10_لقاء....ووداع

13.7K 233 4
                                    

سألتها ماليندا بابتسامة مشرقة و هى تنضم إليها على مائدة الفطور, الأمر الذى ما كانت تجرؤ على فعله في وجود آشرون "هل يمكننى ان اسألك إلى اين ستذهبين اليوم؟"
اعترفت تابى "سأذهب إلى بورتو سيرفو لأتسوق. أنا ابحث عن هدية عيد ميلاد."
نصحتها ماليندا "ثمة محل مجوهرات رائع... أقصدى ساحة ديل شياتشري."
اومأت تابى برأسها و قد تملكها شعور بالذنب لأنها لا تحب هذه الشقراء التى سترحل مع نهاية الاسبوع لتستلم وظيفنخت الجديدة في منزل آخر. منذ وصول تريزا و توليها أمر العناية بـ امبير, بدا ان ماليندا تمضى الكثير من الوقت في التجول في المنزل و في مراقبة حركة دخولهم و خروجهم. و شكت تابى ذات مرة في ان الشقراء تصغى إلى حديثها مع آشرون. لابد ان المربية سجلت الآن ان زواجهما المتحفظ تحول إلى علاقة أكثر حميمية . أم ان هذا ما تتمناه فقط؟
لم يمضِ على غياب آشرون سوى ساعة واحدة و ها هى تشعر انها محرومة. انها متشتاقة إليه كثيراً, و تطلعها إلى المستقبل لم يتحسن بعد ان تذكرت سلوكه الغريب في آخر ليلة امضياها معاً. التزم حينذاك الصمت و بداغ مزاجياً في سلوكه و غير معنى إذ لم يقل شئ و لم يفعل شئ, و تصرف مثل.....
قطع حبل افكارها وصول ديمترى الذى وقف بالباب و قال "آنسة بارنز؟ هل يمكننى التحدث إليكِ؟" منتديات ليلاس
ردت ماليندا بابتسامة ازدادت إشراقاً إنما لم تترك أثر على الرجل الأكبر منها سناً "الآن؟"
"الآن هو الوقت المناسب."
تركت تابى أمبير في عهدة تيريزا بعد ان رأت ان حمل الطفلة معها في جولتها في السوق خلال فترة الظهيرة تصرّف غير حكيم. كانت الرسالة لا تزال على المرآة حين مرت بها متجهة إلى الحمام لتجدد احمر الشفاه مما جعلها ترتجف.
إنه يستغلك !
حسناً, انهما يستغلان بعضهما البعض في ما يتعلق بزواجهما, علماً ان الامور تغيرت بشكل جذرى منذ ان بدأ يتشاركان السرير نفسه. هل آش يطارحها الغرام لأن الحميمية تجعل زواجهما يبدو زواجاً طبيعياً؟ على اى حال, لو رآه المصورون الصحفيون مع امرأة اخرى فيما يُفترض به ان يكون عريس سعيداً في زواجه فلن تبدو الصورة مناسبة. إذن, هل تتعرض للاستغلال على هذا الاساس؟ إنما كيف يمكنها ان تتحدث عن استغلال في حين انها مغرمة به؟ هل هذا يجعل منها امرأة غبية يعميها الحب؟ أم انها تستغله بالقدر نفسه؟
ما إن اتصل به ديمترى و نقل إليه الخبر حتى فقد آشرون قدرته على التفكير بطريقة منطقية او الحفاظ على اعصابه و هدوئه. فقد صبره تماماً و تزايد قلقه و اراد فقط ان يعود ادراجه إلى سردينيا ليبقى إلى جانب تابى و امبير و يحميهما. إنما لسوء حظه لم يكن بالامكان إصدار الأوامر في آخر لحظة لكى تقلع الطائرة في اثينا و تطلب منه الانتظار وقتاً اطول مما توقع. و اطلق شتيمة لأنه تركهما و سافر و لعن قناعته بأن عليه ان يحمى تابى مما قد تفعله كازما باى ثمن.
لِمَ اختار ان يترك تابى في حين ان ما يريده هو البقاء معها؟
ما معنى سلوكه هذا؟ هل يعنى انه لا يستطيع الاعتراف بمشاعره الخاصة و انه مستعد للهرب مما لا يمكنه فهمه؟ لم تكن مشاعره بهذه القوة و الحدة من قبل و هو ممزق ما بين نوع من النشوة العاطفية بسببها و نوع من الذعر لمعرفته انه عاجز عن السيطرة عليها. لمم يسمح لهذا ان يحصل من قبل إلا انه لم يكن لديه الخيار. ترك الذعر يتملكه و اتخذه حجة و هاهو يدفع الثمن الآن. و راح يفكر بتشاؤم: إذا ما حصل لهم اى شئ! و كور قبضتيه بعدائية فيما القبطان يشير إليه عبر الصالة المخصصة لكبار الشخصيات انهم جاهزون للانطلاق.
قال ديمترى لـ تابى بهدوء "اعتقد جاوماً ان زوجك سيفضل ان تبقى في المنزل اليوم."
إلا ان تابى لم تكن في مزاج يسمح بمعاقبتها كطفلة صغيرة وادهشها ان يظن آشرون أنه قادر على إصدار الأوامر اليها عبر ديمترى, لا سيما انه ابتعد عنها بهذه الطريقة و من دون سابق إنذار. ما الأمر؟ لِمَ يُصر ان على ان تبقى في المنزل؟ هل هى مسألة سيطرة و حسب؟ و ديمترى المسكين يشعر بالاحراج لأنه مضطر لأن ينقل لها مثل هذا الكلام, استطاعت ان ترى هذا الرجل.
قالت له "آسفة لكن من المهم جداً ان اخرج اليوم. ثمة غرض ما ارغب في شرائه."
فرد ديمترى بتصميم "إذن, سأرفقك و سأقود السيارة يا سيدة ديميتراكوس."
لم تشأ تابى ان تخوض في نقاش معه فأومأت برأسها موافقة لكنها علمت انها ستناقش مسألة الوجود الأمنى في حياتهم مع آشرون عند عودته. هل من الضرورى ان تحيط بهم الحراسة كلما توجهوا إلى مكان ما؟ هل من خطر حقيقى يحدق بهم و هل هم معرضون فعلاً لأن يكونوا ضحية عملية سرقة او عملية خطف؟ هل من خطر محدد يهدد آشرون؟
حذرت ديمترى و هى تصعد إلى السيارة و ترى سيارة اخرى مليئة برجال الامن تلحق بهما "ستشعر بملل شديد."
فاجابها بهدوء "ما من مشكلة. انا معتاد ان اخرج للتسوق مع زوجتى. يمكنها ان تحدق في واجهة محل ما لعشرة دقائق قبل ان تقرر انها رأت كل ما هو معروض فيها."
علمت تابى انها ستتعبه أكثر لأنها لا تعرف حتى ما تريد شراءه و كانت تأمل ان تستوحى مما ستراه في الواجهات. ماذا يمكن ان تشترى لرجل يملك كل شئ؟ الدخل الشهرى الذى خصصه لها تراكم في حسابها المصرفى و لم تضطر إلى إنفاق الكثير منه بفضل سخائه مما يعنى انها تستطيع ان تنفق الكثير و كما يحلو لها.
سار ديمترى خلفها فيما هى تتجول على المحال الفخمة و متاجر المجوهرات. لم يكن آشرون من النوع الذى يضع مجوهرات. لم يكن آشرون من النوع الذى يضع مجوهرات فقد اكتفى بخاتم الزواج في اصبعه. هل تشترى له رابطة عنق من حرير في حين ان خزانته مليئة بالكثير منها, ما الذى ممكن ان تقدمه له في عيد ميلاده الواحد و الثلاثين؟ و فيما هى تفكر في هذه المسألة الشائكة, رأت قلماً يحمل توقيع أحد اشهر المصممين, و خط لها انه سيكلفها مبلغاً طائلاً. لكنها سرعان ما تذكرت القلم الذى اشترته له امه و قررت ان الثمن اقل اهميه من المعنى الذى يحمله, مع انها لم تستطع ان تفهم لما تسعى جاهدة لشراء هدية ذات معنى لرجل لم يتكبد عناء الاتصال بها؟ لعلها فكرة ان القلم سيبقى و يدوم أكثر من زواجهما و سيشكل ذكرى ترتبط بما تشاركاه ذات يوم. وبخت نفسها بنفاد صبر على هذه الافكار الكئيبة.
اشترت القلم و طلبت ان يتم حفر اسمه و تاريخ ميلاده عليه. ستضطر لأن تستخدم البطاقة المصرفية التى اعطاها إياها. و فيما هى تتصرف و كأنها اعتادت ان تنفق مثل هذه المبالغ الضخمة, شعرت في سرها بالرعب من فكرة دفع كل هذا المال و قلقت من ان يظن آش انها فقدت عقلها. احست بأنها شاحبة و متوترة من جراء هذه التجربة الصعبة, فقالت لـ ديمترى انها ترغب في احتساء فنجان من القهوة. قادها إلى مقهى في الهواء الطلق و اصر على ان يجلس على بُعد بضع طاولات منها.
راحت تفكر و الذنب يتملكها في انها اشترت القلم الأكثر كُلفة في تاريخ العالم و انه سيصاب بالهلع عندما يرى الفاتورة و سيندم لأنه اخبرها ان ما من سقف للبطاقة. كانت ترتشف قهوتها ببطء, و تستمتع بطعم الكافيين عندما اتعكس ظل على طاولتها.
جلست كازما بجسمها الطويل و الأنيق في المقعد المقابل لها و قالت شاكية "لم اتمكن من الوصول إليكِ بسهولة و اضطررتنى لأن الحق بك من مكان إلى آخر."
فاجأها حضور هذه المرأة, فحدقت تابى في السمراء الجميلة بعينين واسعتين و متسائلتين "ما الذى تفعلينه هنا؟"
سالتها كازما التى ادارت عيناها كمن لا يصدق انها طرحت مثل هذا السؤال "أنت هنا. و آش هنا.... فأين يفترض بىّ ان اكون؟ ارفض ان اصدق أنك من الغباء بحيث لا تتقبلين فكرة ان آش ملكى انا."
تدخل ديمترى الذى وقف بقامته الطويلة إلى جانب مقعد كازما قائلاً "آنسة فيليبيدس... أرجو منك ان تغادرى."
رمقته كازما بنظرة تحدٍ و قالت "نحن في مكان عام و يمكننى التواجد حيث أشاء على هذه الجزيرة. نحن لسنا في اليونان الآن."
تابع ديمترى و هو ينظر إلى تابى بترقب "اقترح ان نغادر نحن يا سيدة ديميتراكوس."
أخذت تابى نفساً عميق و همست مصممة على ان تسمع ما لدى كازما لتقوله إذ كانت على ثقة تامة من انها لن تحصل على اى معلومة من آشرون "سنرحل عندما انهى فنجان القهوة."
تراجع ديمترى مقطباً إلى طاولة اقرب فيما ابلغتها كازما "أنا اؤمن بالحديث المباشر. ما هو المبلغ الذى تطلبينه كى ترحلى و تنهى هذا الزواج السخيف؟"
حدقت تابى مذهولة في المرأة التى تكبرها سناً "أنت لست جادة في كلامك هذا."
"آهـ, انا دوماً جادة حين يتعلق الأمر بـ آش. نحن لبعضنا البعض وكان ينبغى ان يتزوجنى انا و ليس أنت لو لم يتصرف زوج امى بغباء فيفرض عليه الأمر في الوصية. لابد انك تعرفين ان آش يتمتع بالكثير من الكبرياء.
انحنى ديمترى ليقول لها "البقاء هنا و الاستماع إلى مثل هذا الحديث فكرة سيئة جداً يا سيدة ديميتراكوس."
التفتت إليه كازما و انهالت عليه بسيل من الكلمات باليونانية و قد ارتسمت على وجهها نظرة مخيفة. احست تابى فجأة بان نصيحة ديمترى بالانسحاب في محلها, فاخذت حقيبة يدها و وضعت بعض المال على الطاولة ثم وقفت. إنما, كان لديها ما تقوله قبل ان ترحل "لن اتخلى عن آشرون مهما عرضت علىّ من مال فأنا احبه."
فصاحت بها كازما بنبرة غاضبة صدمتها و جعلتها تتشنج "ليس بقدر ما احبه انا ايتها الـ×××××!"
أمسك ديكترى بمرفقها و رافقها إلى خارج المقهى بخطى سريعة "كازما فيليبيدس امرأة غير موزونة إلى حد خطر. حصل زوجك على امر اعتقال بحقها على الاراضى اليونانية و لا يُسمح لها بأن تقترب منه او ان تزعجه. لا يمكنك التحدث إليها. لا يمكنك ان تعتمدى على المنطق في الكلام معها, و قد اكتشفنا هذا بطريقة صعبة."
اعترضت تابى في محاولة للدفاع عن نفسها "كان على آش ان يحذرنى. لو حذرنى لغادرت على الفور. لاحظت يوم زفافنا انها مهوسة به لكنى لم ادرك انها مشكلة كبيرة في حياته."
"لم يتوقع منها ان تتبعك إلى هنا. لم يكن لديه ادنى فكرة عن وجودها على الجزيرة. على اى حال, أنه في طريق العودة الآن فيما نحن نتحدث."
شعرت تابى بالارتياح. سيُضطر أخيراً لأن يخبرها القصة بأكملها. لكنه اضطر للحصول على امر قضائى ليُبقى كازما بعيدة عنه. ما الذى دفعه لأن يحيل هذه المرأة إلى القضاء؟ كيف استطاع ان يفعل هذا فيما والده لا يزال على قيد الحياة؟ هل كانت كازما تتصرف كشخص مهوس؟
كانت السيارة تشق طريقها على طريق الساحل حين لاحظت ان ديمترى لا ينفك ينظر في الممرآة بقلق. التفتت تابى إلى الخلف لتلاحظ الأضواء اللامعة لسيارة رياضية حمراء خلفهما. بدا شعر السائق طويلاً و اسود كـ شعر كازما.
قال لها ديمترى بصراحة "أنها تلاحقنا. احرصى على وضع حزام الأمان. علىّ ان اقوم بمناورات للتخلص منها لكنى ابلغت الشرطة على اى حال."
"مناورات للتخلص منها؟"
وحبست انفاسها عندما احست بالسيارة تصطدم بمؤخرة سيارتهما و قالت له "أنها تحاول ان تطيح بنا؟ هل هى مجنونة تلك التى في السيارة الصغيرة؟"
لم يجبها ديمترى بل بقى مركزاً على الطريق إذ اضطر لأن يزيد السرعة. راح قلب تابى ينبض بسرعة فائقة و هى تراقب السيارة الحمراء التى تاحول اللحاق بسيارتهما. و راح ديمترى يلف المنعطفات بسرعة جعلت تابى تصاب بدوار و كانت لا تزال تراقب سيارة كازما حين انحرفت عن الطريق لتصبح في مواجهة سيارة اخرى تسير الاتجاه المعاكس.
يا إلهى..... لقد اصطدمت بسيارة اخرى!
داس ديمترى على الفرامل بقوة و قاد السيارة إلى الخلف. ترجل منها و انضم إلى الفريق الامنى الذى لحق بهما في السيارة الأخرى و الذى وصل إلى مكان الحادث لمساعدة الضحايا.
اصطدمت السيارة الرياضية الحمراء بجدار و تحطم جزء منها.
نزلت تابى من السيارة ببطء و اقتربت من موقع الحادث الذى يشهد حركة و جلبة. كان ديمترى يتحدث بسرعة عبر الهاتف حين اقتربت منه فقال لها "ارجعى إلى السيارة سيدة ديميتراكوس. لا حاجة لأن ترى المشهد. الآنسة فيليبيدس توفيت."
"مــــاتـــت؟"
شعرت تابى بالصدمة إذ بالكاد استطاعت ان تصدق ان المرأة التى كانت تتحدث إليها قبل دقائق رحلت إلى الأبد.
"لم تكن تضع حزام الأمان..... طارت من السيارة.
و سألت تابى "ماذا حدث لركاب السيارة الأخرى؟"
"من حُسن حظهم انهم بقوا على قيد الحياة. اصيب الراكب بجرح في الرأس فيما اصيب السائق في ساقه."
اومأت تابى برأسها و عادت بخطى بطيئة نحو السيارة و قد احست بأنها منفصلة عن الواقع و عما يجرى حولها. وكان هذا الشعور الذى بالكاد ادركت انه شعور بالصدمة. لا يزال يتملكها حين ادلت بإفادتها في مركز الشرطة, و قد رافقها محامـٍ تطوع بأن يدلى بمعلومات لم تستطيع ان تفهمها باللغة المحلية. و عندما انتهت , انتقلت إلى غرفة انتظار حيث قُدم لها فنجان من القهوة و بقيت هناك حتى دخل عليها آشرون.

أكثر من حلم أقل من حب روايات عبير للكاتبة لين غراهامحيث تعيش القصص. اكتشف الآن