المصيبة

177 5 0
                                    


فصل الثاني

كان لها ملمس لين ك العجينة المنتفخة، و جسمها يتضعضع بين اياديه، كانت منهكة بشدة و أنفاسها تتسارع محاولة الحصول على القليل من للاكسجين، قعد على عتبة الباب عجل في وضع رأسها على أردافه بينما تسارع يده الأسر إلى أبعاد خصلات شعرها الكثيف على وجهها، و يده الأيمن يصب بكل ما هو موجود من انواع البخاخ على بطنها العاري " أية بخاخ هو الصحيح؟"
لم تستجيب له و أياديها تبحث على بطنها ف لمع قرط ذهبي في السرة و ها قد التقطت واحد رمادي اللون على شكل العصا . أبعدت الغطاء عنه و انتهز الفرصة لرؤية ملامحها بينما تضع طرف السفلي بين شفاها و تستنشق ثلاثة رجات وراء بعضها و تاخذ أنفاس عميقة، كانت مغمضة العينان و جفونها لا ترضى الرفع بسهولة، و بشرة قمحية مخضلة من العرق نادرا ما تكتسبنه الفتيات، و عنق طويل بحاجة مأساة إلى الاكسجين، ارتفعت رموشها و صدرها يعلو و يهبط تعبا، وضع عيناه في عيناها الناعستان بلون التفاح، عندما رمقته بنظرة تحاول استيعاب و الهدوء من روعها، راوده احساس ب انه ينظر الى اعماق هذه الطفلة، كانت في عيناها بريق غريب، بريق لم مألوف، كان بريق تبرم و اكتراب و بنفس الوقت تشع فيهما حب الحياة و حيوية دافئة تمس قلب من ينظر إليها، انخفضت رموشها على حدقيها المخضلتين و حاجبيها ذو أطراف حادة تتقوس. كانت مغتمة، و يائسة كانت نظرتها تشبه نظرات كريس المكتئبة بعد وفاة سامنثا، رغم البسمة المزيفة التي ارتسمت على شفاها ، لو لم يكتسب مهارة اكتشاف نوايا الناس و قرائة ملامحهم لما تمكن من قرائتهم، حاد عن هذا التفكير و راقب أجفنها تمر على لون عيناها الجميلة و رموشها الطويلة تهبط أكثر فأكثر عندئذ رفعها إلى حضنه و سار بها إلى الداخل، كان ديكور البيت عصري جدا و مريح، و شاسع جدا لشخص واحد او لشخصين حتى، قرع حذائه الجلدي صوتا على أرضية الخشبية القاتمة و سلك الزقاق المؤدي إلى الصالة، كانت الصالة فسيحة و الصوفا بلون الابيض في المنتصف في حالة فوضي، و امتعة مفتوحة على البساط الأبيض ذو خطوط سوداء على الجوانب و الثياب في الداخل مبعثرة حولها، و مايوه خزامي اللون على المنضدة الزجاجية في المنتصف و أريكة بيضاء فريدة من نوعها تحيق بها من الطرف المجاور، نتج من تفحصه للمكان أنها كانت تنوي السباحة في البركة، و لم تتناول شيئا سوي بعض حبوب الإفطار في طبق عميق على المنضدة، و حسب خبرته هذا لا يدعى افطار بل وجبة خفيفة لا تشبع البتة، كاد تحول نظره إلى الزقاق المؤدي إلى الخارج لولا جهاز الصغير على المنضدة الطويلة قرب الجدار، عقد حاجبيه و التقطه ف فوجئ ب جهاز اختبار الحمل و خطين زهريتين في المنتصف، إذن هي حامل، فكر و ترك الجهاز في مكانه قبل ان رمقها بنظرة و يفكر مدى تهور فتاة كهذه، لم يعجبه طريقة ارتدائها للثياب الفاضحة و الاقراط الثلاثة في أذنها و القرط المدور في طرف الشفة السفلية و وشم طيور صغيرة جدا على صدرها و حالة البيت الغير نظامية، لابد و أنها فتاة فوضوية و صغيرة متهورة جدا، و لن يستغرب من هذه النتائج ف انها تشير الى انها سهلة الانقياد، و مدلعة. تقلبت على جانبها و سيقانها المنبلجة تمرع على بعضها ف لمح خلخال ب الخرز في قدمها. التقط هاتفه و بحث في سجل المكالمات أثناء ضحكه على نفسه، " منذ متى و أصبحت آبه ب المظهر الخارجي؟ " همس لنسفه و ضغط على رقم سيد ميلر مباشرة بعد أربعة رنات اجاب بصوت بداء تعبا و قانط " صباح الخير يا سيد ويلسون "
كان سيد ميلر يخاطبه بنبرة حنونة في العادة و سماع العجز في صوته لم يسره " صباح الخير سيد، امل انك بخير "
" بخير، تحاول تدبير الأمور في اسرع وقت، و لكنني للاسف الشديد اضطريت ترك كل ما هو بين يداي،انت تعلم، أطفال هذه الأيام يهجرون البيت دون تحمل عناء أخبار احد ب المكان الذي يقصدونه"
"انك محق تماما يا سيمون، ف ابنتي مختفية منذ ثلاثة أيام و البارحة تجرأوا على قولها لي، انني قلق جدا، و عاجز، لست اعرف ما يجدر بي فعله "
" لا يجدر بك فعل شيء يا سيدي، أنها بين في امان، لقد عثرت عليها في البيت، قالت أنها اتت للقائك "
صمت لحظات قبل ان يتنهد براحة و تختفي تلك النبرة ثم حل مكانها نبرة سرور " الحمد الله، هذا مريح، هل هي بخير ؟ أاتعبتك معها ؟"
" ليس لحد الان، أنها نائمة لقد كانت متعبة جدا "
" جزيلا لك يا سيد ويلسون، انني حقا شاكر لك"
تقدم ويلسون إلى الباب و سمع صوته على الجهة الأخري من الخط " هلا اسديت لي خدمة يا سيد ويلسون ؟"
" ان كان كان شيء أستطيع فعله فلن اتردد سيدي "
تنعد سيد ميلر و قال " هلا حافظت عليها ريثما آتي، جدول أعمالي مزدحم جدا و ان أتيت إليها لن اتمكن من العودة، أنها شقية و ان أرادت شيء لا تتردد في اخذه بنفسها، اخشى أنها ستجد طريقة ترغمني بها على الجلوس في البيت "
وجد سيمون نفسه تائه أمام طلب سيد رفيع الشأن مثله، لديه ثلاثة شياطين في البيت و ان اتت وحدة أخري فلابد و أنه سوف يفتقر طعم الراحة، أو يمكنه القول ب ان الوضع لا يمكن أن يزاد سوءا " لا بأس سيدي، يمكنني تدبر الأمر "
" قد لا تقتنع بسهولة، سأتحدث إليها لاحقا، ارجو منك الاعتناء بها جيدا، أنها لا تستطيع الاعتناء بنفسها، يؤسفني قول أنها تفتقر الحنكة، و الباقي سوف ادعك تعرف بنفسك"
قال غير مبال ب صفات هذه المدلعة " ساهتم ب الأمر، سحاول اقناعها ب المجيئ معي"
شكره سد ميلر مجددا و اغلق السماعة، و الان يا سيد ويلسون، ماذا ستفعل بهذه المصيبة؟ لقد سقط في مصيدة لا يعرف كيف يخرج نفسها منه، ان رأي احد شخصا كهذا في بيته ستتشوه سمعته الحسنة ب الكامل، فكر و هو يتأمل وجه فتاة الغانية بحدقيه القاسية، شتم بصوت ثائر و تحاشى النظر، اغلق الباب وراءه، جلس خلف المقود و قاد مبتعدا عن البيت، من انه سيجدها في مكانها ان عاد قبل غروب الشمس، و جلس في المطعم الفاخر يناقش مواضيع العمل مع السيدة ذو شعر ذهبي قصير و النضارة في عيناها الزرقاوات تريدها جمالا، كانت لبقة في تصرفها و حلوة الكلام، محظوظ الرجل الذي قضى حياته مع امرأة طيبة مثل السيدة دورفيل، و عندما وجد نفسه متأخر ب الفعل استأذن الذهاب و ركب سيارته، كان راغب في تبديل ثيابه و أبعاد التعب عنه قليلا قبل ان يذهب إلى الآنسة ميلر، و لكن كيف له أن يذوق طعم الراحة و أصوات خليلته ترتفع في وجه أيما " قلت لك مرارا و تكرارا يا أيما ان هذا التصرف لن يجدي نفعا معي....."
" أنتي مجرد صعلوكة، اخرجي من بيتنا!!"
القي سيمون ب الحقيبة على الأريكة في المنتصف و عيناه تراقب العراك " هذا ليس بيتك، انه بيت سيمون، و سيمون حبيبي، لذا من المستحسن لك التزام الصمت "
" هذا بيت أبي، بيت كريس، و ليس بيت سيمون "
مرر سيمون أصابعه بين شعره و الصداع يكاد النيل منه " كفى"
قال بسخط و عيناه الحادة ترسل إنذار الاخير لهما، عبر طريقه إلى المائدة و جلس على مقعده، و كان ممتنا لهما عندما جلسا على المائدة، مرر نظره على شرائح اللحم ب صلصة الحارة و كأس النبيذ الأحمر فوق طبقه، الهدوء قد عم و ها هو اخيرا يلتقط أنفاسه، فكر في نفسه و لكن صوت عالي قد هدم هذا السلام، فقد شهيته بمجرد رؤية الطفل الصغير في حضن الخادمة و وجه مبتل ك العادة، تذكر انه عليه احضار المصيبة الرابعة و لابد أنها الأسواء منهم، وقف مبتعدا " إلى اين؟ "
سالت جيس و اجاب دون اكتراب " تذكرت عمل غاية في الأهمية "
سلك الطريق المؤدي إلى بيتها و فتح النافذة ليشم القليل من هواء النقي و يحرر أعصابه المشدودة. احتل الظلام و استغرق ساعة و نصف في القيادة، امل ان يجدها في البيت عندما طرق الباب ثلاثة مرات و لكن الأضواء المطفئة كانت تشير الى عكس تفكيره ، رن الجرس عدد لا ينعد من المرات و لكن دون جدوى، جلس على مقعده في ارتقاب مجيئها، ساعة، ساعتين، ثلاثة ساعات، سئم سيمون من الانتظار، لابد و أن بول يتهاون معها كثيرا، و لين في كلامه معها، لذا تتجرأت على البقاء خارجا حتى منتصف الليل، تجاوزت الساعة منتصف الليل و سيمون منغمس في أفكاره، ايقظه صوت موسيقي عالية تاتي من البيت، رفع جبنه بتثاقل و رغبة النوم تجتاحه بعمق، بما ان الأضواء قد انارت فلابد و أنها جاءت دون أن يلاحظ، ترجل من السيارة الرمادية و سار نحو البيت، صوت الموسيقي الصاخبة في منتصف اليل ازعجه بشدة و لحسن حظها إن ليس هناك جيران في هذه المنطقة الاستوائية، لم يكن بحاجة إلى طرق الباب و الباب مفتوح أمامه، دفع الباب و دخل البيت ليجد حالة البيت الغير نظامية مجددا، ف كل شيء كما كان في فترة الظهيرة و ان كان هناك شيء قد ازداد الحالة سويا ف لن يكن سوي أوعية جعة الفارغة على الأرضية و اثنان آخران على المنضدة، صعد السلم الصغير المؤدي إلى صوت الضجة، فور ملاحظته الباب ذو لون السمائي مفتوح، و صوت قفز الاقدام تهز الأرضية، خطي أربعة خطوات كبيرة و عيناه تترقب الوضع مرة أخري، الساعة على المنضدة الصغيرة تشير إلى الرابعة فجرا و فتاة مدلعة فاتنة تقفز و ترقص مرات على الفراش الأحمر و مرات بين الثياب المبعثرة على الأرضية و الاصوات تكاد خرق جدران الزهرية. هل لاحظ سابقا أنها عندما تبتسم تبرز في خدها الأيسر غمازة حلوة و تلمع شفاها ك إمعان سيقانها العارية في شورتها الاسود القصير و قطعة القماش الحمراء تخفي صدرها المثير، جسمها ناضج و عقلها فارغ، فكر عندما وجد مشغل الموسيقي على طاولة الزينة قرب الباب، ضم ذراعيه إلى صدره و فضل المراقبة بدل عن نزع سهرتها الوحيدة، وعاء الجعة في يدها و شربها منه ب استمرار لم تكن مبتدئة، فكر و هو يجدها اخيرا تقف و تتمايل بشعرها بخفة، أنها مخمورة و إلى آخر درجة، " لما استلذ النظر إليها؟ " ايقظته هذه الجملة من تفكيره و ضغط ب إصبعه على زر المشغل، اختفي تلك الأصوات الصاخبة و عم الهدوء فجأة. توقع ان تتفاجئ من رؤيته اكثر من ثوان و لكنها أظهرت العكس عندما نظرت له و البسمة تعلو ثغرها " اسف على المقاطعة "
قال و وضع أياديه في جيب سرواله الأسود " تريد الرقص ؟"
سالت بصوت ناعم و بسمة حلوة لا تفارق شفاها، كانت بشوشة و هذه صفة جيدة في رأيه " للاسف لست راقص جيد "
حاول إظهار اللباقة في كلامه و لكنها في الحقيقة كانت لاذعة اللسان " لم اتوقع الكثير من رجل مسن "
و ها قد طوقت عنقه ب ذراعيها ف لاحظها تقف على رؤس أصابعها لتتمكن من تبادل النظرات معه بشكل أفضل، ان إن كانت تظنه مسن فلابد و أنها من أطفال عصر الحديث حيث يعتبرون احترام الكبار ملل و لا يتحملون عناء فعل ذلك، و قراءة الكتب واجب عليهم بما فيهم الدراسة و الطبخ خدمة لابد من تقديمها للرجال، " استطيع رؤية ذلك البريق"
فضحته بنظرة مملؤة ألغاز " نظراتك تحكم على ب فتاة رثة، ثرية مدلعة، سهلة الانقياد، و أشياء عديدة من هذا القبيل"
نظر إليها بنظرة غامضة لبرهة و افرطت في الضحك، كان لضحكتها رنين جميل يجعل المرء يقوم ب الخناقات لسماعه، كما غمازتها تدفعه إلى إمعان النظر أكثر و هذا شيء لم يفعله مع الجنس اللطيف سابقا " لم أقل شيء من هذا القبيل "
" لم اقل انك قلت هذا، نظراتك هي من تقول هذا "
تجرأ سيمون مس خصرها و لامست رؤس أصابعه خلخال الخصر حول خصرها، و لم تمكث ابتسامتها كثيرا على شفاها، كانت مخمورة و ب الكاد ترفع جقنها، ف شك أنها تعرفه " هل تكذب نظراتي ؟"
استعادت بسمتها و عمقت النظر إلي عيناه و كأنها تنظر إلى قعر البحر " كلا، انها على صواب يا سيد ويلسون "
" إذن، انتي تعرفيني!!"
" الجميع يعرف رجل الأعمال الناجح سيد سيمون ويلسون صديق سيد بول ميلر المقرب "
نطقت الاسماء بشيء من التهكم و قهقهت مجددا. كانت بحاجة إلى من يعلمها الأدب، و التهذيب " اقال لك سيد ميلر انك يجدر بك السكن في بيتي ريثما يعود؟"
توقفت عن التموج بين ذراعيه و هي تنظر إليه نظرة جدية، و أبعدت يداه عن خصرها بحركة خاطفة متراجعة الى الوراء بخطوة " كلا! كلا ! ""
همست بعجز و نبرة صوتها ترتفع مع تراجعها إلى الخلف، عرف أنها ستتعثر ب حافة السرير و تقدم بسرعة " مهلا ...!!"
قاطعته بصرخة سخط و كفها الصغير يحذره من التقدم نحوها " كلا!"
و تعثرت ب الفعل و جلست على الحافة تلقائيا، ذلك البريق قد خرج مجددا في عيناها، اكتئاب مخفي خلف ابتسامات مزيفة، ابتسامات تشعر المرء ب الحيرة، ابتسامات تجعله في حيرة من أمرها، أهذه الفتاة سعيدة إلى حد الاحتفال في الساعة الرابعة فجرا؟ و تخرج في اليالي الطويلة دون رجعة؟ أم انها تحاول إخفاء وحدتها بين ابتسامات مزيفى تقول " انا بخير "؟ " لست ذاهبة الى إلى بيت احد "
" أخبرت والدك ب انني ساهتم لامرك ريثما يأتي، لا تقلقي يا آنسة ميلر انك بين ايادي الأمينة "
" لست ذاهبة الى مكان، هذا خلاصة الكلام "
يا للمصيبة! فكر سيمون غير مدرك ما عليه فعله، أنها غير مرنة و لا تبدو من الذين يعبرون عما في داخلهم ب الكلمات، بل عليه أن يفهم كل شيء وحده. أما ب النسبة إلى الأسلوب الدبلوماسي ف عليه نسيانه لأنه لن يجدي نفعا معها " أنتي مخمورة، ما رأيك في مناقشة الموضوع في صباح الغد ؟ لحسن حظك جدول أعمالي شاغر ليومين قادمين "
" اذهب من هنا!!
" سافعل، بعد أن تنامي "
قالت دون تفكير " هذا يعني انك ستبقي هنا "
" لن تنامي؟ "
قالت ب تعابير مبهمة " بلى، سأفعل، بعد ذهابك"
استلقت على سريرها و غطت نفسها كي يصدق كلامها و نظرت له نظرة تدعوه للخروج، شك في كلامها و أصر على معرفة ذلك بنفسه، غادر الغرفة و لكنه لم يغادر البيت، بل جلس على الأريكة في الصالة و الظلام مسيطر على الوضع، كان في وده النوم و لكنه لم يستطيع بسبب أصوات اقدام تهبط السلالم، التزم الصمت كي لا تكتشف وجوده، دخلت المطبخ بعد برهة قصيرة خرجت و لحسن حظه نجو من المصيدة، لم يعرف لما دخلت و ما الذي فعلته و لم يآبه للأمر. غمض و عيناه و الهدوء الذي طالما تمناه في بيته موجود في هذه الصالة الشاسعة، سطع الشمس في الصباح و ايقظه من نومه الهنيئ، و عندئذ لمح غطاء اصفر اللون و ناعم الملمس على أقدامه، لا يوجد في البيت غيرها لتفعل هذا، و اعترف ان هذا لطف كبير منها رغم أنها ممقوتة من قيبله، وقف على أقدامه و نظر إلى حيث تخترق الشمس باب الزجاجي الكبير و لاحظ الفاتنة الصغيرة في مايوه اسود تقراء كتاب بلون الطوبي يلمع تحت أشعة الشمس و لكن لا يمكنه رؤية العنوان على الغلاف، ليست سيئة، فكر متراجع قليلا عن أحكامه المسبقة، التفت و رفع سماعة هاتفه كي يعطي خدمه أمرا في تنظيف هذه الفوضى، بعد تدبر سيد كارلوس أمر خادمة إندونيسية لتعيد الراحة إلى البيت، دخل المطبخ كي يجهز افطار لذيذ و يتناوله في الحديقة تحت أشعة الشمس، قد تفكر شخص طفيلي و لكن ليس ب اليد حيلة ان كان جائع و عليه ان يستغرق ساعة و نصف ليصل إليه، لحسن حظه كانت الثلاجة مملؤة طعام، توقع رؤيتها فارغة بما ان الآنسة الصغيرة لا تتعب نفسها في الطبخ و يمكن أنها لا تجيده البتة، تفنن ب مهارات الطهي المكتسبة من كريس و قد تذكره مجددا، كريس كان من علمه الطهي في سن المراهقة و طهيا سويا كثيرا ثم إقاما الكثير من حفلات الشواء في الحديقة في ليالي الصيفية، و قد طهي فطائر المحلاة ب العسل ، تعلمها من سامنثا، فيما كانت مهاراتها رائعة في الطهي. ثم اخرج قنينة عصير برتقال من رف الثلاجة و وقع نظره على وعاء الجعة الوحيد المتبقي، ف تغلق الثلاجة دون التفكير فيه، و حضر كل ما ب استطاعته احضاره و وضع بعض بيوض المسلوقة على الخبز المحمص، و زين الطبق الأبيض ب انواع الجبنة و شرائح سمك السلمون و خبز قامت الخادمة بشرائه قبل وقت قصير فيما كان طازجا. بداء راض عما بدر منه و عيناه تتأمل الإفطار المثالي على منضدة الطعام المدورة في الحديقة. حول نظره إلى حيث تجلس الآنسة ميلر و شاهدها تجلس و شيء ما يشغل تفكيرها و يديها. مشي إليها و ما و نور الشمس يكاد لفح بشرته البرونزية، كانت تحمل آلة تصوير تبدو احترافية و تضعها قرب عيناها، وقف قرب كرسي شاطئ البحر ذو خطوط حمراء و بيضاء و نظر إلى حيث تنظر ف كانت تلتقط صورة لسطح المياه الزرقاء، قال عندما وحدها تلقي نظرة على ما التقطت من الصور " مثير للإهتمام !"
رفعت حدقيها ف لمح شبحه تحت أشعة الشمس فوق راسها مباشرة، فوجئ بها تلتقط له صورة و تظهر غمازتها العميقة " يا لوسامتك يا رجل، محظوظة التي تتزوجك"
كانت عفوية جدا و بسمتها مشرقة ك الشمس، بسمتها احسسته ب ارتياح شديد و دفعته إلى السؤال " أحقا ما تقولين؟ "
ارتدت قميصا برتقاليا فوق المايوه و وقفت امامه ف اعجبه فارق الطول بينهما، راحت تتفحص وجه و هتفت بصوت ساخر " لست اجامل "
ابتسم لبسمتها و تجاوزته ببسمتها الحلوة " كيف لا تكون محظوظة التي ستطهي لها؟"
سار خلفها و قال: " لنقول انك المحظوظة اليوم "
اطلقت قهقه جعلته يقف حائرا " سأتزوج طاه، حينها تمطر عليا السعادة "
" تفكرين في الزواج؟ "
سأل سيمون و غمزت له " ليس بعد، و لكن قد افكر بذلك بعد تناول هذا الإفطار الشهي"
إذن هي تتغزل به، ابتسم لعفويتها و روح الدعابة لديها، عليه أن يهنئها لأنها اول من لا يغضب من تغزله به، حاولن الكثير من الفتيات التغزل به و إيقاعه في فخهن لكن لم تحقق احد منهن ظفرا رائعا، فكر لثواني أنها ليست كذلك، هي لم تحاول الإيقاع به، بل كلامها هذا جزء من شخصيتها " لنراه ان كانت ستغير هذه الوجبة الشهية تفكيرك"
أظهرت حماسا في حدقيها الجميلة و البسمة لا تفارق شفاها، وجدها تداعب القرط في شفاها السفلية ب رأس لسانها ف جذب ذلك انتباهه لوهلة، صبت العصير في كاسها فوجدها تسكب بعض منه على الطاولة و على الخلخال حول خصرها، سارع إلى التقاطه من أياديها كي لا تزداد الأمر سوءا " سافعل ذلك، مهلا "
أصوات ضحكتها لم تتوقف و هي تطلق شتائم عفوية، و اعترف ان ذلك يفقدها جزء من أنوثتها، و كانت قد التقطت له صوره جعلته يرمقها بنظرة حادة تعبر عن عدم سروره ف تعالت أصوات ضحكتها " لا تطلق النار يا رجل، أنها صورة فقط "
" لا احب التقاط الصور "
اختفت بسمتها و تبرم وجهها، كانت حساسة أكثر من اللازم، كان ب مقدوره رؤية ذلك في عيناها، و هدوئها الذي سيطر على الموقف فجأة " حسنا، أتفهمك"
قالت بصوت ب الكاد سمعه، قامت بطوي قدها الأيمن تحت الأيسر على المقعد و راحت تلتهم الطعام بينما تتحملق في شاشة آلة التصوير، يمكن اسلوبه الصارم جديد عليها و لم تعتاد على أمثاله بعد. وجدها تتناول الطعام دون كلام و كأنه صفعها على وجهها، التقطت فطيرة بين أصابعها و تناولته ب أياديها دون استخدام الشوكة و السكين، كانت ينقصها اتيكيت الطعام ، ف يراها تتناول الطعام بهذه الطريقة لما صدق أنها ثرية و آنسة بيت كبير ك الذي خلفه " أانتي دائما حساسة هكذا ؟"
سأل و هو يقضم الفطيرة في الشوكة ف رفعت نظرها و قالت ما لم يتوقعه " كنت اود التقاط صورة لك، لأنك..."
استبهم عليها الكلام و عيناها تشعان بريقا عاجزا، كما توقع أنها لا تجيد التعبير عن مشاعرها ب الكلام، أو ي الاحرى لا ترغب في التعبير عن نفسها " لأنني؟ "
" لا تكترث !"
حاول تغير الموضوع بعد شرب رشفة من العصير الخلو الطعم " لقد وضبت الخادمة ثيابك، و الطريق يستغرق ساعة و نصف إلى بيتي "
ارتجاج أياديها كان دليلا على شيء مبهم لم يفهمه و لم تحاول فهمه " لا أريد، لن آتي "
عقد حاجبيه " الازلت لا تثقين بي ؟"
" ليس الأمر كذلك يا رجل المسن، الامر ليس له علاقة بك "
" اشرحي لي إذن! "
نظرت له لثوان و هي تتفحص النظرة في عيناه الزيتونية، أنها لا تثق ب احد بسهولة ها هل هي صفة سلبية أخري في شخصيتها، و هذا يصعب عليه التعامل معها " أنتي في انتظارك لتتكلمي "
" لن تفهمني "
" سأحاول أن أتفهمك "
قهقهت بغتة و قالت " دعني امتحنك بل اول ايه الرجل المسن، أن نجحت سأخبرك السبب"
" جيد، هات ما لديك!"
كان يرغب في قول أنه لا يحب مثل هذه الألعاب الطفولية و لكنه حاول التصرف حسب عقليتها محاولا فهمها " لدي حساسية ضد البيض، مع ذلك تناولت فطيرة وضعت فيها البيض، سأخبرك الاعراض ايضا، كنت قد تناولتها البارحة و اصبت ب ضيق في التنفس، كا انني اتقيؤ بعد فترة قصيرة من تناولها، لماذا فعلت هذا رغم معرفتي ب انني قد اعاني بعد تناولها ؟ ان أجبت عن هذا السؤال سأجيب على جميع اسئلتك "
" توقفي عن تناولها!!"
قال بلهجة أمر و عندئذ وجدها تنهي الفطيرة و تلعق رؤس أصابعها بلذة " هذا لذيذ حقا، كنت أمر الطاه ب صنعها و لكنه لا يفعل حسب أوامر بول ف اضطر إلى التسلل ليلا كي اسرقها ثم اتناولها سرا، و في الاخير حظر بول دخول البيض إلى البيت "
اخذت فطيرة اخرى و تناولت قضمة و أظهرت علامات السخط على وجه " آنسة ميلر أرجوكي، هذا مضر لصحتك "
" هلا ناديتني سامنثا، أو سام. اكره لقب ( آنسة ميلر ) "
للحظة ذكره اسمها ب اسم زوجة اخيه المتوفاه و وقف غاضبا بشدة و ضرب ضهر يده ب يدها، حلقت الفطيرة في يدها و وقعت على النجيل الأخضر، " هذا تهور "
" جديا! ما بال هذا الغضب؟"
تنفس صعداء و جلس في مقعده مجددا، أنها تغضبه، و بشده، و تفقده صوابه ب بسمتها الغير مكترثة، لقد صدق البارحة أنها على اعداد الموتي، و رؤيتها تعيد الخطاء نفسه لا يعني الجهل، اقتحمت باب الحمام بقوة و راحت تفرغ كل ما في معدتها ، وقف في غرفتها ينتظر خروجها من الحمام، و فور خروجها لاحظ الشحوبة على وجهها و ها هي تعيد الموقف نفسه ب اصابتها بضيق التنفس و ارتجاج أياديها، كما أنها تسعل بشدة و تغير لونها إلى الأحمر، توقع أنها تشعر ب الألم، عندما مست بطنها و تذكر انها حامل، يا رباه!! صاح قلبه " اين البخاخ ؟"
" في الدرج "
اشارت بيدها إلى المنضدة قرب السرير، تفحص الدرج و وجد البخاخ في داخله، ناولها البخاخ و اخذت ثلاثة رجات كما فعلت البارحة، اطمئن قلبه عندما لاحظ ابتسامتها و هي تستعيد نفسها و نطقت بعد أن غمزت له " ما بال هذا الوجه ؟ لا تقلق ايه المسن، انني بخير "
شد على ذراعها بثزى قبضته و اوقفها في مواجهته بسخط " اتجدين هذا مزاحا؟ دعني أخبرك أنني لست قلق عليك، انني قلق على مسؤولياتي فقط"
" و انا مسؤليتك، لذا انت قلق علي"
قالت بوجه يخلو من التعابير و سحبت ذراعها من يده " إن كنت أظن انني سأجري وراءك و اطيع اوامرك أنت و بول فلابد انكما تحلمان احلام اليقظة، لأن ثلاثة أشياء مؤكدة عندي، اولا
ب اني لن اطيع كلام احد ،ثانيا، لن اثق ب احد، ثالثا ب اني لن أتهاون مع شخص أساء الي"

الهيام حيث تعيش القصص. اكتشف الآن