"مدوّنتي العزيزة
أصدقاء الطفولة.. أتذكر منصور ابن خالتي.. كنا لا نفترق أبدا.. كم لعبنا فوق السور الذي يفصل بين منزلنا و منزلهم.. كنا نفعل كل شيء معاً.. حتى صرت في المرحلة الاعدادية.. لم يخبرنا أي شخص اننا لا يجب أن نلعب معاً بعد الان.. و لكننا كبرنا.. و صار هو يخرج ليلعب في الشارع.. و أنا انشغلت بكتبي.. نسيته.. و لكنه ما زال يتذكرني.. "
***
في المساء طرق باب الغرفة ثم طلت والدتها بنظرتها الحازمة التي اكتسبتها من سنوات العمل كمديرة مدرسة.. حتى صار الخط واضحاً بين حواجبها مما يجعلها تبدو غاضبة دائماً حتى لو كانت تبتسم.. رشا لا تكره والدتها و لكنها لم تتفق معها أبداً..
سألتها والدتها: ماذا فعلتي بشأن الوظيفة؟ .. و هنالك شيء اخر..
ترددت قليلاً الأم ثم قالت بحزم: لقد اتصلت بي خالتك.. و
كانت رشا تعرف بقية القصة فخالتها تريد ان تخطبها لابنها منذ سنوات.. اما رشا فهي ليست مستعجلة على الزواج.. بل قد لا تتزوج .. فاختيار الزوج المناسب مسألة تحتاج الى تفكير عميق.. اما زواجها بالنسبة لوالدتها و خالتها هو مسألة عائلية و يرون انها واجب عليها القبول بمن يخترن لها.. سرحت رشا..
انتبهت لوالدتها و هي تنتظر ردها قائلة: رشا..
رشا: نعم امي
والدتها: ماذا قررتي؟
رشا: لا .. لن اتزوج منصور ..
والدتها: لماذا
رشا: عدة اسباب
***
في تلك الأثناء و في منزل خالتها المتواضع..
نظر منصور إلى المرآة.. مفتخراً بعضلاته.. التي يفتخر بها امام المرآة و هو يلبس فقط سروال.. ثم رش كثيرا من العطر الغالي على صدره و شعره.. ثم رش أيضا على ثوبه و غترته المعلقة في الدولاب.. ثم ارتداهم..
وقف طويلا أمام المرآة يضبط الغترة الغالية.. ثم لبس أرزة الثوب التي تحمل نقش اسم ماركة غالية.. و لكنه كان نسخة مقلدة بجودة عالية و سعر أقل بكثير من الاصل.. و كذلك ساعته..
خرج من غرفته إلى الصالة.. نظر حوله متأنفاً من منظر الصالة الصبغ على الحائط متقشر.. الاثاث متهالك.. و اكثر ما يكره كان التلفزيون.. كان كالصندوق وكبير الحجم و يأخذ حيزاً كبيرا من الصالة و منذ ان اقتناه والده في الثمانينيات أبى أن يستبدله بتلفزيون آخر مسطح كالتلفزيونات الحديثة..
مر منصور مسرعاً كي لا يؤثر منظر البيت العتيق على مظهره الأنيق.. و كي لا تلتصق بثيابه رائحة المطبخ..