بائعة الورد

1.4K 97 23
                                    

مرت خمسة عشر سنة قضاها ذلك الفتى في ذلك القصر الكبير، كان ابن الزعيم وأصغر شخص من بين الأعضاء لذا كان هو المدلل والمميز بينهم، بالمقابل كان يعتبرهم اخوته الكبار يحبهم ويحترمهم

خرج كعادته صباحًا لممارسة رياضة الجري في ذلك الشارع الفسيح المفروش بالاسفلت ذو اللون الرصاصي، توقف عن الجري وذهب لزيارة العجوز التي في متجر الزهور.

جمالها الجذاب عندما كانت شابة أخفاه الزمان تحت قناع التجاعيد عندما كبرت بالسن، كان تنظر للفتى من خلف الزجاج مترقبة حضوره فقد كان دائمًا ما يزورها على هذا الوقت ويلقي عليها التحية، هي كالأم بالنسبة له لا يستطيع أن يبدأ يومه قبل أن يدردش معها قليلًا

فتح الباب فتحرك الجرس المثبت أعلاه مصدرًا صوت، ابتسمت له العجوز وقالت:
"شكرًا لك لأنك دائمًا ما تزورني وتدخل السرور إلى قلبي، شكرًا لأنك لم تنساني حتى الآن"

رد عليها بابتسامة مطبوعة على وجهه هو الآخر:
"أنتي بمثابة أمي لا داعي للشكر، ولا تقلقي أبدًا أنا لن أتركك وسأستمر بزيارتك ما دمت حيًا"

ثم أشار بيده نحو وردة حمراء وقال لها:
"بكم تبيعين هذه الوردة؟"

قالت له:
"عشرة دراهم، أخبرتك سابقًا كيف لك أن تنسى"

أخرج خمسمئة درهم من جيبه ووضعها على الطاولة، قال لها:
"اعتبري أنني اشتريت خمسون وردة وأهديتها لك"

ضحكت العجوز بفرح فظهرت أسنانها الاصطناعية، ثم قالت له:
"ما هذه الرومانسية التي تفيض منك، لو كنتُ أصغر سنًا لتزوجتك، للأسف من يرغب بالزواج من عجوز بقيت لها خطوة ويبتلعها القبر"

ضحك هو الآخر ثم قال لها:
"لا تزالين شابة وجميلة، أراهن أن ذلك العجوز في المتجر المقابل معجب بك لكنه يستحي من مصارحتك"

احمرّت خجلًا وأنزلت رأسها، فهي الأخرى أيضًا معجبة بذلك العجوز.

قال لها الفتى:
"وداعًا سأكمل الجري، أراكِ لاحقًا"

خرج الفتى من المتجر فنادته العجوز: "بيتر"

التفت إليها وقال:
"نعم جدتي"

قالت له:.
"حافظ على سلامتك ولا تتشاجر مع أحد، إن كان هناك من يحتاج للمساعدة اتصل بالشرطة ولا تقحم نفسك بالخطر، أنت عزيز علي لا أريد أن يصيبك مكروه "

قال لها: "حاضر، لا تقلقي أبدًا"

ثم أكمل طريقه دون أن يأخذ كلامها على محمل الجد، فهو يتدرب يوميًا على فنون القتال ليهزم أولئك الأشرار بأسرع طريقة ممكنة، أمنيته أي يتوقف الناس عن السرقة والقتل وكل الأمور السيئة

ربما لا يجب علينا أن نحكم على الناس بأنهم أشرار بمجرد قيامهم بعمل سيء، فمثًلا القاتل ربما كان لديه سبب وجيه لقتل ضحيته، وربما السارق سرق المال ليطعم نفسه حتى لا يموت جوعًا، دون معرفة الأسباب علينا أن لا نحكم على تصرفات الناس

لا يكاد بيتر يخطو خطوة إلا ويوقفه أحدهم ويلقي عليه التحية، كيف لا وهو أكثر شخص يساعدهم، على الرغم من أنه يعيش في ذلك القصر إلا أن معاملة الناس له تختلف عن معاملتهم لبقية الأعضاء، ربما لأنه فعلًا نقي ولا يتصنع الطيبة مثلهم

في طريقه وجد رآى امرأة عائدة من التسوق وبيدها العديد من الأكياس، حملها معها وأوصلها للمنزل

عاد للقصر فوجد والده بانتظاره على طاولة الإفطار وقد أعد كل الأطعمة التي يحبها، جلس بيتر بحماس وقال:
"هل أنت أعددت كل هذا؟ إنك مذهل يا أبي"

رد عليه والده:
"نعم أنا، لا تنسى أنني أجيد الطبخ أيضًا"
ثم نظر إلى إبنه الذي كان قد شرع في تتاول الطعام وقال:
"بعد أسبوع سوف ننتقل إلى مدينة أخرى، وضب أغراضك"

علقت اللقمة في حلقه وأخذ يسعل ويضرب صدره محاولًا انزالها فقدم له والده الماء وقال له معاتبًا إياه:
"كم مرة قلت لك تناول الطعام بمهل ولا تملأ فمك حتى لو كان طعمه لذيذ، هل تريد أن نفقدك بسبب لقمة أبت أن تهبط وتستقر في معدتك؟"

رد عليه:
"آسف الطعام لذيذ وتحمست قليلًا، لكن لنترك هذا على جنب، مالذي لا يعجبك بهذه المدينة إنها رائعة والناس هنا طيبون، أرجوك دعنا نبقى ربما هناك يكون الناس خبيثون وأخلاقهم سيئة"

غضب منه والده وقال:
"ومالهدف من وجود منظمتنا؟ أليس هو نشر الخير ونزع الخبث من قلوب الناس، يجب علينا العثور على هؤلاء الذين قلت عندهم خبيثون وأخلاقهم سيئة ونصلحهم ونريهم طريق الخير، وإلا سيبقى العالم فاسد"

أنزل بصره نحو الأرض وقال بنبرة مكسورة:
"آسف"

اقترب أحد الرجال من الزعيم وهمس في أذنه:
"سيدي لقد وجدنا أحد الملعونين يحاول التسلل إلى القصر وقمنا باحتجازه في القبو، ماذا نفعل به؟"

رد عليه:
"سنقوم بتنفيذ العملية مساءً لا أريده أن يبقى هنا طويلًا"

منظمة الظلام (مستمرة)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن