الجزء السادس

57 4 0
                                    

جلسنا على الطاولة في مطعم صيني كنت أؤجل سؤاله عندما أخبرته أني جائعة إضافة ان معدتي حقاً كانت تتضور جوعاً. كان أختيار المطعم يعود إلى انه اختار جونز برقر، و لكني سألته ما إن كان هناك طعام لم يجربه في حياته قط. فانتهينا بالذهاب إلى هذا المطعم. انصدمت حقاً بهذه الحقيقة، كل الناس تطلب الطعام الصيني في ذلك اليوم الذي لا يريد فيه المرء التحرك من سريره حتى، مالذي يأكله في تلك الأيام يا ترى؟
كانت طاولتنا ركينة مربعة الشكل عليها رداء طاولات أحمر اللون، كانت المطعم يوحي بانك حقاً في الصين بأثاثه. كانت الأضواء خافتة و لم يكن مزدحماً ابداً فهذا ليس وقت غداء أو عشاء لكنه شيء بينهما، كانت الساعة تشير إلى الثالثة و النصف. كان اليوم طويلاً جداً ربما ان ذلك كان بسبب اننا فعلنا الكثير و تنقلنا مراراً بالحافلة. تصفح قائمة الطعام وقال: كل شيء هنا يدعو للحيرة.
- مالذي تفضل أن تأكله؟ لحم، دجاج أو ربما شيء بحري؟
أشار إلى احدى صفحات قائمة الطعام: هنا كتب دجاج حلو حامض، لا اعرف أيهم سيكون أفضل مع أيت نكهة.
قلت مقترحة: ربما عليك أن تجرب الدجاج الحلو و الحامض هو الأفضل بين بقية اللحوم، و سأخذ أنا لحم عجل بالصويا. و يمكننا أن نتشارك.
اطرق برأسه موافقاً ثم استدعى النادل، كان عشريني ذو ملامح آسيوية يردتي قميصاً أبيضاً و مريلة سوداء. كان يبدو لطيفاً، طلبت ما نريد و طلب هو صودا التفاح.
وضع احدى يديه على الطاولة و قال: هل سنعود لما كنا نقول؟
قالها و هو يبدو مهتماً جداً، هززت رأسي موافقة.
ثم قلت: نعم أخاف ان افتقده لا ان اتركه.
قال بنبرة فيها القليل من الانزعاج: هذا قاسٍ جداً.
قلت: كما قلت سابقاً أحيانا يجب أن تختار ذاتك، لكن لا يعني ذلك اهمال من حولك و ضربهم بالحائط و لكن أنت فقط جعلت لنفسك الأولوية.
قال متعجباً: لا أفهمك.
تنحنحت لأقول: اعتقد ان ذلك يعود لتجاربنا الحياتية و ما مررنا به، لا اعتقد انك ستفهمني ان لم تعش حياتي و العكس صحيح.
قال حينها متراجعاً: ربما تعمقنا في هذا الأمر كثيراً.
قلت: اعتذر لكن ما أقوله هو الحقيقة.
قال: لماذا تخافين الفقدان؟ ما هو الفقدان؟
- الفقدان تلك كلمة يسهل نطقها لكنها تصنع فجوة داخلنا لا تتدثرها السنين، الفقدان مؤلم يجعلك تتمنى أنك لم تكتسب شيئاً ابداً حتى لا تفقده..
نظر بعينين ثاقبتين و قال: ما الذي فقدته أنت؟
قلت: ليس عليك ان تفقد شيئاً لتعرف ذلك.
لكني اتبعت: كانت صديقتي المقربة و أمي .. فقدتها قبل خمسة سنوات.. أحياناً اتمنى ان تكون هنا حتى تخبرني بما علي فعله..
مسحت بيدي على وجهي و قلت: فلنتحدث عن شيء آخر.. ألديك أخوة؟
أجابني: نعم آخ واحد ..ألديك أنت؟
- لا لكني دائما اتمنى أن يكون لدي أخت.
قال حينها: لا تكون العلاقات دوماً كما نريد، فلم آرى أخي منذ فترة طويلة ..
سألته: لماذا؟
قال: لا يشبهني أبداً، اختار هو طريقا و أخترت الأخر.. ليس لدي ذكريتٌ كثيرة معه.. وهو حتى لا يزور والدي في الأعياد و المناسبات .. فلا أعتقد انه سيريد رؤيتي أنا.
احضر النادل الطعام و كأس الماء فتوقفنا عن الحديث لفترة، شكرنا النادل على كل ذلك ثم قال: يبدو شهياً جداً.
أسعدني انه اعجبه الطعام، و قال لي أنه سيطلبه مجدداً في تلك الأيام الكسولة بدلاً عن أن يأكل معكرونة سريعة التحضير ذات طعم سيء. اتفقنا على أن نقسم الحساب بيننا، هذه هي الطريقة الأنسب لي. خرجنا من المطعم كان قد بقي ساعتين و بضع دقائق على بداية الغروب.
خرجنا من المطعم و قد كان الجو أبرد من ذي قبل ربما لأن حرارة الشمس قد بردت قليلاً، لملمت أطراف سترتي و ضممتها إلي أكثر.
علق: أصبح الجو بارداً.
همهت موافقة، سرنا بمحاذاة المحلات و المنازل هناك. كان المطعم الصيني في حي مليء بالبشر لذلك اخترته هو بالذات أردت رؤية أناس و أن نكون في مكان مفعمٍ بالحياة، كان يبعد عشر دقائق عن ذاك المقهى.
قلت: إذا قلي شيئاً ما.
لم يجبني سريعاً أعتقد أنه كان يفكر، لم يكن هناك أي فكرة في ذهني لذا اردت الاستعانة به.
قال: ما هو أجمل شعور شعرته في حياتك؟
لم يخطر في بالي أي موقف لكني قلت: سؤال جميل.. لم أفكر قط.
حولت السؤال له: هل تعرف أنت جوابه؟
أجابني: هممم ربما ذاك اليوم حين استقلت من عملي، شعرت أني حر طليق شعرت أني أملك مهمة. أحسست أيضاً أني أملك شجاعة كافية لأن أنهي شيئاً و كل ذلك مكرسٌ لنفسي أنا.
ابتسمت راق لي كيف وصف شعوره، و شعرت به في أعماقي مما أعطاني شعور راحة. رحت أفكر في عقلي ما إن كان هناك يوماً شعرت به بالراحة و بالحرية، لا اعتقد أني شعرت بذاك أبداً. ثم تذكرت تيم فقلت: ربما بعد الليلة سيكون شعوراً جيداً، ربما لأنني تخبطت مراتٍ عدة حتى عرفت ما هو الصحيح.
أمسك يدي و قبض عليها، لم أفهمها و لكن يبدو أنه يريد ان يساندني لأنه قال: ربما سيكون.. و سيكون كل شيء بخير.
حقيقة لم أرد ترك يده وهو لم يتركها، أعطاني شيئاً من الطمأنينة أردت للحظة أن تدوم هكذا.

تلاشي .. حيث تعيش القصص. اكتشف الآن