2- الغضب..

27 5 0
                                    

في الصباح التالي أحضرت له الحساء وقالت أنها قرأت أربعين صفحة من مخطوطة قصته الجديدة , لكنها لا تراها جيدة كقصصه الأخري .. 

- من الصعب علي أن أتابعها .. إنها تتواثب عبر الزمن الماضي والمستقبل بشكل شديد التعقيد .

- إنه التكنيك .

قالها آملا في أن تخلب لبها هذه الألعاب اللفظي..
- التكنيك .. موضوع القصة هو الذي يحدد إطارها .

مسحت قطرات الحساء من علي شفتيه في شرود .. كأنها تتنبأ بالضبط أين ومتى ستتساقط هذه علي شفتيه ..

وقالت :

- إنها قصة خالية من النبل ..!.. وكل هذه الألفاظ البذيئة التي بها.

- لأن بطل القصة نشأ في بيئة سيئة .. أنت تفهمين هذا .

- لكن الأدباء لا يستعملون هذه اللغة.

 وهنا هزت يدها بعصبية فسقطت بقعة كبيرة من الحساء علي غطاء الفراش , تقلص وجهها في اشمئزاز ..  وهتفت :

- كذا !.. انظر ما جعلتني أفعله !

وألقت بسلطانية الحساء لتصطدم بالحائط ويسيل الحساء في كل مكان : 

- إنني عصبية المزاج الي حد مروع .

ثم إنها نهضت حاملة الصينية واتجهت للباب .. وقبل أن تخرج التفتت نحوه .. وأردفت : 

- في قصص (ميزري) لا توجد ألفاظ بذيئة كهذه لأنها لم تكن قد اخترعت بعد .. إن الأزمنة الرديئة تخلق ألفاظاً رديئة .. ولهذا انصحك أن تعود إلى عالم (ميزري) الطاهر النظيف .. لن أواصل قراءة قصتك الجديدة إلا بعد أن أنتهي من قراءة (طفل ميزري) .

- إذا كان هذا يريحك .. فلتفعليه أرجوك .

وبعينين خرساوين راقبها تغادر الغرفة .

*******************

في المساء دلفت إلى الغرفة .. وكان هو غارقاً في تهويمات النعاس حين لمح وجهها الذي اكتسب لون الرماد .. فنهض في هلع :

- آنسة (ويكلز) ..!.. هل أنت علي ما ير....

- لا ..!

واقتربت منه مترنحة .. حاول أن يتراجع لكنه اصطدم برأس الفراش .. بدا له للحظة أنها ستسقط فوقه , إلا أنها توقفت جواره بوجه كظيم .. عروق رقبتها بارزة كالحبال .. وثمة وريد ينبض بعنف في جبهتها .. وفي توحش تقلصت قبضتها :

- أنت .. أنت ... يا طائر الشؤم ..!

كاد يتسائل عن سبب كل هذا .. ثم تذكر .. لابد أنها فرغت من قراءة القصة وعرفت كل ما كان ينبغي ألا تعرفه .. عرفت أن (ميزري) قد ماتت بعد أن ولدت طفلها الذي سيربيه (إيان) .. وها هي ذي الآن ترمقه في جنون وتصيح وهي تفتح يديها وتغلقهما :

الشيطانة -مكتملة-حيث تعيش القصص. اكتشف الآن