الفصل الثالث

6.4K 77 1
                                    

الفصل الثالث

كان يقوم بجولة تفقدية للمرضى والابتسامة لا تفارق شفتيه فمنذ خلت تللك العاصفة حياته وهو يشعر بانه تحول لانسان آخر ،يرى الدنيا حوله وردية ،والسماء صافيه يشعر باريجها لا يفارق مخيلته .لقد كانت مفاجأة بكل المقاييس عكس ما تصور تماما ، عينانان عاصفتان مشعتان بالحياة ، مرحة دون أدنى تكلف ،جمال طبيعي غير اصطناعي فهي لا تستخدم أي مساحيق للتجميل ،كانت فرح اسم على مسمى فهي تشيع الفرح والبهجة حولها ، عندما غادرهم شقيقه ووالدها ظلا يتحدثان ربما هذه أطول مدة قضاها في الحديث منذ زمن بعيد،على ما يبدو أن عقدته الكلامية قد انفكت على يديها . رجع بذاكرته الى حديثهما سألها عن سبب دراستها للأدب ؟ قالت له بجدية للمرة الاولى: لقد احببت القراءة دائما لذا أردت أن أتعمق في معرفة ما أحب بالدراسة أيضا ، بحكم دراستي في مدرسة لغات كان اهتمامي الاكبر بالادب الانجليزي ولكن أحببت أيضا الادب العربي ، بمختلف جوانبه وخاصة الشعر .ثم أردفت وماذا عنك هل لديك اهتمامات أدبية؟ رد ضاحكا :لن أدعي أنني أفعل ، ان التخصص في الطب هو في الحقيقة دراسة لاتنتهي ، كل يوم تشرق فيه الشمس هناك شئ جديد، وانا حاليا أدرس الدكتوراة غير العمل بالمستشفى ، ولذا كما ترين ولكن اذا نصحتيني بشئ أعجبك فربما أبدأ بالقراءة. ردت عليه قائلة :.بما أن اشهر الكتاب حاليا في مصر هو أحمد مراد فربما عليك أن تقرأ احدى رواياته . قال أحمد بتركيز: اذا انت تقرأين الروايات أيضا .قالت فرح مبتسمة: انني أشعر عندما اقرأ رواية أني اتقمص شخصية الابطال أشعر بفرحهم وحزنهم اترقب ما ينتظرونه وأنا احبس أنفاسي استفيد من تجاربهم ، اكتسب خبرات جديدة أسافر الى كل دول العالم وأنا في مكاني. نظر اليها مبهورا من تفكيرها بهذه الطريقة لطالما تصور ان هذه الأشياء تافهه بلا قيمة ولكن هاهو يراها من منظور آخر . ساد الصمت بينهما لتقطعه قائلة :متى قررت أن تكون طبيبا . رد عليها متأملا :منذ كنت طفلا في أحد أعياد ميلادي أهديت الي أدوات طبيب سماعة وأشياء أخرى لقد أرغمت الجميع على الفحص مستخدما أدواتي ضححكت بخفة فيما أكمل هو : وعندما كبرت تمسكت بالفكرة فلقد كنت مصمما على ألا أعيش في جلباب أبي ، وأي تخصص مرتبط بالهندسة أو الاعمال كان يعني أن أعمل في المجموعة. لقد ذكر أمامها أفكار لم يفصح عنها أمام أحد من قبل ،على الرغم من كونه أول لقاء بينهما ، ولكن هل هو كذلك حقا انه لا يشعر بهذا ، انه يشعر أنه يعرفها منذ الابد!!!!وصل الى العنبر الخاص بالمرضى ، ان أكثر ما يزعجه في هذا المستشفى الجامعي الحكومي هو عدم الالتزام من المرضى وذويهم ، و احضارهم طعام من المنزل ان بعض المرضى يكونون في فترة النقاهة من عمليات القلب الخطيرة ويجدهم ربما ياكلون المحشي أو البط ويرد الزائر بان المريض لابد أن يتغذى بعد العملية!!!!!!!!!!!!توجه الى أحد المرضى وقام باجراء الفحوصات ليطمئن على حالة الرجل وهو يسجل البينات في كراسة المتابعة وقال له : كيف حالك الان يا عم صلاح ؟ردعليه الرجل : الحمد لله ولكن ما يزعجني حقا أن الممرضات لا يهتممن بي ولا يعطنني الطعام الكافي. رد عليه ضاحكا : ولكن هذه هي التعليمات وهذا الطعام كافي لحالتك ، تحمل قليلا يارجل حتى تشفى تماما..........................دخل الجناح الخاص به ليتفاجئ بان زوجته موجودة وتنتظره مرتدية قميص نوم مثير جدا!!!!!انه لا ينكر انه معجب بها ، لقد كانت نهال دوما تحافظ على رشاقتها وشديدة الاهتمام ببشرتها وهو لا يجد عيبا فيها من هذه الناحية لقد شعر ببعض السرور مصحوبا بالدهشة لرؤيته هذا المنظر ، انه يعلم بالتأكيد أن خلفه احد طلباتها التي لا تنتهي ، وبالنسبة له لا توجد مشكلة فالمال لا يمثل عائق بالنسبة له، وهو يدرك طبيعة زواجهما وفكر في سخرية :ان دوره هو الممول ، وهي تقوم بدور الزوج الفاتنة والواجهة الملائمة لرجل الاعمال الشهير وكلاهما مدرك لذلك هي راضية وهو مستسلم للامر الواقع . اقترب منها واخذها بين ذراعية ليشم عطرها الغالي من أفخم الماركات محاولا ان ينسى تعبه وأرهاقه وأيضا أفكاره لقليل من الوقت .. خرج من الحمام ليجدها تنتظره ، نظرت تجاهه مسبلة أهدابها ابتسم في سخرية غير واضحة وهو يتوقع التالي ربما ستطلب سيارة جديدة او طقم من الماس . قالت له في غنج : حبيبي لقد اشتقت الى تواجدنا سويا ولكن للاسف أنت دائم الانشغال.رد عليها : أنت تعرفين حبيبتي أن الامر ليس بيدي. ردت وهي تمط شفتيها : أنا أعرف هذا يا يوسف ، ولكنك لا تدرك مقدار السأم الذي أشعر به . أنا أريد بعض التغيير لهذا الروتين الممل صمتت قليلا وهو ينتظر التالي. قالت :ان بعض الاصدقاء سيسافرون الى باريس وأنا أرغب بالسفر معهم .ضيق بين حاجبيه :مرددا :بعض الأصدقاء؟ قالت : فيروز صديقتي ،أنت تعرفها . كان لا يشعر بالراحة تجاه هذه المرأة وهو لا يرغب أساسا في أي علاقة تربط بينها وبين زوجته. لذا رد بحدة:انسي هذا الموضوع تماما أنا لن أسمح لك بالسفر وأنا غير موجود معك وخاصة مع هذه المرأة. عندما رأت رفضه خلعت عنها قناع البراءة وتقول بصوت كالفحيح : وماذا تقترح على أن أفعل لأشغل وقتي أنت تعرف أن كل قريباتي وصديقاتي أصبحت حياتهن تدور حول أطفالهن وماذا علي أن أفعل أنا أن أقم بدور الحاضنة لهن؟ رد عليها بلهجة مخيفة وصوته يخرج من بين أسنانه: أنا لم أجبرك على البقاء أنت من قبلت وحتى الان الباب لا يزال مفتوحا ،ولكن ليس معنى بقاءك هو لي ذراعي أو الضغط علي لتنفيذ جميع رغباتك أنت تعرفين أنه لم يخلق من يجبر يوسف السعيد على شئ ، القرار بيدك وأيا كان فان هذه هي الفرصة الاخيرة ،اذا تطرقت الى هذا الموضوع مجددا فان هذا يعني النهاية. قالت محاولة معالجة تهورها : حبيبي أنت تعلم بالتاكيد أنني لم أقصد هذا أنت تعلم أنك أهم بالنسبة لي من أي شئ في الدنيا.نظر أليها نظرة مخيفة وهو يرتدي ملابسه ، ليخرج بعدها مسرعا دون أضافة أي كلمة ......استيقظت على يد صغيرة تهزها وصوت محبب يقول لها : استيقظي ايتها الكسولة تأخرتي في النوم لقد أشرقت الشمس........عن أي شمس يتحدث هذا الأبله انه يوم اجازتها بحق الله ، ولكن رغم ذلك لم تستطع التجاهل انه صوت حبيبها عمر الشقي الصغير ابن ريهام شقيقتها ، انها تعيش مع ريهام وعمر وأحمد شقيقها بعد انتقالهم من قصر العائلة بعد سيطرة نهال زوجة يوسف عليه! يوسف رفض انتقالهم ولكنها تحججت بقرب شقة أحمد من جامعتها وجاءت ريهام معها لان أحمد كثيرا من الاوقات يكون مناوبا في المستشفى فلا تبيت عندها وحيدة . استسلمت له رعم تذمرها وقالت وهي تنجح في رفعه الى الفراش لتقوم بدغدغته انتقاما وهو يضحك ضحكات متتالية : أين أمك يا فتى؟ رد عليها بأنفاس متقطعة : انها نائمة وقالت لي اذهب الى سارة . افلت من بين يديها ليفر هاربا ، وسعت عينيها لترد عليه في غضب مصطنع : من سارة هذه؟ أنا خالتك أيها الصغير . أخرج لسانه لها وهو يجري بسرعة هاتفا : بل أنت سارة الثرثارة. جرت خلفه ليحاول الاختباء منها فمدت يدها وهي تقول مستسلمة : ما رأيك بهدنة أيها الصغير نغتسل خلالها وننظف أسناننا ونجد شئ لنأكله ؟ مد يده مصافحا تأكيدأ للهدنة ، بعد أن قامت بمساعدته على الاعتسال وضعت أمامه فوق منضدة المطبخ طبق من الحبوب المضاف اليه اللبن . لتسمع صوت جرس الشقة يدق اقتربت من الباب وهي تقول :من؟ فلم يكن من المعتاد أن يأتي اليهم أحد في هذا الوقت المبكر ، وأحمد يملك نسخة من المفاتيح.، جاءها الرد : أنا يوسف افتحي يا سارة .شعرت ببعض القلق بسبب مجئ اخوها المبكر ولكن طغى عليها الفرح ،فتحت الباب ليدخل يوسف وهو يقرأ التساؤل في عينيها فرد على سؤالها الصامت محاولا اضافة بعض المرح: لقد فكرت بما اني أتضور جوعا فلن أجد طعاما أفضل من الذي تعده طفلتي الحبيبة. ردت مبتسمة: كن واثقا أنك وصلت الى المكان المناسب وذهبت الى المطبخ ممتلئة بالحماس لتعد لشقيقها كل ما يحب من افطار ، واتصلت باحمد الذي كان في طريقه وطلبت منه احضار الفول والطعمية في طريقة. فهي تعلم ان ريهام تمنع دخول هذه الاشياء الى القصر...............جلس يوسف على الكنبة المريحة ملقيا برأسه الى الخلف لتهاجمه ذكريات اليوم الماضي من جديد لقد فتحت جرحه ، ام أن الجرح لم يلتأم بعد كيف يلتأم وهو حتى لا يستطيع ابعاد الموضوع عن عقله ويجد دائما ما يذكره به ، لقد كان عجزه عن الانجاب نقطة ضعف قوية بالنسبة له ، لم يخطر بباله في يوم من الايام انه قد يكون عقيما ! كانت عائلته في كافة أجيالها عائلة خصبة تنجب الكثير من الابناء والبنات ، وهو يتمتع بصحة ممتازة ولياقة بدنية عالية ، رباه جده على الصلابة وربما هذا عيب أكثر منه ميزة لانه لا يستطيع الانحاء أمام العواصف بل دائما يقف أمامها مواجها. عندما عرف بهذا للمرة الاولى شعر بالذهول مصحوبا بالقهر انه سيكون شجرة جافة ليس لها فروع لن يكون له امتداد لن يناديه أحد :أبي ؟ استغفر بصوت مسموع وهو يناجي ربه : اللهم صبرني على ما ابتليتني به يا رب العالمين. ان ايمانه هو الذي حافظ على عقله وقواه على أن يتماسك ، ولكن رغم هذا بقى الامر بالنسبة له جرحا لم يلتأم وزوجته لا تتورع عن الضغط عليه في بعض الاحيان ولكن هذه المرة قد تجاوزت الحدود. وهو يشعر بالغضب الشديد . خرج من القصر وظل يقود سيارته حتى تعب وقبل الفجر بساعة توجه الى المسجد لانه يعلم ان هناك راحته ظل يصلي ويدعو ربه في سجوده أن يوفقه لما فيه خيره حتى أذن للفجر فصلى وظل في المسجد حتى شروق الشمس ليغادر وقد امتلأت نفسه بالسكينة ،وهو يشعر بعدم الرغبه في العودة الى القصر فتوجه الى شقة شقيقه ............................. طلبت سارة من عمر أن يبتعد عن خاله والذي قد استغرق في النوم فوق الكنبة ، شعرت بقلبها يتقطع من أجله فهو لم يكن من النوع الذي يفصح عما بداخله ولكن دائما يعاني في صمت. لذا فكرت أن تؤخر الافطار لبعض الوقت حتى يتمكن من الاستمتاع ببعض النوم . أشارت الى فمها لأحمد والذي دخل في هذا الوقت ممسكا بشنطة الطعام الذي طلبته وقالت له : اتركه ينام لبعض الوقت ، وافطر أنت اذا رغبت . ولكنه رد عليها: النوم أهم ليدخل الى حجرته ويقول لها بصوت خافت ايقظيني قبل صلاة الجمعة بنصف ساعة . أومأت موافقة ودخلت الى حجرتها لتغير ملابسها وتشير الى عمر أن ياتي معها خرجت به الى الحديقة القريبة لتعطيهم فرصة للنوم ، ظلا يلهوان معا حتى وجدت أن الظهر قد تبقى عليه ساعة عادت لتحضير الافطار المتأخر ، لتجد ريهام تدخل الى المطبخ يظهر عليها آثار النوم وهي تقول : هل صحيح أن يوسف هنا ؟ ردت عليها سارة : منذ عدة ساعات ايقظيه حتى يتناول الافطار ويلحق بالصلاة ،بعد قليل من الوقت وهم يتناولون الافطار ، نظر يوسف الي اشقائه . لقد فشل حتى في أن يتواجد معهم في نفس المنزل ، ولكن تجمعهم هذا يسعده وكأنه يوم من الايام الخوالي ولا ينقصهم الا معتز ذلك النائي البعيد. ..............

ولا يزال لها فصولحيث تعيش القصص. اكتشف الآن