حدقت به بصمت للحظات و هي نصف مذهولة و نصف متمردة على شعلة الاستمتاع و الثقة التي كانت تتوهج داخل عينيه و حتى و هي تؤكد لنفسها انها تكرهه لاعتباره ما قالته بخفة و تسلية هكذا . الا انها كانت شاكرة له ايضا ان حظها بالنجاح لهذا اليوم المصيري موجود بين يدي خوليو روتسو الواثق تماما من نفسه .
( عودي الى المنزل . فكري فقط بعرض المساء . بإمكان أي شيء الانتظار الى ما بعد ذلك)
هذا ما قاله لها رون بالضبط . لكن ما اقترحه رون برقة كان عند خوليو روتسو تطمين قادر و آمر
( حسنا ) قالت بتنهيدة عميقة لكن سواء أكانت هذه تنهيدة رضى لاطلاعه على اكتشافها لمخططه المشين ام انها تعبير عن ارتياحها لسيطرته الكاملة على الوضع هي لم تعرف .
غادرت المكان و خرجت الى الشمس و لسبب غير معروف ابدا لها كأن التوتر و الحنق قد غادراها ليحل مكانهما سلام تام و كامل .
أخيرا و بعد طول انتظار حانت اللحظة الحاسمة و انتهت اللبيسة من وضع اللمسات الأخيرة على ثوب ديمونة و غادرت الغرفة مفسحة المجال لناتاشا بالتمتع بلحظات قليلة مع نفسها . قبل بدء دورها بعد دقائق قليلة .
استجمعت ناتاشا كل جرأتها و ادراكها ان خوليو روتسو سيكون هناك قربها جعلها تدخل المسرح المضيء و تواجه الجمهور الهائل الذي كان يملأ المقاعد و بنظرة واحدة الى الموسيقي اخذت تقوم بدورها و صوتها كالكريستال الصافي و حركاتها طبيعية جدا بتقمصها لدور ديمونة .
علا التصفيق و الهتاف بالفصليين الأولين و أدركت ناتاشا أنها حازت على إعجاب الجمهور . لكن التصفيق كان لها و لباقي الممثلين و المغنيين فدورها الحقيقي هي سيكون الفصل الثالث و يبدو ان الجمهور بدوره كان يؤجل حكمه عليها حتى ذلك الفصل المصيري .
جلست ناتاشا بغرفتها خلال فترة الاستراحة الاخيرة السابقة للفصل الثالث و مع ان خوليو لم يزور غرفتها خلال فترات الاستراحة الا انها لم تكن منزعجة من ذلك فوجوده على المنصة قربها كان كافيا لها و هي لم تكن بحاجة لأي شيء يبعدها عن التركيز الآن .
ادراكها ان حكم الجمهور الحقيقي عليها سيكون في الفصل القادم الان جعلها تشعر بالسعادة لا بالخوف .
( لا تكوني فائقة الثقة بنفسك ) قالت لنفسها بصرامة ( إنها إحدى أعظم تحديات الأوبرا . لكن بإمكاني فعل ذلك اعرف ان بإمكاني فعل ذلك . طالما انه هناك فإنني لن افشل )
ثم سمعت طرقة على باب غرفتها و دخل ماكس المنتج و وجهه يحمل القلق الواضح .
( انت تبلين بشكل رائع ناتاشا . كل شيء معد للفصل الاخير )
( اجل بالطبع .. هل ... هل هناك خطب ما ؟ )
( حسنا .. لا شيء بالغ الخطورة لقد حدثت مشكلة صغيرة و اعتقد ان رونغ باليارو سينهي الاداء عن خوليو لكن لقد سبق لك و ان عملت معه احيانا و ... )
( ينهي الاداء عن خوليو ؟ لكن هذا غير ممكن لا يمكن ان انجح بدون السيد روتسو . ما الذي حدث ؟ اين هو ؟ )
دفعت المنتج قليلا و هرعت الى خارج الغرفة .
( انتظري لحظة انه لم يصب بدرجة خطيرة . لكنه انزلق و هو يتجه الى طاولته قبل لحظات و يعتقدون انه قد فك رسغه . طبيب الأوبرا معه الان . )
( فك رسغه ؟ رسغه الأيمن ؟ )
( اخشى ذلك ) رد ماكس
( اذن .... اذن لن يقدر ان يدير الفرقة ) شعرت فجأة بالرعب و الفراغ ( لكني لا استطيع ان اتابع بدونه ... لا استطيع يجب أن أراه ) .
