الفصل الأوّل

223 20 21
                                    

دلّك جبينهُ بأنامله، وأخذ يتنهد تنهيدةً أخرج بها تذمره المكتوم، ثم أعادَ أنظارهُ إلى الجالسةِ أمامَه. فتاةٌ ببشرةٍ ضاربةٍ إلى سُمرة الحِنطة، عينان مرهقتان، وجسد يرتعش.

لم يستطع أن يُحدد سببَ ارتعاشه، أهو الخوف؟ الصدمة؟ لربما كلاهُما. ولكن الخيار الأول مرجحٌ أكثر؛ فقبلَ يومان اتصلَت تدعي أن هناك من أزهق روحَ شقيقها الأصغر، إلا أن الأدلة جميعها تشير نحوها.. ابتداءً ببصماتِها على سلاح الجريمة ثم جارتها العجوز التي شهدَت أن أحدًا لم يدخل منزلهما -فحسب ادّعائها، كانت تقيمَ حفلةً بالفناء الخارجي بمناسبةِ تخرج حفيدتها واستمرّت الحفلة إلى ما قبل شروق الشمسِ بِسُويعة، بينما أُزهِقت روح المجني عليه ما بين الساعةِ التاسعةِ ومنتصف الليل من ذاك اليوم.

كانَ قد عُرِف بشدة ملاحظتهِ وعدم تعاطفهِ مع الجاني، لكن بطريقةٍ ما يستشعرُ وجود خطأ ومع ذلك لا قدرةَ له على تحديد موضعه. يستشعر الصدق في عينيها ولغة جسدها إلا أن الوقائع والأدلة لا تكذب.

ألقى نظرةً أخيرة عليها قبل أن ينتشل ملفها عن مطرحه ويخرجًا تاركًا اياها وحدها مجددًا. في الحقيقة، إن أخذنا نظرةً سطحية فسيتبين لنا أنها وحدها، لكنها لم تكن.

هي.. محاطةٌ بعشراتِ الأشخاص، الأرواح، الأنفس.. أُدعوها بِما تشاءون. لكن من المهم أن تعرفوا.. أنها لم تكن وحدها.

كانت حدقتاها تتنقلُ بين الزجاج ويدها المقيدة، هي تعلم؛ أن هناكَ أحدًا خلف الزجاج، يتربص بها، يترصد تحركاتِها.

فقال شيءٌ ما داخِل عقلها: "أقتليه. "

تلاهُ قولٌ آخر: "انحري رقبته. "

-"لا بل اشنقيه شنقًا. "

-"دعيه يموت ميتةً شنيعة. "

ثم عاد القول الأول يتردد ويتردد بصوت حشدٍ يطالب بقتل مجرمٍ اقترف أشنع الذنوب. هلعت نفسها، وازداد ارتعاش أناملها، بينما أنفاسها تسارعت كمن يتلو أنفاسه الأخيرة.

وطرحت مخيلتها صورته، صورةَ شقيقِها، الذي باتَ جثةً لا حياةَ فيها. قبل يومين تحديدًا، عندما أفاقت من نومها الذي بات كاللعنة ما إن تقع به حتى يصبح استيقاظها معجزةً يصعب تحقيقها، كان بجانِبها.. يستلقي وقد أحاط بجسده الهزيل دماء افترشت الملاءات والأغطية.

كانت رائحةٌ كريهة تنبعث من جسده الذي تيبس وبات باردًا كثلوج ديسمبر. اصابعه التي تصبغت بلونٍ باهت، شفتاه اليابستان كانتا فاغرتانِ كمن يحاول البحث عن هواءٍ يدخل لجوفه عله يعيد الحياة لصاحبها.

انشِقاقُ روح.حيث تعيش القصص. اكتشف الآن