن هدفنا واحد هو إعادة الطفل لأبيه الملك. حقا،لم أظن قط أن يكون الطفل إبنا ملك البشر ، ذلك الملك الشرير الذي احتقرني بصغري وسلب مني حريتي في العيش كإنسان حتما لا مجال للمقارنة بينه و بين إبنه الذي أحببت.

*البشري المختلف*حيث تعيش القصص. اكتشف الآن