الفصل العاشر

257 7 0
                                    

بعد ان اخد كل واحد قائمة الطعام و راح يتصفحها و اختار طبقه الذي سيطلبه نادى رضوان بفرنسية متقنة النادل و ما هي الا ثوان حتى تقدم شاب يرتدي بدلة مرتبة انحنى انحناءة بسيطة ثم رسم على ثغره ابتسامة مريحة
- مرحبا بكم في مطعمنا هل لي ان آخد طلباتكم
- نعم اكيد
بدأ رضوان يملي عليه الطلبات و اخذ ذلك النادل كناشا صغيرا من جيبه و قلما و راح يدون عليه
عند انتهائه من التدوين اختفى  داخل حجرة الطعام لم تمر سوى خمس دقائق حتى حضرت كل الاطباق و المشروبات على المائدة .
بعد انتهاء الجميع قام رضوان بدفع الحساب ثم توجهوا جميعا الى سيارته السوداء الرياضية من نوع "اودي" و انطلقوا قاصدين المنزل . كانت ليلى تجلس على المقعدالخلفي برفقة لبنة و سامي ؛ ظلت تطل من النافذة و ترى الاشخاص قادمين ذاهبين ، مجتمع في حركة دائمة . انها مدينة الجن و الملائكة التي لا تنام . الباعة يجرون بضائعهم المحملة بغزل البنات الوردي ، آخرون يبيعون مجسمات مصغرة لبرج ايفل و علّاقات مفاتيح على شكله ، كل هذه الاشياء ذكّرت ليلى بالرواية التي تعشقها حين قال الكاتب معلقا على برج ايفل " غالبا ما لاحظ علماء الرموز ان فرنسا _ البلد المعروف بذكوريته و قادته الشهوانيين قصار القامة و عديمي الثقة بنفسهم كنابليون و بيبان القصير ،لم يكن ليختار رمزا وطنيا مناسبا لتمثيله افضل من قضيب بارتفاع الف قدم "
لطالما لاحظت ليلى ان هذه العبارة جريئة مثلها مثل الرواية التي تضمنتها رواية رموز و حقائق .
و هي تتذكر احداث تلك الرواية قاطع شرودها توقف السيارة ، أطلت من النافذة لتجد انها أمام البيت .
"هل كنا نسير بسرعة البرق ، ام ان شرودي أنساني الوقت " تمتمت ليلى هلعة مدهوشة

