7

1.9K 45 0
                                    



كان يقف وينظر اليها بأسى يقطع القلوب بخبث شيطاني ايضاً وفكّرت فجأة بما قاله لها للتو..((انت تحبين الرجل الواقف امامك ,تحبينه وتخافينه بنفس الوقت))..سيطر عليها هذا الاقتناع ببريق كالصاعقة لانه كان الحقيقة, وبدون علمها كان هناك حنان ورعب بنظرتها وكذلك بصوتها.
ثم حين سألها بنبرات يثقلها القدر اذا ماكانت قد تلت صلواتك لتلك الليلة اصبح كل شيء حقيقياً بدرجة مروعة لدرجة ان كل شعور بالتمثيل هجرها.
بالتدريب والانتظام الفطري ظلت الكلمات تتدفق الى فمها لكنها كانت تغنيها بصراخ مرعوب وبتوٍسل جعل ستيفان ينظر اليها بتعجبٍ اصيل.ثم قفزت عن الكنبة كأنها فعلاً ستفقد الحياة وكانت لتقفز بعيداً عن المشهد بأكمله لولا ان انحنى الموسيقي البارع نحوها ودفعها مجدداً الى الكنبة صرخت بالفعل حينها وحين شعرت بأصبعه على حنجرتها ـ كماُ يتطلب الدور ـ انفجرت بالبكاء.
افلتها فوراً وتوقفت الموسيقى فجأة فيما جلست ناتاشا على الكنبة وهي لاتزال تبكي.
((توقفي عن هذا الهراء ))قال لها خوليو بعد دقائق .وحين لم تستطيع ذلك جلس الى جانبها ووضع ذراعه حولها.
((لاتكوني سخيفة.لايجب ان تنفعلي بتأثر لهذه الدرجة , وإلا فلن نتمكن ان نجعل منك فنانة, على الشعور ان يكون موجوداً بالطبع..وعندك الكثير من المشاعر هذه وانت فتاة جيدة..لكن عليك التحكم بعواطفك لا ان تدعيها تتحكم بك. هل اخفتك لهذه الدرجة؟))
طأطأت راسها موافقة دون ان تنطق.
((يبدو انِ علىّ التمثيل على المسرح))قال لستيفان باستمتاع.
((عندك موهبة بالطبع. لكنك اخفتها كثيراً بالتهجم عليها بقسوة لتأخرها عن الموعد))قال ستيفان.
((أنا آسف))نظرت ناتاشا اليه بهذه اللحظة بعدم تصديق وقالت((ماذا قلت؟))
((هذا مدهش بالطبع, اعرف لكني قلت انني آسف. اعتقد انني قد انسقت كلياً بالدور))
((حقاً؟))
((اجل ,هناك ثناء لك على تمثيلك وادائك .لكن تذكري..لايجب ان تتركي رعبك ومشاعرك تسيطر عليك))
((ماكنت لافعل ذلك مع اي شخص آخر))قالت بسذاجة مما دفعه للضحك.
((انا لن اكون ابعد من الفرقة الموسيقية . تذكري, حتى لو لم اكن على المنصة))
جففت عيونها ونظرت اليه بذهول.
((هل تقصد..))بدات بنفس لاهث.

((انا لا اقصد اي شيء . كنت انظر الى البعيد.لكن اذا ما توصلت لغناء ديدمونة على المسرح فثقي انني سأكون قائد الفرقة))
((لانك ..لانك تريد ان تكون المايسترولي؟))قالت بدهشة
((كلا..بل لان لان لانية لدي بتركك تسببين بالفوضى العامة. لكني اقول لك ..هذا سيحدث في المستقبل البعيد. هذا اذا ماحدث اصلاً))كان الرد القاسي.
تقبلت ذلك حينها ولم تطرح المزيد من الاسئلة. لكن وهي بطريق عودتها الى المنزل اخذت تفكر بعمق وبكل ماحدث بهذه الامسية المذهلة.
ومع ان المطر قد توقف الان لكنها لم تكن تشعر بذلك وكانت كلمات خوليو تتكرر بعقلها((تذكري انك تحبينه وتخافينه بنفس الوقت))
((اعتقد ان هذا مايمكن ان ينطق عليه هو بالذات.انه بكل بساطة بغيض وكريه معظم الاحيان.ماكان ليكون اكثر بغضاً عما كانه حين وصلت متأخرة.ولكن..كيف بدا حين كان يؤدي ذلك الدور.لكنه كان مجرد دوراً تمثيلياً بالطبع..وكان ستيفان محقاً بقوله ان خوليو موهب تمثيلية .لكن الامر لم يكن كذلك فقط))فكّرت بفضول.
وفجأة وكالصاعقة توقفت مكانها بجمود وقالت بصوت مرتفع((لقد قبّلني..بطريقة خفيفة ضاحكة قبّلني! لم افكّربذلك قبل الآن لكني لم اشعر بذلك في حينه لكن..آه,انا اتذكر ذلك لآن.انا اذكر انه ضحك ولامس وجنتي بشفاهه..وقال انني فتاة جيدة وعندي الكثير من المشاعر))
اعطاها هذا اكثر المشاعر غرابة وروعة. شيء بين النشوة القصوى والسعادة الفردوسية.
ومرة اخرى رن جرس الهاتف ذلك اليوم مجدداً كان رون بلوكيو هو المتكلم باستفسار قلق ولطيف حول ماحدث لها بدرسها ذلك اليوم.
((كان ذلك مريعاً لدرجة ما.كان شديد الغضب حين وصلت متأخرة..لكن بالنهاية تغلّب على ذلك..وتمتعت بدرس ممتع))
((ممتع كيف؟))سالها .
((حسناً,جعلني اقوم بدور ديدمونة في اوبرا عطيل وقام هو بدور عطيل و..))
((وهل يغني؟))
((كلا,كلا.هو اكتفى بنطق الكلمات,وتتابع الفصل بشكل معتاد ومؤثر))
((حتى المقطع الحساس))
((اجل))ردت بخيال وهي تتذكر كل لحظة سابقة.
((لااعتقد ذلك مناسب تماماً))علق رون بجدية مما جعل ناتاشا تضحك.
((خوليو لايقوم بالاشياء المناسبة .لكن لم يكن من شيء مهين بذلك اذا كان هذا ماتقصده))
((لااستطيع تخيل كيف ممكن ان يكون ذلك شيئاً غير مهيناً .متى بإمكاني دعوتك للعشاء ناتاشا؟))
((آه,بأي وقت ..انا اذهب الى الاوبرا احياناً مع الفتيات .لكن لايوجد اي شيء خاص بهذا الاسبوع حتى يوم الجمعة حيث سأذهب لاحضر فالي لجوليا بورتيغي حيث سيكون السيد روتسو المايسترو))
((اذاًسأدعوك مساء الغد موافقة؟وهل ترغبين بالذهاب الى المسرح ام تفضلين العشاء والرقص؟))
((انا لاامانع .كلا الخيارين يبدوان رائعين جداً))
((اذاً سنفعل الخيارين..سأمر لاصطحابك غداً في السادسة والنصف .لكننا سنتعشى قبل ان نذهب الى المسرح.ثم سنذهب لنرقص في مكان ما.موافقة؟)).
((مليون بالمئة موافقة .شكراًجزيلاً لك))اعلنت ناتاشا بسعادة.
اعادت السماعة الى مكانها وهي تشعر بأن رون بلوكيو هو الطف رجل بالعالم بأكمله.
صباح اليوم التالي,حدث شيء اكد رأي ناتاشا برون بلوكيو .فقد وصلتها رسالة في الصباح تتضمن مبلغ خمس مائة دولار مع رسالة صغيرة تقول ((سيدتي العزيزة لقد امرنا زبوننا ان نقدم لك مبلغ المال المرسل مع الرسالة. يشعر زبوننا انه وبالرغم من التغطية الكاملة لكل تكاليف اقامتك ودراستك وما الى ذلك الا انك ستحتاجين لبعض المصروفات الخاصة من وقت لاخر لشراء الملابس الخاصة الخ..)),المبلغ المرسل مخصص لهكذا احتياجات وسيصلك مبلغ مماثل كل شهر. المخلص لك)).

((آه هذا كثير جداً.انه ملاك))علقّت ناتاشا.
((من هو هذا؟))سألتها لوليتا الموجودة معها على طاولة الافطار
((آه,لوليتا ..اتمنى لو كان باستطاعتي اخبارك))
((ولم لاتفعلي اذن؟))اقترحت لوليتا ببساطة.
((لان..))ثم شعرت ناتاشا فجأة برغبة عميقة لمشاركة احدهم بهذا السر فشرحت للوليتا كل ماحدث.
وانهت حديثها بقولها((لكنه ليس مجهول الهوية تماماً لي في الحقيقة,هو قد يكون شخص واحد فقط))وتابعت لتشرح لصديقتها عن رون بلوكيو ولطفه معها ومع عائلتها.
((لاشك انه مغرم بك))سارعت لوليتا للقول.
((كلا,كلا.انه ليس كذلك .وانما تعتقدين بوجود غرام بين الاشخاص. انا ليس عندي الوقت لهكذا امور.انا سأصبح مغنية فنانة .الامر فقط انه يحترم عائلتي كثيراً ويؤمن بصوتي و...))
((هل هو رجل عجوز؟))
((عجوز!؟كلا بالطبع لا.ولماذا يكون كذلك؟))
((هذا مافهمته من طريقة حديثك ..ملصقة به كل تلك الدوافع الغبية والباهتة؟ هل هو وسيم الشكل؟))
((اجل,اجل))
((اجمل من خوليو روتسو؟))
((انا..لا اعرف .لم افكر ابداً بإجراء اية مقارنة بينهما .انه اجمل واكثر وسامة من السيد روتسو.انه يبدو حبيباً))
((حسناً لم يسبق لاي شخص ان اعطى هذه الصفة لخوليو .متى وصل المال؟))
((آه..))قالت ناتاشا وبما ان الرسالة كانت تدل على نفسها ناولتها ناتاشا لصديقتها وقالت ((ارايت..لاشك انه رون بلوكيو ..هو سيصطحبني الى العشاء هذه الليلة ولاشك انه قد فكّر انني لا املك الثوب المناسب لهكذا مناسبة.لهذا قد ارسل لي المال))
.((انه توقيت قريب اجل.لكن , هذا لايهم فعلاً. المال هو الشيء الاساسي! انتهي من الفطور وسأصطحبك لشراء الثوب الماسب. هل عندك دروس صباحية؟))
((كلا,كل شيء تمام))اعلنت ناتاشا
وظل هذا هو اعتقادها لاحقاً من ذلك اليوم ولوليتا تنتقي لها الثوب المناسب والذي كان بلون الفيروز مع خطوط بنية داكنة تزيد من روعته وجماله.
((انه يكلف قليلاً لكنك تبدين كالحلم به وبعد كل شيء عليك ان تحصلي على كبرياء رون واعجابه بما انه كريم معك لهذه الدرجة))
فكرت ناتاشا بنفس الشيء وهي تنظر الى الرداء الساحر بقصته التى تظهر تناسق جسدها الرشيق ونعومة بشرتها الوردية. وكانت السعادة تزقزق داخلها وهي تتجه الى سيارة رون الذي وصل بالوقت المحدد بالضبط ومد لها يديه وهو ينظر اليها بموافقة ورضى.
((ساحرة تماماً .هذا بالطبع لم يصل من البلدة))
((آه ,كلا! لقد اشتريته بمساعدة لوليتا هذا الصباح بالذات..ممولي الكريم المجهول الهوية قد ارسل بعض المال قائلاً ان عليّ صرفه على شراء الملابس للمناسبات الخاصة.هذه مناسبة خاصة جداً))
((انا اشعر بذلك ايضاً.مع ان علي اخبارك ناتاشا ان الامسية بأكملها لن تكون لنا بمفردنا.هل تمانعين؟))
((كلا.مهما كان ترتيبك فأنا سأسر به))

(((انا لم ارتب لذلك بالضبط على الاقل ..اجل لقد فعلت .لكن فقط لاني كنت مضطراً لذلك ,سنستمتع بالعشاء والمسرح بمفردنا .سينضم الينا احد الشركاء الصناعيين وزوجته لان..))
((لكن لاباس بذلك !سأعود الى المنزل حينها اذا اردت فبعد كل شيء..))
((كلا لن تفعلي ..ستكونيين معي لهذه الامسية ولن ادعك تفلتين مني. حتى ولو كنا مضطرين لنصبح اربعة لاحقاً فسنمضي امتع الاوقات بمفردنا اولاً))
وكانت الامسية ممتعة فعلاً وشعرت ناتاشا انه لم يسبق لها وان استمتعت لهذه الدرجة من قبل على العشاء كان رون رفيقاً رائعاً وساحراً وبدا انه لم يكن مهتماً تماماً بمعرفة كل شؤونها. كان يسألها بتركيز عن الذي حدث بعد ان عادت متأخرة الى درس الموسيقي وبدا متعاطفاً جداً وبالغ الرقة واللطف.
((اليس عليك ان تقلق بشأني فعلاً..انا بدأت بأن اصبح قادرة على الاعتماد الكلي على نفسي))
بدا وكانه قد وجد ذلك مشجعاً وجيداً واخيراً ذهبا الى المسرح سوياً شعرت ناتاشا انها ناضجة تماماً وما كان ليفرحها اكثر اي شعور اخر غير هذا.
المسرحية التى اختارها كانت جيدة واكتشفا بسعادة انهما يتشاركان بنفس الاهواء والهويات.وكان من المؤسف ,فكرت ناتاشا انهما لن يتابعا السهرة سوياً بمفردهما.
على كل حال الزوجين الذين انضما اليهما في فندق الشيراتون كانا بالغا اللطف بدورهما وجلسا معهما بالطاولة التى سبق لرون ان حجزها في المربع الليلي هناك.
((ايعجبك؟))سالها وهو ينظر اليها عبر الطاولة بعيونه الساحرة وابتسامته المحببة.
((انا اعشقه!لم يسبق لي وان سهرت واستمتعت هكذا من قبل. لااظن انني سأ..))
وماتت الكلمة على شفاهها .لانه وبخطوات واسعة ووجهه متفجر غاضب كان خوليو روتسو يتجه نحو طاولتهم.
((عن اذنك..))قال خوليو وهو ينحني باختصار ثم استدار الى ناتاشا وقال بنبرة غضب باردة((ما الذي تفعلينة هنا بمثل هذه الساعة المتأخرة من الليل؟لن تكوني صالحة لاية دروس تدريبية في الصباح!))
((عندي بعضاً مما يسمى حياة خاصة))بدات ناتاشا بدافع,لكن رون قدم لمساعدتها فوراً.
((الانسة برايت ضيفتي..وانا اتحمل المسؤلية الكاملة بإبقائها متأخرة))
((الانسة برايت تلميذتي ايضاً.وانا اتحمل المسؤولية الكاملة بتأكدي من عودتها الى المنزل بساعة ملائمة, كان عليها ان تكون بالسرير الان هل ستوصلها انت الى منزلها ام افعل انا؟))
((عفواً..ماذا قلت؟))بدا رون وكأنه لم يسمع ماقاله خوليو.لكنها ادركت تماماً انه قد سمع بالفعل.
كانت مستعدة لصفعه بقوة بتلك اللحظة,لكنها قالت وهي تحاول جاهدة السيطرة على اعصابها ((عند السيد بلوكيو ضيوف اخرون ولايستطيع تركهم بالطبع.انا بالطبع لن اكون السبب بإفساد حفلته هذه.سأعود الى المنزل بنفسي حالما استطيع))
((ستعودين الى المنزل الان.وسأخذك اليه بنفسي))
((لكني اخبرتك انها ضيفتي))اوضح رون.
((وانا اخبرتك انها تلميذتي وهي بالتالي تحت سيطرتي الكاملة))
((حتى بحياتها الخاصة؟))استفسر رون بعيون متوسعة
((بكل شيء))كان الرد البارد المختصر.
((سأذهب .لاتقلق رون, عليك الاهتمام بضيوفك الاخرين.من فضلك اعتذر لهم بالنيابة عني واشرح انني كنت مضطرة للمغادرة.شكراً لك. كانت امسية رائعة,لانريد انهائها بالصراخ))
(( لكني لم اسمع مطلقا بهكذا تصرف ) )احتج رون
( ستسمع المزيد من هذه التصرفات اذا ما ظللت تتصل بالانسة برايت . جاهزة ناتاشا ؟ ))
(( سأستقل تاكسي )) قالت و هي تقف و تحدق به بكره واضح .
(( اصعدي )) اجاب و هو يفتح باب سيارته و بما انه لم يكن امامها أي خيار اخر .... حتى تتحاشى الصراخ وسط الشارع فقد صعدت الى السيارة .... لكنها حدقت بالزجاج أمامها و أقسمت الا تتفوه بأيه كلمة .

صمت مطبق اطبق داخل السيارة الى ان قال بنفاذ صبر (( لا داعي للعناد عليك ان تكتشفي عاجلا ام اجلا ان حياه المغنية صارمة و محددة . السهر الطويل و النوادي ليست لك و كلما سارعت بمعرفة هذه الحقيقة كلما كان افضل و اذا كنت تتخيلين انك مغرمة بذاك الشاب فمن الافضل ان تمسحي ذلك على الفور ايضا .لن يكون عندك الوقت لهكذا اشياء . استطيع ان اؤكد لك هذا )
( اعتقد انك اكثر الاشخاص بغضا و عدم احتمالا بالعالم بأسره )
( هذا ممكن جدا .الاشخاض المبغضين و الذين لا يحتملوا هم الذين يصلون الى القمة عادة . المملين اللطفاء و الرقيقين يبقون في بلدتك بونيا مثلا )
هذه المرة هي من ظنت انها لم تسمع ما قاله فعلا الا يملك و لا ذرة واحدة فقط من اللياقة ؟ ها هو يتقبل المال من رون و يتكلم عنه بهذه الطريقة المزدرية عليها على الاقل اطلاعه على حقارة هكذا تصرف منه .
( هل تظن انه من اللياقة و الشهامة منك ان تتحدث عن رون بهذه الطريقة فيما انت تقبض ماله لتقوم بتدريبي ؟)
مرت فترة صمت طويلة تمنت خلالها ان تكون قد اصابت منه مقتلا لكن حين تكلم اخيرا بدا مستمتعا اكثر منه خجلا ( انا لم افكر بهذا من هكذا منطلق )
( اذن فكر به الان ) ردت ببرود
حين وصلا اخيرا الى المنزل اوقف السيارة و تناول مغلفا صغيرا من جيبه و ناولها اياه .
(هاك بطاقة الحفلة ليوم الجمعة و ارى ان تكوني هناك بالوقت المناسب )
حدقت بالمغلف دون ان تلمسه لانها لم ترغب بتلك اللحظة باخذ أي شيء منه.
( شكرا لك لكني ساذهب مع الفتيات و سأجلس في البلكون ) قالت باشمئزاز .
