الامطار كانت تهطل بغزارة لكنها لم تكن تشعر بذلك.الناس كانت تمر قربها مسرعة لكنها لم تكن تراهم , لأنه وبتسلقها للتلة الصغيرة المؤدية الى المنزل القابع على سفح التلة كانت ناتاشا بريت تسير وتسبح بعالمها الخاص.
لم ينبأها اي شيء ان هذا اليوم سيكون مختلفا" عن باقى ايامها المعتادة بهذه البلدة الصغيرة الهادئة والمستقرة بضواحي لشبونة الريفية البعيدة .لقد ذهبت الى درس الغناء هذه الامسية متوقعة ان يكون الدرس كالعادة,ممتعاً,ساحراً ومتحدياً لكنه سيبقى بالنهاية مجرد درس غناء.
ثم وقبل نهاية الحصة طلبت منها الآنسة بيرتا , وهي معلمة صلبة ,جدية ودائمة الحنق, الجلوس.
((اجلسي ناتاشا.اريد التحدث معك بموضوع جدي وهام))
جلست ناتاشاوقلبها ينتفض بخوف مخافة ان يكون موضوع الآنسة بيرتا يتعلق بإخرجها من دروس الغناء لأن ((صوتها دون المستوى))كماكان يطيب للآنسة بيرتا الاعتراف لمعظم من يأخذ دروس الغناء مع ناتاشا.
((لم يسبق لي ان قلت هذا لأي من طلابي السابقين ناتاشا واشك انني سأتفوه بذلك لآية طالبة او طالب عندي في المستقبل لكن من كل اولئك الذين مروا تحت يدي هذه ـ والسماء تعلم وحدها عدد هم ـ))
حدقت بالفتاة المصفرة الوجه الجالسة امامها وتابعت بعيون براقة: ((انت الوحيدة التى اقنعتني انك تستحقين امتهان الغناء حقاً))
((آه آه شكراً لك))شهقت ناتاشا بارتياح وسعادة. لأن الآنسة بيرتا لم يسبق لها وان امتدحتها مطلقا" من قبل(لكن هذه كانت نيتي منذ البداية كما تعرفين . لا اريد ان اكون مجرد فتاة تتلقى دروس الغناء. انا اريد فعلاً ان اكون مغنية))
((هكذا يقول الجميع,هذا مايقوله الجميع صدقيني. يأتون الى هنا والثقة تنضح منهم ويبدأون بالزعيق والصفير وبعضهم لايعرف مجرد قراءة النوتة الموسيقية لكن جميعهم يكون واثق ان العالم ينتظره بأذرع مفتوحة وآذان صاغية. ولا اي واحد منهم عنده الموهبة الوحي, الإخلاص والمقدرة على مجرد كونة كورس))
((....وتعتدين انني املك هذه الصفات؟))سألت ناتاشا بنفس متقطع
((انا اعرف انك تملكينها.لكن تذكري نحن لانحظى بالنجاح بمجرد حصولنا على الهبات السماوية النادرة هذه.مانفعل بهذه الهبات هو مايهم ومايسمى بالحق نجاحا,والله قد اعطاك ـ صوتاً من اندر واروع الاصوات:خامة كاملة العمق وتوضع طبيعى))
((تقصدين...تقصدين ان هذا نادراً مايحدث؟))
((نادراً جداً. وتسعة من الاشخاص العشرة التى يحضون بها يضيعونها. اما لأنهم لايملكون الذكاء او الحظ ليميزوا هذه الهبة او يكونوا كسالى بدون رغبة لتطويرها او يتشاغلون بأمور الحياة التافهة كالزواج والتلهى او القيام بعشرات الاسباب الاخرى التى تقضي على هذه الموهبة وتلغيها))
حدقت بتلميذتها بوجهها المتورد المذهول و تابعت (آمل انك لاتنوى الوقوع بإحدى هذه الاخطاء, سيكون ذلك مضيعة وخسارة لموهبتك بأبشع وارخص الطرق))
((اجل , آنسة بيرتا, اقصد...لا آنسة بيرتا))تمتمت ناتاشا والمفاجأة تشل قدرتها على النطق, فهي كانت تدرك بأعماقها ان صوتها جميل لكنها لم تعتقد حقاً انة يمثل هذة الندرة والروعة التى تقولها الآنسة بيرتا الخبيرة والعالمة حقا بكل مايتعلق بالاصوات والغناء. ((أعدك بمتابعة العمل الجاد معك حتى..))
