الجزء الاخير ظلام دافئء

45 5 6
                                    



أراهم الآن بوجوه حزينة أمام جثتي في المشفى ..أخي جالس على السرير ينظر إلي بوجه شاحب ثلجي و عينان حمراوتان بجفون مدمن مخدرات ..يبدو أنه بكي لساعات ...أمي الآن تحتضن زوجتي أو خطيبتي , للاسف لا يمكنني الإبتسامة , فحتى إبتسامتي الحزينة سلبت مني , تخيلني اني إبتسمت و قلت ما قلت ..فهي لم ترقى لذلك يوما ...أسمع أمي تقول لها *أشم فيك رائحته* لا أدري ..أريد أن أبكي.. أريد أن أنهض وأحضنهم جميعا لكني أُّحمل في التابوت ..الجميع يهتف إلى أن وضعت على الأرض... البعض حزين و البعض غير مهتم مضجر ..و آخرون هنا وهناك يتحادثون ..يبدو أن الجو الكئيب هو الشيء الوحيد الذي يكبحهم من الضحك بصوت أعلى ..أسمع خطوات غير رتيبة.. الجميع يغادر إلا أصدقائي و اخي غادر مع من كان يمسك بيده ..القبر ضيق جدا و رغم هتافي في الحياة بأن حبي للأسود والظلام شبه قوطيّ ..كنت متأكدا بأن الظلام جزء مني و أحببت ذلك أما الآن فأنا أمقته.. الجو مخيف هذه الوحدة شيء آخر , شيء لا يمكن أن تعتاد عليه أبدا ... تزورني هي كل أسبوع و كل أسبوع أصرخ , أتمنى لو تسمعيني , هبة أعطاني إياها الله هنيهة.. فإختفيت أنا و الهبة بقت , كل أسبوع تحكي لي هبة عن شاب تقرب منها رفضته ..عن مشاكل العمل و العائلة ..و أحيانا تحضر أبناء أختها معها كأنها تقول لي , لماذا لم نحضى بهذا.. أمي قد دفنت أمامي , لا يمكنني رؤية الموتى لكني أحس بهم بجانبي... كلنا لنا ما نندم عليه على كل حال ..التجاعيد على وجهها تزيد و أخي أصبح من أشهر اليوتيوبرز الجزائريين..يبدو أنها حقق ما لم يقدّر لي و هبة لم تحقق شيئا .. أتمنى أن تنساني و تعيش و تتزوج لكنها أحضرت معها مجرفة و فأسا و بدأت بالحفر .....مالذي تفعلينه يا خرقاء ...

..حاولت النهوض فسمعت صوتها ...كانت بجابني طوال الوقت ..أمسكت بيدي و ذكرت إسمي بسحر صوتها و انا تفاعلت بآآآآآخ ...ما الذي تفعلينه !! أخبرتني أني أصبت بإرتجاج خفيف و كسور على مستوى ضلوعي و أطرافي و جروح مختلفة أغلبها نتيجة الزجاج و أي حركة قد تفتح أكبرها كنت محظوظا ..و انا مربوطا بالسرير أخبرتها أن تنزع الضمادات عن عيني ..أغشى الصمت لبرهة و قالت حتى يأتي الطبيب.. أحسست بشي غريب..فقد سألتها عن حالها و بدت حزينة و كيف لا ..لكني لم أفهم وقتها ..كنت سأسألها عن عائلتها لكنها قاطعتني قائلة أقبل!! ..تقبلين ماذا ؟ فقد كنت اعني من صداع و و عدم راحة في عيني حكت لها أمي القصة و حتى أنها تلمس الخاتم الآن.. فقد أعطوا ممتلكاتي التي كان داخل سترتي إلى أمي و هي كانت بجانبها ....لحظتها لم أستطع أن أحضنها و لا حتى البكاء لكن هناك شيء غريب فرحة و في الباطن شيء جعلني غير مرتاح إلا أنها طمأنتني فور أن أمسكت يدي و لم يسعني إلا الصمت ...كانت يدها ترتجف قليلا لكنها دافئة....أتت أمي و معها الطبيب و كان صوتها يكاد يجعلني أبكي فنعم كنت على حق ... يبدو أني فقدت بصري في الحادث ...لم أصدّم بشدة إنما أحسست بها قادمة ... أنا راض ...سأقبل ..لا بأس بقليل من الظلام ما دمت أستطيع أن أقبّل رأس أمي و ألمس شعر زوجتي ... ما دمت أملك الشمس و القمر ..ما دمت حياً

مرت الشهور و قد تغير كل شيء أنا الآن في صدد كتابي رواية جديدة أنا و زوجتي.. نعم ! فقد تزوجنا .. أنا أملي عليها و نتبدال الأفكار و التعابير و كي شيء و أحس بأنها هذه ستكون رواية رائعة ..

أما بالنسبة لليوتيوب فقد أخفيت محتوى قناتي القديم و أصبحت أنشر فيديوهات تحفيزية و مواضيع مفيدة و افكار جديدة كل في أستوديو غرفتي ثم يحررها أخي الصغير و ينشرها عني ..

و ما زلت أتذكر متخيلا رائحة المشفى يوما فقدرتي الآن على إستعمال حواسي الأخرى قد زادت و أتسائل كيف أنها أخبرتني بقبولها رغم أنها لم تنسمعها بعد مني ...يبدوا أنها أرادت أن تخفف عني الصدمة فلا أدري ..هبة كانت أحسن هبة لي من الخالق ..فما خفف عني أكثر بعد رائحة أمي أنها قالت : زين ؟ سأرتدي الحجاب بدءا من اليوم فأنا لا أحتمل حقيقة أن يراني العالم أجمع و أنت وحدك من أردته أن يراني... أحسست بحرق في عيني فقد بكيت دونما دموع ..أمسكت يدها بشدة فقد كانت تتفوه بتفاهات كأن تعطيني عينها و من المستحيل أن أقبل ...رغم ان الطبيب قد أخبني عن إمكانية زرع عين إذا ما أسرعت في الأيام المقبلة حتى أن أختها تعرف أخصائيا له معارف في الولايات المتحدة ..قد يضمن لي تأشيرة المشفى و موعد العملية إلا اني إبتسمت و أسكتها بقول أحبك ..رفعت يدي مخبراً إياها بأني تقرب وجهها ...فتحسسته لأول مرة و قَبَّلت يدي و أقبل معها فصل جديد من حياتي ..فصل قد يكون مظلما بعض الشيء لكنه دافئ ..........تمت

شكرا لكل من قرأها و حتى للذين قرأوا سطورا فهذا يعني لي الكثير ...و قد يعني أكثر ! إن ابديتم رأيكم بتعليق ^__^

🎉 لقد انتهيت من قراءة The Bus Girl // مكتملة 🎉
The Bus Girl // مكتملةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن