جلسنا على العشب الأخضر كنت أشعر به تحت قدماي الحافيتين، كان دافئا و طرياً رغم أننا لم نحظى بيوم ماطر في الأسابيع الماضية. كان يجلس جواري حافي القديمين يرفع بنطاله إلى نصف ساقيه كانت لا تزال ساقاه مبللتان و لكن ستجف حالاً مع أشعة الشمس هذه. كان يجلس حاضن ركبتيه إلى جذعه وحذاءه بجانبه.
قلت بعد شهيق و زفيرٍ عالي: كان هذا ممتعاً جداً.
ابتسم قائلاً: نعم جداً.
ملت إلى يميني واستندت بيدي اليمنى فأصبحت أقابله أكثر، نظرت إلى يدي ثم قلت بهلع: سام سام ..خاتمي
نظرتي حولي و اتبعت: لقد فقدته!
قال فزعاً: أي خاتم؟ هل أسقطه في الماء؟
نهضت متجهة إلى المياه إلى المكان الذي كنا فيه، شعرت به يلحقني ثم قال: لا تقلقي سأجده أنا.
أبعدني عن الطريق و ذهب هو مسرعاً، حنى ظهره و أنزل يديه إلى الماء و أخذ يرنحهما يمنة و يسرة باحثاً. وقفت أراقبه من بعيد ولم أكن أعرف ماذا أشعر كنت احتاجه .. احتاج ذاك الخاتم .. سالت دمعة على وجنتي ، مسحتها سريعاً فتلتها آخرى ثم آخرى. كنت أحاول تمالك نفسي حتى لا أبكي لكني على ما يبدو فشلت في ذلك فشلاً ذريعاً.
حينها انتبه سام لشهقاتي رغم أني حاولت جعلها خافتة جداً و تمنيت أن صوت المياه كافٍ لإخفائها، و لكن على أي حال لم يكن ما تمنيته حقيقةً. كان يتفحصني بعينيه و كان وجهه أكثر ليناً: أتبكين؟
لم أجبه فخرج من الماء سريعاً و كانت قطرات الماء تتطاير حوله قال بتردد: ماذا بك؟ سنجده.. أهو ثمين جداً؟
تمتمت: لا .. لكني احتاجه.
احسست به يمسك بيدي و أخذي بي ثم أجلسني ثم مسح على شعري البني القصير بحنان : سأبذل ما بوسعي لإيجاده آبيغال.
نهض مجدداً ليبحث عنه كنت اراقبه و امسح دموعي، أخذت نفساً عميقاً.. شعرت بالغباء حين انفجرت و لم اتمالك نفسي و شعرت بالغباء أكثر و أكثر لأنه لا يعرف لماذا بكيت حقاً، لم استطع أن أفسر الامر له لأنه معقدٌ بما فيه الكفاية في عقلي. وحتى إن أردت إخباره لا أريد أن أنطق بالكلمات عالياً فالموضوع يزعجني كثيرا كثيراً.
رأيته رافعاً رأسه و ينظر إلي كان وجهه صعب الفهم قال بصوت يائس: لا اعتقد انه هنا.
قلت بتردد: هو خاتم خطبتي
تغيرت ملامحه و قال باستعجاب: هل أنت مخطوبة؟
- نعم و لكن لست أريده بل أريد التخلص منه.
قال بحيرة: اذا لقد نجحتي.
- لا علي أن اعيده لتيم .. علي أن أعيده!
وقفت مستندة بيدي ثم قلت: ربما هو في محطة الحافلة هناك.
اقترب مني وقال: حسنا يمكننا العودة إلى هناك.
- يمكنك إكمال مغامرتك، سأذهب أنا للبحث عنه.
أجاب: سنذهب سوياً لا نزال في مغامرتنا.
ثم أنزل رأسه: بالرغم أنها لم تكن فكرة سديدة ابداً.
حركت رأسي نافية بصوت مرتجف بسبب البكاء: لا عليك كل شيء يمضي.
قلت بعدها: أرجوك فلنتحدث عن أي موضوع آخر..
نظر حوله و كأنه تورط فيما قلته ثم ارتجل: الجو جميل جداً اليوم.
قلت بامتعاض: أحقاً؟ نتحدث عن الجو .. لا للمحادثات الصغيرة السطحية.. أعطني شيء آخر..
قال متردداً: عملك .. ماذا تعملين؟
تنهدت قائلة: في المكتبة العامة في طريق جورج كلنتون.
- أتحبين العمل هناك؟
أطرقت برأسي
- أتحبين القراءة؟
- إلى حد ما.
رفع احد حاجبيه: إلى حد ما؟
قلت بتفكر: أحب القراءة ولكن ليس بما فيه الكفاية لأنهي كتاباً واحداً.
ضحك قائلا: مالذي تقولينه؟
ابتسمت ببلاهة: لا أنهي الكتب التي ابدأ بقرائتها ..لكني استمتع بقرائتها.
- حسناً هذا متناقضٌ جداً.
كنا لا نزال واقفين مسحت بيدي على جببني مروراً على وجنتي اليمنى و أنا أفكر بوجهي المحمر بعد البكاء ثم لاحظت أغرب شيء رأيته في حياتي، قلت بأحرف متقطعة: سـ سام .. سام .. يدي ..
سرعان ما نظر إلي ثم قال بصوت خائف: ماذا؟
حركت يدي أمامه وقلت بذهول:تلك ستة أصابع في يديٍ واحدة.
قال متردداً: منذ متى.. منذ متى!
قلت: استيقطت هذا الصباح بخمسة أصابع في يدي.. لا يمكن .. لا يمكن.
سكت قليلاً و كأنه يفكر ثم قال: ربما ربما .. هل تشعرين بأي شيء غريب؟
قلت غاضبة: عدا ضياع خاتمي الذي كان في اصبعي هذا الصباح، و وجود إصبع إضافي في يدي اليمنى..
اتبعت بنبرة آخرى: لا ازال اشعر أني أطفو.
قال حينها بحزم: فهمت الأمر .. لابد انه حلم .. حلم مزعج يبدو أننا نحلم.
نظرت إليه كان لساني عاجز عن قول شيء، و هو يقول ذلك و هو يبدو واثقاً جداً لم أرى هذه الملامح الحادة اليوم سوى الأن.
- نحلم؟

أنت تقرأ
تلاشي ..
Povídkyالفقدان كلمة يسهل نطقها، لكنها تصنع فجوة داخلنا لا تدثرها السنين. الفقدان مؤلم يجعلك تتمنى أنك لم تكتسب شيئا أبداً حتى لا تفقده.