انهى دوامه في العمل ثم راح يقود سيارته شارد الذهن ، عقله لا زال يفكر في كلام سميرة ، منذ ان زارته في مكتبه لم يستطع فعل شيء بعدها و كأنه كان يفعل قبلا ، كلمة باريس ظلت تجوب بحرية في رأسه ، قاد بسرعة فائقة ، خالف ثلاث اشارات مرور من حظه ان الشرطة لم تكن في دوامها .
عند دخول محمد منزله احس برهاب كبير ، صمت قاتل كان يجوب المنزل وقع حذائه و هو يصعد الدرجات الرخامية ظل يتكرر صداه ، كان هو سيد المكان .
ادار مقبض باب غرفته بيد متعرقة ، فتح الباب ثم ارتمى بجسده الثقيل على السرير ، بملابس العمل و بالحذاء ايضا . نعم لقد غط ذلك الرجل في نوم عميق ، غريب امره لم يكن رجلا كسولا هكذا يوما .
كانت الساعة الحائطية تشير الي السابعة زوالا عندما فتح ذلك النائم عينيه المحمرتين ، لم يكن يدري انه نام كل هذا القدر لدرجة انه نسي صلواته كلها ، استيقظ سريعا يستعيذ الله من شيطان رجيم ، استحم بماء دافئ ، توضأ ثم وضع سجادته الزرقاء  حتى سمع آذان المغرب ظل يأنب نفسه بشدة " الظهر،العصر ثم المغرب كيف لك ان تجمع ثلاث صلوات يا محمد و انت الذي كنت تحتج في الشركة كي تخرج و تأدي صلاة الظهر و العصر في المسجد .
استعاذ من جديد ، صفى ذهنه من كل الشوائب التي ملأت عقله اليوم
"تلك امور دنيوية ، الآن انا و ربي فقط " تمتم محمد
و هو يشرع في قول نية الصلاة و التكبير بعدها.
على تلك السجادة الزرقاء لطالما نسي نفسه ، لطالما تعبد ربه فقط ، على تلك السجادة يريح محمد وجهه من كل الاقنعة التي يرتديها امام الناس يودع قناع البرود و يخلع قناع الغضب يصبح طفلا على تلك السجادة ، ربه وحده يعلم ما في صدره من ألم ، يطلب المغفرة عن كل زلاته ، يبكي يدعو و يشهق ، ذاك هو العبد القنوت مهما رأيته غاضبا ، صامتا و باردا فلا تحكم عليه من مظهره فكلنا اشترينا اقنعة و لن يستطيع احد ان يجزم انه لم يجرب واحدا يوما ، فالوجه الذي تقابل به الناس ليس ابدا هو الوجه الذي تختلي به لنفسك ، لن يستطيع المتألم ان يشتكي المه للناس كافة ، لن يستطيع ان يمشي في الارض باكيا ، يجفف الدموع . عليه دوما ان يرتدي قناع الابتسامة  ، يتقن دوره جيدا ، يتصنع ابتسامة مذهلة لدرجة ان المشاهدين يتهامسون فيما بينهم " محظوظ هو ، لا ينفك عن الضحك و الابتسام " . اقول لكم ان بعض الظن اثم يا قوم ، فاغلب من يبتسم كثيرا يبكي كثيرا ، حقيقة جربناها و الفناها يا قوم .
يقولون ان مهرجا اعتاد اضحاك الناس بموهبة فذة ، مرة جاءه خبر موت ابنه ، صعد للمسرح بعدها ، بكي و شهق فنهض الجمهور مصفقا ضاحكا ، خلاصة القول من يضحك الناس لا يحسون بألمه . لقد اعتادوا قناع المهرج المضحك و عندما ابدله بواحد باكي متألم و صارخ حسبوه مزحة جديدة . هكذا هم الناس و هكذا نحن البشر يتعودون على الاشياء فلا يستبدلونهت و هكذا هم يحكمون على الانسان من مظهره ، قد تجد شخصا يرتدي الماركة العالمية اغلى الثياب و يضع اثمن ساعات العالم تقول في نفسك هذا "عبد المال " ، يُأذن للصلاة تجده في الصفوف الاولى خلف الامام ، سجادته مبلولة بالدموع ، خاتم لكتاب الله، موسوعة تمشي على الارض ببساطة تجده احسن منك و بكثير ، في حين ذلك الذي يرتدي  كوفية و عباءة ، صاحب اللحية الطويلة تجده احيانا شخصا جاهلا ، يحفظ آية واحدة من القرآن الكريم ، يحلل بها ما يشاء و يحرم بها ما يشاء ، لعله يحفظ قوله تعالى "الرجال قوامون على النساء " او "ان كيدهن عظيم " لاكنه لم يبحث في التفاسير حتى هو فقط استعملا الآيتين الشريفتين في مصالحه هو لم يسمع قوله صلى الله عليه و سلم اذ قال : " رفقا بالقوارير " و القوارير جمع قارورة و التي عنى بها رسول الله صلى الله عليه و سلم "المرأة" ، و لعله ايضا نسي ايضا قول الله عز وجل : " قال يا بني لا تقصص رؤياك على اخوتك فيكيدوا لك كيدا " فقد كاد اخوة يوسف به و هم رجال اي ان الكيد ليس صفة النساء فقط تعلق على جبينهن و انما الرجال ايضا لهم نصيب منه .

-"السلام عليكم، السلام عليكم و رحمة الله تعالى و بركاته، اللهم تقبل صلاتنا و اغفر لنا "
انهى محمد صلواته و هو يحس بصفاء كبير و راحة لا مثيل لها ، نزل الى المطبخ لعله يتمكن من اعداد شيء يأكله كونه كان رجلا متزوجا لم يسمح له بتعلم الطبخ او حتى التفكير في ذلك ، لم يجد في الثلاجة سوى خس و طماطم فقام باعداد سلطة و امسك بعدها ورقة و كتب ملاحظة الصقها على باب الثلاجة " يجب علي ان اتسوق "

كانت ليلى تساعد فاطمة في المطبخ تعدان العشاء و هما يتحدثان في جل المواضيع و يتجنبان ذلك الموضوع بالتحديد الى أن رن هاتف فاطمة ، اندفعت فاطمة نحو هاتفها ترد عن المكالمة لكنها اندهشت من الرقم .
-" انه رقم من البلاد " همست فاطمة لليلى
ارتعدت فرائس ليلى ،الشخص الوحيد الذي فكرت فيه على انه المتصل كان محمد .

#حياة
#انتظر ارائكم و تفاعلكم كي اكمل الرواية

 غدر فما بعد...حيث تعيش القصص. اكتشف الآن