23:50

124 17 12
                                    

9- رحلتُ وتواريتُ بعيدًا.

إنكِ نائمةٌ مُجددًا.
استيقظتِ قبلَ بضعةِ دقائقٍ وندهتني بكلُّ ما استطعتِ من شحيحِ ما تبقى فيكِ من طاقةٍ وقدرة.

طلبتِ ماءً، ورغم أنّي لم أرى إلا هيكلاً مُهشمًا متشحًا بجلدٍ واهنٍ وشفتين متشقتتين، إلا أنني ذهبتُ وعدتُ لكِ بكأسِ ماء على عجلٍ.

ثم طلبتِ أنّ أبقى، فجلستُ بجانبِكِ وانتظرتُكِ حتى لففتِ ذراعي بأصابعٍ نتأ العظمُ فيها وكأنكِ تتشبثينَ بالحياةِ بكلِّها.

وكأنكِ أدركتِ فجأةً كم هي الحياةُ عَابرةٌ وفانية، وأنكِ على وشكِ أنّ تصبحي شبحًا، أو مجردَ ذكرى تطاردُ أفكارَ من أقسمتِ بأنكِ لا تأبهين بشأنِهِم، فشلَّكِ الخَوف.

لم أكن أنا مَن يذبلُ في كلِّ لحظة، ولكني شعرتُ بأنّي قد رحلتُ وتواريتُ بعيدًا..
تقبلتُ موتي، تمامًا كما ارتخت يدكِ من قبضةِ المعاناة..

وضعتُ يدًا على كتفكِ، وبيدٍ رحتُ أبعدُ شعركِ عن وجهكِ، ورحتُ أهمسُ لكِ بأشياءٍ تعيدُكِ لنومكِ.
حادثتُكِ عن خططنا لما نريدُ فعلَه غدًا، وعرضتُ عليكِ أنّ نجربَ الخروجَ عن حدودِ المنزل، ولكنكِ استجمعتِ طاقةً كافيةً لهزِّ رأسكِ رفضًا.

اقترحتُ أنّ تتركي السريرَ قليلاً إذن وتهاجرينَ إلى الأريكةِ حيثُ سأريكِ الأفلامَ التي لطالما قلتِ بأنكِ ترغبينَ بمشاهدتِها، ولكنكِ لم تجيبي..

للحظةٍ وجيزة، والتي بدت لقلبي ساعةً كاملة، شعرتُ بالجزعِ يحتلُني حينَ ظننتُ بأننا في لحظاتكِ الأخيرة..

أوشكتُ على أنّ أُجن، ولكني أدركتُ بعدَها أنكِ لا زلتِ تتنفسين، ولكن أنفاسكِ ضئيلةٌ لحدٍ أستحالَ سماعُه إلا حينَ تجرأتُ واقتربتُ منكِ لأتأكد.

لا زلتُ الآن بجانبكِ، وأنتِ تتمتمين بأشياءٍ لا تُفهَم، والمؤقتُ في كفكِ يقتربُ نحو أصفارٍ تصطفُ بجانبِ بعضِها معَ كلِّ لحظةٍ تَمر.

لا أستطيعُ أنّ أتخيلَ حتى
كيفَ سيكونُ حالكِ في الصباح..
حينَ تجدينَ سنتين في كفكِ
بدلاً عن الأصفارِ المصطفة..

ولكنكِ ستكونين بخير..

[ تبقت عشرُ دقائق ]

****

PASSAGE حيث تعيش القصص. اكتشف الآن