قصة البداية..

273 6 2
                                    

1-
سيارة سوداء فارهة جميلة رغم انها قديمة الطراز تسير ببطئ خلال السوق القديم..
تجلس فيها امرأة شابة منقبة ترتدي عباءة سوداء في المقعد الأمامي بجانب السائق. .بينما هي كذلك يبدو انها رأت شيئا ما أثار إهتمامها ..التفتت نحو السائق واضعة يدها على كتفه تقول:"إنها أمي ارجوك امنحني بضع دقائق فقط اسلم عليها وأعود ..لن أتأخر..".
لم يتردد الرجل ولم يجادل بل توقف وقال بهدوء:"حسنا لكن لا تتأخري فأنا منهك جدا".
تبسمت ابتسامة امتنان ظهرت من خلال عينيها الجميلتين ونزلت مسرعة تقطع الشارع الى محل الاواني المنزلية العتيق الذي تعرفه منذ الصغر ..اشارت بيدها نحو صاحب المحل العجوز بإشارة التحية فكما يبدو قد اصبحت بينهم عشرة عمر طويلة ولكن ازدحام المحل بالزبائن منعها من ان تلقي عليه التحية شفهيا..كما انها ارادت ان تفاجئ والدتها التي كانت منشغلة باختيار بعض الملاعق ..
اقتربت الفتاة منها وألقت التحية بصوت خافت وسعيدالتفتت الأم بدهشة وسرور وطوقت ابنتها بذراعها كانها لم ترها منذ شهور رغم انها كانت في زيارتها منذ يومين فقط إنها الام وانه قلبها الحنون الذي لايوجد اجمل ولا احن منه..
بعد التحية والسلام والسؤال عن احوال كل منهما سألت الام ابنتها:
"ولكن اين زوجك يا بنتي؟"
"انه في هناك ينتظرني في السيارة"
قالت الام بلهجة جادة :"إذا عليكي ان لا تتأخري عليه انه رجل طيب "
هزت الفتاة رأسها بالموافقة ثم عادت ادراجها خارجة من المحل ..تلفتت يمينا ويسارا تبحث عن سيارته .."آه انه هناك".
استعادت ابتسامتها مرة اخرى وانطلقت بخفة وسعادة اليه .ركبت السيارة والقت عليه التحية وابدت له شكرها وامتنانها ثم انطلاقا. .
حين وصلا الى البيت فتح الزوج الباب بمفتاحه الشخصي فاستقبلتهما طفلة جميلة في الخامسة من عمرها بفرح احتضنت الرجل حضنة سريعة ثم اتجهت الى الفتاة وكان الاحتضان طويلا هذه المرة والسعادة اكبر..
كما كانت في استقبالهما الخادمة التي كانت في نفس عمر الفتاة ..
هي أيضاً استقبلتهما بابتسامة لطيفة ..أخذت منهما أكياس التسوق وكما يبدو أنهما أحضرا معهما وجبة غداء جاهزة..
سألت الفتاه زوجها اذا كان يحب ان يتناول الغداء الآن لكنه اجاب بالنفي ..واوضح انه منهك ولا يشتهي الطعام بل يفضل ان يخلد للنوم..
ذهب الى سريره ليرتاح بعد ان بدل ملابسه ..كما بدلت ملابسها هي ايضا واطمأنت انه لايحتاج الى شيئ ..اطفأت الانوار وخرجت واغلقت الباب بهدوء.
ثم اتجهت الى غرفة المعيشة استرخت هناك على الاريكة بينما كانت ابنتها تلون في دفتر رسوماتها بالقرب منها ..
استرخت اكثر ورفعت ناظريها الى اعلى بنظرة امتنان للخالق على كل ما وهبه لها من نعم..
2-
لقد كانت تلك "أمنية" ذات الخامسة والعشرين ربيعا فتاة ذات جمال جذاب وساحر ..لاتخلو ملامحها من برائة الطفولة .تعكس تماما مابداخلها فلها قلب طيب بريئ محب للحياة لايشوبه حقد او غل على أحد ..فهي ترى ان الحياة اقصر وأجمل من أن نضيعها بمثل تلك المشاعر .
واستطاعت ان تحتفظ بذلك القلب النقي رغم ان حياتها لم تكن دائما جميلة ..
الابنة الكبرى لعائلة متوسطة الحال لها أخ وأخت اصغر منها تربطهما علاقة حميمية وحب متبادل غير مشروط ..
أمها سيدة من الطراز القديم تشبه أمهاتنا طيبة وحنانا وتضحية وإنكارا للذات.. يفوح منها عبق الحب الذي لاينضب ابدا..
ورثت عنها قلبها الطاهر الذي يرى الكون بمنظار وردي رغم كل شيئ ..
والدها كان رجلا شديد الحزم صعب المراس ولكنه رغم ذلك يشبه الاسد الحامي  لعرينه.. بوجوده يسود الاحساس بالأمان.. ومع مرور الايام وتقدمه في السن خفت حدته بعض الشيئ وأصبح أكثر لينا وأقرب الى قلوب زوجته وأبنائه..

وكان ذلك زوجها ياسر في الخامسة والخمسين من عمره .رجل طيب هادئ الطباع مسالم ..
كان متزوجا من قبل وله ولدان أحسن تربيتهما وكان لهما نعم الوالد لم يبخل عليهما بالمال ولا بالجهد أو بالوقت أو حتى بالمشاعر ، سخر نفسه وحياته من أجلهما خصوصا بعد وفاة والدتهما منذ زمن بعيد..
لذلك بعد أن كبرا و تزوجا وأصبح لكل منهما حياة مستقلة وبيت وأسرة،عز عليهما أن يتركاه وحيدا بعد كل ماقدمه لهما..فأقنعاه بفكرة الزواج من أخرى تؤنس وحدته وترعاه..
وهذا ماحدث..
فبعد التقصي والبحث وقع الإختيار على صديقتنا أمنية ..
تزوجت أمنية قبل ياسر بشاب في مقتبل العمر تربط والديهما صداقة طيبة .تقدم لخطبتها فقبل به والدها دون تعسف وبمهر ميسور لأنه يريد الستر لبناته عند من يراه كفؤا وذا خلق ودين...
دخلت أمنية قفص الزوجية لأول مرة في حياتها وهي تظن بأن بابا للسعادة فتح لها فقد كانت تحلم باليوم الذي تصبح فيه حرة طليقة فقد أتعبها تزمت والدها الشديد وتربيته الصارمة .ظنت انها أخيرا ستعيش الحياة كماتريد .ستتبادل الزيارات مع صديقاتها ..فطالما رأتهن يتبادلن الزيارات وطالما تمنت ان تكون معهن..
ستذهب الى السوق لتنتقي اشيائها بنفسها..ستحضر الاعراس والمناسبات..
ستكون لها حياتها الاجتماعية التي طالما حلمت بها ، حيث ان كل ذلك كان ممنوعا منعا باتا في قانون والدها..
كما انها ككل فتاة في سنها كانت تحلم بالحب الحلال الذي ستعيشه مع زوجها ..بالهدايا الجميلة التي سيفاجئها بها بين الحين والآخر بمناسبة ودون مناسبة بالورود الحمراء ..بفارسها الذي لايقوى على دمعة عينيها ..برجل يخبرها بأنه لايستطيع ان يعيش بدونها وبأن رائحة عطرها تعيد الى قلبه الحياة .وأن عينيها هي أجمل مافي الوجود..وبأن صوتها لحن رقيق يداعب أوتار قلبه صبح مساء..
ولكن للاسف كل تلك الأحلام تحطمت منذ الشهور الأولى لزواجها ، فقد اكشفت ان الامر لم يتعدى خروجها من زنزانة إللا لتدخل غيرها..
لاشيئ مما حلمت به وجدته بل على العكس تماما فقد عاشت في عزلة اشد مما كانت تعيشها عند اهلها على الاقل  كان هناك من تحدثه من يبادلها الانفاس داخل البيت ..اما زوجها فقد كان غائبا اغلب الوقت بسبب العمل..كم مرة وضعت أذنها على باب البيت لا لشيئ اللا لتسمع اصوات الناس لتشعر بانها ليست وحدها و انه يوجد بشر حولها..
زوجها كان شابا له صولاته وجولاته عاش الحياة بطولها وعرضها ومر على رأسه الكثير على حد قوله ..الامر الذي جعله من الصعب ان يصدق انه لايزال  هناك فتاة بمثل براءة أمنية..
كان على يقين بأن وراء عفويتها غموضا وخلف شفافيتها اسرارا <<لابد انها تخفي الكثير وراء قناع البراءة الذي ترتديه .لكن على من !! فأنا لست الرجل الساذج الذي تظنين والايام كفيلة بان تعرفكي علي جيدا>>  وهكذا كان دائم الشك بها ..كان متحفزا في كل لحظة ان يمسك عليها زلة تثبت ظنه فيها. 

حكاية أمنية..حيث تعيش القصص. اكتشف الآن