لعنة |#٥

32 0 0
                                    

"يستحيل كسر اللعنه."
لا تزال كلمات الألفي تتردد في ذهن رويــن في كل مره ينظر فيها الى صغيرته ذات الخمس سنين. وفِي طريق العودة للبيت في رحلةٍ تستمر اكثر من ثلاث شهور نادته ببراءه:
"لما انت حزين يا ابي ؟"
في تلك اللحظة لم يستطع رويــن كبت مشاعره أكثر فجث على ركبتيه وعانقها بشده. لقد كان يشعر بالذنب والأسى على حالها وزادتهُ برائتها وهناً على وهن. لكن لحظات الحزن هذه لم تستمر طويلاً، فقد أحس رويــن بخطوات ثقيلة تهز الارض ستتقابل مع طريقهم في نهاية المنعطف. فحمل إبنت على عجل واختبآ بين الأشجار، هل هم قطاع طرق؟ ام لصوص؟ مجرمون ام مجرد مسافرون؟ لم يمنحه اصحاب الخطوات الثقيلة الكثير مِن الوقت للتفكير فقد احسوا به، وسمعوا صوت خشخشة الشجرة التي اختبآ داخلها. لقد تأخر رويــن كثيراً في الاختباء.

"فلوش! هذا مهم عزيزتي، إياكِ والتحرك. سأرجع سريعاً لكِ"
همس رويــن في أُذنها ثم خرج من بين الأشجار هارباً في الإتجاه الذي جاء منه، رغبتاً في تضليلهم عن إبنته. لقد كانوا أربعة عشر رجلاً. كلهم يرتدون رداء جلدياً يخفون أسفله هويتهم. وعلى الرغم من طول وسمك الرداء إلا انه لم يكن كافياً لإخفاء أجسامهم الجثله. فهؤلاء الأربعة عشر كلهم كأنوا كالخشب المسند، طويلين البنية، بعظلات مفتولة وعظام ممدودة، وبأسلحة من السيوف والسهام وخناجر كانت على ظهورهم وأجسادهم منشورة.

كلهم لحقوا بـروين، إلا واحد. تأخر عنهم ووقف تماماً أمام فلوش. كانت تحجب بينه وبينها طبقاً خفيفة من الشجر. وقف الغريب هنالك للحضات مغمضاً عينيه، وهو يشم رائحة المكان بعمق. كان أنفه الأفطس الشبيه بالثور قادر على تميز وجود فلوش على الرغم من إمتزاج الكثير من الروائح بالغابة كرائحة الأشجار والزهور والحيوانات. نظرة الطفلة للرجل الضخم بترقب وعيناها ترتعد وجسمها يرتجف وجلدها يقشعر بينما الأخر كان في سلام مغمض عينيه في سكون تام وكأنه الهدوء الذي يسبق العاصفة.  ثم وبلمح البصر كما البرق اخترق نصل الغريب الاشجار التي بينهما دون سابق إنذار. فصرخت الطفلة بفزع وهي تضم ركبتيها الى جسدها الهزيل محاولة الرجوع للخلف دون جدوه فأغصان الشجرة كانت خلفها. عّم الهدوء للحظات بينهما بالرغم من أن الغابة لم تصمت للحضة. كان الغريب قريباً من فلوش ينظر لها بعينيه من تحت ردائه بدهشة، لقد شعرت بالأمان قليلاً فلم تجد في عينيه نية الشر أبداً، لقد كان الغريب يحمل عينين كالزمرد، وشعر مموج كحمرة الياقوت، وجهه كان كلون الغسق في احمراره. وعلى الرغم من بنيه جسده الضخمه إلا أن ملامح وجهه تقول انه لم يتجاوز السادسة عشر. ترك الفتى الطفلة ولحق بإخوته ليرى ماذا سيكون مصير والدها. وحينما وصل كان اخوته قد أسقطو به أرضاً وقد شُلت حركته بسهمين اثنين أحدهما غُرس بيده والأخر بقدمه. كان الأخوان يشكلون حلقة حول رويــن فانظم أخوهم الأصغر لهم.

"ديمورقن إحذر إن هذا الغريب، انه ليس بهين لقد اضطررت لاستخدام سهمين كي أوقفه."
قال له اخوه بصوت هامس. نظر ديمورقن بشفقة الى رويــن وإخوته يحيطون به كقطيع مِن الذئاب وهو بينهم جريحٌ لا حولٌ له ولا قوه. لكنه لم يتجرء قول شيء لاسيما أن مصير رويــن الأن قد صار بقبضة اخوه الأكبر وحده. ولم يرغب الأخ الأصغر إطلاقاً الدخول في مواجه مباشرة معه. فلطالما ذكرته الندبة التي استوسطت جبينه بأن لا يعترض طريق اخوه الأكبر ابداً. لقد كان ديمورقن صغيراً حينما وسمه بهذه الندبه العميقة التي سارت على جبينه مروراً بحجر عينه حتى طرف انفه، ولولا تدخل من حوله لـشُق وجه ديمورقن الى نصفين، نظر ديمورقن بترقب الى اخاه الأكبر وهو يرجو ان لا يقتل رويــن.

الاعين الفيروزيا كلها تحملق من تحت الرداء بصمت الى رويــن الساقط أرضاً، كان لا يعلم من هم ولما هاجموه ولا حتى ما الذي سيحل به! تحرك أحدهم بخطوات ثابته وبهدوء تام من بين الأخوه الواقفين كالاصنام. كان كأنه الموت يتجه ببطء الى روين. لقد كان أكثرهم طولاً وأشدهم بنيه. كان سهلاً على روين تخمين انه رئيسهم، صار الاثنان وسط حلقة الاخوان، فكشف الأخ الأكبر ردائه عّن وجهه فالتسعت حدقتي رويــن من الدهشة ! لقد كان له قرنين، قرنين استوسطا اعلى راْسه فجعلته يبدوا كالوحش في جسد بشري ناهيك عن ملامح وجهه القاسية. كانت له عينيه الحادتين وشفتيه الرفيعتين وأنفهُ افطس شبيه بأنف الثور، وبشرٍ شديدة الحمرة. هذه الملامح لم تكن غريبة على روين انهم من اهل الشرق في القارة الاولى التي لا يسكنها إلا العمالقة والغيلان ومملكة واحده للبشر تقع عند مشرق الشمس. تلك المملكة هي من أعمق واعرق الممالك في العالم بل وهي الوحيدة التي صمدت في وجه الفصل الخامس قبل خمس قرون. انحنى الأخ الأكبر نحو روين وبشده احكم قبضته على عنقه. ثم استقام ورفعه في السماء بيد واحد بكل سهولة، لقد شعر روين وكأن يدا الوحش القاسيتان قد غرستا في عنقه فلم يستطع حتى المقاومة..
"من أرسلك ، وكيف وجدتنا .. انطق ! "

مشتتحيث تعيش القصص. اكتشف الآن