((كلا. هذا مااردت محاثتك به ناتاشا ليس معي أنا انت جاهزة الآن لآفاق اوسع))
((لكن , آنسة بيرتا انت معلمة رائعة))
((اجل انا معلمة رائعة ))وافقتهاالمعلمة((لقد علمتك كل ماباستطاعتى كنت بحاجة لبعض التدريب والتوجيه الصحيح بهذه المرحلة بالذات.لكنى لااستطيع ان افتح لك ابواب عالم احتراف الموسيقى الكبير , ولا اي شخص بهذه البلدة الصغيرة بامكانه ذلك .
المرحلة الثانية لاتقتصر فقط على ماستتعلمينه في الدروس وفي الاستوديو. عليك ان تسمعى الموسيقى الخالدة. ان تحللي سبب خلودها وعليك توسيع مدى خبرتك الموسيقية عليك ان تعيشي فنك الموسقى لا ان تدرسيه فقط)) اوضحت الآنسة بيرتا بحماس ((الألماس الكامل لايبقى على اهميته اذا ماصقل بطريقة خاطئة . لقد حان الوقت لك , وبأسرع مما كنا نتصور , للذهاب الى مدريد)).
((لا يوجد عندنا المزيد من المال منذ مرض والدي , لقد عاد للعمل للتو وشقيقي لايزال بالمدرسة.لا اظن ان بإمكانهم...))
((اذهبي الى المنزل واشرحى لهم مااخبرتك به ,عليهم تقديم بعض التضحيات الآن , عادة ماتفعل هذا عائلات الفنانين ,لكن حين تصبحين مشهورة, فسيعرفون ان التضحية كانت بمحلها))
حين تصبحين مشهورة!.ظلت الكلمات الرائعة هذه تتردد داخل عقلها كأجراس السعادة الأبدية.حين تصبحين مشهورة...
وبدأت مخيلة ناتاشا تزهر بدفق كلمات معلمتها الحماسية الواثقةوبدت امامها الحفلات الموسيقية الضخمة , دور الأوبرا , الجمهور الذي يصفق لها, الوكلاء المتراكضين حولها والصحافة التي تكتب عنها , حين تصبحين مشهورة !
((امي , امي...))صاحت وهي تدخل المنزل.
((ماالامر؟))سألت والدتها وهى تسحب الكعك من الفرن.
((امى...))قالت ناتاشا وعانقت والدتها بمفاجأة((هل اعتقدت من قبل اننى ممكن ان اصبح مشهورة؟))
((بالطبع .فقط تابعي العمل الجاد مع الآنسة بيرتا وبيوم ما..))
((امى.لقد جاء اليوم ما ,الآن .قالت لآنسة بيرتا ان الوقت قد حان لي للذهاب الى مدريد ـ لأنني بحاجة لآفاق اوسع))
((آفاق اوسع ؟هذا سيعنى الكثير من المال دون شك صحيح؟))
طأطأت ناتاشا راسها بموافقة.
((لقد عاد والدك الى العمله الآن ))قالت الام ببطء وتفكير
((وقد اتمكن من العمل بنصف دوام في مدريد...))
((وايفان بسنته لاخيرة بالمدرسة...))
((ولايهمنى مطلقاً لوعشت بأقسى الظروف و...))
((سنتدبر الامر .هناك دوماً طريقة ما . اذهبي وانظري من يقرع الجرس يا حبيبتى ...))
((اتقصدين ذلك امى ..))اصرت ناتاشا وهي تتجه لتفتح الباب .
((اقصد ذلك بالطبع الا اذا حصلت كارثة ما. سأرسلك الى مدريد بالطبع . افتحي الباب ناتاشا..)) سارعت ناتاشا والسعادة تحمل خطواتها الى الباب وفتحته لتجد رون بلوكيو , الابن الاكبر لصاحب المطحنة التى يعمل بها والدها, يقف على العتبة.
((انسة بريت ,هل والدتك بالداخل ؟))
((اجل .مالامر؟ انه...انه والدي صحيح ؟))
((اخشى ذلك اجل. لكن الامر قد لايكون خطيراً. لقد انهار اثناء العمل قبل نصف ساعة, وقد نقلناه الى المستشفى في الحال . اخبري والدتك ان سيارتى في الخارج و...))
لكن السيدة بريت كانت قد وصلت بدورها اليهما . وقالت وهي تفك مئزرها: ((حسناً سيد بلوكيو.تفضل بالدخول!سأحضر فقط معطفي)) دخل الى المطبخ لان ناتاشا كانت مذهولة مما سمعته.لكن مع انها قدمت له كرسي الا انه فضل البقاء واقفاً,حاولت التحدث بلياقة لكن كلمات قليلة خرجت من فمها.ويبدو انه بدوره كان يفتش عن الكلمات.
((يسرنى انك موجودة في البيت. فهذا يسهل وقع الامر على والدتك .هل عدت للتو من العمل ؟))
((عدت من درس الغناء))
((آه,انت تغنين. اجل يبدو انك ملائمةلذلك))
((وكيف تعرف ؟ هل تغنى انت بدورك؟))
((كلا.لكني مهتم بقوة بالغناء . ولهذا بلوكيو احدى اهم العائلات الممولة لمسابقة التلفزيون هذه))
((آه)) علقت ناتاشا بأدب. ثم وصلت ولدتها وغادرت مع الشاب تاركين ناتاشا بمفردها.
من الصعب البقاء بمفردك حين تكون امالك على درجة الصفر. لم تكن ناتاشا لتشعر بكل هذا الالم والاسى لو ان احلامها لم تنتعش الى درجة الذهبية القصوى.
حين تصبحين مشهورة!
لكن لم يعد من معنى لهذه الكلمات الان . تحدثت الآنسة بيرتا عن التضحية والتضحية الواجب حديثها الآن من طرف ناتاشا نفسها دون اي شخص آخر فوالدها مريض , والدتها قلقة عليه وشقيقها الوحيد اصغر من القيام باي شئ.دخل شقيقها ايفان بهذه اللحظة حياها بابتسام واخبرته هي عما حدث. ((يا لامي المسكينة !هذا امر بالغ الصعوبة بالنسبة لها , لكم كنت اتمنى لو اني اكبر سنتين او ثلاثة , انها وحدها من تتحمل كل العبء .هل عرفت انهما كانا مضطران لزيادة نسبة التأمين على حياة والدى وفقا لامر شركة التأمين؟))
((كلا كيف علمت انت بذلك ؟))
((والدى بنفسة اخبرنى فحين اخبره الاستاذ برون ان عندى فرصة كبيرة بالحصول على منحة دراسية لمتابعة دراستى في الجامعة في مدريد,سر والدى جداً بهذا لكنه اخبرنى ان علي الا اتوقع الكثير من المال لانه كان مضطراً ايضاً لدفع قيمة التامين الشهري))
((كنت اتمنى لو انهما اخبراني بذلك))
((اظن انهما لم يرغبا بأن يسببا لك اي ازعاج الى ان تنتهى من دروسك فبعد كل شئ انت الامل المشع للعائلة,اليس كذلك؟ حين تدهشين الجمهور في قاعات الغناء,سنتمتع نحن بالثراء والرفاء))
((آه,ايفان...هذا مجرد حلم!لا ان احداً منا ادرك مايعني فعلاً التدريب على الغناء من تكاليف واموال. لقداخبرتنى الانسة بيرتا اليوم فقط انه...انه قد حان الوقت للذهاب الى مدريد .وماذا تعتقد هكذا امر سيكلف ؟ وكيف بإمكاني الموافقة على ذلك حتى لو عرض على والدانا دفع المصاريف ؟))
مرت فترة صمت طويلة قبل ان يقول ايفان فجاة ((لم لاتشتركي اذن بمسابقة التلفزيون التى ستقام في قاعة البلدة ؟))
((اية مسابقة؟))
((مسابقة تمولها محطة التلفزيون الجديدة في المنطقة وبعض الشركات المحلية ومن ضمنهم آل بلوكيو على مااظن))
((آه.لقد اخبرنى رون بلوكيو بشئ من هذا القبيل وكنت...آه ايفان اين سمعت عن ذلك ؟))
((لقد كتبوا كل شيء عن ذلك بجريدة الصباح.الم تصل نسختنا نحن؟))سارعت ناتاشا الى حيث يحتفظون بالجرائد واحضرت الجرائدة المختصة واخذت تقراها.
((آه,يقولون هنا جائزة ستكون الفي بيزوس ـ الصحيفة نفسها تمول المشروع ايضاً.وتقول ان المباراة مفتوحة لكل المغنيين وبمختلف انواع الغناء))
((سيتبخرون جميعهم حولك ))علق ايفان بثقة.
((آه, مذكور هنا ان الشرط الاساسي لقبول المشتركين هو قيامهم بعرض مختص واحد على الاقل آه . هل تعتقد ادائي بحفلة راس السنة عرضا"مختصنا"؟))
((ربما انك قبضت اجراً عنه ـ فأجل انه كذلك))
((لكن الاجر كان مجرد مئة قرش))
((هذا كان مايساويه صوتك بتلك الاثناء))جاءها الرد.
((آه, ايفان ...كأنه مكتوب لي ان يحدث هذا.وكأنه ...كأنه القدر))
((انه القدر فعلاً))وافقها ايفان بمرح كونه اول من بشرها بذلك.
((فقط لو تسمح لي الانسة بيرتا بذلك !ترفض اشتراكي بأية مسابقة او اي شيء قبل ان اصبح متمكنة وقادرة. ويقولون هنا ان الرابح سيقوم ببرنامج تلفزيونى خاص يؤدي به اغنية اواثنتان))
((ابتهجى. انت لم تربحي بعد مع انني ارهن انه لايوجد اي صوت آخر بالبلدة كلها بمثل جمال صوتك.انها فرصة العمر بالنسبة لك ناتاشا!عليك اقناع بيرتا الصارمة بذلك . لاتقولي لي ان بعض العروض التلفزيونية ستضربك. وحالما تحصين على الجائزة وتقومي بالالتزامات المطلوبة فستتمكني من متابعة الدراسة الجدية))
((من الذي يتكلم الان وكانى قد ربحت الجائزة؟)) علقت ناتاشا وضحكا سوياً.وعلى صوت ضحكاتهما دخلت الوالدة.
الاخبار حول والدهما كانت مطمئنة. فقد استعاد حالته العادية ولكن منعه الطبيب من القيام باي جهد او تعب وقد كان السيد بلوكيو اطيب ما يكون حين اختصر عملة فى المطحنة على الا شراف فقط وقد وعد بتقديم نصف معاش للسيد برايت طوال فترة عمله الاشرافي هذا على ان يعاود حصوله على المعاش بأكمله ,حين يستعيد عافيته تماماً ويعود الى عمله المعتاد خلف آلة الطحن .
((لكن هذا لن يكون مساعداً لما وعدتك به ياحبيبتي آسفة, لكن عليك صرف نظر عن هذا الموضوع ولوفي الوقت الحالي فقط...))
((لابأس امي .لاتفكري مطلقاً بهذه النقطة الآن انتظري الى ان يستعيد ابي صحته تماماً و....))وقاطعها ايفان فوراً مطلعاً والدته عن مسألة مسابقة التلفزيون .
وافقت والدتها على الفكرة ووجدتها فعلاً فرصة ذهبية لناتاشا ولهذا وجدت ناتاشا صعوبة بالايام اللاحقة بالمحافظة على آمالها على درجة منخفضة.حتى تعليق الآنسة بيرتا العادي لم يخفف من اندفاع آمالها وسرورها.
((ليس هذا هو الشيء الذي افضله لك ))قالت المعلمة ((لكني اجد ونظراً لمرض والدك انه...))تناولت الصحيفة من ناتاشا واخذت وتقرأ الإعلان.((مزيج من لجنة الحكم كما ارى. معظمهم رجال استعراض كما اعتقد ـ وليس موسيقيين حقيقييين))
((يقولون انهم يأملون بحضور قائد فرقة موسيقية مشهور))دافعت ناتاشا.((لربما شخص سيرسل اعتذاراه لهم باللحظة الاخيرة. ولهذا هم يبقون اسمه سرياً. على كل حال فقط بحالة حضور شخص مهم ما فعلينا اختيار أغنية هامة لك لتقدميها))
((اغنية شعبية ومعروفة ربما؟))علقت ناتاشا(فهذه مسابقة عامة آنسة بيرتا ))
((كلا,كلا.أغنية زهرة القمر ستكون المثلى لهكذا مسابقة))
((الاتظنين انه الافضل تقديم اغنية اوبرا افضل؟))
((كلا, بالرغم من اهمية الاوبرا واحترامي الشديد لبوشيني لكن الاوبرا لن تكون مدخلاً مناسباً لمغنية مبتداة للدخول الى عالم الفن ))
شعرت ناتاشا برغبتها لاخبار الانسة بيرتا انه ونظراً لاهمية الجائزة الكبرى فعليها تقديم شيء فاخر وجميل لكن نظرة واحدة الى وجه المعلمة جعلها تغير رايها وتوافق بالتالي على تأدية اغنية((زهرة القمر))وبدات بالتدريبات اللاحقة فوراً.
استلمت ناتاشا بعد يومين دعوة الحضور واصيبت بالخيبة حين وجدت ان دورها هو ثلاثون .
((سيكونوا ميتين او مالين تماماً حين يأتي دوري ايفان ))قالت بانتحاب لشقيقها
((ستوقظيهم تماماً وترفعينهم الى السماء بصوتك الشجي ناتاشا, فلا تبتأسي))
باليوم الموعود ارتدت ناتاشا ثوبها الازرق الفيروزي الاجمل وسرحت شعرها جيداً واتجهت الى قاعة البلدة ومشاعر متضاربة من الامل واليأس تنتابها .
لم تكون المباراة مفتوحة للجمهو من العامة , وهذا ماسبب لناتاشا الارتياح , مع ان عدداً من الممولين وجد ان من حقة الحضور.وقد سمح للمشتركين بالجلوس او البقاء للسماع الى بقية المشتركين اذا مارغبو بذلك . اخذت ناتاشا تعد المشتركين بقلق و وجدت عددهم ثلاثين بالضبط مما زاد احباطها لرقمها .
القاعة كانت رائعة فعلاً بديكوراتها الفنية, لم يكن بها من كراسي ثابتة ولهذا فقد تمكن المنظمون من وضع عدداً من الكراسي العادية امام مقعد لجنة الحكم وكان كل مشترك يستدعى ينطق اسمه ورقمه جلست ناتاشا مكانها بترقب طوال فترة الاداء الصباحية والتي انهت نصف عدد المشتركين.
بالبداية كانت اعصابها تتحرق مخافة من وجود منافس قوي لها لكن وبعد سماعها للعشرة الاول خف توترها وتمكنت من الاسترخاء قليلاً والتطلع الى لجنة الحكم بالتالي.
ميزت رئيس الترتيل في الكنيسة اثنان من الفنانين المعروفين بعالم الغناء,ورجلين كنا مألوفين نوعاً ما لنظرها لكنها لم تتذكر رؤيتهما لهما من قبل .هذا بالاضافة الى امراة جذابة متوسطة العمر كانت تأخذ المسابقة على محمل الجد كما يبدو.هذا كان مناقضاً تماماً لوجه الرجل الذي يجلس الى يمينها. وجهه كان جذاباً بعيون سوداء واسعة ساحرة وقوة شخصية واضحة, لكنه كان يشعر بالملل كما يبدو مما يسمعه كانت ساحرة ومتسلية وهو يرمق المشتركين وادائهم كل بدوره.
بعكس الاخرين, الذين كانوا يسجلوا بعض الملاحظات على الاوراق البيضاء امامهم كان هذا الرجل ممتنعا عن كتابة اية كلمة وكأنه لايجد احداً من المتبارين يستحق تعليقه عليه لم تكن واثقة من شعورها بالفرح ام بالخوف من هذا.
خلال فترة استراحة الغذاء اكتفت ناتاشا بتناول بعض الساندويتشات وحين كانت بطريق عودتها الى مكانها التقت برون بلوكيو الذي حياها بدفء ومودة مما اسعدها.((تبدين مشعة وساحرة بهذا اليوم .كيف حال والدك؟))
((انه يتحسن تدريجيا"))قالت.
((هل ترغبين بحضور المسابقة؟ تعالى معي اذن انا سأحضر بفترة بعض الظهر الحالية)).
((انا...انا مع المتابارين كنت هناك طوال فترة الصباح لكن اخشى ان دوري هو الاخير ))
((اذاً انا مسرور لاختياري الحضور في فترة بعض الظهر.من احضروا كلجنة حكم بالنهاية اذن؟))
اخبرته ناتاشا عن رئيس التراتيل والفنانيين الآخرين والبقية ((لاشك ان الرجلان هما فان وستنغ دون شك))
((اجل, انا اتذكر الان . لقد شاهدتهم لمرة او مرتين على شاشة التلفزيون.لهذا وجدت وجوههم مألوفة . هناك امراة جذابة. تفهم دون شك الكثير بالموسيقى و...))
((انها راندا نيور .كانت مغنية اوبرا مشهورة بأيامها.وهي تدرس الان في مدريد))
((انها لاتزال جذابة جداً وجميلة. ثم هناك رجل مرعب وواضح الملل بنظرة متعالية.تصور انه لم يكتب ولا اية كلمة على ورقته يبدو وكأنة يتساءل عن السبب الذي دفعه للتواجد بمثل هذا المكان))
ضحك رون بلوكيو وهز راسه.((لااعرف من قد يكون هذا. احدالمنتجين ربما))
((هو لايبدو وكأنه منتجاً آه,انظر ها هوذا)) قالت بصوت هامس فيما مر شخص طويل القامة امامهما عبر الممر.
((هذا؟ آه يافتاتي العزيزة, ذاك هو خوليو روتسو الموسيقي المشهور! هم لم يتوقعوا فعلاً حضوره. كانت دعوته مجرد محاولة من الصحيفة.لولم يكن يراس الحفلة الموسيقية في لشبونة البارحة ـ لما كان حضر ـ حسناً. انا اشعر بالفخر))
((هل ذاك هو خوليو روتسو حقاً؟))رددت ناتاشا وهى تشعر بعودة التوتر والقلق اليها. فخوليو روتسو كان من اهم الموسيقيين في اسبانيا كلها.
((ابتهجي يافتاتي))طمأنها رون وهو يتأبط ذراعها بتشجيع((على الاقل هو يعرف كل شيء عن الموسيقى حقاً وسيكون له راياً صحيحاً فيما ستقدميه))
عادت ناتاشا الى قاعة وهى تشعر بالتشجيع ووجدت ان معظم المتبارين قد غادروا.
نظرت اليها المشتركة الجالسة الى جانبها بوجهها الطفولي وهمست ((هل سمعت؟لقد صرفوا معظم المتقدمين!))