( لن تفعلي ذلك مطلقا ستجلسين في الصف الثالث حيث بامكانك ان تشاهدي كل خيال في الاداء . هذه هي المرة الاولى التي تشاهدين فيها اداء موسيقي عظيم و قد تدركين تماما معنى ذلك بالضبط )
( أليس هذا ما يسمى تكبر و عجرفة ؟)
( كلا بالطبع لا انه مجرد مدح مهم لفنان كبير و حتى و لو حدث ان هذا الفنان هو انا . عليك تعلم ادراك هذا الامر اذا انا اردت ان يكون لك يوما حكما سديدا . ستجدين انك اذا استطعت ان تقيمي نفسك دون خجل او اجحاف . فانت لن تتقدمي مقدار خطوة . خذي البطاقة و توقفي عن المجادلة حان وقت نومك منذ ساعات )
اخذت البطاقة و لم تشكره و لم تقل له ( تصبح على خير ) و لماذا تفعل؟ فكرت بغضب . لقد اعطاها البطاقات ليبهج نفسه لا نفسها و هي لن تتمنى له ليله هانئة على العكس هي تتمنى ان يهجر النوم عيونه و ان يبقى مستيقظا جراء ما فعله هذا المساء لكنها شكت كثيرا ان يكون هذا حاله .
في الحقيقة ناتاشا هي من هجر النوم عيونها تلك الليله و هي تحاول ان تتذكر القسم الأحلى من تلك الأمسية و الذي قضته مع رون . لكنها لم تنجح بذلك نظرا لسيطرة القسم الثاني من السهرة على بدايتها .
( الجميع يقول انه عبقري لكني اظن ان عبقريته الخاصة تكمن بان يجعل نفسه بغيضا اكثر من أي مخلوق اخر )
اخيرا و قد افرحتها نتيجة تفكيرها هذا استغرقت بالنوم .
صباح اليوم التالي كان من الطبيعي ان لوليتا اخذت تسألها باستفسار عن مجريات الليلة السابقة فاعطتها ناتاشا شرحا مشرقا عن القسم الاول من السهرة لكن دون ذكر تدخل خوليو روتسو .
لكن لوليتا كانت مغرمة بالتفاصيل .
( و في أي وقت اوصلك رون الجميل اخيرا الى المنزل ؟ و هل اخذ منك موعدا اخر خلال اقامته بمدريد ؟ )
ترددت ناتاشا و لكن و لان الغضب هو الذي سيطر عليها اوضحت ( ليس رون من اوصلني الى المنزل بل السيد روتسو )
(تقصدين انه انضم الى حفل العشاء ايضا ؟ )سالت لوليتا و عيونها تتوسع بتاثر .
( ليس بالمعنى الذي تقصديه . وصل الى المطعم . راني و قد تصرف بطريقة حقيرة و مذلة )
( يا عزيزتي الم يقاتله رون او أي شيء من هذا القبيل ؟ ) سالت لوليتا بصوت مذهول .
( كلا بالطبع لا . لا يمكن للمرء ان يقوم بالعراك على مرأى من كل الناس ) .
( و لا مع خوليو روتسو بالذات . انه من نوع الاشخاص الذين يقصدون تماما ما يقولون و ينفذوه بدون أي مجادلات او معارضة )

( لقد حدث بعض الجدال )
(لكن دون تبدل بالنتيجة الحتمية )
للحظات لم تجب ناتاشا ثم قالت بتردد : (دون تبدل بالنتيجة الحتمية )
و فجأة تمنت لو ان رون رفض السماح لخوليو روتسو باصطحابها الى منزلها مهما بدا هذا غير معقولا او غير منطقيا .
لربما رون نفسه شعر ان الاجدر به كان ان يفعل ذلك ايضا لانه اتصل بها قبل ان تنتهي من فطارها و صوته يحمل كل قلقه و اعتذاراته .
