الْفصل السّادس | الأخير

79 13 5
                                    


أمعنت النظر في السقف، لدقائق ولربما إلى ساعات، بنظرةٍ فارغة. كان فكرها مكتظًّا، مع أنها لم تفكر بشيءٍ محدد، وكأن الأفكار تدور وتدور بعقلها لكيلا يتسنى لأحدٍ أن يرى ما فيه.

أرادت الوقوف، لكنها لا تستطيع، فقد كانت مقيدةً بسلاسل عقدت حول رسغيها متصلةً بمضجعها -حيث بإمكانها تحريك يديها والجلوس، وغير ذلك لا تستطيع.

زفرت، والتفتت على جانبها فتراءى لها ذاتها تبتسم ببرودٍ طغى كامل وجهها.. اقتربت ذاتها منها، والتي لم تكن سوى وهم، ووقفت قرابتها.

أمعنت فيها النظر وكذلك فعل ذاتها، هي مريضةٌ بالعقل، لكن هل هو ذاتهُ الجنون؟ هل تصنف كمجنونة؟

هل هي ذات الشخص الذي طلبت من جون أن يحذر منه؟ هل كانت إحدى الأشخاص في القائمة التي حرصت عليه منهم؟

ربما كانت، ولربما وُجِب عليه الحذر منها.. لربما لو قبلت بوضعه بذلك الميتم التعيس لكن حيًّا الآن.. منكسر الذات، مفطور القلب، وحيد.. لكن حي.

لربما كان عليها مراعاة حياته أكثر من مشاعر، أو الأصح.. وضع مشاعره قبل خاصتها.

جون كارتر كان ليكون حيًّا يرزق الآن، لو أنها لم تنصغ لمشاعرها الأنانية.. أو لربما للقدر لعبته الخاصة؟ لربما قُدِّر له الموت بكل حالاته؟ وأيا تراه، لو مات بالميتم.. فهل سيكون أسعد؟

تساءلت وتساءلت حتى شعرت بلمسةٍ باردة على خدها، ارتعدت جالسة وتراجعت إلى الوراء، فقد كان صاحب اللمسة وهمها -أو ما ظنّت أنهُ كذلك.

تسارع فكرها يضع أول الاحتمالات خطرًا يرغمها على وضع دفاعٍ عن ذاتها التي باتت تجهل هويته، فغرت فاهها صارخة إلا أن الأخرى وضعت كفها تسده فباتَ صراخًا مكتومًا.

أصمتتها، وقالت "لا أضمر سوءًا. "

لكنها لم ترتح لها.. كان كفّها، كلامها، نفسها.. باردًا، كأنها تتحدث إلى قالب جليدٍ ليّنٍ متحرّكٍ ذو ألوان.

وقد كانت موقنةً من قبل أنها تتحدث إلى شخصيتها الأخرى -فصامها. وكانت موقنةً أكثر أنها لم تكن تتحدث إلّا مع قاتل شقيقها.

وفجأةً.. انتابَ فؤادها نوبةٌ من الغضب جعله يضخ الدم ويعبئه ليضخه مجددًا، دماءٌ حارة تستمر بالثوران داخل شرايينها.

وفي ذات الوقت، كانت خائفة.. فاختلطت دماء الخوف ونبضاته مع خاصةِ الغضب لتشكل سينفونيّةً متناقضة كأن شخصًا يعزف ألحانًا كلاسيكية مع شعبيةٍ حديثة.

انشِقاقُ روح.حيث تعيش القصص. اكتشف الآن