جحيم

15.3K 779 18
                                    

تلك الحياة التي توقفت عن رؤيتها كحياتي ، بدأت منذ الليلة التي تمت فيها خطبتي لذلك الرجل المدعو محمود. كان والدي قد خرج من المشفى ، لكنه مصمم اكثر من قبل ان يستمر في الإعداد لزواجي بمن اختاره .
وبالرغم من اني حاولت مرة اخيرة اخباره انني سأعيش بتعاسة مع محمود ، لكن والدي اخبرني انه يعلم مصلحتي اكثر مني .
بقيت آمل ان قلب احدهما - امي او ابي - سيرق عند رؤيتهم لملامح البؤس في وجهي لكنهما لم يهتما .
لا اعلم كيف مرت الايام ووجدت نفسي عروساً أزف الى   بيت محمود ، الى قبري .
عندما انظر لتلك الايام ، اشعر بأن ماحدث فيها لشخص آخر وليس لي ... عندما أصبحت لا مبالية بما يحدث لي كما لو انها لم تكن حياتي... ومايحدث هو لشخص غيري وليس لي .
مشيت مع ما ارادني الجميع ان افعله ، كحلم طويل لا ينتهي وكان عليّ فقط ان امشي مع التيار .
استسلمت عن فكرة حبي ليوسف بزواجي ، وقررت ان اعيش بلا مشاعر .
تخليت عن املي بالعيش بسعادة واقتنعت بالواقع المر . لم ارد ان اكتئب او استسلم واقتل نفسي ، لان ذلك لم يكن عدلاً ، فقط قررت ان اعيش كالتمثال وان امسح كل ما يتعلق بيوسف من ذاكرتي وقلبي ومخيلتي ، وبطريقة ما نجحت .

كان محمود رجلاً لا بأس به في البداية . كان يحاول ان ينال رضائي وبعد شهرين من زواجنا سافرنا الى أوروبا حيث عمله وحياته هناك . وبرغم اللا مبالاة التي كنت فيها فقد صدمتني كل التغيرات الجديدة حولي .
محمود فور وصوله انشغل بعمله ، كان يعود ليلاً فقط ورائحة الكحول تنفخ منه ، وكان يحاول التبرير انه كان في لقاء عمل واضطر للشرب .
في احدى المرات عرض عليّ ان نخرج للاستمتاع وان يريني المدينة ، لكني أخبرته انني لست مهتمة بذلك . كان قد بدأ يظهر فقدان اهتمامه السابق بي ، وحمدت الله انني لم احبه للحظة كي انجرح بتغيره .
بعد مغادرتي البلاد فقدت تواصلي مع عائلتي ، كنت متعمدة ذلك، فكل الحزن الذي كنت فيه وكل شيء خاطئ كان يحدث لي بعد زواجي بمحمود كانوا هم من تسببوا به .
شعرت برغبة في ان لا اسامحهم. ولم ارد ان يكون لي اي صلة بهم ، ذلك الحقد لم اكن اعلم ان بإمكاني احتضانه في قلب كان لا يعرف الا الطيبة .
في نهاري ،كنت اخرج للمشي حول المدينة كل يوم وسريعاً تعرفت عليها وأحببتها ومع الوقت كنت قد تعرفت على بعض الناس من المقهى الذي كنت أذهبه ومن الحديقة المجاورة للمبنى السكني الذي كنت اعيش فيه .وبينما كان المشي هو الشيء الوحيد الذي كان بإمكانه ان يشعرني بالحياة ، كان الرسم في الكفة الاخرى ما كان بإمكانه اخراج مشاعري المحبطة والمكتومة.

محمود بعد أربعة أشهر من الزواج كان يأتي متأخراً وانا نائمة بالفعل . كنت ألاحظ رغم عدم اهتمامي بما يحدث له انه مع نساء أخريات . لكن لم اتكلم بهذا الامر ولم يتكلم هو أيضاً .
مر شهرين آخرين ، عندما جاء في احدى ساعات الصباح الباكر من الخارج وهو كالعادة يملأ المكان برائحة الكحول . حاولت ان اتصنع اني نائمة ، لكن فجأة شعرت به يخنقني بقوة ! فتحت عينيّ مذعورة وانا اقاومه ، وبالكاد تمكنت من ابعاده عني .
صرخت عليه " هل جننت ؟ لماذا تحاول خنقي؟!"
ضحك وهو يتأرجح محاولاً الحفاظ على توازنه " يا له من سؤال غبي "
ثم تغيرت ملامحه الى اخرى مخيفة " انتِ تستحقين الموت إيتها الخائنة !"
صرخت متألمة " انت الخائن هنا ، انت من تأتي كل صباح وعطر امرأة اخرى عليك ! هل تظن انني لا اعلم ؟"
ركض نحوي محمود وصفعني بقوة فجأة فارتميت أرضاً والدموع تنهال على وجهي .
محمود " كل هذا بسببكِ!.. انتِ من تدفعينني للقيام بذلك " عندها ارتمى أرضاً فاقداً للوعي  . نهضت وركلته بقدمي انتقاماً لضربي. وتركه على الارضيّة الخشبية وخرجت من الغرفة .
*****
كانت تلك الليلة بداية سلسلة من العنف . كان محمود يستمتع بضربي كل ليلة واُخرى ومهما حاولت مقاومته كان اقوى مني ويسبب لي ألماً اكبر وكنت قد توقفت عن مقاومته بالفعل  .
هناك تحولت حياتي الى جحيم لا يُطاق . كان جسدي مملوءاً بالرضوض والجروح ، لكني لم ارد اللجوء الى اهلي فهم كانوا من قاموا برميي له . ومهما أخبرتني جيسيكا- صديقتي التي تعمل في المقهى- ان ابلغ الشرطة الا انني دوماًكنت ارفض ذلك .
كنت أظن ان صلات محمود الاجتماعية ستمكنه من النجاة بطريقة ما من العقاب .
كنت قد أصبحت محبطة وحزينة وتمنيت في كثير من الأوقات ان اموت .ومع ذلك صمدت وحاولت ان اعيش رغم الخوف المستمر والتعذيب الذي ليس له نهاية .
في تلك المرحلة لم اكن احمل املاً في المستقبل ولم اكن انتظر شيئاً سوى انتهاء حياتي البائسة ، وانا ارى وتيرة ضرب محمود لي تزداد حدة . فكرت بأن الاستسلام يوماً ما سيساعدني في التخلص من هذا الجحيم لارقد  بسلام الى الابد !

©ManarMohammed

حبيبي الجني (مكتملة)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن