2

2.6K 49 0
                                    



متسلحة بغضبها تجاهلت ناتاشا هذا التعليق لان رون بلوكيو ابتسم لها ابتسامة تشجيع مشعة جعلتها تتقدم بثقة نحو المنصة. ((ساغني له))فكرت ناتاشا وهي تشعر بالامتنان للشاب الوسيم((سأغني له لانه يريدني ان انجح.سأنسى كل شيء من ذلك البغيض المتعجرف ))لكن وهى تصلح من وضع مكبر الصوت امامها وبقوة خفية وجدت عيونها تتجه الى البغيض المتعجرف بالذات الجالس هناك واضعاً ذقنه بين اصابعه وعيونه مركزة عليها بعدم اكثراث وبطريقة مانسيت كل شيء عن رون بلوكيو وغنت لخليو روتسو مدركة انه ,دون كل الموجودين الآخرين, من يعرف تماماً الموسيقى والاصوات لم يتغير اي شيء بتعابيره.فقط نظر الى ورقتة للحظات ولاحظت للمرة الاولى مدى كثافة وطول رموشه وللمرة الاولى ايضاً كتب شيئاً ما على الورقة امامه .تابعت ناتاشا غناءها مدركة ان صوتها الرخيم الصافي كان يتهادى على درجة الايقاع الصحيحة. الآنسة بيرتا نفسها كانت لتجد خطأ بهكذا اداء , لهاثها كان حاداً بعض الشيء, لكن هذا طبيعي
فهي كانت مضطربة ومتوترة حتى خوليو روتسو نفسه لن يعتبر هذا مأخذاً عليها نظراً لتوترها واثارتها لأنه نفسه قد كتب تعليقاً ما حولها هي وحدها
بنظرة متوترة سارعت نظرتها لتفحص وجوه لجنة الحكم بعد ان اخطأت ولثانية واحدة بمتابعة درجة السلم الموسيقي نفسها
فان كان يتكئ الى الامام والاعجاب يملأ ملامحه,راندابيور كانت تبتسم لها. لايوجد اية تساؤل حول الفنانة الحقيقية لهذا اليوم برأيي الآنسة باري بطريقتها المميزة هي المتبارية القديرة))
تقلص فان بوصفه المتحدث باسم اللجنة فمن الواضح انه لم يرغب بصدور القرار النهائي امام الباقين وبشكل علني هكذا فأضاف بسرعة
((شكرا" لك آنسة بريت ,هلا انتظرت من فضلك؟))
ثم جمع اورقه واستدعى الباقين الى الغرفة المجاورة للمناقشة بشأن القرار النهائي. فيما ظلت ناتاشا مع الفتاة ذات الشعر الداكن بالاضافة لشاب ثالث بالانتظار والقلق يتاكلهم جميعاً.
كانت هذه اطول دقائق تمر على ناتاشا وادركت دون ادنى شك ان خوليو روتسو في الغرفة المجاورة ـ كان يقضي على كل فرصتها بالنجاح .
((مجرد خامة صوتية جيدة ))كان كل ما علق به وكأنها مجرد غصة.واخيراً خرج سكرتير السيد فان من غرفة الاجتماع واستدعى الثلاثة الى القاعة.بكلمات رقيقة وفرحة اخبر الفتاة ذات الشعر الداكن عن رغبة اللجنة برؤيتها ولناتاشا والشاب الاخر تابع ((شكراً جزيلاً لكما لقد سر لجنة الحكم الاستماع اليكما ,كانت كلماته السكر الذى يغلف حبة الدواء المريرة وحده الكبرياء منع ناتاشا من البكاء وجعلها تقول بصوت مخنوق .
((تهانينا)) وعانقت الرابحة قبل ان تغادر المكان.
لقد تبخرت فرصتها الذهبية وتعاظم بأعماق ناتاشا الاقتناع الكامل انه لو تسنت لها الفرصة الصغيرة الان لكانت اصبحت مغنية مشهورة.
اخذت تبكي بحرارة الان بعد ان اصبحت وحدها بالشارع المظلم.ادركت ضمن دموعها كم كانت تتحرق شوقاً لنجاحها هذه الليلة.
لقد تحطمت كل امالها واحلامها وادركت عظم مرارة الفشل.
ولولم يتدخل جوليو روتسو هذا ـ الذي من المفترض به انه يعرف كل شيء ـ لكانت حصلت على فرصتها وهى تعرف ذلك , تعرف تماماً انه لولاه لكانت حصلت على الجائزة وعلى المستقبل الزاهر.
الفتاة الاخرى كانت جيدة اجل , لكن هي وحدها كانت تستحق الجائزة ـ فصوتها كان افضل بدرجات كبيره عن صوت الاخرى. لكن الموسيقي الشهير وحده من الح دون شك على تجيير الجائزة لتلك الفتاة.
تنهدت بعمق مصدرة صوتاً يائساً عميقاً واستدارت حول منحنى القاعة لتصطدم بشخص كان ماراً من هناك.
((آسفة))تمتمت.
((آه يافتاتي العزيزة))جاءها صوت رون اللطيف الذي وضع ذراعيه حولها بتعاطف دافئ((انت تبكين!؟ماحدث كان خيبة امل كبيرة لك؟!))

((ا...اجل .النجاح ـ كان يعني الكثير لي ـ كنت سأستعمل المال لمتابعة ـ تمريني و...اعرف ان هذا امراً بغيضاً للقول...لكني اعرف انني املك افضل صوت من كل الباقين .انا اعرف ذلك))
((هذا مااعتقده انا بدوري. لا اعرف ماالذي دفع بروتسو لاختيار الفتاة الاخرى. هم دائماً يقولون انه شخص هوائي متقلب اجل. اعتقد ان كل العباقرة كذلك احياناً.لكني اعتقدت انه لايوجد ادنى شك بحصولك انت على الجائزة. هو حقاً من يفهم اكثر بشأن الاصوات, اكثر من اي شخص آخر بكل اروبا. هم يقولون ..))
((لايهمني مايقولون. اظن انه شخص متكبر,اناني وبغيض. كان يمثل طوال الوقت! اذا كان صحيحاً انه لايمكن لاحد رفض رجل جيد فمن الاكثر صحة انه لايمكن رفض فتاة جميلة وموهوبة مثلك))
الكلمات كانت لتربحها الجائزة لكنها كانت كالبلسم لجراحها ووجدت نفسها تبتسم له بامتنان وهو يلوح لها بيده مودعاً واعطتها كلماته الشجاعة بإطلاع ايفان على خسارتها. خلال الايام القليلة اللاحقة اجبرت ناتاشا نفسها وبنجاح على وضع كل احلامها وامانيها جانباً وخرجت لتفتش عن عمل ما لمساعدة عائلتها بوضعهم الحالي, لكن النتيجة لم تكن مشجعة فكل مؤهلاتها كانت مجرد درجة تعليم ثانوي مع صحة جيدة ووجه جميل .
((تقصدين انك لاتعرفين الطباعة او حتى الاختزال؟))سألها الشاب الجالس خلف مكتبه.
((في الحقيقة لا)) اعترفت ناتاشا.
((حسناً ,سأسجل اسمك عندنا على كل حال )) قال الشاب وكأن مجرد تسجيله لذلك هو مضيعة للوقت ((وسنرسل لك فى الحال ـ فى حال..))
وماتت بقية الكلمات بتمتمة غير مفهومة وخرجت ناتاشا الى الشارع مجدداً وحالما فعلت طرق اذنيها صوت ينادي من جهة الشارع المقابلة, استدارت لتشاهد الآنسة بيرتا الصارمة والمتمسكة تماماً بأداب الشارع واللياقة .تلوح لها وتندفع نحوها رغم خطورة هكذا عمل لأن السيارات كانت تروح وتجئ عبر الشارع.
صوت البوق قوي تبعه صوت توقف حاد مع السيارة من الاصطدام بالانسة بيرتا المندفعة نحو رصيف ناتاشا.
((هل انت عمياء ؟ام بلهاء؟))صاح سائق السيارة بحنق قبل ان يشتم ويتابع طريقه
((آنسة بيرتا مالذي جعلك تقطعين الشارع هكذا؟))
((لا اعرف على الاقل ,اجل اعرف علي التحدث معك وكنت اخشى ان افقدك بهذا الزحام لم تكوني بالمنزل حين طلبتك))
((لكن مالذي حدث؟))سالتها ناتاشا بحيرة خالصة وهي ترمق معلمتها التى كانت تتوهج بإثارة
((تعالي معي الى المنزل تعالى الان وسأخبرك.قد يساعدني هذا على تصديق ماحدث))بالرغم من اسئلة ناتاشا المستتفسرة الاان المعلمة لم تنطق بشئ بل سارعت الخطئ وبشبه ركض وصلت وناتاشا بأعقبها الى المنزل.
((تعالي الى غرفة الموسيقى))قالت المعلمة وسارت الى الغرفة التي كانت ناتاشا تتمرن بها كل يوم وشعرت بالغصة بأعماق قلبها.
((اجلسي.والان اقرئي هذا)).تناولت ناتاشا الورقة من معلمتها وكلها ذهول وحيرة وقرأت العنوان.
14 بناء آسو ـ مدريد رقم 7
بماأن,هذا لم يطلعها على شئ فقد سارعت ناتاشا لتتابع.
((سيدتي العزيزة))

لقد طلب مني الاتصال بك كونك معلمة الموسيقى للآنسة ناتاشا برايت والتي اشتركت بمسابقة تلفزيون النجوم يوم الخميس الماضي.
لقد سمعها احدهم بتلك المناسبة وقد تأثر تماماً بصوتها واراد متابعة تمرينها الموسيقي. وقد طلب منى الاهتمام بهذه المسألة بالذات. ولهذا سأطر ان اطلب منك اطلاع الانسة بريت على محتويات هذه الرسالة وتدبير مسألة ايصالها الى مدريد يوم الثلاثاء المقبل على العنوان المذكور اعلاه حتى اتمكن من توجيهها الى طريق المستقبل الغنائي المحدد والمناسب لها.
((المخلص :خوليو روتسو))
((انا..لا..لا!اصدق هذا!))همست ناتاشا والرعب والنشوة يمزقانها((انالا اصدق))
((ولا انا ايضاً.لقد بكيت حين استلمت الرسالة وعرفت محتواها))
((آه.آنسة بيرتا هل فعلت حقاً؟))فهذه المعلومة كانت مذهلة كالرسالة تقريباً. لأن ناتاشا لم تتخيل معلمتها الصارمة والجدية تبكي لأي سبب.
((بالطبع .ماذا كان بإمكاني ان افعل غير ذلك؟هذا هو الشيء الذي يحلم به المرء ـ الذي يتضرع لله من اجله...لكن لايتوقع ابداً حصوله كونك انت ـ تلميذة عندي ـ مؤهلة وتستحقين ان تتمي دراستك الموسيقية عند شخص مثل خويليو روتسو)).((ليس هذا افضل جزء من الموضوع. في الحقيقة هذا هو الوجه السلبي الوحيد للمسألة كلها . انا بالكاد استطيع تحمل فكرة ان اكون تحت سلطة ذاك البغيض,لكن..))
((انه عبقري. والعباقرة ليسوا متوفرين بكثرة ناتاشا. كوني شاكرة لانه يعرف فقط انك موجودة))
((لااظنه يريد معرفة ذلك . لا اتصور كيف تم اقناعه بالقيام بتدريبي. لكن شخص ما - من هو هذا الشخص؟ ـ الذي تحدث معه ووافقه على ان يدفع له بكرم او شيء من هذا القبيل مقابل تدريبه لي. لا اتخيل اي شخص مهتم كفاية ـ حولي اما بطريقة شخصية او حول امكانية ان اصبح مغنية))
((انا اتساءل. لربما كان الشخص هو خوليو روتسو نفسه. لربما هو اعتقد بشكل سري انك جيدة لا بل ممتازة وقرر ان يكون نجاحك على يديه لكنه فضل ان يبقي اسمة غامضاً وسرياً))

((آه انسة بيرتا عزيزتي هو لن يفكر بهكذا شيء ولا بعد الف عام .ولا اي شخص آخر سيتأثر بهكذا تصرفات رومنسية بالقدر الضئيل الذي يتاثر بة خوليو روتسو نفسه,انا واثقة من ذلك .وكنت اتمنى فقط لو انك رايت الطريقة المقززة التي ابعدني بها على الاقل ,لا انا لم انس ذلك ولا ازال حتى الان اشعر بالإذال لقد قال انني مجرد غصة...))
((غصة؟))رددت الانسة بيرتا بذهول.
((ليس بالضبط لكنه استعمل تعبير ((مجرد خامة صوتية جيدة بدون احساسيس ))وقد تكبد العناء ـ العناء الكبير ـ لإقناع لجنة الحكم بعدم جدارتي ,لكن هذا لايهم الان شخص ما فكر بطريقة معاكسة لذلك شخص ما...))توقفت فجأة واحمرت وجنتاها ثم اصفرت مجدداً وتابعت((آه ..اظن..انني اعرف..هويته)).
((اذا ابق هذه المعرفة بداخلك مهما كانت هوية من فعل هذا لك فقد جاهد ليبقى اسمه مجهولاً. اقل مايمكنك ان تفعلية له هو احترام رغباته او رغباتها بالسرية التامة))
((رغباته))صححت ناتاشا ((رغباته بالتأكيد)) وبموجة امتنان جلبت الدموع الى عيونها تذكرت ناتاشا كلمات رون بلوكيو لها حول استحالة رفض ((فتاة جميلة وموهوبة مثلها))
كان الشخص المقصود هو رون بلوكيو . يجب ذلك!وفجاة ارادت ناتاشا ان يكون رون هو فعلاً الشخص الملاك لدرجة لم تستطع ان تشرحها .
لربما بعد كرم والده مع والدها,عليها ان ترفض قيامه بهكذا خدمة جليلة لها هي ايضا لكنه تفهم جيداً خيبة املها المحطمة. لقد شعر بالظلم والجور الذي تعرضت له بعمق وصدق.وهو من اخبرها بحرارة عن مدى اعجابه بصوتها وكيف انه ـ وبالرغم من عدم تمتعه بصوت مناسب للافتاء ـ الا انه يهتم كثيراً بالموسيقى والغناء. كل هذا يؤدي الى شيء واحد ,انها تدين لرون بلوكيو ولرون بلوكيو فقط بهذه الفرصة الرائعة التي لاتحلم بها الا باجمل احلامها..

الشئ الوحيد الذي كان يدهشها بالمسالة هو تسليم القيادة لخوليو روتسو نفسه لتدريبها! فرون يعرف تماماً حقيقة شعورها نحو هذا الموسيقي الشهير ولابد انه ادرك انها ستكون ممتعضة ومنزعجة لمجرد فكرة العمل مع ذلك المتكبر المتعجرف.
من ناحية اخرى,هي تدرك بالرغم من رايها الشخصي بالرجل انه وطبقاً لما قاله رون نفسه الشخص الملائم تماماً للاهتمام بالمعنين بالاصوات الحقيقية.ظلت ناتاشا والانسة بيرتا تناقشان هذا الحدث الغير معقول لاكثر من ساعة تقريباً .وادركت ناتاشا مع كل لحظة تمر ان هذه الرسالة المختصرة والمطبوعة على الالة الكاتبة قد غيرت مصيرها وحياتها بأكملها.
((اتمنى فقط الايكتفي بسماعي ثم القول انني لااستحق اهتمامه))قالت بعصبية.
((لاشك انه قد توصل لراي ما بشانك وستحظين اخيراً بالفرصة المطلوبة لإثبات نفسك))
((سافعل ذلك.سأفعل. سأجعلة يسحب كلماته الحقيرة المذلة عني يوماً ما))
كان عليها في المنزل مجدداً شرح ماحدث وبطريقة التكرار حتى استوعبت والدتها اخيراً المعجزة التى حدثت , ثم حدثت والدتها عندئذ عن فشلها بالمسابقة التلفزيونية.
((يا طفلتي المسكينة,كيف استطعت كبت هكذا امر عني ؟هكذا خيبة مريرة))
((لايهم الامر الان ))

قالت ناتاشا بابتسام .وهذا كان شعورها الحقيقي لا خيبة لاباس ولاحزن . والشكر بذلك يعود الى رون بلوكيو الذي منحها فرصة ألماسية جديدة.

اخفت ناتاشا ايمانها السري هذا حتى عن والدتها وهوية الممول السري كان موضوع الحديث في ال برايت طوال الايام التى تلت.
كتبت الانسة بيرتا تؤكد ايصالها للرسالة وتبرعت بسخاء ايضا بعرض دفعها لتكاليف سفر ناتاشا الى مدريد.لكن بدا ان هذا لم يكن ضرورياً لانه وبالبريد التالي وصلت بطاقة سفر بالقطار من الدرجة الاولى بالاضافة الى مبلغ من المال ((للوجبات واجرة السيارات))كما اوضح المرسل.

((انه يفكر بكل شيء, ياله من حبيب))فكرت ناتاشا ولم تكن تقصد خوليو روتسو بالطبع.

ابنة الحظ  روايات غادة  للكاتبة .. اليس بونغمانحيث تعيش القصص. اكتشف الآن