((جميعنا تقصدين؟حتى قبل ان يستمعوا لنا؟))
((كلا,كلا.الذين تقدموا قبلنا هم اقصدهم قريب لي على معرفة وثيقة مع غريغوري فان وقد اخبرني ان بعض اعضاء اللجنة ارادوا التفكير بجدية ببعض المشتركين لكن روتسو...ذاك الذي يجلس الى يمين السيدة بيور قال انهم لم يكونوا حتى جيدين ولم يجد شيئاً ممايسميه صفقة النجومية عند احدهم حدث بعض الجدال لكنه من ربح بالنهاية.يجب ان اقول ان الحصول على علامة واحدة الآن اصبح صعباً جداً))
انه كذلك بالطبع! فكرت ناتاشا وهي تسترق نظرة الى الرجل الذي كان يسيطر على وجود الجميع غيره على المنصة امامها ولاحظت ناتاشا انها قد رات شبه نظرة رضى تمر على ملامحه الوسيمة المتكبرة انه حقاً بغيض!سواء اكان مشهوراً اوعبقرياً!
الحكم المبرم والقاسي على متباري الصباح كان له الاثر الكبير على ثقة متباري المساء. فقد تأثر اداء الباقين بوضوح وكان خوليو روتسو, المستلم القيادة الآن, يقاطع المتبارين ببداية ادائهم ويعلن الاكتفاء مما سمعه ولجنة الحكم.
ثم وقبيل نهاية المساء استدعيت الفتاة صاحبة الوجه الطفولي الجالسة قربها ومع انها كانت شديدة التوتر الا انها اتجهت بجرأة الى المنصة وبدات الغناء.
كان صوتها جميلاً ببحة خاصة وما كانت تغنيه كان مرحاً وجعل لجنة الحكم تضحك فعلاً.حتى خوليو روتسو نفسه تبسم قليلاً. ثم فجأة انتهى المقطع الغنائي بنبرة حزن وتحول صوت الفتاة تبعاً للكلمات بشكل مؤثر جعل عيون ناتاشا تدمع قليلاً من التأثر.
استدعت اللجنة الفتاة ـ للمرة الاولى منذ الصباح ـ وسالها احدهم ((من اين حصلت على هذه الاغنية آنسة باري؟))
((انا من الفها))قالت الفتاة بهدوء
((هذا جميل ))علق فان
((جميل جدا))علق احد الفنانين.
((ليس تماماً خطنا المعتاد الغناء لكن...))قال فان بأعتذار لخوليو روتسو الجالس على طرف الطاولة البعيد.
((على العكس,اجد خط الغناء هذا مناسباً جداً))اجابة الموسيقي الشهير بصوت واثق, بارد بنبرة خاصة((تتمتع الآنسة باري بمسحة النجومية التي افضل .لايبدو اننا سنجد اي شئ اخر غير معتاد ببقية هذه الجلسة))
كان هذاظالماً ومجحفاً بالطبع للمشتركين الستة الذين لم يؤذوا ادوارهم بعد وتمتم فان فوراً بشئ ما لكن خوليو روتسو لم يهتز طلب من الفتاة ذات الشعر الداكن الانتظار واستدعي الرقم التالي.
تقدم شاب خجول بصوت غير ممرن غليظ نوعاً ما ولاحظت ناتاشا الآن ان الموسيقي الشهير قد اغمض عيونه وبدا بعيداً جداً عما كان يدور حوله.
((سأجعله ينتبه)) ردت ناتاشا بنفسها بحنق((كيف يجرؤ على التصرف بمثل هذه الطريقة؟ مظهره هكذا يكفي لانتزاع الشجاعة من قلب اي شخص اذا ماخاف الجميع فأنا لن اهتز ولن ارتعب ))
وبحمي غضبها حافظت على هدوءها حتى وصل اخيراً دورها ((الانسة بريت , الرقم ثلاثون))
((المبارية الاخيرة على مااظن))علق فان.
((الحمدلله))كان تعليق الموسيقي الشهير.
أنت تقرأ
ابنة الحظ روايات غادة للكاتبة .. اليس بونغمان
General Fictionابنة الحظ روايات غادة للكاتبة .. اليس بونغمان الملخص حياتها كانت تدور حول محور واحد أوحد الا وهو ان تصبح مغنية محترفة فهي كانت تعرف ان لها صوتا جميلا نادرا"وانها ستحقق حلمها الابدي هذا يوما" ما,لكن فرصتها الصغيرة لتحقيق ذلك سورقت من قبل رجل يدعى خول...