الثالث .

50 5 2
                                    

في جوف الليّل الأسود و داخل العُمق ذاته من الظلام ..
وبينما الجميع يتنافسون حول من يجب أن يملك أعلى شخير ؛
أكادُ أقسِم بأنه كان بمُفرده يقظاً راجياً عودة من لا يعود ويسأل
الله مالا يُسأل . وكانت كُل ليالي العالم الجميلة ليلة تحمل له من السوادِ ما يكفي له و لوجدانِ صاحبه الذي كان يُدركه صاحباً فيما مضى!

لم يكُن له منزلاً دافئاً ليُحارب به قسوة البرد التي حلت آنذاك بشهر ديسمبر ؛ ولم يكُن ذو مالاً أو نفوذ لـيتلطَف بها على نفسِه .

كُل ما كان يملكه جنباً لهذا السواد ؛ هُو ذلك الصديق الذي لطالما
ظنهُ لن يتغير .. كُل ما بقي له هُو وجدانِ صاحبه المدفون بعيداً والذي يكادُ يكون غير موجود .

وكان كل ليلة حيثُ يخلد العالم أجمع إلى الفِراش غرقين بعيداً
عن الواقِع ؛ يضطجع الأوقص على سريرهُ الذي يُصدر صريراً مُزعجاً كُلما أعتليتهُ ؛ كان يضطجع برجاء و يُعيد سؤال الله الشيء
ذاته بلا كللٍ أو ملل . وكانت تلك الليّلة هي ليلتهُ الأخيرة للرجاء فقد أقسم عندئذٍ أنه سيسأل الله للمرة الأخيرة ذات السؤال وإن رفضه أو رده صاحِب الجلالة فلن يلتفت لهذا الموضوع بعدها أبداً ؛
وهذا أشبه ما يُقال عنه باليأس و القنوط !

نطقَ الأوقص برجاءٍ ويأس : " يا الله . من أنا بدونك؟ يالله ، لقد
جربتُ كُل الأديانِ وكُل المذاهِب ؛ كي تُجبني يالله ! . " أوقف شهقة حادة قبل أن ينهمر بالبُكاء ثم أردف مُجدداً قائلاً : " لقد ذهبتُ إلى الكنيسة مرة ، وذهبتُ مرة أخرى غيرها إلى المسجد . وأنت أعلم يا الله بمدى تعلقي بصديقي قبل أن يتحوّل لهذا المسخ يا الله ! يا مَن خلقت العالم : إذا ألقيت عليّ قليلاً من لُطفك و أسألك أن ترشدني إلى الطريق الصحيح الذي به أستطيع مساعدة نفسي و إنقاذ صاحبي . و أنا مؤمن بقدرتك يا الله فلا تُعيد لي خيبات الأيام القليلة الماضية ! "

بعد أن صارح الأوقص صاحِب القُدرة و الجلالة قرر أن يُريح نفسه
من ليالي الرجاء وأن يمنح نفسه ليلة واحدة على الأقل ؛ ينام فيها بدون أن يقلق بشأن شيء ليس له . قرر الأوقص أن يريح جسده وروحه بليلة عادية يُمارسها كـ إنسان ذا لحمٍ وجلد .. كـ إنسان طبيعي .

كِـذبةٌ بيّضاء | متوقِفة.حيث تعيش القصص. اكتشف الآن