23:59

126 18 23
                                    

10- أثقلُ حِمل.

من بينِ كلِّ الأيامِ التي قضيتُها معكِ، يومُ معرفتي بمصرعكِ القريبِ هو أكثرُ يومٍ لا تتذكرُه ذاكرتي..

أظنُ بأني مزقتُ بعضًا من حصصِ ذكرياتي على سبيلِ حمايةِ نفسي..
أتمنى بأنّي أعرِف.

كنا في المنتزه، وكنا نجري، أو ربما كنتُ أنا فقط من يجري، وكنتُ أحثكِ على اللحاقِ بي.
لم تمضي دقائقّ إلا وقد كساكِ العرقُ وغلفكِ الإرهاقُ وكأنكِ قاربٌ غِرقَ في منتصفِ المحيط.
وفجأةً أمسينا في المشفى بعدَ أنّ أنهرتِ على الأرض..

كانَ للممرضةُ طريقةٌ بارعةٌ جدًا في إبلاغي بالأمر..

حينَ التفتُّ إليكِ، وجدتُ عينيكِ حمراوتين، وأنفكِ وفمكِ مضرجان بالدماء، وخيلَ لي أنّ الزمنَ عادَ قليلاً للوراءِ حيثُ كانت البداية، لو أنني فقط وجدتُ طريقةً ما أكسرُ فيها إصبعي.

ثمَ قالوا لي أخيرًا اسمَ قاتلَكِ..

لوكيميا الأوّرِمَة اللمفاويّة الحاد..

حتى أنني حفظتُ كيفَ أكتبُه.

لم تتفوهي بشيءٍ حينَ رحلت الممرضةُ وتركتنا، تشاركنا نظرةً صامتة فقط، حتى تنهدتُ وخرجَ اسمكِ مرتعشًا من بين شفتيّ.

قلتِ: أعلم..

ثم شرحتِ لي كلَّ شيء، بدءًا من معارككِ السابقِة، وجهلِ والديكِ بالحقيقة، ثمَّ رفضكِ للعلاج، وكذلكِ ابتعادكِ عن أصدقائكِ..
وقلتِ بأنكِ اكتفيتِ من الاستسلامِ لمرضكِ، ولذلك صادقتِني، وشكرتني على الأشهرِ التي قضيتُها معكِ، ولأنّي جعلتُكِ تشعرينَ بالحبِّ لمرةٍ أخرى، وأتبعتِ ذلكَ بأنّ كلَّ شيءٍ سيكونُ بخير، وبأنّه لا بأس.

ولكن طوالَ حديثكِ، أربعُ كلماتٍ فقط كانت تطوفُ في رأسي المُتعب.

لوكيميا الأوّرِمَة اللمفاويّة الحاد..

لم أجد لكِ جوابًا..
ماذا كانَ يجبُ أنّ أقول؟
شكرًا، فلننتظر لحظةَ موتَكِ؟

كلا..

وها نحنُ اليومُ على سريركِ، وحالتُكِ تسوءُ وتسوء، ورغمَ أنكِ قلتِ بأنّ كلَّ شيءٍ سيكونُ بخير، إلا أنّ ذلك غيرُ صحيح..

أيُّ خيرٍ هذا الذي ترحلينَ فيه عن الدُنيا؟
أنتِ.. تستحقينَ أكثرَ بكثيرٍ جدًا من أنّ تكوني ضحيةَ داءٍ خبيث.

وأنا سأمنحُكِ ذلك..
خذي السنتين المتبقتين في عُمري، وكوني بخير..

أحبِّي مرةً أخرى..
كوني الإبنةَ والأختَ التي حُرمتِ من كونها..
اتصلي بأصدقائكِ واعقدي معهم موعدَ لمَّ شَمل..

كوني أنتِ..
لأني أعلمُ..
بأنكِ تشتاقينَ لنفسِكِ أكثر مما ستشتاقينَ إليّ.

أنا لا أطلبُ منكِ شيئًا، إلا ألّا تنسيني..
لإني أحببتُكِ.. حتى وأنا أحُسُ بقبري يُحفرُ لي معَ كلِّ قُبلَة..
وحتى وأنا أشعرُ بخنجرٍ يغورُ في حلقي أكثرَ في كلِّ لحظةٍ تَمرُ بيننا..

ولسوفَ تكونينَ دائمًا..
أثقلَ حِملٍ حملتُه على كاهليّ..
ولكن شيئًا لا يجرؤ حتى على أنّ يقارنَ بِكِ..

أتمنى لو يُسعني قولُ المزيدُ لكِ، لأنكِ تستحقين أكثرَ من ذلك، ولكني الآن أريدُ فقط أنّ أخففَ من وطأةِ حزنكِ.

ستجنينَ في الصباح..
آسِف..

ولكن هذا هو الصحيحُ والصواب..

عيشي لأجلي..
لأنّ أي حياةٍ تعيشينها أنتِ ستكونَ متكاملةً أكثرَ بمائةِ ألفِ مرةٍ من أي حياةٍ سأعيشُها أنا..

أرجوكِ، احصلي على ما تحتاجينَ من المساعدة، وهذا المرضُ لن يجعلكِ أقلَ جمالاً أبدًا..

حتى أراكِ مُجددًا..
المخلصُ لكِ
جونغكوك..

[ تبقت دقيقةٌ واحدَة ]

****

PASSAGE حيث تعيش القصص. اكتشف الآن