علقت بين شباك الحلم، كان الأنين يجتاح الأفق سرحت بمقلتاي و بتّ أتحرّى منبع الصّدى، قادتني مسامعي إلى تلك السجّادة الملقاة أمامي، لأمسح بكفي على ملمسها الناعم
"أتتأوّهين يا سجّادتي؟"
"إرويني...إرويني يا أمة اللّٰه"
"و هل تتجرّعين مياهاً؟"
"إرويني بدموع الخاشعين...إرويني بتقواك فإنّ الصلاة تنهى عن الفحشاء و المنكر، قومي فصلّي فإن الصلاة خير من النوم، 'إنّ الصّلاة كانت على المؤمنين كتاباً موقوتاً'...
قومي فارويني يا أمة اللّٰه"فتحت عدستاي بقوّة الإيمان و سلّمت جسدي للوضوء فيما روحي للإله، أقمت صلاة الفجر على تلك السجادة التي خلتها تتأوه لبرهة.
أتذكر ذاك اليوم، يوم قال الإمام: "رحم اللّٰه شخصا قام في الليل فصلّى، فأيقظ صاحبه فاستعصى النهوض فرشّه بالماء فقام يصلّي"
و لا زلت أسير على خطى هذا القول فقمت لأيقظ أبجدية من تلك القاع المظلمة التي قلّما تذكّرنا صلاةً مكانتها بين أعظم الفضائل.ولجت الغرفة بخطواتٍ مرتعشةٍ و قد اجتاحها لونٌ مختلفٌ، فتح الرعب في قلبي بوّابةً لا مخرج منها، رججتها لثوانٍ ثم لدقائقٍ و هتفت باسمها، رششتها بالمياه و لكن دون استجابةٍ. و بعد أن اتّخذ اليأس في مهجتي مقعداً شرعت أتقصّى صدى دقّات قلبها.
لربما كانت مزحةً أو أنّ الصمم غلّف مسامعي، لعلّني لا زلت أعيش طَيّ بتلات وردة الحلم الذابل.
"أبجدية...روحي أرهف من أن تتلقّى مزحةً ثقيلةً كهذه"
و مططت شفتاي بابتسامةٍ ثقيلةٍ تخفي خلفها كم من جوى، لأتبعها بدموعٍ اتخذت من مقلتاي مثوى.
"أبجدية...أبجدية أرجوك لا تتركيني...لا، لا تتركيني"
و توالت الشّهقات تتوانى معها الذكريات، و دفنت رأسي في ثغر ذراعي المرتكزتين على تلك الطاولة المجاورة للجثة المتلاشية فحواها، رمقت تلك الوردة الزمبقية بتلاتها بانهيارٍ تامٍّ لتتجلّى لي تلك الورقة المستأنسة بظلالها.
مددتها أمرر عيناي على ما بين سطورها و جالت بنفسي الذكريات، أخذت المياه مجراها و عادت لي الكلمات التائهة بعد ضياعٍ عميقٍ.
تفرست الحجرة أتقصى أثر اليراع و بعد أن احتضنته أناملي رقشت على تلك الورقة بضع كلمات لعلّها تعيد الذكريات السائغة و تبسط لنا بيدها الكريمة الرحمة."و عادت الحياة إلى مهجتها...و عادت الحياة إلى مهجتها"
و ظللت أرددها بقلبي و يراعي لعلّها تخفّف من حدّة آلامي و تعيد حلاوة أيامي، و بتّ أتفرّس أضلاع تلك الحجرة الأزلية العطرة برائحة الغادر المجهول...
أنت تقرأ
الشهادة الصامتة
Fantasíaرمت بها الأيّام إلى غفوةٍ طَيّ مهدٍ سرمديٍّ...لكن لم و لن تُطمر شهادتها المحفورة على شجرة الحياة.