(١٢) الـحـقـيـقـة الـمَـخْـفِـيَّـة

941 89 34
                                    

كان المكان لا زال غارقا في الصمت حين تلقى المفتش مكالمة ما، قليلا من الوقت حتى أغلقه مخفضا إياه بعد انتهائها قائلا:
_لقد عثروا على الحبل مع قناع لتغطية الوجه وقفازين في كيس بلاستيكي، فوق الشجرة القريبة من الجسر القديم، وهذا دليل آخر، بلا شك سيظهر الفحص عليها أي شيء يدينك يا زياد

حينما كان هذا الأخير عائدا إلى النزل وضع ذلك الكيس على الشجرة احتياطا للأمر إن أصبح ضمن المتهمين وتم تفتيش حاجياتهم، كان ينوي أن يرميه إلى الهوة بعد أن يجري فيها السيل، لكن بما أن المطر هطل منذ مدة قصيرة فهو لن يصل بهذه السرعة، لذا إن رماها في هذا الوقت فقد يتم اكتشاف الجريمة ويتم تفتيش المنطقة فيجدوا ذلك الكيس

حينما كان غارقا في تفكيره تذكر أنه ترك في مسرح الجريمة ما يدينه، ومن هنا أصبح يفكر فقط كيف يعود لمحو ذلك الدليل

يبدو أن أخبار الطقس ومعرفته بالمكان قد ساعده كثيرا على ارتكاب جريمته بتخطيط دقيق كهذا

بنبرة حملت من الأسى ما حملت تحدث إياد:
_يا للأسف إذن فقد كنت أنت من قتله

نظر إليه زياد شزرا ثم قال:
_لم أكن أبالي إن كان الأمر سينتهي بالتحقيق إلى اكتشاف أن القضية قضية قتل أو انتحار، المهم أنني سأكون بعيدا عن دائرة الاتهام، كنت أريد لأصابع الاتهام أن تتوجه إليك أو إلى هذا الغبي

عاد بنظره إلى أسامة قاصدا إياه بجملته الأخيرة، أثارت كلماته حنق أسامة وغضبه ما دفعه إلى سرد كل ما جاء في باله:
_كُفَّ عن النظر إليّ بهذه الطريقة، هل أنا الغبي أم الشخص الذي ارتكب جريمة بسبب سوء فهم؟ ما حدث حينها هو أن السيد نجيب كانت تصيبه أحيانا حالات نفسية تجعله يكره أن يتحدث إلى أي أحد، وإذا حدث وتجرأ أحدهم على التحدث معه فإنه ينفجر غاضبا ويتصرف بسوء

نكس رأسه حين جالت الذكريات في عقله وعاد ليكمل لكن بنبرة أخفض صوتا:
_وفي إحدى المرات كان حينها لا يزال في إحدى حالاته تلك، وقد جاء إلى هنا ليعزل نفسه بعيدا عن الآخرين، كان يفعل ذلك كيلا يؤذي أحدا بسوء تصرفه

رفع رأسه نحو زياد وأخذ يسرد باقي التفاصيل:
_وافق إصابته بتلك الحالة آنذاك وقت توزيع رواتب الموظفين والعاملين عنده في جميع المجالات، وقد كان أحد أولئك الموظفين بحاجة إلى راتب ذلك الشهر، فأراد أن يطلبه من السيد نجيب

ما إن تذكر ذلك حتى وجد نفسه يتنهد بشيء من الحزن، لكن ذلك لم يثْنِه عن إكمال القصة سيما أن الجميع قد أصبحوا له آذانا صاغية:
_حذرته من أن السيد نجيب يكون في مزاج سيء في مثل هذا الوقت، وقد ينتهي الأمر بما لا يُحمد عقباه، لكنه رفض وذهب إليه، وانتهى الأمر فعلا بما لا يحمد عقباه؛ فقد أخبره السيد نجيب بأنه لا راتب له عنده

أصاب الوجوم جميع الواقفين، لربما أنهم يعلمون هذا عنه أو ربما لم يكونوا يتوقعون شيئا كهذا، ليس لديهم خيار إلا الصمت واستماع أسامة وهو يتحدث:
_كانت غرفة الجلوس والمكتبة مليئتين بصور السيد نجيب مع والده، كان من بين تلك الصور صور لهما عند الجسر القديم، وقد كانت كثيرة؛ لأن السيد نجيب كان يحب ذلك الجسر كثيرا، وقد كان يذهب إليه مرارا حينما كان صغيرا؛ لذلك أراد ذلك الموظف أن يدمر شيئا يصيب عمق السيد نجيب، فكان الجسر أفضل خيار لذلك

لغز الغرفة المغلقةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن