كانت المربية التى ارتدت زياً يشير إلى انها من المربيات الأكثر كفاءة في مجالها, في انتظار آشرون تابى في بهو شقة آشرون الفسيح. و قد تمكنت في لحظة من ان تسحر أمبير التى تركت احضان تابى راضية.
حثها آشرون بنفاد صبر "هيا بنا. لدينا الكثير لننجزه."
همست تابي و هى تكاد تصرف بأسنانها لفكرة ان يدفع هو ثمن ملابسها
"لا احب التسوق"
فسر لها آشرون بنبرة ناعمة كالحرير "انا ايضاً لا احب التسوق. في الواقع, جلّ ما افعله في مجال التسوق مع اى امرأة هو إعطاءها بطاقة اعتماد مصرفية. لكنى لا اثق بأنك ستشترين الملابس المناسبة."
الصمت و هى تنسل إلى السيارة الليموزين التى انتظرتهما في المرآب تحت الأرض و قد قررت ألا تجادله و تخوض معه معركة تعلم سلفاً انها لن تربحها. على اى حال, يمكنه ان يلبسها ما يرد لكنه لن يتمكن من ان يغير شخصيتها الحقيقية.انتظرتهما موظفة في محلات هارودز حيث بدا آشرون في إطاره الطبيعى. لم تحاول تابى ان تفرض آراءها و وقفت مترددة فيما راح آشرون يشير إلى ما يحب ليتم سحب القياس المناسب لها عن المشجب. و سرعان ما وجدت نفسها في غرفة القياس مع كومة من الملابس لتجربتها.
امرها آشرون بنفاد صبر "اخرجى. أريد ان أراك في الثوب الزهرى."
كبحت تابى همهمة الاستياء, و ارتدت الثوب الصغير الأنيق ثم انحنت لتخلع جواربها قبل ان تخرج من الغرفة حافية القدمين.
قطب آشرون حين توقفت عن التقدمو دار حولها محدقاً في وجهها مدهوشاً "لم ادرك كم انت نحيلة و صغيرة الحجم."
عضت تابى شفتها السفلى, مدركة انها لم تتناول الكثير من الوجبات في الاشهر الأخيرة, و انها نحيلة جدا و ان جسمها الجميل تقلص من اى دهون زائدة كانت عليه. لكنها قالت بنبرة المدافع عن نفسه "لكنى اقوى بكثير مما ابدو عليه."
تأمل آشرون باهتمام لم يخفيه مقاييسها التى تبدو اشبه بمقايس دمية, و انتقلت نظراته المركزة من كتفيها الضعيفتين إلى ساقيها الشاحبتين و النحيلتين. يمكنه أن يرفعها بيد واحدة بسهولة. انه يحب المرأة ذات المفاتن البارزة لكنه وجد في بنيتها الرقيقة جمالاً يسر النظر إليه. بالكاد برز صدرها في الثوب فيما لم يبرز ردفاها ابداً, لكنها بدت جذابة و ملفتة بشكل إستثنائى يفوق العادة بشعرها الطويل الأشقر الذى اضاء ودهها البيضاوى الشاحب و عينيها البنفسجيتين اللامعتين. و تساءل إن كان ليسحقها في السرير... لكنه عاد و كبح هذه الفكرة المجنونة لأن هذا لن يكون بالطبع جزءاً من اتفاقهما. و جمد مكانه حين استدارت لتعود ادراجها إلى غرفة القياس فقد فاجأه وشم الوردة الملون الذى يشوه بشرة ساعدها الأيسر البيضاء.
قال آشرون للموظفة التى تفرغت لمساعدتها برقة: "هذا الثوب لن ينفع. زهرة منسية تحتاج لثوب بكمين كى يغطى هذا."
احست تابى بقشعريرة قوية و وضعت يدها على العلامة التى كانت قد نسيت امرها. استطاعت ان تشعر بالجلد القاسي و الخشن للندبة تحت اصابعها, هذه الندبة التى استطاع الوشم ان يخفيها. و اعتصر قلبها و تذكرت الألم المرّ الذى ذاقته على الرغم من مرور سنوات على هذا الجرح. لقد اتخذت القرار الصحيح حين رأت انها تستطيع ان تتعايش مع الوشم بشكل افضل من تعايشها مع ما يذكرها باستمرار بالطفولة البائسة و الرهيبة التى عرفتها, هذه الذكرى التى كانت تعاودها على غفلة منها كلما نظرت في المرآة. مما لا شك فيه ان الرسم ليس مثالياً فالجلد تحته بعيد كل البعد عن المثالية و قد حذرها الشاب الذى رسم الوشم من هذا مسبقاً. و على الرغم من ان خطوط الوردة غير واضحة بعض الشئ إلا انها حققت الهدف منها فأخفت الندبة و دفنت الذكريات الاليمة. و نادراً جداً ما كانت تابى تفكر فيه.
سألها آشرون بإنفعال من دون ان يخفى اشمئزازه "كيف امكنك ان تشوهى جسمك بهذا؟"
اجابته تابى بنبرة مترددة و قد شحب وجهها "إنها تعويذة تجلب الحظ الحسن. و قد رسمتها منذ فترة طويلة."
كانت الموظفة تقترب منهما و هى تحمل ثوباً بكمين طويلين فعادت تابى إلى غرفة القياس و العرق البارد يتصبب منها من جراء الصدمة, صدمة العودة و إن كان للحظات ورغماً عنها, إلى ماضيها العنيف. كانت الوردة تعويذتها التى تجلب لها الحظ و التى تخفى ما يُذكرها بما يمكن ان يحصل إن احبت شخصاً غير جدير بالثقة. إذن, هو لا يحب الأوشام, حسن, و ما شأنها بهذا؟ ارتدت الثوب الجديد, و ملست الكمين و خرجت مجدداً من الغرفة بعد ان استعادت هدوءها.
حدق آشرون فيها بتركيز شديد. و زحف الاحمرار إلى وجنتيها فيما هو يتأملها بعينيه السودداوين وقد شعرت بالتوتر يئز في الجو بينهما. احست بالتوق الشديد يجتاح كل خلية من خلايا جسمها, فجف فمها. احست و كأنها مصابة بدوار أوثملة غطرفت بعينيها بسرعة لشدة ما شوشتها هذه المشاعر.
قال بصوت اجش "هذا الثوب يفي بالغرض."
رغبت بشدة في ان تلمسه إلى حد انها كورت قبضتيها لتمنع نفسها من ان تمد يديها و تحقق رغبتها احست كأنها دبور ينجذب إلى فخ معد من العسل فقاومت ردو افعالها بكل ما تبقى لديها من قدرة على السيطرة على نفسها. و حذرها صوت صغير في رأسها : لا تلمسى, لا تلمسى, لكن بدا جليا انه يستمع إلى صوت مغاير إذ اقترب منها و مد يديه ليمسك بيديها و يشدها إليه مجبرا اصابعها على ان تسترخى في قبضته.
رفعت تابى ناظريها إليه فجمدت و لم تعد تجرؤ حتى على ان تتنفس. من هذه المسافة القريبة, لم تعد عيناه تبدوان سوداوين بل كانتا دوامة مذهلة و رائعة من ألوان العسل و الذهب و الكراميل, الوان عززتها الرموش السوداء التى حسدته عليها. لامست اصابعه اصابعها بنعومة لم تتوقعها من رجل بهذا الحجم و القوة فارتعشت رعشات خفيفة لم يسلم منها اى جزء من جسمها ما قضى على هدوئها. و تلونت وجنتاها بلون احمر قان لأنها علمت ايضا انه حرك مشاعر عميقةفيها و انها تغرق. و بحركة سريعة و مفاجئة, حررت يديها و ابتعدت مغمضة عينيها للحظات في حركة تعكس اشمئزازها و استيائها من نفسها.
اصدر آشرون اوامره بصوت عميق "جربى بقية الملابس."
اختفت تابى بوجهها المحمر داخل غرفة القياس. يبدو جلياً انه ضغط على كافة ازرار ها, و عليها ان تمنعه من القيام بذلك و انا تقف في وجهه بحزم. إنه شخص مثير بالتأكيد و هو ساحر يفتن النساء. لقد اهانها حين تحدث عن الوشم الذى تضعه و من ثم حول تلك اللحظة بطريقة ما إلى شئ آخر بمجرد الامساك بيديها في يديه و النظر في عينيها. لكنها ليست فتاة طائشة تضعف امام أدنى اهتمام يظهره رجل وسيم, أليس كذلك؟ و اعترفت في سرها بأنها تاة عذراء ما يبرر ارتباكها في التعامل مع الرجال, هذا الارتباك الناجم عن افتقارها للخبرة. لم تختر ان تبقى عذراء لكن الأمور جرت على هذا النحو. لم ينجح اى رجل في ان يجعلها ترغب في التقرب منه بشكل حميم.
دخل آشرون ديميتراكوس إلى حياتها و قلبها رأساً على عقب. فعلى الرغم من انه يجذبها إلا انها لا تحبه و لا تثق به ايضاً, فما معنى هذا و ما الذى يعكسه من شخصيتها. هل هذا يعنى انها متهورة و طائشة تماماً مثل والديها اللذين فقدت الاتصال بهما منذ زمن بعيد و اللذين لم تفجع على فقدانهما؟
تملك آشرون التوتر. ما الذى يحدث له؟ و راح يفكر بنفاد صبر بأن العاقة اللاشخصية ستنجح أكثر و لا ينبغى ان تكون صعبة إذ ما من قواسم مشتركة بينهما.
راقبها و هى تظهر امامه مجدداً, مرتدية سروالاً من الصوف و سترة صغيرة من الكشمير منتعلة حذاء عالى الكعبين. بدت انيقة فعلا. و اعترف متذمراً بأنها مرتبة جداً و هو يصر بأسنانه فيما نظراته تنزلق غريزياً إلى صدرها الذى برز قليلاً تحت قميصها الضيق.
و ذكر نفسه عابساً بانه فعل ما عليه ان يفعله. إنها المرأة المثالية التى تخدم اهدافه لأنها متمسكة بإنجاح اتفاقهما اكثر منه. و لعل الأهم ان شيئاً لن يتيغير في حياته "لقد وجد الزوجة المثالية, زوجة ليس بزوجة......
منتديات ليلاس
ترك تابى بمفردها مع الموظفة في قسم الملابس الداخلية حيث اختارت ما هو ضرورى قبل ان تنتقل إلى قسم الأطفال و تختار مجموعة كاملة من الملابس الجديدة لـ آمبير فيما قلبها يرتعش لفكرة رؤية الفتاة الصغيرة في ملابس جديدة تناسبها تماماً.
عمل السائق على ترتيب اكياسها الكثيرة في صندوق السيارة فيما صعت هى إليها لتجلس إلى جانب آشرون الذى كان يتحدث بالفرنسية عبر الهاتف. عرفت اللغة من الدروس التى تلقتها في المدرسة و رفعت حاجبها. إذن, إنه يتكلم ثلاث لغات على الأقل: اليونانية و الانكليزية و الفرنسية. و رفضت ان تترك هذا يؤثر فيها.
أعلن آشرون و هو يبعد الهاتف "سنتناول العشاء في الخارج الليلة."
سألته تابى و قد تملكها الرعب من هذه الفكرة "ولِمَ هذا؟"
"إذا اردنا ان نبدو كـ ثنائى طبيعى, لابد من ان نظره معاً في الاماكن العامة. ارتدى ذاك الثوب.
"آهـ...."
لم تضف تابى اى كلمة اخرى فيما هى تتساءل عما سيتتبع هذا العشاء في الخارج من فظائع اجتماعية.
لم يسبق لها يوماً ان تناولت الطعام في مطعم فخم, و لطالما تجنبت بجبن مثل هذه المناسبات الرسمية إذا كانت تخشى فكرة وجود الكثير من ادوات المائدة و النوادل الذين سرعان ما سيلاحظون انها فتاة اعتادت مطاعم الوجبات السريعة.
بعد ساعتين, و بعد ان استحم و بدل ملابسه, فتح آش الخزنة في غرفة نومه ليأخذ علبة الخاتم التى لم يلمسها منذ سنوات. كان الزمردة الاسطورية التى يُقال انها زينت ذات يومتاج مهراجا, تعود إلى امه و ستفى بالغرض كخاتم خطوبة. حركت فكرة ان يضع الجوهرة الثمينة في إصبع تابى جين عدم الارتباط لدى آشرون, فأحنى كتفيه ممتناً لأن الخطوبة و الزواج الذى سيليها زائفان مئة بالمئة.
و تذكرت تابى و هى تضع الماسكارا و تستمتع بواقع انها تحظى بالوقت و الهدوء الكافيين لتستخدم ادوات التجميل من جديد. شكّل الماكياج إحدى العادات الشخصية الاولى التى تخلت عنها عندما تولت رعاية امبير بشكل كامل. لكن المربية ستبقى لرعايتها حتى الساعة الحادية عشر مما يمنح تابى الحرية التامة لترتدى ملابسها و تخرج كسيدة انيقة. سيدة؟ كشرت و هى تفكر في هذه الكلمة, مشككة في قدرتها على ان تتحلى بتلك المواصفات الرفيعة المستوى ثم مررت الفرشاة في شعرها الذى غسلته منذ قليل قبل ان تحمل الحقيبة الصغيرة التى تتناسب مع الحذاء و تغادر الغرفة.
كانت شقة آشرون فسيحة و اكبر بكثير مما توقعت. خُصصت لـ تابى و آمبير غرفتان في آخر الرواق الذى يضم غرف النوم, بعيداً عن قاعة الاستقبال الرئيسية و عن جناح النوم الرئيسي الذى بدا انه يقع اعلى سلالم لولبية تنطلق من البهو الرئيسي. و اقرّت و هى تهز رأسها بأن آشرون يعيش كـ ملك, وذلك بعد ان رأت الاثاث الفخم الذى يحيط بها و الازهار الندية التى انتشرت في المكان. إنهما من عالمين مختلفين بالتأكيد. لكنها شعرت ان النقطة المشتركة بينهما هى انهما يقدران العمل الشاق و مكافآته و املت بالتالى ان يفهم لما تحتاج ان تستمر في العمل.
"ضعيه في إصبعك."
قال هذا و هو يضع خاتم الزمرد بفظظاظة في راحة يدها.
سألته تابى و هى تنظر مقطبة إلى الجوهرة المتلألئة "لِمَ هذا؟"
همهم بنبرة ساخرة "خاتم خطوبة.... زواج احيانا لا تستوعبين الأمور بسرعة."
دست تابى الخاتم الجميل في إصبعها و حدقت فيه بعينين نصف مغمضتين فيما احمر وجهها "لم اكن اعلم انك ستتكلف على امور غير اساسية. افترضت انك ستختار ترتيبات شاملة أكثر بساطة."
"بما اننا سنتزوج بسرعة و بعيدا عن الاضواء و البهرجة فلا بد من ان تبدو مسرحيتنا مقنعة اكثر للناظرين إليها."
اتخذت موقف دفاعيا و هى تقول "أنا اعيش معك و ارتدى الملابس التى اشترتيها لىّ, أليس هذا كافٍ؟"
سخر منها آشرون قائلاً "يعيش الكثيرون معا دون زواج كما ان العديد من النساء لبسن ثياباً انا دفعت ثمنها. ما بيننا يجب ان يبدو اكثر جدية."
كانت الاضواء في المطعم خافتة و بدا الجو فيه حميمياً و الطاولة التى خُصصت لهما هى الأفضل. شعرت تابى بأنها تكاد تختنق من الاهتمام الذى ابداه العاملين عند دخولهما. و بعد ان تجالها متعمداً أثناء رحلتهما من المنزل و راح يتحدث عبر الهاتف, منح آشرون نفسه اخيراً فرصة النظر إلى عروسه المستقبلية. تساقطت خصلات شعرها الشقراء على كتفيها و احاطت بوجهها الصغير الناعم و المشرق, الذى برزت فيه عيناها البنفسجيتان و فمها المثير الملون بلون زهرى فاقع. لم يستطيع ان يُبعد عينيه عن ذاك الثغر, ثغر خُلق ليجعل الرجل يفكر في الخطيئة و ارتكابها.
سألته تابى هازئة كى تُبعد عقلها عن واقع انها لم تكتشف بعد اى شوكة و سكين عليها ان تستخدم لتتناول السلطة التى احضروها لهما "كيف ترى ادائى حتى الآن في دور الدمية الأنيقة؟"
اعترف آشرون "أنتِ تجيبين كثيراً بفظاظة لكنك تبدين مذهلة في الملابس المناسبة."
اذهلها مديحة فيما تابع يقول "أنا راضِ حتى الساعة عن صفقتنا و كونى على ثقة بأنى سألتزم بالشق الخاص بى."
و مد يده ليمسك بشوكة فيما مدت هى يدها لتمسك بواحدة اخرى لكنها عدلت المسار في منتصف الطريق و راحت نظراتها تلاحق يديه السمراوتين. و امرها دماغها : قلديه و حسب.
"تقدمت بطلب للحصول على رخصة خاصة. يجب ان تُنجز الأمور القانونية في الوقت المناسب كى نعقد القران نهار الخميس. المحامى يقوم بإجراء الترتيبات اللازمة و قد اتصل بالخدمات الاجتماعية بالنيابة عنا لنطلب تبنى آمبير."
علقت تابى بنفس مقطوع "يا إلهى, انه سريع."
ذكرها بما قالته سابقاً "اخبرتنى انك لا تريدين ان تذهب الفتاة إلى مركز الحضانة."
احمرت بشرتها و هى تتذكر ان وجهة مجهولة كانت تنتظر آمبير لو لم تحظى تابى بدعمه "لا اريد ذلك بالطبع. لكن ثمة امور لم نناقشها بعد. ماذا يُفترض بىّ ان افعل فيما نحن ندعى اننا متزوجان؟"
ارتفع حاجبه استغراباً و اجاب "تفعلين؟ لا شئ. ركزى على ان تكونى أماً و زوجة من حين لآخر. اتوقع منك ان تظهرى برفقتى في بعض المناسبات الاجتماعية. هذا هو الالتزام الوحيد المطلوب منك."
أنت تقرأ
أكثر من حلم أقل من حب روايات عبير للكاتبة لين غراهام
Romanceتابى كلوفر, الفتاة العنيدة و السليطة اللسان مستعدة ان تفعل اى شئ كى تجعل البليونير اليونانى آشرون ديميتراكوس يدعم طلبها لتبنى ابنة قريبه الصغيرة, لكن آخر ما تتوقعه هو عرض الزواج! لم يكن امامها من خيار سوى القبول.... حتى لو لم يتوقف الثرى المتعجرف عن...