طبيعة

54 4 0
                                    

اعتادت أشجار الغابة الشمالية على زائر حزين، كان كل يوم يختبئ خلف شجرة كبيرة تقع امام نهر جاري ويبكي. مع مرور الأيام تقوست الشجرة برأفه فصار الإتكاء عليها مريح، وانحنت أغصانها بلطف عليه لتحجب عنه أشعت الشمس. الزائر الحزين لم يدرك تعاطف الشجرة معه بل ولم يدرك أبداً ان الأشجار التي حوله كلها تبكي معه كلما بكى. كسر صمت الغابة صوتُ غريبٍ قادم من بين الأشجار.
"لما تبكين ؟"
نظرة المرأة بتردد بحثاً عن مصدر الصوت في الأرجاء الى ان رأته كالسراب متجه نحوها، كان جثل البنية غريب المنظر يرتدي الخضار، ويغطي رأسه بأوراق الأشجار.
"من أنت ! ولما تسأل ؟ " قالت بخوف
اكتفى الغريب بالإجابة عن سؤالها الثاني وقال:
"لستُ انا من يسأل، بل هم"
قال وهو يشير الى الأشجار براحت يمينه ويساره
***

أصاب المرأة الفزع من هذا الغريب المجنون الذي كان يحدق طويلاً في عينيها بصمت، كانت عيناه كلها بلون واحد الأزرق الأرجواني وان امعنت النظر فيها تلاءلاء كأنها نجوم تسبح في المجرات وكل ما امعنت النظر فيها

كل ماكانت تفكر به هو الهرب منه لكن القرية تبعد عن هذه الغابة مسافة ساعتين كاملتين وبينما كانت الأفكار تعصف في ذهنها فإذا بالغريب يقترب منها بهدوء، ابتعدت عنه مسافة تسمح لها بالهرب لكنها سرعان ما ادركت أنه كان يقصد الشجرة التي اعتادت ان تتكئ عليها، مسح الغريب على ساق الشجرة بلطف وهو يطأطئ بيديه مصدراً صوتاً شبيه بصوت تحرك أغصان الأشجار، ثم التفت عليها وسأل مجدداً: "خمس سنين تبكين بجوارها، الا تستحقُ معرفة سبب بكئكِ ؟ "

أصاب المرأة الذهول كيف له ان يعرف الزمن
الذي قضته وحدها في الغابة، لكن عيناها بدأت
بذرف الدموع لمجرد ذكر عدد السنين التي قضتها
خلف الشجرة وحدها، وكذلك عدد سنوات عمر ابنها الأصغر.
غلب الحزن الخوف في قلب ام جوريث وانهارت باكية
" اللعنة على ذلك الوحش الخبيث، لقد اغرق سفينتنا ونزع البحر ابني من بين يدي "

غرقت ام جوريث في بكاء شديد عانقت فيه ساعليها محاولة
تهدئت نفسها ونسيان ما حدث، الغريب كان خالٍ من المشاعر
ولعل اهم جزء في قصتها بالنسبة له كان الشجرة التي لم تذكرها،
طأطئ الغريب يداه مجدداً محدثاً الشجرة عن السبب ..

"هو لم يمت.. "
قال النهر، التفت الغريب بسرعه الى النهر مدهوشاً ! فكيف يمكن
ان ينجوا طفل رضيع من غضب البحر. الإمرأة في
هذه الأثناء كانت مشغولة بالبكاء ولم تنتبه لما قيل عن إبنها،
ولعل ما سمعته كان مجرد اصتدام مياه النهر بعجلٍ على
الصخور، أخذ الغريب غرفةً من الماء في فمه واخرج صوتاً
مشابه لصوت جريان النهر، ثم التفت على ام جوريث وقال بسلام:
"انه في الشمال الغربي عند الحوريات في جزيرةٍ صغيرها تسكنها أشجار جوز الهند والقليل من الأعشاب."

صدقت المرأة الغريب على الفور فالشمال الغربي هو المكان
الذي تحطمت فيه سفينتهم، او ربما لانها كانت فقط تريد تصديق
اي فكرة تقول ان صغيرها لا يزال على قيد الحياة، فسألت الغريب على عجل
" اريد رؤيته"
ذهب الغريب الى الشجرة التي كانت تستند عليها المرأة
لسنين ووضع كفيه عندها فملأتها الشجرة بقطراتٍ دافئه.
"ما هذا ؟ " -سألت المرأة-
"انها دموعكِ لم تضع الشجرة قطرة واحده منها"
تبسم الغريب وهو ينظر الى الشجرة بإعجاب وتقدير والكثير من الحب الى ان ملئة كفه بالدموع، ثم انحنى لها اذناً بالإنصراف واتجه الى النهر. جثا على ركبتيه وانزل يداه المليئة بالدموع في النهر ببطء، أسرع النهر في استقبال ما أعطاه الغريب وحمل رسالته على عجل مسافراً بها الى البحر.

__________________________________________________
#انـتـهـى

مشتتحيث تعيش القصص. اكتشف الآن