ذهابها إلى معهد الفنون أصبح جزءا من الروتين بسرعة، تذهب إليه بعد الظهر وترجع منه قبيل المغرب. استفادت الكثير منه، تقضي الوقت بتطوير هوايتها المفضلة، الرسم. كان المعهد أفضل طريقة للابتعاد عن التفكير في عالمها الوحيد، هروبا مؤقتا من واقعها ذاك.رجعت ميساء من المعهد لترى آخر شخص تود رؤيته واقفا عند باب قسمها.. أم زوجها عبير. بعباءتها الفضفاضة ونقابها، لم يظهر منها سوى عيونها، لكن.. شيء في نظرتها اختلف عن الماضي: عرس بشاير بيكون في الخميس هذا..
بشاير، تلك الشابة الرقيقة المدللة، أخت زوجها الصغرى والمغايرة له في كل أطباعه، وابنة عمها أيضا. كانت من القلة الذين ارتاحت ميساء لهم، كيف لا وهي كانت تحملها وتلاعبها كرضيعة، تعاملها كالأخت التي لم تحظى بها؟ لم تتخيل فكرة زواجها لصغر سنها برأيها، فبشاير كانت تصغرها بثمان سنوات، في التاسعة عشر من عمرها. لكن.. ربما كبرت في السنة التي لم تلتقي بها.
أفاقت من غمرة أفكارها لتقول قبل أن تخرج مفاتيح باب قسمها لتدلف إليه: مبروك..
استوقفتها تلك قبل أن تدخل: ما بتحضرين؟
شخرت ميساء بسخرية: أظنك تعرفين الجواب.
صمتت العمة عبير وأعطتها ظهرها مبتعدة، ربما لتدخل القسم الآخر، لتكون تلك إشارتها في غلق الباب.
توضأت وصلت المغرب، مفكرة بعدها بما ستحتاجه لمشروع المعرض الذي سيقام بعد أيام، لتسمع طرقا على باب قسمها الداخلي ويقطع خيط أفكارها.
توجهت إلى الباب متوجسة، ليأتي ذلك الصوت المحبب إلى قلبها يهتف لها: افتحي الباب عمة ميساء!
فتحت الباب لترى بكر ابن عمها المتوفي سعد ذات السنين الست، يارا. نزلت لمستواها لتحضنها، كم من أسابيع مرت لم ترها فيها؟
حضنتها يارا بكل ما تستطيع من قوة وهي تقول: اشتقتلك مرة مرة عمتي!
لترد هي بدفء وفرح مماثلين: وأنا بعد حبيبتي../ ابتعدت عنها لتسألها باستغراب: كيف قدرتي تدخلين؟
هذا البيت كان مقسما لقسمين، قسم لها.. وقسم لضرتها لمى. كل قسم كان له باب خارجي وداخلي تملك كل واحدة منهما النسخة الخاصة بها. لا يوجد سوى شخص واحد يمتلك كل المفاتيح.
أجابت يارا بابتسامة لتؤكد شكوكها: عمي جواد فتحلي!
تجمدت عند سماع ذاك الإسم.. اسم زوجها. شدت يارا على كم بلوزتها توقظها من عواصف أفكارها التي يحدثها ذكر أبسط خبر عنه.
أدخلتها إلى المطبخ، تعطيها صنف المثلجات الذي كانت تشتريه تحسبا لزيارات يارا.