في الماضي.. قال أحد الحكماء.. أعظم انتصار هو انتصار الرجل على نفسه.. على غضبه.. وعلى قلبه وشهوته..
علي..
في اليوم السابق وبعدما غرق في كوب القهوة الباردة.. التقط المفاتيح وخرج مسرعاً غير مبالٍ بما ترك خلفه، كان المطر قد ازداد غزارة، فابتل أيضاً بالمطر.. وعندما اغلق باب السيارة.. تنفس كأنه كان يحبس غضبه مع أنفاسه طيلة هذا الوقت.. ثم أفرغه دفعة واحده..
كان يعلم أن كوب القهوة لم يكن سببا لهذه المشاعر.. بل عينيها الواسعتين.. لقد كانتا بلون القهوة.. وكانت تنظر إليه بتلك العينين ببراءة قاتلة..
هو قد اعتاد على ألا ينظر إلى النساء فغض البصر فضيلة عود نفسه عليها منذ الصغر.. وعندما يرى فتاة جميلة ينساها فورا عندما يذكر نفسه بقول الشاعر..
عفوا تعف نساؤكم في المحرم ... وتجنبوا ما لا يليق بمسلم
ولكن ثمّة شيء مختلف في هذه الفتاة.. فعينيها.. ليست مثل كل العيون.. ثم اخذ نفسا مرة أخرى وقال لنفسه "سوف انساها.. مسألة وقت".
رشا..
بالرغم من التطور الهائل في عالم الاتصال في عالمنا اليوم، إلا أنه ما زال هنالك وزارات ومؤسسات تشعرك كأن الهاتف يرن في مكان مهجور لا حياة فيه، هكذا كانت تشعر رشا وهي تحاول الاتصال ببدالة الإذاعة بحثا عن صاحب اللاب توب المفقود، وبعد عدة محاولات للتواصل مع الإذاعة وعندما كانت على وشك أن تضغط على زر انهاء المكالمة رد عليها أحدهم.. حاولت أن تشرح له عن قصة القهوة و اللابتوب المفقود .. و بعدما سردت له القصة بأكملها قال بلغة عربية مكسرة : انتظري شوية.. فقد كان أحد المراسلين الآسيويين الذين يعملون في الإذاعة، وبعد أن انتظرت طويلا رد عليها أحدهم بلهجة شامية.. ويبدو من صوته أنه كان كبيرا في العمر.
الرجل: نعم ابنتي ماذا تريدين
رشا: مرحبا.. كيف لي أن أشرح لك .. هل لديكم موظف فقد لاب توب البارحة ؟
الرجل: حقيقة لا علم لي بذلك.. لم تسألين؟
رشا: في الواقع قد وجدت لاب توب بينما كنت في المقهى أمس و عليه ملصق بشعار الإذاعة.. وربما هو لأحد موظفيكم.
الرجل: طيب أحضريه لنا و سنرى.
فقالت رشا بعد أن فكرت قليلا: كلا لا استطيع فأنا مشغولة جدا..، قالت ذلك مخافة أن تلتقي ذلك الشاب مجددا.
الرجل: طيب أعطيني رقم هاتفك.. سوف أتأكد من الموضوع و أعاود الاتصال بك.
أما علي فقد توجه للمقهى نفسه فبعدما تذكر أنه بسبب ذلك الموقف قد نسي جهاز اللاب توب ذلك اليوم على الطاولة حيث كان يجلس في المقهى فعاد للمقهى ليبحث عنه و لكن بلا جدوى فأعطاهم رقم الهاتف لعل من أخذه يعيده.. انتظر هو بقية النهار اتصالاً من مجهول.. وانتظرت هي بقية النهار اتصالا منه كذلك .. و لكنه لم يتصل..
علي..
في اليوم التالي والشكر لتلك الفتاة ذات العينين بلون القهوة كان لدى علي موضوعاً لحلقة اليوم.. انهى كتابة محاور البرنامج و عندما هم بالدخول للاستوديو .. صوت عليه احد الموظفين.. قائلاً:
علي.. هنالك فتاة تبحث عنك
فضحك علي ظناً منه أنها مزحة.. و لوح للموظف و ذهب مسرعاً
هز الموظف رأسه.. و عاد لعمله..
رشا..
عادت في اليوم التالي إلى المقهى .. نظرت حولها بحثا عن ذلك الشاب .. لكن لا أثر له، تنفست الصعداء ووقفت في الطابور كي تطلب القهوة كما أنها تريد أن تعرف إن عاد الشاب ليبحث عن اللاب توب ذلك اليوم! و عندما انتهى الرجل الذي يقف أمامها من دفع الحساب تقدمت و اقتربت من الفتاة على الكاشير.. كانت فتاة آسيوية جميلة عينيها مسحوبتان الى الأعلى و أنفها صغير و وجنتيها عريضتان، سألتها رشا: هل نسي أحد الزبائن جهاز لاب توب؟ نظرت اليها الفتاة الآسيوية وقالت ببرود: كلا سيدتي لم ينسى أي زبون لاب توب.
فقالت رشا: هل يمكنك أن تسألي زملائك الاخرين؟ واشارت رشا بعينها على بقية الموظفين في المقهى! نظرت الفتاة إلى زملاءها ببرود.. و سألتهم هل أضاع أحد الزبائن لاب توب؟؟؟ فتمتموا بالنفي بينما يتمون أعمالهم .. ثم فجأة قال أحدهم كأنه فقط الان انتبه لمحتوى سؤال رشا و قال: جاء رجل في الليلة الماضية يبحث عن لاب توب قد نسيه هنا في المقهى كما يدعي
رشا: هل تعرف كيف اتواصل معه؟
الموظف: نعم نعم لقد ترك رقم هاتفه هنا في مكان ما.. و اخذ يبحث و لكنه لم يجده ثم أكمل قائلا اسف سيدتي لابد أن الورقة التي دونت عليها الرقم قد ضاعت.. يمكنك أن تتركي رقم هاتفك معي و ان عاد سوف اتواصل معك.
رشا: طبعا طبعا.. و اعطته رقم الهاتف ثم قالت في نفسها سوف ينتشر رقمي في كل مكان ما لم اصل إلى ذلك الشاب بسرعة و اتخلص من هذا الجهاز .
طلبت رشا قهوتها المفضلة باردة ومليئة بالكراميل كالعادة، وعادت إلى نفس الطاولة التي كانت تجلس عليها ذلك اليوم.. جلست و فتحت حقيبتها القماشية التي تبدو و كأنها حقيبة بائع متجول.. أخرجت جهازها و لكن كانت بطاريته على وشك الانتهاء .. فأخرجت السلك الذي كان متشابكا و استغرقت دقائق كي تفك العقد في السلك ثم اوصلته بقابس الكهرباء ليشحن ..
و أخرجت ورقة و قلم و حاولت الكتابة بينما ترتشف القهوة و لكنها ما زالت غير قادرة على إيجاد فكرة لرواية جديدة.. ظلت تتأمل الصورة المعلقة على الحائط و تشرب قهوتها في هدوء المقهى في الصباح .. ثم تذكرت شيئا ربما يساعدها في العثور عليه.. و أخرجت جهاز الشاب من الحقيبة القماشية .. فتحته لربما تجد شيئا يدل عليه .. و لكنها كانت محاولة فاشلة فقد كان يتطلب ادخال كلمة سر لفتح الجهاز .. و حتى اسم المستخدم لا يدل على شيء.. فقد كان مجرد الحروف الأولى من اسمه و اسم عائلته بالإنجليزية .. أغلقت الجهاز و جمعت اشيائها و حملت قهوتها و ذهبت الى سيارتها فبرنامجها الإذاعي المفضل على وشك البدء..
كَتَبتْ..
"مدوّنتي العزيزة.. يبدو ان الامر اصعب مما يبدو عليه.. ولا اعرف كيف سينتهي"