( انا ببساطة لم استطع التغلب على اهانته تلك و لا استطيع ان اخبرك عن مدى اسفي ناتاشا . لانني لم استطع ان اترك ضيوفي بتلك اللحظة الحرجة )
( ارجوك لا تفكر هكذا ، اعرف انه لم يكن لك أي خيار بهذه المسألة . لا يمكن لاي شخص ان يترك ضيوفه و ينسحب على كل حال حين يكون السيد روتسو بذلك المزاج فعلى الاخرين ان يقوموا بشيء واحد فقط ان يطيعوه )
( لم ادرك ان وقتك معه كان قاسيا لهذه الدرجة . لا شك انك تلعنين و بعمق الشخص الغبي الذي وضعك بطريق هذا الموسيقي )
( اه ... كلا ...انا اعطي ممولي ......ممولي مجهول الافضلية لادراكه ان ما اريده اكثر من أي شيء اخر بهذا العالم هو التدريب الافضل و الاكمل . و بالتاكيد انا احصل على ذلك من خوليو روتسو مهما كان بغيضا و غير معقولا الشخص ذاته . انا اعرف تماما انني محظوظة جدا بكوني تلميذته )
( حتى و لو كان قاسيا جدا معك )
( حتى و ان يكن ) اعلنت ناتاشا بصدق .
( حسنا لا اعرف بدت المسأله وضعا تعيسا للغاية لي )
( اه .. كلا رون .. انها ليست تعيسة ... لا شيء من هذا القبيل مطلقا . مغيظة و تثير الجنون ربما لكنها مثيرة جدا بنفس الوقت . اظن ان الانسان يلعب بالنار لهذه الاهداف بالذات )
( و هل هو النار )
( بالطبع )
فترة صمت طويلة ثم صوت رون سأل بفضول ( كل هذا غريب هل تشمئزين منه ناتاشا ؟ )
فتحت فمها لتجيب بالإيجاب الكلمات كانت على طرف لسانها . لكن شيئا اقوى منها منعها من النطق و شعرت فجأة بالارتباك و الحيرة ليس بالنسبة لما عليها ان تقوله فقط بل بما كان يجول بفكرها ايضا .
ثم قالت بالنهاية و بخفة ( انها علاقة عمل صرفة )
مع انها كانت تعرف جيدا انها لم تكن كذلك ( الاشمئزاز او ... او العكس لا يتدخل ببساطة بهكذا علاقة انه الرجل القادر على جعلي مغنية و انا اتقبله على هذا الاساس )
( فهمت ) رد و لكنه بدا محتارا و تفهمت ناتاشا ذلك و كانت محتارة من هذا .
ثم شرح لها رون انه لن يكون قادرا على رؤيتها مجددا ذلك اليوم لكنه يملك بطاقة للأوبرا مساء اليوم التالي و انه يأمل برؤيتها حينها .
( و اذا استطعت الهروب من الطاغية . لربما تمكنا من تناول العشاء معا . ساجد مكانا بعيدا حيث لن يتمكن من ايجادنا )
( شكرا جزيلا رون لكن لا )
( الا تزالين خائفة ؟ )
( ليس هذا ... انا فقط تقبلت معرفته المتفوقة حول نمط حياة المغنية )
( اتمنى ان يعرف هو كم ان تلميذته نجيبة و مطيعة )
( اشك بذلك ) قالت بضحك
( هل دفعك او حرضك لتكوين هكذا فكرة ؟ ) سألها
( كلا ابدا لقد أقنعني بسلطته الطبيعية على ما أظن )
( حسنا .... حسنا انا احسدك على مبادئك .. لكني كنت اتمنى ان تكوني متساهلة اكثر بهذا المجال )
( كلا رون انه مستقبل انا مقتنعة به تماما . الى اللقاء و أراك في دار الاوبرا غدا )
لاحقا من ذلك اليوم و اثتاء درسها الموسيقي لاحظت ان السيدة راندا كانت اكثر مرحا من العادة معها . فتجرأت ناتاشا لتسألها ما كان يحيرها و تقول ( سيدة بيور هل يتصرف السيد روتسو دوما كالطاغية المستبد مع كل تلاميذه )
فترة من الصمت مرت قبل ان تقول السيدة راند ( انا لا اذكر مطلقا انه سبق له ان قام بتعليم أي تلميذ او تلميذة من قبل و لهذا لا اعرف )
( لم يعلم من قبل مطلقا ؟ تقصدين انني تلميذته الاولى بالمطلق )
( هذا حسب علمي اجل . من غير المعتاد ابدا لفنان بمثل مستواه ان يزعج نفسه بالتعليم كما تعرفين )
( اذن شخص ما .... ممولي او لا اعرف بماذا ادعوه يدفع له مبلغا ضخما من المال مقابل تعليمي )
(ممكن لكني اشك باهمية دور المال بهذا المجال فالسيد خوليو روتسو يعد من الاثرياء المكتفيين )
( صحيح لكن ما هو السبب اذن سيدة راندا ؟ ما هو السبب )
( ناتاشا انت غريبة بتواضعك بالنسبه لفنانة معظم التلاميذ كانوا ليدركوا ان السبب هو مؤهلاتهم و منذ البداية )
( تقصدين انه و لدرجة ما يعتقدني استحق الوقت الذي يصرفه على تدريبي )
( اعتقد ذلك اجل )
( لكنه لا يعطي ذلك الانطباع ) قالت ناتاشا بشك
( اظنه شخصية جادة جدا و يوما ما ستكونين مسرورة لذلك ناتاشا . نمط حياة الفنان هي من اصعب الانماط و لربما على احدهم ان يكون قاسيا معنا في البداية . الكلمات اللطيفة و التصفيق قد يأتيان لاحقا و ليس في البداية )
( اعتقد انك على حق . لكنه يكون بعض الاحيان فظا جدا و دون أي داعي لذلك)
( ممكن كل الفنانين العظام يعيشون على اعصابهم و القليل منهم يعانون الجنون بسعادة الناس العامة يطلقون صفة المزاجية على هذه الطباع . اذا كان عندك المزاجية لاداء عرض ضخم فانك ستفعلين لكنك حين تنتهين ستكوني عصبية لاصغر الاشياء )
( و هل تعتقدين انه يشعر ببعض العصبية والقلق لحفلة الغد التي سيكون هو المايسترو فيها ؟ ) سالتها ناتاشا و قد اذهلتها الفكرة
( حسنا لقد كان هو قائد الفرقة الموسيقية لبورتيغي لمرات عديدة فلا اظن انه سيشعر بالقلق من جراء ذلك لكن هناك دون شك الشعور بالقلق اتجاه أي امسية موسيقية حين تكون المسؤولية الاولى تقع على عاتقه الشخصي )
( هل سبق لك و غنيت بالاوبرا ) سالت ناتاشا
( كلا . كنت اتمنى ذلك لكن حقيقة انني عرجاء بعض الشيء منعني من الاداء على المسرح )
( لقد نسيت انا اسفة . انت جميلة جدا و رشيقة لدرجة ان الانسان ينسى تمايلك قليلا بالسير )
( شكرا لك لكن و كما ستكتشفين بنفسك على المرء ان يكون نشيطا و بصحة ممتازة و قوية كالحصان حتى يتمكن من الاداء الاوبرالي . بعضهم يبدو قابلا للكسر لكنهم بقوة الصلب بالحقيقة و هذا ما عليك ان تكونيه )
( تجعلينني اعتقد انني سانجح فعلا حين تتكلمين هكذا ) قالت ناتاشا
( ستنجحين بالطبع انا لا اتصور ان يتبنى خوليو روتسو فاشلة ) كان الرد الجاف
فكرت ناتاشا بجملة المعلمة راندا الاخيرة لمرات و مرات خلال تلك الامسية بمزيج من الرضى و الترقب . و فكرت بذلك خوصوصا باليوم التالي . حين اخذت مكانها بالصف الثالث استعدادا لحضور اوبرا بورتيغي و انتظرت بتوتر و اثارة مترقبة ... وصوله الى طاولة المايسترو .

ابنة الحظ  روايات غادة  للكاتبة .. اليس بونغمانحيث تعيش القصص. اكتشف الآن