كَتَبتْ ..
"مدوّنتي العزيزة.. صباح الخير.. ما زلت أذكر عندما كنت صغيرة.. عندما سرقت الطباشير من المدرسة.. كانت ملونة و جميلة.. احببت ان تكون لي.. حينها كان عمري ست سنوات.. رأتني فتاة أكرهها و ظلت تهددني طيلة النهار بأنها ستخبر لمعلمة.. خفت كثيرا لدرجة اني لم اتناول شطيرتي و لم العب مع البنات في الساحة.. و بعد الفسحة و عندما كانت المعلمة تبحث عن علبة الطباشير الملونة.. نهضت تلك الفتاة و قالت بأعلى صوقتها و هي تشير الي.. "رشا اخذتها" ثم جائت الي و انا اشعر اني اغرق في خوفي و احراجي و فتحت حقيبتي و أخرجت منها علبة الطباشير.. ظننت أن هذه كانت نهايتي ..
المعلمة لم تفعل شيئا سوى أن أخذت علبة الطباشير و أكملت شرح الدرس فقد كان اكبر همها أن تنهي شرح الدرس قبل ان يرن الجرس.. عدت إلى كتبي و ظللت احدق في كتابي طيلة الحصة من شدة الاحراج بينما ظلت تلك الفتاة واقف مكانها تنتظر من المعلمة ان توبخني او تغضب..
التفتت اليها العلمة و قالت عودي الى مقعدك..منذ ذلك اليوم و شكرا لتلك الفتاة التي نسيت اسمها لم اجرؤ بعدها من لمس ما هو ليس لي..
و لكن اليوم .. سرقت لابتوب .. لاب توب رجل لا أعرفه..
سوف نرى يا مدونتي هذا الصبح ماذا عسانا أن نفعل لنحل هذه المعضلة.. "
في المنزل و في غرفتها الصغيرة في الطابق الثاني .. جلست رشا متربعة على السرير بجانب النافذة المطلة على الحديقة، تلك الحديقة التي صارت أجمل حينما تقاعد والدها من العمل، فبعد التقاعد صارت البستنة و العناية بالحديقة هوايته و همّه اليومي.نظرت رشا إلى اللابتوب الذي وضعته امامها.. مسحت بكفها على الملصق الذي يحمل شعار الإذاعة و قالت : "لابد أنه يعمل في الإذاعة" فردت اختها التي كانت تحاول ان تختار من بين ألوان طلاء الاظافر لونا مماثلا للون احمر الشفاة الذي تضعه.. و قالت ممازحتا: "أو ربما فاز به في أحد مسابقات الإذاعة.. أو ربما سرقه من شخص يعمل في الإذاعة"..
فقالت رشا: "في هذه الحالة سنعيده لمالكه الأصلي".. قالت ذلك ثم خبأت وجهها بكفيها و أكملت: "كان موقفا في غاية الإحراج.. ليتني لم اخذ بنصيحتك بالذهاب للمقهى.. أنا أساسا لست من تلك الفتيات اللاتي يجلسن في المقاهي"..
لم تصغي ريم لما قالت رشا منذ قليل وقالت: كيف كان شكله؟ هل هو وسيم؟ فكذبت رشا و قالت: "لا.. لا أتذكر فحينها كنت فقط افكر كيف اخرج من ذلك الموقف المحرج" و انشغلت ريم بطلاء أظافر يدها و هي تدندن .. بينما ظلت رشا صامتة.. ثم قالت ريم فجأة بصوت عالٍ: "هيا نتصل بالاذاعة الآن" ، فردت رشا: "لا .. لا .. ليس الآن"، فقالت ريم: "و لم لا .. هيا"
رشا: سوف أعود للمقهى فحتما سيعود بحثا عن اللابتوب هناك..
ريم: سوف أذهب معك.. يااي ربما هو معجب بك و ستصبح قصة عشق كالمسلسلات ..
رشا: ريم.. لقد رششت الرجل بالقهوة من رأسه حتى أخمص قدمية أي حب هذا الذي تتحدثين عنه!
ريم: هيّا..
رشا : لا.. لن أذهب إلى أي مكان الآن.. في الواقع أشعر أنني أريد البدء بكتابة قصة جديدة..اتركيني لوحدي.
خرجت ريم.. و ظلت رشا لوحدها تشرب قهوتها و هي تنظر لجهاز اللاب توب و كأنما سينطق إن أطالت النظر إليه..
كَتَبتْ..
"مدوّنتي العزيزة.. أحياناً يؤدي بنا عمل أحمق صغير بنيِّة سليمة إلى دوامة من الأمور المتتابعة التي نحن في غنى عنها في حياتنا.. نحن نريد دائماً أن نكون على صواب.. لأن الشعور بالندم مليء بالأشواك ومؤلم جداً.. خاصة إذا كان واضحاً للآخرين.. لقد صار الجهاز الذي أخذته بنوايا طيبة عبئاً كبيراً.. و أشعر بالإحراج كثيراً لمجرد التخيل في ما قد يفكر هذا الرجل وماذا يظن بي وماذا سيفعل.. اولا سكبت عليه كوب القهوة.. ثم سرقت جهازه..""مدوّنتي العزيزة.. إني أحمل يكون عبء كبير سببه سلوك أحمق صغير.. و لكن لعله خير.. "
