الجزء السابع و الأخير

59 6 2
                                    

وصلنا للمحطة المطلوبة لم يكن ذلك صعباً أبداً، أخذنا حافلة لمدة عشر دقائق تقريبا. كان الشاطيء مغطاى بالعشب لستة أمتار تقريباً و بعدها سثمانية أمتار من الرمال ذهبية حتى تلامس المياه، الشاطيء هنا لا يرتاده الناس كثيراً. كان هناك من بعيد عائلة تجلس على كراسي محمولة و أطفالهم يلعبون أمامهم بالرمال، لم أكن استطيع تميز ملامح وجوههم و لكن استطعت رؤية القلعة التي بناها الطفلين. و إلى اليسار يجلس شابين يتحدثان كانا بثياب صيفية ، و هناك من بعيد تجلس فتاة وحدها أظن أنها ترسم في دفترٍ صغير.
سرنا معاً حتى وصلنا للرمال، هم بخلع حذاءه و جواربه للمرة الثانية هذا اليوم. ضحكت: أسننزل للمياه الأن؟
نظر نحوي وقال: لا لكن إحساس الرمال حين يلامس قدميك إحساس جميل.
قمت بخلع حذائي أنا أيضا قائلة: أوافقك هذا.
أمسكت حذائي بيدي اليمنى، عادت إليه تلك النظرة المجنونة فقال: لنركض!
أمسك بيدي اليسرى و قال: هيا.
لم أستوعب ما قاله و كيف حدث هذا كله إلا حين بدأ بالركض حقاً، رحت أجاريه راكضة.. كانت الرمال تتطاير حول أقدامنا. كنت أضحك و أنا أركض و فعل هوا كذلك. أحسست به يبطيء من ركضه، بالطبع لأني أبطأ منه بمرات.
شعرت بالهواء يحرك شعري بانتعاش باتجاه الرياح، كان شعوراً جميلاً جداً. الرمال الدافئة تحت أقدامنا، نسمات الهواء و كل هذه الزرقة أمامنا السماء و المياه و هو.
توقف حين شعرت بالمياه تحت قدماي، فتوقفت أنا أيضاً. قلت:كان ذلك ممتعاً .. ممتعاً جداً.. أو لا لا يمكنني أن اوصف شعوري.
فلت يدي و نظر إلي، كان يعطني تلك الإبتسامة التي تسعد القلب ثم قال: و نزلنا للمياه.
كانت الأمواج ترتطم بنا لم تكن قوية بل كانت مناسبة، ككل شيء هنا.. فقط مناسب.
قلت له: لنجلس.
فتراجع عدة خطوات مبتعداً عن الماء و قال: هنا؟
- نعم
جلس و مد ركبتيه أمامه ففعلت مثله، كانت الرمال طرية جداً فغضنا فيها قليلاً.
قلت و أنا اتأمل السماء و الأمواج القادمة: حقيقة ربما يكون هذا أفضل يومٍ في حياتي.. هذه المرة الأولى التي أتأمل فيها شخصاً و من ثم اعرفه شخصياً.. شكراً لك حقاً.
ابتسم بفخر وقال: و أنا أيضاً سعدت اليوم كثيراً و آعتذر مجدداً عن الخاتم الضائع.
- ليس خطأك..
تذكرت حينها اسئلتي التي تدور عنه فقلت: أتحب القهوة؟
- كثيراً.
تبعت بسؤال: بحليب أو بدون؟
أجاب: بحليب.
ضحك قائلاً: أهذا ما كان يجول في ذهنك عندما رأيتني؟
ابتسمت: نعم.. و ماذا تعمل.
ضحك محرك رأسه لليمين و اليسار و كأن آماله قد خابت: ظننت أنك تسألتي من هذا العظيم أو شيء من هذا القبيل.
قلت باستنكار: يالك من متغطرس.
كانت الشمس قد قاربت على المغيب، سألني: ما هو شعورك الأن؟
أخذت نفساً عميقاً ثم قلت: بالأمان ربما.
ابتسم ابتسامة جانبية و قال: بالهدوء و الراحة.
قلت بسعادة: الجميع راضٍ.
وفجأة اخذ يسعل و كان سعاله يزداد في العلو، ذعرت فأخذت أربت على ظهره وأقول: هل أنت بخير؟
كان يحاول الوصول إلى شيء في جيبه، قلت: ماذا تريد؟ دعني أساعدك.
توقف عن السعال فجأة و قبض على قميصه و أخذ يشده ثم أصبح يشهق بقوة و يقول بصوت نحيل: بخاخي.
هرعت أبحث في جيبيه عن اي شيء أخرجت كل شيء، لم يكن اي منها بخاخاً.. كنت لا أفكر ارتجف و لم أعرف ماذا أفعل. أصبحت شهقاته خافتة و وجهه محمر، كنت مذعورة فأخذت أبكي ربما لأن وقتها كان البكاء أسهل شيء.
مر شريط أحداث اليوم كله في عقلي، قلت فجأة: سام أنت تحلم! أنت تحلم فقط أستيقظ أرجوك!
أمسكت أكتافه هززتها، كان يغيب عني .. كانت عيناه تبتعد.. أمسك بيدي بقبضة قوية جداً شعرت بها في قلبي.
همس بصوت متقطع: لا استطيع.
ارحت رأسه على كتفي وهمست: تستطيع، ستعيش .. ستكون! فقط انهض. أرجوك لأجلي.
همس بيأس: آبي..
فجأة رأيت السماء تختفي إلى البياض تدريجياً، و ها هو البحر أيضاً كل شيء سيصبح أبيضاً. رأيت يداي على أكتافه يداي أيضا تتلاشى .. تتلاشى إلى البياض. كان هو الوحيد الظاهر و كل شيء عداه يزول.
...
تلاشي و نقطة سوداء.
صراعٌ على فراش، عينان بنتين تنفتحان..شهقات تحاول سرقة أي اكسجين من الهواء.
تحركت يده للطاولة جواره باحثاً عنه.. وجده .. أمسك به تنفس ما بداخله و كأنه أكسير الحياة.
و سرعان ما عاد الهواء يجري داخل رئتاه.. هي كانت حلمه .. هي فقيدته..
كانت حقيقة جداً ، لماذا كان عليها أن تكون طيفاً.
قبض على يديه بشدة ، شدة تصنعها فجوة الفقدان .. فقدان شيء عزيز ..تلاشى كل شيء.

تلاشي .. حيث تعيش القصص. اكتشف الآن