خرجت من الغرفة و ركضت كالصاعقة الى غرفته و دخلت دون حتى ان تطرق على الباب .
كان خوليو روتسو الشاحب الوجه لدرجة غريبة يجلس على كرسيه و طبيب الدار يتفحص يده اليمنى .
( اجل . أخشى انك قد شعرت العظم او حتى كسرته . لا استطيع التأكد إلا بعد صورة الأشعة . من الأفضل ان ننقلك الى المستشفى في الحال ) ( كلا ... ) صاحت ناتاشا بذعر من على الباب ( ارجوك ... انا .. لا استطيع المتابعة بدونك ... لا استطيع المتابعة مع أي شخص غيرك . انا خائفة افعل شيئا ما )
و ركعت على ركبتيها قرب كرسيه و ثوب المسرح خاصتها منتشر حولها كالهالة من اللآلئ و الألماس .
( ارجوك لا تتركني الآن ) و فجأة وضعت رأسها على يده المصابة .
قال الطبيب ( انتبهي )
لكن خوليو اخبره ( اتركها ) و تحرك قليلا و وضع يده اليسرى على رأسها و قال ( اجلسي و لا ترتعبي ناتاشا . ليس عندي أي نية بترك أي موسيقي آخر بأخذ مكاني )
( آه ) تنهدت بعمق هائل و براحة كاملة
فيما قال الطبيب بقلق ( انت لا تستطيع تحريك رسغك الأيمن سيد روتسو )
( انا لا انوي ذلك ) رد خوليو ( علي تدبر الامر بيدي اليسرى فقط . و انت ناتاشا . يجب ان تكوني منتبه تماما لانك لن تحظين بنفس القيادة السابقة المعتادة عليها )
( انا لا أمانع ) قالت بلهفة ( انا لا أمانع طالما انك ستكون موجودا هناك . هل بإمكانك فعل ذلك ؟ هل بإمكانك فعل ذلك حقا ؟ )
( اجل بالطبع . فليأتي أحدكم بالبراندي . و انهضي عن الأرض ناتاشا انت تفسدين الثوب )
ثم تابع خوليو حديثه للمنتج البالغ القلق ( ليتواجد رونغ باليارو قرب طاولتي في حال حدوث طارئ ما . لكني أظن ان بإمكاني تدبر الأمر )
و كان هناك احتجاج واضح لكنه اسكت الجميع بقراره الصلب و النهائي ( انا من سيدير الفرقة بهذا الفصل الاخير .. انتهى النقاش )
و كان لناتاشا الوقت فقط لتهمس ( شكرا لك . آه شكرا لك ) قبل ان تهرع الى المنصة لتأخذ دورها .
و تبددت الازمة بظرف لحظات كما بدا فناتاشا كانت تدرك و للمرة الاولى بعلاقتهما معا انها بحاجة ماسة لها تماما بنفس حاجتها الماسة له . و بهذا الاقتناع استدعت كل ذرة شجاعة داخلها و كل وحي فني و نظام و موهبة .
و كان الفصل الثالث تماما كما أراداه ان يكون . لم تنس نقطة واحدة من تعليماته . عقلها كان بالغ الصفاء . صوتها تحت سيطرتها الكاملة و تصويرها لشخصية الفتاة البريئة المحكوم عليها بالموت صار حقيقيا و متوسلا و مؤثرا لدرجة ان راندا بيور – الجالسة في مقصورتها – أخذت تذرف دموع التأثر .
كانت ناتاشا تعرف بأعماقها انه سيكون أمامها الان العديد من العروض الأخرى بالسنوات القادمة . لكن شيئا لن يكون بمثل روعة . أمان و جمال هذا العرض العظيم . الليلة هي كليلة الولادة لها . من الصراع الهائل الذي جرى قبلا كانت تنبثق هي الى العالم الذي اراده الله لها .
و فيما دفنت وجهها بين يديها بآخر مقطع من أغنية ( آف ماريا ) أعطاها الجمهور أعظم إعجاب ممكن ان يقدم لفنان . كان الصمت الكامل و الترقب الهائل يغطي الجمهور بأكمله و كل واحد منهم مسحور بالدراما أمامها و لا يجرؤ على كسر قالب السحر المهول هذا بمجرد التصفيق او حتى الهمس .
لم تسمح لنفسها التفكير بذلك قبل إنزال الستار الأخير حيث تفجر هناك التصفيق المدوي و نهض كل من بالقاعة من مكانه تعبيرا عن شدة إعجابه بولادة النجمة الساطعة .
( ناتاشا .. ناتاشا ) علا الصراخ و الهتاف لها و الممثلين يظهرون بالتالي على عتبه المسرح لتحيه الجمهور و لوحت ناتاشا بيدها للجميع و خاصة لأصدقائها ( بالبلكون ) ثم رأت خوليو روتسو الشاحب بشعره الداكن الرطب قليلا – يخرج من الجهة المقابلة ليحظى بعاصفة التصفيق الأعظم و الأكبر .
وقف بالوسط مبتسما للحظات ثم اشار بيده اليسرى إلى جانب المنصة و دفع احدهم ناتاشا بلطف فسارعت لتنظم إليه .
كان هذا من أروع الأشياء على الإطلاق . ان تقف قربه على منصة أوبرا كوفنت الشهيرة لتشاركه عاصفة التصفيق الغير منتهية . استدار و قبل يدها التي كان يمسك بها – مما أثار عاصفة أخيرا من الهتاف و التصفير و التصفيق – و بالتغطية الكافية لهذه الأصوات – قال لها بهدوء ( شكرا لك يا حبيبتي لقد كنت رائعة )( ماذا قلت ) همست و الستارة تنسدل
( بالضبط ما اعتقدتني قلته ) رد قبل ان ينضم اليهما بقية الفنانين و تضيع عليها بالتالي فرصة الاستفسار الواضح
من غير المعقول ان قال لها ( يا حبيبتي ) لا شك انه قد تخيلت ذلك لكنه بالطبع اخبرها انها كانت رائعة و هذا وحده يكفيها و يكفيها جدا .
لقد نسيت انها تكرهه . نسيت كل شيء حول دينه و شرائه لسيطرته عليها تذكرت فقط انها قد نجحت و انه قال أنها رائعة .
لاحقا أغرقتها التهاني و هي بغرفة الملابس خاصتها . و وجدت الإزهار تملأ غرفتها من أصدقائها من رون بلوكيو من عائلتها و كان هناك باقة فائقة الروعة مع الحرفين ( خ . ر ) فقط على البطاقة و تحلق الجميع حولها معلمتها و أصدقائها و العديد من الأشخاص الاخرين الذين لا تعرفهم .
و حين سألها احدهم عن موعد حفلتها الثانية اجابت ( لا اعرف هذا يعتمد على السيد روتسو لا اظن انه سيسمح لي بالقيام بالاحتراف بعد ... هو يقول أنني لا أزال بمرحلة التعليم )
( يا لك من فتاة محظوظة ) علق احد الرجال المتقدمين بالسن و البادي الرفعة ( اذا ما طور روتسو موهبتك بدلا من السماح لهم باستغلالك فلا أمانع القول منذ الان اننا على عتبة اكتشاف موهبة نادرة و فنانة تاريخية . لكن اذا ما بدأت تغنين أي شيء و كل شيء منذ الان فانك ستعرفين الشهرة فقط لثلاث او أربع سنوات ثم ستنطفئين كالمئات من المغنين الآخرين سجلي كلماتي و تقبلي تهنئاتي )
ثم غادر الرجل و اعطاها احدهم هويته فعرفت انه انطونيو باردو احد اهم النقاد الموسيقيين في اسبانيا كلها .
كل شيء حولها كان مثيرا و مذهلا لكنها تدبرت اخيرا من البقاء بمفردها مع صديقتها لوليتا فقط .
سارعت ناتاشا لتقول ( اذهبي لوليتا فورا الى غرفة السيد روتسو و اعرفي ما الذي حدث . اخبريه انني سأوافيه على الفور لأراه فقط اريد ان اخلع هذه الملابس و أزاله الماكياج )
سارعت لوليتا للتنفيذ بحماس و عادت الى غرفة صديقتها بعد دقائق قليلة .
( سيأخذونه للتو الى اقرب مستشفى لتصوير يده ) قالت لوليتا
يجب ان اراه .سأذهب معه )
( لا اعتقد انك قادرة على ذلك ) ردت صديقتها
( لماذا ؟ )
( حسنا اعتقد ان جوليا بورتيغي تقوم بهذا الدور . فبعد كل شيء هي تعتبره لها وحدها أليس كذلك )
( بورتيغي . ما الذي تفعله هنا ؟ )
( تحوم حول روتسو الشهير بهذه اللحظة بالذات لكن دون شك هي كانت مع الحضور اثناء الحفلة . لم تتصوري انه من الممكن لها الغياب عن هكذا عرض مصيري صحيح ؟ و الان هي في الكواليس تقوم بتدبير كل شيء له )
( لا اصدق هذا لم يكن لها أي دور بإجراءات اليوم )
و اندفعت ناتاشا الى غرفة الموسيقي كان على وشك المغادرة و كان يبدو شاحبا و مرهقا . و كان هناك حشد كبير داخل الغرفة من المنتج الى الطبيب و بعض الفنانين و بالطبع جوليا بورتيغي بجمالها و جاذبيتها . للحظة لم يشاهد هو ناتاشا . جوليا هي من فعلت و ابتسمت لها برقة و حلاوة ( كنت رائعة يا عزيزتي . ستكونين يوما ديمونة جيدة فعلا )
( شكرا لك سيدتي ) ردت ناتاشا و اقتربت من خوليو روتسو حتى لحظة وصولها اليه لم يكن عندها ادنى فكرة عما ستقوله له و كل ما استطاعت ان تقوله هو ( شكرا لك ... عن الليلة و ... شكرا لك على الازهار الرائعة )
( آه ... لقد وصلتك ؟ ) ابتسم بخفة لها و استدار قليلانحوها و كأنه ينفرد بها عن الباقين .
( اجل بالطبع )
( و هل من تعليق ) استفسر
( فقط انها رائعة ... و انك قد اخترت أزهاري المفضلة ) ( فهمت ) قال و بدا متعبا فجأة و يشعر بالملل و لأنها لا تريد ان تراه هكذا هذه الليلة من بين كل الليالي قالت برقة بالغة ( هل ترغب بان اذهب معك الى المستشفى ؟ )
كانت جملتها هذه هي غصن الزيتون الذي يخبره بانها تشعر بالصداقة نحوه بالرغم من كل ما حدث بينهما قبل العرض . لكن و لا أي غصن زيتون رفض بهذه الطريقة القاسية التي تلت .
( لا بحق السماوات ! هل تعتقدين انني بحاجة لك للامساك بيدي ؟ ) ثم استدار نحو الباقين مجددا و بدون كلمة ( تصبحين على خير ) غادر مع بورتيغي و الطبيب . و عادت ناتاشا الى غرفتها محاولة إخفاء الخيبة و اليأس المفاجئ الذي اجتاحها .
لوليتا الفرحة و المليئة بالسعادة كانت بانتظارها فاضطرت ناتاشا لاظهار بعض السعادة . لكنها كانت سعيدة بالطبع . الم تنجح للتو باكثر الامسيات اثارة و مصيرية بحياتها كلها ؟ الم يكن الاصبع المشع بالشهرة و النجاح يشير اليها ؟ اذا لم تستطع ان تشعر بالسعادة و الارتقاء هذا المساء بالذات فلن تشعر بذلك مطلقا في المستقبل .
اجبرت ناتاشا نفسها و بتصميم على الاشراق و السعادة و هي توقع للمرة الاولى بحياتها على دفتر ذكرى المعجبين و هي بطريق مغادرتها للاوبرا و بتناولها للعشاء الفاخر و هي برفقة اصدقائها و السيدة ايزابيلا في سكن الطالبات .
( ستتناولين العشاء لاحقا في السافوي بعد العرض ناتاشا ) تنبأت السيدة ايزابيلا ( لكني سأكون دوما فخورة بالقول انني من طهى لك العشاء باول حفلة ظهور براق لك )
( شكرا لك . شكرا لكم جميعا ) رددت ناتاشا بصدق ( بما انني لا استطيع تناول العشاء مع اهلي فانتم الوحيدون الذين ارغب بمشاركتهم هذه الليلة )
( اعتقد انك كنت لتكونين بصحبة خوليو روتسو لو انه لم يكن مضطرا للذهاب الى المستشفى ) علقت ايفا بخفة
( آه .. لا اعرف كدت ان أموت من الرعب حين سمعت بحادثة انزلاقه معتقدة انه لن يترأس الفرقة في الفصل الاخير )
( و كدنا ان نموت نحن من الدهشة حين رأيناه يمسك عصاه باليد اليسرى ) اعلنت لوليتا ( يجب ان اقول انه كان جبارا لفعل ذلك . لا شك انه كان يشعر بالالم الكبير ؟ )
( اجل ) ردت ناتاشا ببطء . و للحظة شعرت و كان يده على رأسها و سمعته يقول ( اتركها )
لكنها تذكرت فجأة ملله و عدم اكتراثه الفظ برفض غصن زيتونها بعد ان انتهت حاجته اليها . و ظلت صامتة الى ان قالت لوليتا ( لقد تلقيت باقات رائعة من الزهور صحيح ؟ )
( اجل رائعة بما فيها باقتكم ) قالت ناتاشا و هي تبتسم بامتنان للجميع .
