12

4.2K 45 1
                                    

................الفصل الثاني عشر.............
..في ساعة متأخرة من هذه الليلة الصاخبة كان يشعر بسعادة حقيقية لزواج شقيقه ، فرغم السنوات القليلة التي تفصلهما الا انه كان يشعر دائما انه والده -بل والدهم جميعا . ولذا أراد أن يطيل من عمر هذا الشعور وهو على يقين أنه اذا عاد الى القصر حيث زوجته المصون فان شعوره سيتحول الى النقيض تماما .....لذا فالأفضل أن يتوجه الى مكان اخر ، كان حازم لا يزال معه لذا نظر اليه قائلا : ما رأيك يا رفيق أن تأتي معي الى المزرعة ؟.....لا ريب انها احدى نزوات يوسف المجنونة ، نظر اليه بدهشة ليرى هل هو جاد في كلامه وقال : أي مزرعة التي سنذهب اليها في هذا الوقت ؟.......قال له يوسف في مرح : ما المشكلة سنكون هناك بعد أقل من ساعة ..ثم الى اين تريد العودة ؟ هل ستعود الى شقتك لتخاطب الجدران؟........نظر اليه رافعا حاجبه بغيظ هل يتشفى فيه ؟!قال في حنق : ومن السبب في هذا أليست شقيقتك الغالية ؟.......قهقه ضاحكا مستمتعا بغيظه : وماذا أفعل لك وأنت لا تستطيع تليين رأسها ، ماذا حدث لحازم عبد الله الشهير ؟ لقد كنت فتى الكلية الأول .....نظر اليه وقد بدأت ابتسامته في الظهور : لقد تغلبت شقيقتك عليه ، واكمل بأغاظة : يا فتى الكلية الثاني.....ضحك مرة أخرى قائلا : وماذا كنت أفعل وأنت كنت تسقطهم صرعى عينيك الخضروين....قال : ربما علي استخدام أسلحة أخرى مع الاستاذة ريهام . ثم أكمل في جدية : ولكنك تعلم أن والدي ينتظران زيارتي يوم الجمعة .....قال له في اصرار : قل لهم سأقضي اليوم مع صديقي اليتيم ولن يعترضا ....ضحك قائلا : ستصر أمي على حضورك معي لتعوضك الحنان المفقود ، وربما تعرض عليك عروسة ما .....رفع يوسف يديه باستسلام هاتفا : لا ، يكفيني جدي.ثم أردف : هيا لا تكن ثقيل الدم .......سار حازم معه باستسلام ليستقل كل واحد منهما سيارته .......ما أن أصبحا خارج المدينة حتى قال يوسف : سابقني حتى المزرعة يا رجل .....قالها وهو يزيد من سرعة سيارته ......قال حازم : ما الذي يفعله هذا المجنون في هذا الظلام ؟.... قالها فيما كان يزيد من سرعته هو أيضا لتصل الى الحد الأقصى من السرعة ......كان لا يقل عنه مهارة وقد تبادلا التقدم عدة مرات ......وصلا في زمن قياسي ينبأ عن مدى السرعة التي قادا بها .....وصلا الى المزرعة وسارا بمحاذاة السور لبعض الوقت قبل أن يبلغا البوابة الضخمة في النهاية ، ليقوم الحراس بفتحها لهما ليقفا بعض الوقت يتبادلان التحية مع الحراس ثم يتوجهان الى الداخل عبر الممر الممهد الذي تتواجد المصابيح على جانبيه ، في النهاية توقفا امام منزل متوسط الحجم مكون من طابق واحد وتحطيه حديقة جميلة بها أنواع مختلفة من الأزهارلتكون لوحة مبهرة ، دخلا المنزل واتجه كل واحد منهما الى الغرفة التي يضع فيها ملابسه، فقد كانا دائما التواجد وخاصة يوسف لذا احتفظا بالملابس ......خرجا وقد استبدلا ملابسهما بملابس مريحة ليتوجه يوسف الى الخارج ويلحق به حازم قائلا : ألن تنام ؟...... رد عليه قائلا : لا بالتأكيد ليس الان سانتظر حتى نصلي الفجر ثم أنام ..توجها الى الخارج ، وبدأ يوسف بجمع بعض الاخشاب لاستخدامها لأشعال النار ....نظر الى حازم الذي وقف ينظر اليه ليقول له : كف عن التذمر وهيا ساعدني....في النهاية قاما باشعال النار وتحلقا حولها فيما انضم اليهم بعض العمال وظلوا يتبادلون الحديث معهم في أمور تخص العمل وفي النهاية قاموا ليتبق الاثنان ....قال يوسف في سخرية : اتلم المتعوس على خائب الرجا ...يبدو أن السنوات تمر ولن نجد من يمنعنا عن التسكع أو حتى يؤنسنا في تسكعنا ......رد حازم ضاحكا : عليك أن تحدد من أنا المتعوس أم خائب الرجا ؟....رد عليه ساخرا : وهل هذا ما يهمك ؟ على كل حال يقال أيضا (صاحبك من بختك ) عليك أن تعدل حظك حتى ينعدل حظي أيضا..... قال له حازم بل سأبقى معك لأعد النجوم ربما عليك أن تتخذ شقيقك صاحبا هذه الليلة ...ضحك يوسف وهو يقول له : ارحمه من عينك الصفراء .....قال حازم رافعا أحد حاجبيه : ان عيناي خضروان . وبالتأكيد باردة ......قال يوسف وقد بدا وكأن تفكيره ذهب الى البعيد : اتمنى أن يحظى أحمد بالسعادة لأنه أصبح لدي هاجس أن لعنة تحيط أفراد أسرتي .......قال حازم في صدق وقد تأثر بهموم صديقه : أنا أسف حقا كنت أتمنى ألا أكون أحد أسباب مشكلاتك .......قال يوسف بنفس اللهجة ونظراته تتجه الى البعيد : لا عليك لقد شاركت في الأمر عندما جعلتها تتزوج بعد عام فقط في الجامعة انها لم تكن ناضجة بالقدر الكافي.....فكر حازم ربما كانت ستنجح لو وجدت منه الدعم الكافي ....ظلا جالسين حتى اقترب الفجر ليقوما متجهين الى المسجد الصغير الذي بناه يوسف داخل الأرض ويستخدمه العمال والمهندس الزراعي والدكتور البيطري الذي يتواجد بشكل متقطع للعناية بالحيوانات.....انهوا صلاتهم ليعودوا الى المنزل ويتجه كل واحد منهم الى غرفته......لم تمر سوى أربع ساعات ليقوم يوسف بعدها فقليل من النوم يكفيه خاصة أثناء وجوده هنا ، قام في نشاط ليستمتع بالشمس المشرقة والجو اللطيف مع منظر الأشجار والنباتات ....تجول بين الاماكن المختلفة فكل منطقة كانت خاصة بزراعة نوع من الأشجار بينما تنمو النباتات أسفلها وهناك مناطق خاصة بالنباتات فقط ، في هذا الوقت من العام كانت الأشجار المثمرة هي أشجار الموالح والموز ......كان يسير أسفل أشجار البرتقال واليوسفي بينما تصل رائحتها المنعشة الى انفه فتشعره بمتعة بالغة .....كان يمد يده الى الشجرة ليقطف الثمرة التي تعجبه فلقد اعتادوا على هذا منذ الطفولة ، فهذه الثمار التي تأكل من فوق الشجرة مباشرة ليس لها مثيل أمسك بضعة ثمار ليناولها للفتى الصغير الذي يعمل في المزرعة ويرافقه في جولته قائلا : اغسلها جيدا يا منصور ....لقد كانت ثمار هذه المزرعة رائجة جدا خاصة في التصدير للخارج بسبب عدم استخدامهم لأي مواد كيماوية وكان لهم علامة تجارية خاصة بهم ...قابل المهندس الزراعي الذي كان يتجول ليعاين المزرعة قال له المهندس : ان المحصول أصبح جاهزا للقطف لذا لابد أن نبدأ فلقد أصبحت درجة نضجه ممتازة.....أومأ له يوسف مطمئنا وهو يقول : لا تقلق سيأتي العمال في الصباح ومعهم كل ما يلزم وتأتي الشاحنات للتحميل....تركه ليكمل الجولة بعد ذلك مارا بالجزء الخاص بزراعة الموز ....ثم يسير الى المنطقة البعيدة نسبيا والتي يتم تربية الطيور والحيوانات داخلها ، لقد جلب سلالات من أفضل الأبقار .ولكنه يربي أيضا من النوع المحلي (البلدي) فهو بالتأكيد أفضل في الطعم .وصل في النهاية لمكانه المفضل ( الأسطبل )لقد تركه لنهاية الجولة لأنه كان يعلم أنه لو بدأ به فلن يذهب الى أي مكان ..تجاوز الباب ليجد العامل يضع الطعام أمام الخيول ، اقترب من أحدها بلونه شديد السواد كان (رعد) حصانا مميزا فسواده لم يكن يقتصر على اللون فقط ولكن يمتد الى مزاجه العاصف ...لقد منع العمال من محاولة ركوبه لأن ذلك قد يمثل خطورة ، فكان هو الوحيد فقط الذي يركبه....نظر اليه الحصان بغضب ليكلمه ضاحكا : لماذا أنت غاضب مني يافتى ، ربما هي غلطتي من البداية أني اسميتك بهذا الاسم فاصبحت مخيفا مثله ، اعذرني سأسلم على باقي العائلة ثم ننطلق سويا ...اقترب من الفرسه البيضاء (بشاير ) ليقول لها مازحا : ماذا حدث لزوجك اليس لك أي تأثير عليه ،؟ ...أخذ بعض من السكر ليطعمه لها لتأكله باستمتاع....ثم تركها ليتوجه الى فرس صغير له نفس لون رعد ولكنه يبدو أكثرهدوءا انه (رماح )ابنهما ، قال له يحادثه بصوت منخفض كأن بينهما سر : اعذرني يا صغيري لم أنجح في احضار الفرسة التي وعدتك بها ، ان شروط جدي صعبة ..وصمت قليلا ليكمل : لقد اسموها ملك ..ربما افضل لك أن تبتعد عنها ...زفر نفسا ملتهبا فيما يكمل : على ما يبدو انك مثل صاحبك لا تتلائمون مع الملائكة ..ثقي بي فعندما حصل هو على ملاكه دمره بقسوة ليبكيه بعد ذلك طول عمره.....هز رأسه محاولا ابعاد الأفكار التي تتزاحم فيه ، ثم نادى عامل الأسطبل قائلا: سمير ، اسرج لي رعد ..لبس الحذاء الخاص بالركوب ليعتلي بعدها الجواد الذي تم تجهيزه ، ابدى الجواد اعتراضه بأن هز رأسه بحركة عنيفة ورفع قائمتيه الأماميتين ، ولكنه امسكه بقوة وهو يهمس في أذنه : اهدأ يا فتى انه أنا ...استسلم الجواد الجامح عندما أدرك قوة راكبه ....ظل يعدو به على الطريق الممهد بسرعة كبيرة لقد كان يشعر بمتعة لا تماثلها أي متعة أخرى في العالم حين يكون على ظهر الجواد ، وصلا الى منطقة يغطيها العشب عند أحد اطراف المزرعة ، لينزل من فوقه ويتركه يأكل من العشب ، فيما جلس هو مستندا الى أحد الأشجار ...اندفعت الذكريات الى رأسه رغما عنه ، لقد كان وقتها في حالة من الغضب الجنوني ، كان يبدو وكأن شياطين الأرض قد تلبسته ، ورغم الأصوات التي كانت تصدر من داخله لتخبره أن ما يفعله خطأ الا أنه لم يستمع لها ، كان يظن أنه اذا انتقم وجعلهم يشعرون بنفس شعوره فان النار التي تستعر بداخله ستهدأ ، ولكنه كان واهم ..لقد أدخل طرف برئ في المعادلة ....لقد تعمد الا يراها حتى لا يتسرب اليه الضعف أو يشعر بالشفقة تجاهها ، كان يعلم عمرها الصغير ، فظل يخدع نفسه بقوله أن جدته كانت أقل منها في العمر عند زواجها ، وحتى الان لا تزال العديد من الفتيات في القرى يتزوجن في سن صغيرة ، ولكنه كان يدرك الفرق فهن يكن مؤهلات لهذا من التربية ، وكونه أمر مألوف فيستطعن تقبل الأمر ، ولكن فتاة في وضعها ما الذي سيؤهلها لهذا ؟!!!!.وأيضا لم يرد أن يراها لأن عقله أخبره أن صورتها ستعذبه وستطارده بعد ذلك ، لذا فانه ما أن دخل الحجرة التي كانت موجودة بها حتى أغلق الأضواء قبل أن يلتفت اليها ، ولكن الأمر كان ضربا من الوهم أيضا .فهاهو لسنوات لازال بكائها وكلماتها التي كانت تتردد خلال هذا البكاء ، تطارده وتجلده في كل لحظة من حياته ، حتى في نومه.. ، كانت تقول بصوتها الباكي المذعور ( لا أرجوك لا تفعل هذا ، ..لا تلمسني بهذا الشكل لقد قالت امي أن لا أدع أحدا يفعل ..لا أنت تؤذيني ) وعندما انتهى كل شئ انخرطت في بكاء هستيري ، ليدرك بعد فوات الأوان بشاعة جريمته ، لقد أخذها بين ذراعية محاولا تهدئتها ، ويبدو أنها لم تعد تدري ما يحدث فقد استسلمت له ، كانت دموعها تغرق ملابسه وربما كانت أيضا دموعه!!!!.وفي النهاية استسلمت للنوم ، او فقدت الوعي .ليقوم هو مغادرا الغرفة قبل أن ينبلج الفجر ويظهر ضوئه أثر جريمته........****************************

ولا يزال لها فصولحيث تعيش القصص. اكتشف الآن