-الـفَـصْلُ الـأوّل(النـسخة المُعـدّلة)

16.5K 603 110
                                    

*
*
*
*

في احدى الممالك التابعة للدولة العُثمانية، في حي مرموق بالمملكة، يقع في منطقة قريبة من قصر العائلة المالكة، تحديدا في منزل يجمع بين البساطة و الاناقة، اجتمع افراد اسرة السيد قسام، المُكونة من ثلاثة أبناء بالإضافة للوالِدَين، على مائدة الطعام.

أخذوا يتداولون الحديث و النكات و الضحك، بينما يتناولون وجبة الفطور في صباح يوم الجمعة، يومُ التجمعُ الاسري هناك بطبيعة الحال.

"ابي ان خالد و نهى لا يجيدان التصرف خارج المنزل، انهما يسببان لي الكثير من الإحراج.."
قطعت رزان-الابنة الكبرى-الصمت السائد بشكواها، و سرعان ما غطت نهى وجهها بحرج، بينما اكمل خالد تناول طعامه بلا مبالاة..

تنقّل نظر الوالد بينهما برفعة حاجب، و كاد ان يتحدث لكنّ خالد سبقه القول بسُخرية بينما يمضغ طعامه بلهفة"انظروا، العانس تتكلم.."

لم يكد يُنهي حديثه حتى حصل على صفعة على مؤخرة رأسه من والده، صحبها تأنيب صارم:
"تأدب يا ولد! يبدو انني لم احسن تربيَتك.."

"ماذا؟ألست أقول الحقيقة؟!إنها تُعيق زواجي أنا و نُهى.."أخذ خالد يتمتم بحنق واضح تغيرت على اثره تعابير السيد قسام الى التعجب:
"إنّك لم تتجاوز عامك التاسع عشر بعد، عن اي زواج تتحدث؟"

اخذ الجميع يقهقه بسخرية، بينما حكّ خالد مؤخرة عنقه بحرج قائلا"و ما المُشكلة في ذلك؟على الأقل دعوني أخطبُ احداهن.."

عاد الجميع للضحك مجددا، و هنا قررت أم خالد، السيدة حسناء، أن تهديه صفعة اخرى على ذراعه الأيمن قائلة"أتنوي تركي أيها الفتى الشقي!يالك من نذل حقًا.."

اخذ خالد يتملقها قائلا"تعرفين انني لا اقوَ على تركك سيدتي الجميلة، لكنها سنة الحياة، ماذا اصنع!"منهيا حديثه بدرامية كاذبة، رفع السيد قسّام حاجبيه بعد ان رأى تأثرها بكلماته:
"هل يعقل أن كلماته انطَلت عليكِ بتلك السهولة؟!"ثم حوّل رأسه تجاه خالد باستنكار مُكملا:
"توقف عن استمالة زوجتي ايها المُتحاذق.."

اصدرت السيدة حسناء ضحكة رنانة، بينما اخذت كل من نهى و رزان تقهقهان بمرح على غيرة والدهما التي لا يبذل جهدا لإخفائها حتى..

بقَت كلمات خالد المازحة ترنّ في أذنها طويلا، هل هي تعيق زواجهما فعلا؟نُهى لا تزال في عامها السادس عشر بعد، و حتى خالد لا زال صغيرا، لذا فهي لا تفعل ذلك بالطبع، لكن نظرا لعقلها صعب المراس، قد لا يستمر الحال هكذا طويلا..

كلها أشهر بسيطة و تتم رزان عامها الثالث و العشرين، لذا نعم، هي تعد عانسًا بالنسبة لتقاليد بلدها، لكن ليس بالنسبة اليها، و هذا ما يهم على أية حال..

رُبما كان صعبا على شخص كرزان أخذ خطوة الزواج و هي لم تجد بعد من يحتوي روحها المفعمة بالكبرياء، كيف تسلم مفاتيحها لرجل دون التأكد انه قادر على فهمها، و احتواء تقلبات مزاجها مثلا؟!

لطالما تمنّت ان تتزوج رجلًا بدماء حارة، محافظ، متمسك بدينه، وهويته، يغدقها بالحب والاحتواء، غيور، يخشى عليها من نسمات الهواء...
لكن ولأن ليس كل ما يتمناه المرء يُدركه، تعلم أنها لا يجب أن تحصر نفسها في تلك الأمنية..

لطالما أيقنت رزان أن اللّٰه سيرزقها ذات يومٍ رجلًـا تقر بها عينه، وتقر به عينها، يقدرها وتحترمه، دون ان يمارس عليها غرورا ذكوريا من أي نوع، لكنها ليست متأكده من هُوية -هذا الفارس-بعد.

******

"خارج.التّقاليد"_(قيد.التعديل)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن