ممثل بديل

16.2K 828 17
                                    

تندمت كل يوم على ما قلته ليوسف يومها، وبخت نفسي في كل مرة اتذكر فيها الألم الذي سببته له وتلك النظرة المصدومة التي علت وجهه عندما أخبرته بكل ذلك الكلام الجارح ، تلك النظرة لم تفارقني ابداً وظلت تشعرني بالذنب . لم اكن اعلم من المتضرر اكثر مما فعلته ؛ يوسف؟ ام قلبي الذي يريد ان يغادرني إليه في كل مرة يغلبني الشوق الى يوسف وأود ان اجري اليه واعلم انني لا استطيع ... كانت الأسوار تفصلنا ، وكنت انا من وضعت تلك الحواجز .
بعد مضي الوقت ، بدأت ارى انني كنت خائفة .. معالجي النفسي اخبرني انني كنت كالأسد الجريح خائفة من اقتراب اي احد كي لا يجرحني اكثر مما انا عليه من جرح . لكني كنت اعلم ان السبب اخر وهو انني خفت عليه مني وَمِمَّا اصبحته .
تلك الجروح التي كانت تنزف داخلي بصمت كان علي مداواتها بنفسي .. وعدت ارى نفسي إنساناً بعد ان قررت ان أسامح نفسي وخرجت من فكرة كوني وحشاً ، عندما تركت محمود وأصلحت الدمار في روحي وتركت الماضي ورائي .
اخذ ذلك مني طويلاً ، ولَم املك املاً في لقاء يوسف مجدداً عندما عدت الى شيء ما يشبه نفسي القديمة . حتى وان تمكنت من رؤيته فأنا كنت قد دمرت كل الحب في قلبه لي عندما عاملته بقسوة في اخر مرة رأيته ، هكذا فكرت .
وأخذت وقتاً أطول لاسامح نفسي على ما فعلته بيوسف وارسم خطة جديدة لا تحتوي املاً بالعودة اليه . كانت حياة لا تحمل سعادة عندما كانت لا تحتوي يوسف لكن رغبتي في ان احصل على شيء لا استطيع الحصول عليه كانت تجلب لي التعاسة ومزيداً من الالم وانا كنت قد قررت ان لا مزيد من الضعف .
*****
كان عملي في الرسم يزدهر وسريعاً ما افتتحت معرضاً خاصاً بلوحاتي . لم ادرك سبب إعجاب الكثير بلوحاتي وتقديرهم لها اكثر مما ظننت انها تستحق . لكني استمتعت بالنجاح الذي حظيت به وشعرت ان حياتي اخيراً اصبحت قادرة على تسييرها بإرادتي وبدأت اشعر بالقوة بعد ان كان كل شيء في الماضي مدفوناً في مكان بعيد عن تفكيري.
كانت جيسيكا قد اصبحت صديقتي المقربة ، وكذلك مدير أعمالي اوين . كنّا نخرج في نهاية الأسبوع في المدينة ونستمتع بوقتنا معاً ، بشكل دائم . كان كل شيء اصبح بخير كما تمنيت دائماً ... او هكذا ظننت .
ثقتي بكل ذلك اهتزت في ذلك المساء التي رأيت فيه شبحاً من الماضي . .. . يوسف !
كانت الساعة الرابعة والنصف عندما كنت وجيسيكا و اوين في طريقنا الى محطتنا التالية من نوبة التسوق في قلب المدينة . واستوقفنا حشد من الناس اقتربنا والفضول يدفعني لمعرفة المزيد .
كان جزء من الشارع مغلق والكاميرات في كل مكان فيما بدى انه موقع تصوير فيلم او ما شابه . كانت جيسيكا متحمسة جداً بحيث صممت على بقائنا ، رغم عدم اهتمامي .
عندها لفت انتباهي ما كانوا يصورونه ، وانتابني الهلع . لقد كانت سيارة تمشي ببطئ بينما ظهر رجل بمعطف جلدي وقفز امام السيارة وتحطم الزجاج الأمامي في مشهد بدى كل شيء فيه حقيقي ، لانه كان كذلك! لقد ظننت ان مثل تلك المشاهد العنيفة والمؤلمة تتم عن طريق خدع سينمائية بحيث لا احد يتعرض للخطر حقاً ! صدمني هول المنظر وكنت في حالة غضب من ذلك الرجل الذي يؤدي تلك المجازفةكممثل بديل . لكني لم اتمكن من رؤية وجهه لانني كنت أقف في الجانب الخاطىء من المكان، وكان الرجل الذي اصطدم بعنف قد نهض ما ان سمعنا صوت المخرج يعلن عن نهاية تصوير المشهد . باستياء تفرجت على ذلك المجنون يمشي ببطء فيما بدى انه مصاب وهو ممسك بذراعه . رأيت رجلاً عجوزاً عرفت لاحقاً بأنه المخرج يتقدم من الممثل البديل المصاب ويوبخه رغم اني لم استطع الرؤية الجيدة من تلك المسافة او الاستماع لكلامهما. لكني فهمت بأنهم سيقومون بإعادة تصوير المشهد، وشعرت بغضب عارم وانا افكر كيف لهم ان يجعلوا المسكين يقوم بقفزة اخرى امام السيارة المتحركة بينما هو مصاب بشكل واضح .
أخبرت جيسيكا ان علينا الذهاب ، فأنا اكره العنف . لكنها أخبرتني بعناد " لا تكوني مملة اماني ، انظري ! .. اوه انه وسيم جداً" ألتفت لأرى وجه الممثل البديل بينما مشى الى ناحيتنا مستعداً لإعادة تصوير المشهد ، وشعرت بالوقت يبطء وشكي يصبح واقعاً .. ذلك الممثل البديل .. الغبي الذي يعرض حياته للخطر لأجل تصوير مشهد تافه .. هو يوسف !!
لم يلاحظ وجودي ببن حشد الناس ولم يبدو مهتماً أساساً بأحد حوله ،وبدى كما لو انه في عالمه الخاص . بينما اعتصر الألم قلبي وتسارعت نبضات قلبي خوفاً وهلعاً مما يفعله يوسف وانا لا املك أدنى فكرة كيف يفترض بي ان اتصرف . وأخرجني من تشتتي سماعي لأحدهم يصرخ : اكشن
برعب واضح اخترقت صفوف الناس وحاولت ان اقفز الى يوسف لايقافه ، لكن احد المسئولين عن ضبط تجمعات الناس حول مكان التصوير أوقفني ، حاولت مقاومته للإفلات منه وسمعت صوت الارتطام فنظرت بسرعة الى جسد يوسف مرمي على الارض وأردت الصراخ لكني وكما لو كنت في كابوس لم اتمكن من اخراج اي صوت . هذه المرة كان يوسف غير قادر على النهوض من الارض وعندما توقف التصوير ركض نحوه رجلين يتفقدونه وتحرك حشد الناس حولي ليروا اكثر بينما كنت مشلولة غير قادرة على الحركة في حالة من عدم التصديق ، عندها خرجت من عجزي عندما رأيت اللون الأحمر ينساب من جسد يوسف بينما حاول من حوله إيقاظه ، بطريقة ما تمكنت من الافلات وجريت في موقع التصوير بسرعة ارتمي أرضاً بجوار يوسف حيث ملأ الزجاج المحطم المكان .
أمسكت وجهه وانا ارى عينيه نصف مغمضة وأبكي وانا اهمهم " غبي .. غبي " عندما رآني يوسف تكلم بصوت منهك بينما سمعت احد الرجال يطلب الإسعاف " هل هذه انتِ ، اماني؟ " هززت رأسي بنعم والدموع تنهمر مني دون توقف . شعرت بيد تمسك بيدي بقوة، نظرت إليها وكانت يد يوسف . شعرت وكأنني في الجحيم وأتألم بشدة وخائفة حد الموت من ان يموت يوسف بين يديّ.
" يوسف ، ابق معي لا تنم !" سمعت الرجل الى جواره يحدثه بينما ابتسامه صغيرة على شفته التي تنزف وهو لا يزال ممسكاً بقوة بيدي .
" هل تعرفينه يا آنسة؟"
سألني الرجل وكان مهتماً بيوسف بحيث عرفت انه صديقه .
لم استطع الكلام ، فقط اومأت رأسي بنعم.
سريعاً كانت سيارة الاسعاف قد وصلت للمكان واراد المسعفون حمله على النقالة بينما لم استطع التحرك مبتعدة لان يوسف كان متمسكاً بيدي كما لو كان يخشى الموت ويدي كانت الحياة له.
انتهى بي الامر معه على السيارة في طريقنا للمشفى وطوال الوقت لم يترك يدي او يرخها حتى ولو للحظة .
انتهى المسعف من عمله على مساعدة يوسف ووضع أنبوبه الأوكسجين له فيما بدى يوسف يصارع للبقاء متيقظاً دون استسلام . بينما كانت عيناي تدمعان حزناً وخوفاً دون توقف .اقتربت منه وبقيت اهمس قرب أذنه منهارة تماماً أترجاه ان يعيش ، طوال الطريق .
بقيت مع يوسف حتى بعد ان فقد وعيه ، الى ان تمت معالجته . وتأكدت من الطبيب انه لم يعد في خطر .
ثم شعرت بالعالم في تلك اللحظة يتحول الى ظلام فيما كان واضحاً انني احتجت لبعض الراحة ،قبل ان افقد وعيي.

حبيبي الجني (مكتملة)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن