8

1.7K 49 0
                                    


و حالما انطفات الانوار وصل بسرعة الى مكانه حتى قبل ان تدرك ناتاشا ذلك .
قطع التصفيق العارم بحركة للفرقة بدات على اثرها بعزف اللحن الاول من اوبرا توسكا .
و بعد ذلك غرقت ناتاشا مجددا بذلك العالم الساحر و عيونها تراقب بانذهال و انبهار ما كان يجري امامها على المنصة لكن شعورها بالسيطرة الكاملة للرجل خلف طاولة المايسترو و لم يفارقها للحظة .
القوة الهائلة و الطاقة المتدفقة بالاضافة للتوازن التام و المرونة الكاملة العرض الصافي البراق لمضمون الاوبرا كان شيئا لم تختبره ناتاشا من قبل لم تعرف بالضبط مصدر التاثير الهائل لقوة المايسترو الحقيقية بهكذا عمل الا حين شاهدت ذلك بام عينها .
(
انه عرض فريد غريب كيف يستطيع روتسو و بعبقرية العمل الواحد الى شيء جديد براق و مشع فمع اني حضرت الاوبرا هذه عدة مرات لكن وجوده كمايسترو الان لها يجعلني اشعر و كأنني احضرها فعلا و للمرة الاولى ) علق احدهم من الصف الامامي .
(
انها يده اليسرى الذهبية فقط راقب تلك اليد اليسرى ) علق رفيقه
و هكذا وجدت ناتاشا نفسها تراقب اليد الجميله باصابعها الصلبة الطويلة و هي تعطي التعليمات لبقية اعضاء الفرقة . و فهمت ما كان يقصده الرجل الجالس امامها . بحركات اليد المرنة الواثقة كان خوليو روتسو يؤمن لب العمل و كان ينقل بحركات يده كل ذرة من شعور الى فرقته .
نسيت ناتاشا كرهها له نسيت انها و منذ اقل من 48 ساعة كانت تنظر اليه بازدراء و كره لانتقاده لرون . لقد راته الان على حقيقته عبقري رائع يمسك خيوط العرض بين اصابعه و بتلك اللحظة كادت ان تشعر انها تحبه للطريقة التي ينقلها بها الى عالم السحر و الروعة .
وجدت رون بفترة الاستراحة و بدوره بدا تحت تاثير سحر روتسو .
(
انه شيطان غير معقول بوصفي رجل رأيت الكثير منه تلك الليلة الا انني سارفع له قبعتي تحيه مع انني كنت لاضربه على فكه تلك الليلة ) قال رون
(
اعرف ما تقصده كنت اجلس هناك و افكر بنفس الطريقة ) اعترفت ناتاشا
(
حسنا لربما علينا اذن ان نسامحه لكونه هكذا و هكذا ) قال رون بابتسام
( كلا المسامحة امر يختلف . لا يمكنني ان اسامحه على شيء اقترفه و نطق به لكنني اتقبل ذلك كجزء من شخصيته .... استطيع ان اكرهه كرجل لكني اعبده كفنان ... الامران مختلفان كليا )
(
انك على حق حسنا ... ابقي رايتك مرفرفة و لا تدعيه يزعجك كثيرا .. الن تخرجي برفقتي هذا المساء ) سألها رون
(
كلا لا يجب ان افعل حقا )
(
حسنا هل ستدخلين الكواليس لرؤيته )
(
اه لا .. لا اعتقد ذلك )
(
حسنا في حال فعلت فانا سأودعك الان سأعود الى البلدة غدا . هل اوصل سلامك الى العائلة ) و احنى راسه طابعا قبله على شفاهها .
(
اه اجل اجل لهم جميعا . و اخبرهم عن مدى اشتياقي لهم و قل لهم انني اعمل بجد و انا اعمل بقوة حتى يصبحوا فخورين بي يوما ما ... و اذا عرفت هوية من قدم لي هذه الفرصة الرائعة – قل له او قل لها – انني سابقى ممتنة طوال العمر له او لها مهما فعل خوليو روتسو بي )
(
ايتها الفتاة العزيزة سأفعل ) وعدها بابتسام ثم رن جرس نهاية الاستراحة فافترقا كل الى مقعده .
خلال الفصل الثالث هذا اختبرت ناتاشا مجددا شعور الاثارة . الانبهار و الروعة و هي تراقب خوليو روتسو و التعابير التي كانت تظهر علة وجهه الوسيم ثم و عند النقطة الحساسة في المقطع و التي سارت بشكل اروع من أي وصف رات وجهه يشع بابتسامة و فكرت فجأة .

(
لكم يحب عمله . لهذا بامكانه قيادة العرض بتلك المسحة الرومانسية العظيمة رغم كل عجرفته فانه يعطي العمل كل ما عنده كالعاشق المستبد المتيم )
كانت هذه نظرة جيدة و مثيرة عن خوليو روتسو _ العاشق المستبد المتيم _ فكرت ناتاشا و هي تراقب الان البطل و هو يؤدي الدور النهائي .
لقد سبق لها و ان سمعت هذا الاداء لعشرات من المرات في السابق لكن هذه الليلة تفتحت كتلابيب الزهرة لدرجة انها شعرت و كانها تسمع هذا الفصل للمرة الاولى . و ادركت ان بطل الاوبرا الموهوب و الناجح قد تشذب و ادى وفق تعليمات المايسترو فاصبح كل شيء بصوته واضح للسمع و كل نبرة من غنائه كانت كالكريستال .
(
استطيع ان ازحف اليه على ركبتي ) فكرت ناتاشا بالنهاية و هي لم تكن تقصد بالطبع بطل الاوبرا مع انه هو بالطبع من حظي بالتصفيق النهائي .
و بنهاية العرض تماما و فيما استدار خوليو روتسو للمغادرة رمى ناتاشا بنظرة و اشار لها لتتبعه الى الكواليس .
فعلت ناتاشا ذلك فورا و ادخلها الحارس فورا و قال ( السيد روتسو في الغرفة رقم 1 )
فسارت الى الغرفة المذكورة و دقت الباب ببعض القوة ( ادخل ) جاءها صوته العميق .
و حين دخلت وجدته يجلس خلف المرآة يسرح شعره الداكن و عيونه لا تزال تلمع بالإثارة مع انه بدا مرهقا بعض الشيء .
(
اهلا ) قال و قدم لها كرسي ( كيف وجدت الامسية )
(
كنت رائعا )
(
اوتعرفين الكثير عن ذلك الى أي درجة تعتقدين نفسك قادرة على تقييم القيادة الموسيقية للفرقة )
(
انها يد يسرى جيدة . لقد اكتشفت ذلك ) ردت ناتاشا
فاستدار فورا و عاد اليها و المنشفة بين يديه ( كيف عرفت ذلك ) سألها بدهشة واضحة
(
لقد ... لقد سمعت احدهم يقول ذلك فراقبت و رأيت ذلك بنفسي )
ارخى رأسه الى الخلف و ضحك بصوت مرتفع ففكرت ناتاشا ( انه بالغ الوسامة بدرجة غير عادلة )
ثم ربت على خدها بحدة بأصابعه المبللة و قال ( انت تتعلمين ما رايك ببورتيغي )
(
رايي بها ... انها بكل بساطة رائعة .. اليس كذلك )
(
اجل كانت ببساطة رائعة هذه الليلة )
(
اتسأل ان كان سيعتبرني يوماً رائعة هكذا ) فكرت ناتاشا بألم
بتلك اللحظة سمعا طرقا خفيفا على الباب تلاه صوت جوليا بورتيغي الجميل ( مايسترو هل بامكاني الدخول هل انت لائق الملبس؟ )
(
بما فيه الكفاية )
كانت لاتزال برداء الاوبرا البراق و حالما دخلت الغرفة نهضت ناتاشا بغريزية و افسحت لها المجال
(
يا عزيزي ماذا بإمكاني ان أقول ؟ كنت رائعا الليلة )
(
انت كنت رائعة أيضا )
(
لا باس كلانا كان رائعا .. نحن جيدان كل بمفرده و حين نجتمع نصبح الافضل بالمطلق ... يجب ان نكون سويا ....... سويا اكثر خوليو ؟ )
(
قد نقتل بعضنا البعض حينها ) لامس وجنتها بحنان و اغاظة محببة
و هي تراقبهم شعرت ناتاشا بالانعزال بدا انهما لا يحسان بوجودها اصلا لكنها كانت مخطئة بهذا على الاقل هو لم يكن قد نسيها كليا فقد استدار و ذراعه حول جوليا بخفة و قال ( لا اعتقد انك قد قابلت من قبل تلميذتي ناتاشا برايت )
(
تلميذتك ) رددت المغنية و هي ترمق ناتاشا بنظرة متفحصة سريعة ( لم اكن اعلم ان لك تلاميذ )
(
لا يكون لي... عادة ) اجاب

(
هل هي ذات موهبة خاصة جدا اذن ) سألت جوليا
(
هي تبدي لمحات من وعد احيانا ... و باحيان اخرى اعتقد فقط بانني اضيع وقتي )
(
هذه ليست من عادتك ... تضييع الوقت )
(
حقا )
(
انها فتاة محظوظة ان تكون تلميذتك ... يا الهي كنت لاقدم روحي مقابل هكذا فرصة و انا بمثل سنها .. على ما اظن .... انها تعبدك )
(
عليك ان تسالي ناتاشا نفسها عن ذلك )
(
حسنا ) قالت جوليا و هي تنظر الى ناتاشا ( لا داعي لهكذا سؤال صحيح ... نحن نعمل له ... نحن نعبده )
(
اعتقد يا سيدتي انني لست من النوع الذي يعبد احدا – انا معجبة - و حتى اعظم - السيد روتسو على عبقريته ,لكني لا اعبده كشخص و اعتقد انه سيشعر بالارتباك لو فعلت )
(
اه احتاج للكثير الكثير حتى اشعر بالارتباك )
(
انها باردة انت لن تصنع منها فنانة اذا ما بقيت الصغيرة على هذه البرود ) قالت جوليا
(
سترى ... ما كان عليك ان تضغطي عليها جوليا انها صريحة و هي ليست معجبة بي )
(
آه .. إعجاب .. المرء لا يعجب بك يا حبي .. المرء اما ان يحبك و اما ان يكرهك .. احيانا يحبك و يكرهك بنفس الوقت )
(
حسنا يا جميلتي الحساسة سنترك هذا السؤال للوقت الحاضر .. اذهبي و غيري ملابسك الان و الا تاخرنا على العشاء )
مطت فمها باحتجاج مرح لكنها خرجت بدون ان تلقي و لا بمجرد نظرة على ناتاشا .
حين اغلق الباب خلفها قال ( من الافضل لو تغادري انت ايضا ناتاشا لقد تاخر الوقت .. و اذهبي مباشرة الى المنزل لا مجال للتسكع مع الشاب الجلف من تونغا )
(
هل عليك ان تجعل الامر يبدو مهينا هكذا ) سألته بغضب .
( هذا ضمان ضد تهديد جوليا لا اتحمل ان اكون محاطا بتلميذة عاشقة كما تعلمين )
(
لا داعي لتقلق بهذا الشأن انا حتى لست معجبة بك كما سبق و قلت .. و اذا كانت السيدة بورتيغي على حق بقولها ان المرء اما يحبك او يكرهك ..... فانا اعرف تماما مع أي طرف موجودة )
استدارت لتغادر مدركة ان هذا افضل ختام لكلامها لكنه استدار و امسك بها مانعا اياها من التحرك مما سبب لها الدهشه و الخيبة .
(
حسنا مع أي طرف انت ناتاشا ) سالها و ذراعه حولها بقسوة .
(
و ماذا تعتقد انت؟ )
(
انا أتسال عن ذلك أحيانا ) اجاب و احنى راسه مقبلا اياها .
(
كيف ... كيف تجرؤ على القيام بشيء كهذا ) سالته و عيونها متوسعة و حانقة ( انا لم اقل ابدا ان بامكانك تقبيلي انا لم ارغب بـ...)
(
ا ه . بحق السماء لا تكوني ميلودرامية بشان هذه القبلة لا تعني شيئا بعالم المسرح .. لا داعي للبطولات . هيا اركضي فورا الى منزلك .... لقد تاخرت بدوري بما فيه الكفاية )
استدار مبتعدا و شعرت بالغضب يتحرق داخلها و معه شعور من الخيبة لم تعرف كنهه و هي تغادر الغرفة العديد من الاشخاص كانوا يتحلقون في الممرات و بعضهم اخذ يرمقها بفضول لخروجها من غرفة الرجل العظيم . لكن ناتاشا بالكاد لاحظتهم و هي تمر نحو باب الخروج .

(
اذهبي مباشرة الى المنزل ) امرها و اعتقدت ان هذا ما ستفعله لكن و لسبب ما اشتغل التمرد داخلها و وجدت نفسها تغادر المسرح و تقف قرب باب الخروج تحت احدى الاشجار بانتظار خروجه .
مجموعات من الناس كانت موجودة خارج الباب ايضا بانتظار خروج المغنين و الموسيقي الرائع .
رأت المغني يخرج أولا يوقع بعض الدفاتر للمعجبين ثم يبتعد بسيارته .
(
ها هي ) علا الهتاف بين الجموع و لحظات و ظهرت جوليا بورتيغي الساحرة باناقتها المميزة على باب الخروج و خلفها خوليو روتسو .
كان يبتسم و مزاجه ممتاز كما يبدو مع ان ناتاشا كانت سعيدة و لم تسمع ما كان يقول لكن لاشك من انه قد تفوه بنكتة ما لان الضحك ارتفع من الجميع و رمته جوليا بنظرة براقة .
(
انا لا اتحمله ) قالت لنفسها .. ( كنت لأقتله عندما قبلني بتلك الطريقة العادية المهنية )
حين تحرك الاثنان اخيرا و اصلح هو من وضع الفراء حول اكتاف جوليا وجدت ناتاشا اظافرها تكاد تغرز بلحم كفاها . كانا داخل السيارة الان و خوليو روتسو خلف المقود و اخذت الجموع تتفرق و ناتاشا بمكانها هناك دون ان ترى شيئا امامها الا هذين القريبين من بعضهما البعض بحميميه مبتسمة ... و خطواتها تسير ببطء على الرصيف سمعت صوت توقف السيارة قربها و سمعت صوته الصلب العميق يقول لها عبر زجاج النافذة النصف مفتوح ( اذهبي الى المنزل فورا ناتاشا انا لا اتوقع ان اكرر اوامري مرتين )
و تابع سيره و جوليا المبتسمة الى جانبه و ظلت ناتاشا وحدها في الشارع الذي اصبح فجأة مهجورا و مظلما .
انطلقت فورا الى المحطة ثم الى مسكنها ... الجميع كانوا نياما حتى لوليتا .. فصعدت ناتاشا الى غرفتها و شعور من الاحباط يسير عليها و شعرت برغبتها العميقة بالبكاء . فبكت دون ان تعرف الدافع لذلك .
نهضت بعد قليل و اخذت تخلع ملابسها . و تحاول ان تحلل سبب شعورها هذا . ( العرض كان رائعاً ) قالت لنفسها ( يجب ان اشعر بالسعادة .. او على الاقل بالفرح .. جوليا بورتيغي رائعة بكل معنى الكلمة .. هي لم تحبني اجل ... و لكني لم احبها بدوري ... لكن هذا امر لا يهم )
وضعت بيجامتها عليها و تابعت ( ما كان علي ان اثير كل تلك البلبلة حول تقبيله لي على ما اظن فهو محق تماما بقوله ان القبلة لا تعني شيئا بعالم المسرح و لا تلك القبلة بالاستديو تعني له شيئا ايضا )
لكن بدلا من ان يشعرها هذا التحليل بالراحة فقد ازداد احباطها .
( الشخص يشعر بالتعاسة حين يعود الى المنزل بمفرده ) خاصة حين يذهب الاخرين سويا لتناول العشاء و الاستمتاع . أتساءل الى اين ذهبا هو لم يطلب منها الخلود للنوم باكرا لكني اظن انه حين اصبح بمركز جوليا بورتيغي فسيحق لي بعض الراحة انها تتصرف بتملك كامل فيما يتعلق به او ربما هي تقبل كل شخص بتلك الطريقة كلا لا اظن ذلك هو فقط اه ما الذي يهمها من كل ذلك على كل حال؟ .
خلال الأسابيع اللاحقة تقلبت ناتاشا بين مشاعر السعادة و اليأس و هي تدرك تماما الحياة الجديدة التي بدات بها .
في البداية كان هناك تحسنا واضحا مع ان جلساتها مع خوليو روتسو كانت مؤلمة . لكن الان و بهذه المرحلة اخذت تشعر بعدم الثقة بنفسها و كلما جاهدت للحصول على موافقته و رضاه كلما شعرت ان هذا كان أملا مستحيلا.
( لا تعذبي نفسك بهذا الشأن ) حثتها راندا بيور برقة حين كانت ناتاشا تتخبط بأعماق اليأس ( الأمر هكذا مع كل واحد هنا . في البداية تشعرين بالدهشة للأشياء التي تتعلمينها بسهولة فلست الوحيدة التي تشعرين بذلك . أؤكد لك هذا بعد فترة ستبدئين بالشعور بالتوازن بين الضعف و القوة . انت تسيرين بشكل جيد جدا بأدائك بالواقع )


ابنة الحظ  روايات غادة  للكاتبة .. اليس بونغمانحيث تعيش القصص. اكتشف الآن