( من ارسل الورود الحمراء؟ ) سألت السيدة ايزابيلا ( الورد الاحمر يعني الحب الحقيقي لا )
( حسنا ليس بهذه الحالة ) ردت ناتاشا ببرود ( انها من خوليو روتسو )
( و ما هي الرسالة التي كتبها لك مع الباقة ) سألت ماريانا بفضول
( فقط خ . ر لم يكن هذا كما توقعتم صحيح )
( و لا حظا سعيدا . او أي شيء من هذا القبيل ) تمتمت لوليتا بدهشة ( لقد استغرقت ساعتين لاجد الجملة المناسبة لباقتنا )
( انا واثقة من ذلك لكنك تختلفين بالطبع عن خوليو روتسو ) قالت ناتاشا
( حسنا . انا بالكاد استطيع تصديق ذلك ) قالت لوليتا و نهضت لتتفحص البطاقات التي كانت موجودة على الباقات و التي جمعتها و ايفا قبل وضع الازهار بالمياه ( اجل انت على حق على الاقل ..........)
صمتت لوليتا فجأه و تناولت ورقة صغيرة و عادت بها الى الطاولة ( اظن ان هناك بطاقة بداخلها ناتاشا حرفي خ . ر على المغلف الخارجي فقط )
( ماذا ؟) هتفت ناتاشا فجأة و بدهشة ( لم اعرف ذلك ) و بلهفة هائلة رغما عنها تناولت الورقة و فتحتها لتجد بداخلها و بخط جميل و انيق العبارة التالية ( لم تكن فكرتي ان اشتري سلطتي عليك ناتاشا . انا فقط وقعت بحب صوتك و كنت مصمما ان لا ادع أي شخص يفسده الليلة ستكون برهاني عن ذلك . خوليو روتسو )( آه لا ) هتفت فجأة لدهشة الجميع و نهضت ناتاشا من مكانها ( و انا قلت انه لا يوجد أي تعليق )
حدقوا جميعا بملامحها المذهولة لكنها لم تراهم امامها فقط هرعت الى جهاز الهاتف و طلبت رقم منزله .
( شقة السيد روتسو من المتكلم ؟ ) ردت مدبرة المنزل كما يبدو
( هل عاد السيد روتسو بعد ؟ )
( كلا كان عليه الذهاب الى المستشفى بعد العرض لقد اتصل بي منذ لحظات و قال انه يوشك على مغادرة المكان و انه سيتناول العشاء بالخارج قبل عودته الى المنزل . هل تريدين ان تتركي له رسالة ؟ )
( كلا شكرا لك )
و اعادت ناتاشا السماعة الى مكانها و اتكأت للحظة على الحائط
( لقد وقع بحب صوتي .. وقع بحب ....لكن اكان الحب للصوت فقط ؟ ) و فجأة اصبح هذا السؤال هو اكثر اسئلة العالم إلحاحا و التي ترغب بسماع الرد عليه . لم يعد أي شيء اخر مهما لا الشهرة و لا النجاح و لا المجادلة و لا السلام . اكان هو يحب صوتها فقط عليها ان تعرف ذلك . و بدون أي اعتبار للوقت او للمكان او للياقة و التحفظ عادت الى غرفة الطعام و قالت ( ايها الاعزاء انا آسفة لكن عليكم متابعة العشاء بدوني يجب ان اغادر )
( تغادرين ؟ ) صاح الجميع و اضافت لوليتا ( لكنها بعد منتصف الليل )
( ليس بيدي حيلة . يجب ان اغادر . هناك .. هناك شيء يجب ان استوضحه )
( لكن الن تنتظري حتى الصباح ) سألتها ايفا .
( آه كلا ... كلا ) صاحت ناتاشا
( الى اين ستذهبين ) سألتها لويتا بقلق .
( لرؤية خوليو روتسو )
( سيكون حانقا اذا ما أزعجته بعد العرض ) احتجت لوليتا
و قالت السيدة ايزابيلا بصرامة ( لا يمكن ان تزوري رجلا بمنزله بمثل هذا الوقت )
( لا وقت عندي للتفكير بذلك الان ) ردت ناتاشا و غادرت المكان
سارت لبعض الوقت قبل ان تجد التاكسي و تصعد به متجها الى وجهتها .
( هذا ما لم استطع ان اتقبله حتى حينها و هذا ما لم اجده قابلا للتسامح منذ ذلك الحين السؤال هل هو يعتبرني هو مجرد صوت )
عاد التعقل قليلا اليها و السيارة تسير بها الى وجهتها و تكاثرت الاسئلة برأسها حول ما ستقوله لربة المنزل بمثل هذه الساعة و حين وصلت الى المكان كان الندم على التسرع قد اخذ منها كل مأخذ لكن لم يكن من مجال للتراجع الان .
نزلت من السيارة و دقت على جرس الباب بأصابع مرتعشة و هي تحضر بذهنها الجملة التي ستقولها لمدبرة المنزل
تلاشت الابتسامة عن وجهها حين فتح الباب و كان خوليو روتسو برداء نوم اسود فاخر يقف خلف العتبة .
( ناتاشا ما الذي اتى بك بمثل هذا الوقت يا فتاتي ؟)
(اريد .... اريد محادثتك لو سمحت ) ردت بتوتر
( بالطبع تفضلي ) قال و تنحى لها و دخلت بإقدامها المعتادة الى الأستوديو فتبعها ببطء و هو ينير الاضواء
ثم وقف و اخذ ينظر اليها ببعض العدائية و التعب و سألها باختصار ( ما الامر ؟ )
( انه حول .. حول البطاقة على باقة الزهور ) قالت بارتباك
( آه اجل )
( لم اكن قد وجدتها حين سألتني اذا .... اذا كان عندي أي تعليق ) وقفت هناك و هي تغلق و تفتح يدها بعصيبة
( رأيت فقط المغلف اعتقدت انك اكتفيت فقط بوضع اول احرف اسمك على البطاقة ... و حين سألتني لم افهم قصدك بالسؤال )
( فهمت ) قال و فمه يلتوي قليلا ( لكن حين عدت الى المنزل ... قرأت البطاقة )
( اجل )
( اذن ... ماذا ؟ )
( لهذا انا هنا أكان ... أكان صحيحا ما كتبته على البطاقة ؟ )
( انه لم يكن بنيتي ابدا شراء سلطتي عليك ؟ اجل كان صحيحا )
( لا ليس هذه النقطة .. انا اتقبل ذلك الان النقطة الثانية حول ..... حول ...)
( وقوعي بحب صوتك . ؟ ) اكمل الجملة لها باعتبار رقيق لمشاعرها بطريقة لم تعهده بها من قبل ( اجل بالطبع لقد وقعت بحب صوتك منذ اللحظة الاولى التي سمعته بها فورا و بالحال )
(بصوتي ؟ ... فقط بصوتي ؟ )
مرت فترة صمت غريبة ثم ضحك باحتجاج و سأل ( ماذا تردينني ان اقول اكثر من ذلك ؟ انني قد وقعت بحبك انت باللحظة التي رأيتك بها ؟ )
( فقط اذا .... اذا كان هذا صحيحا )
( كلا هذا ليس صحيحا )
( آه ... فهمت ) قالت و غضت بصرها و اخفت برموشها عيونها و هي تجاهد بكل قوة الا تنهار و تبدأ بالبكاء الان و امامه بالذات . لكن و رغما عنها سقطت دمعتان على وجنتاها و رأسها منحني الى الاسفل ثم قال ذلك الصوت المحبب النصف ساخر برقة ( اعتقد انني استغرقت ثلاثة اسابيع و نصف حتي اقع بحبك )
( ايها المتوحش ) صاحت و رفعت عيونها اليه و ودموعها تنهمر على وجهها ( ايها المتوحش كيف تجرأ على تعذيبي هكذا )
( لا اعرف ) قال و صار فجأة بقربها و ذراعه اليسرى حولها ( و لا اعرف كيف بإمكانك ذرف دموعك علي يا حبيبتي الصغيرة الغاضبة . انا لا استحق ذلك )
( كلا انت لا تستحق ذلك ) قالت بين شهقاتها و هي تدفن رأسها بصدره .
( لكني احبك بطريقتي المتعجرفة الغير كاملة و القاسية احيانا .انا اعبدك . هل تستمعين الي ؟ )
طأطأت رأسها مبقية اياه مكانه .
( حسنا استمعي جيدا اذن ) قال بنصف اغاظة و نصف حنان ( لانني لن اتفوه بهذا لك مجددا على ما اظن . انا لا استحقك . انت دافئة و متعقلة و انسانية بالأساس و لهذا انت لا تقاومي متوحش بارد و نرجسي مثلي . حين انظر اليك اشعر و كانني انظر الى الشمس و حين استمع لغنائك اشعر و كانني استمع الى موسيقى الكون . كان من الحتمي جدا لي ان اقع بحبك . المعجزة هي ان تحبينني انت . اذا تزوجتني فلن تكوني دوما سعيدة )
( اذا لم اتزوجك فانني لن اشعر بالسعادة مطلقا ) قالت و هي تنطق فجأة من اعماق قلبها و عقلها معا
( اعرف ان بعضا مما تقوله عن نفسك صحيح لكنني لا اهتم . اعرف انك ستجعلني اذرف الكثير من الدموع لكن ....)
( ليس الكثير يا حبيبتي .. اعدك بذلك و بعض الاسلحة موجودة بين يديك الان اتعرفين .... باعترافي انني احبك لا بل اعبدك فانني اقدم لك السلطة للتحكم بي )
( لكنك قادر تماما على استرجاع ذلك احيانا ) قالت بمرح عارم
( كلا لا استطيع قد لا اكون مانحا كريما او سهل العطاء لكن ما أعطيه لا استرجعه مطلقا لا كلمتي و لا صداقتي و لا حبي )
( هل سبق و ان ... اعطيت حبك لاحداهن من قبل )
( و لا لأية امرأة )
صدقته و عرفت ان كلماته صادقة مدركة ان ما سمعته حوله و حول جوليا بورتيغي مجرد اشاعات .
احاطت رقبته بذراعيها و تنهدت بعمق قبل ان يغرقا سويا بعناق حار ارسل ناتاشا الى عوالم لم تختبرها و لم تعتقد بوجودها من قبل و حين ابعدها قليلا عنه اخيرا نظر عميقا داخل عيونها و حبه يتدفق من كل ملامحه
( قد تكونين ملاكا ناتاشا لكني لست كذلك من الافضل ان تعودي الى سكن الطالبات الان و الا فإن علينا ان نتزوج و على الفور )
( انا لا امانع بذلك مطلقا ... لكن .. )
( لكن علينا الانتظار حتى يوم الاحد ... و تاكدي ان شيئا لن يتغير ببرنامج تدريبك فأنا سأقسى عليك كما اقسى على نفسي بالضبط .... و لكن تذكري مهما قسوت فإنني احبك )
( و تذكر انه مهما تقلبت فإنني احبك )
غرقا مجددا بموجات الحب و نيرانه قبل ان يسير بها الى المصعد و يقول ( منذ الغد سيقدم لك العالم على طبق من فضة . لكن ستمر سنة او سنتين قبل ان تكتسبين الحق بتقبله آمل ان لا يكون الانتظار الطويل مطولا و نحن سويا )
( سيكون قصيرا جدا ) اكدت له بابتسام و هي تصعد المصعد ( اراك بدرس الموسيقى غدا سيد روتسو )
ضحك مربتا على وجنتها و قال ( لا دروس موسيقى غدا ..... غدا سنتحدث و الدرس سيكون يوم الاثنين )
قبلها مجددا و انطلقت الى لحن السعادة الى لحن الحب الابدي معه و له و قربه .
النهاية
أنت تقرأ
ابنة الحظ روايات غادة للكاتبة .. اليس بونغمان
Ficção Geralابنة الحظ روايات غادة للكاتبة .. اليس بونغمان الملخص حياتها كانت تدور حول محور واحد أوحد الا وهو ان تصبح مغنية محترفة فهي كانت تعرف ان لها صوتا جميلا نادرا"وانها ستحقق حلمها الابدي هذا يوما" ما,لكن فرصتها الصغيرة لتحقيق ذلك سورقت من قبل رجل يدعى خول...