في وجه الريح

12.5K 236 3
                                    


جلست لوارا فى الصباح التالى ، فى القطار المتجة الى سيدنى ، وهى تعرف انها ستصل المكتب متاخرة ساعة . كانت قد استفاقت باكرا بما يكفى ، كما الجميع ، او هكذا ظنوا .. لكن الاكتشاف المفاجئ بان التوقيت الصيفى قد بدا ، جعلهم يدورون للحاق بالوقت 0
كان مارك يستعد للخروج من المنزل دون فطور ، لعلمه انه سيتلقى علامة سوداء لتاخيره ، حين سمع الراديو يعلن بصوت صارم : هل تذكرت ان تقدم ساعتك ساعة ؟ بينما نسى بونى ما كان يشغل فكرة ويجعله هادئا ، منذ ليلة امس .. لكن جولى هى التى اجبرت الجميع على النظر الى الناحية المضحكة للامر ، بعد ان سارعت لوارا الى غرفتها لتكمل توضيب حقيبتها 0
منتديات ليلاس
حين تذكرت لوارا كيف كان روب يوم الجمعة لم تعد متاكدة بانه سينظر الى تاخرها بمرح . ثم قررت ان لاتفكر به .. فلا فائدة من ترقب المشاكل .ما تبقى من رحلة القطار ، قضتها باحداث نهاية الاسبوع ، والحديث الذى تبادله مع جولى بالامس ، متذكرة الهدايا التى قدموها لها لمناسبة عيد ميلادها فى الاسبوع القادم ، والتى اشترتها جولى سلفا لترسلها يوم السبت وتلقت تعليمات من الثلاثة ان لاتفتح الهدايا قبل يوم الاربعاء .. وتذكرت انها اخبرتهم عن عملها لدارموند حاليا ، واحست ان جولى لاحظت تحفظها حين ذكرت اسم روب ماكفرسون ، وعرفت انها اعطتها شيئا جديدا تقلق لاجله لذلك سارعت تقول لها انه رئيس مجلس ادارة الشركة وانه يعجبها كثيرا .. وعلى امل ان يسامحها الله على كذبها ، غيرت الموضوع بسرعة 0
عندما توقف القطار فى محطة سيدنى ، لم يعد لديها وقت تفكر فيه كما تشاء ، وبذلت كل طاقتها الى المكتب فى اسرع وقت ممكن . حين نزلت من التاكسى ، راجعت عقارب الساعة ، لترى انها العاشرة ، بالتوقيت الجديد 0
كانت مستعدة لشرح سبب تاخيرها حين فتحت باب المكتب .. لكن رؤيتها لروب ماكفرسون يخرج من مكتبه وتعابير وجهه شديدة البرود ، وهو ينقل نظره منها الى حقيبة الملابس الصغيرة فى يدها ، جعلها تعرف ، قبل ان تفتح فمها ، انها مهما قالت له ، فلن يصدقها .. كان يبدو غاضبا كغضب الحجيم .. مع ذلك فتحت فمها لتحاول ، وقلبها يخفف بشدة ، لكنها لم تتلفظ سوى بكلمة واحدة ، قبل ان يهاجمها بعدوانية صاعقة . وهو يقف على بعد انشات منها : انت لاتهتمين ابدا .. لاتهتمين بمن يصاب بالاذى طالما تحصلين على المتعة !
حاولت بسرعة بعد ان لاحظت ان غضبه سيخرج عن سيطرته : انا اسفة لتاخرى0
واملت بذلك ان يهدا الموقف المتشدد قليلا .. اكل هذا لاننى تاخرت ساعة ؟ ثم .. عن ماذا يتحدث على اى حال ؟ من هو الذى تسببت له بالالم ؟.. واكملت : كنت امضى نهاية الاسبوع ... و ...
-اعرف تماما اين كنت ومع من !
بدا لها على وشك ان يمسك بها ويهزها الى ان يقطع انفاسها .. فازدادت حيرتها : انت .. انت تعرف ؟
انها لم تذكر له شيئا عن سفرها الى بروكن هيل .. فى الواقع لم تقرر هذا الا بعد ان خرج لمقابلته يوم الجمعة .. ثم مع من يفترض انها ذهبت ... ؟
-وهل ظننت ان الامر سيبقى سرا ؟ مع انك لاتهتمين .. الم يخطر فى راسك الصغير الساعى الى الملذات ان تفكرى بالالم الذى تسببينه لشخص اخر ؟ لقد تماديت كثيرا فى علاقتك مع بريستونز ، حتى لم يعد يهمك ، وفى علاقتك الدنيئة المحرمة به ما اذا كان قلب زوجته سيتحطم ام لا !
صاحت لوارا شاهقة : علاقتى المحرمة ؟
مات خوفها منه بتصاعد غضبها واكملت : اسمع الان وتوقف عند حد ...
لكنها وجدت انه لم يكن ينوى التوقف عند اى حد فقد ارتفع صوته فوق صوتها : ظننت ان احدا لن يكتشف الامر .. اليس كذلك ؟ مع ان هذا لن يزعجك ! لكن ، بغض النظر عما تظنين ، لايزال بريستونز يهتم بها ما يكفى ليخفى عنها تحركاته .. ومن المؤسف لك ، ان تتصل ايلين به يوم الجمعة ، مستعدة للاعتذار عن امور قاسية قالتها له حين حدثته ذلك الصباح .. ولم تتردد سكرتيرته فى ان تقول لها انه مسافر لقضاء عطلة الاسبوع 0
وكانما لم يعد يستطيع احتواء غضبه ، امسك بها .. وعرفت لحظتها انها لا تريد حتى ان تقول شيئا لتبرئ نفسها .. فليصدق الجميع ما يشاء ... فليتلظى الجميع مع افكارهم الدنيئة وليستنتجوا ما يشاؤون ! فاذا كانت ايلين تقضى وقتا اطول تفكر بنفسها ، بدلا من التفكير بزوجها الذى لاتهتم به كما تدعى .. فستعرف انه يتجه الى الانهيار 0
سالت ساخرة : وماذا قالت العزيزة ايلين غير هذا ؟
كانت محاولة شجاعة للسخرية منهما ، مع كل املها ان لايظهر على وجهها الخوف منه حين امسك بذراعيها .. وتنفس روب بحدة لظنه انها لا تهتم بمن لايتالم طالما لاتكون هى المتالمة .. ثم ، وكانه وعى عنف غضبه ، تركها ، ودس يديه فى جيبى بنطلونه ، وحين تكلم ثانية ، كان قد سيطر على حرارة غضبه ، وبدا باردا . وقال من بين اسنانه : ابنة خالى ضمت صوتها لصوت خالى فى التوصية بان وجودك فى الشركة لاقيمة له .. وانا اميل للموافقة معهما 0
ابقت لوارا قسمات وجهها هادئة ظاهريا ، مع انها من الداخل كانت تحس بالشحوب : اذا .. ساصرف من العمل اخيرا 0
-اوه .. لا انسة ويلكنسون .. هذا سيكون سهلا عليك . لقد اعطيتك وعدا بان نبقى وظيفتك .. وانا اعرف تماما ان معنى كلمة الشرف ليست فى قاموسك الشخصى .. لكننى لا انوى الاخلال بوعدى 0
تراجع عنها خطوة ، متعمدا ابقاء عينيه على وجهها ، ثم جسدها .. لكنه حين عاد لينظر الى وجهها كانت فى عينيه نظرة صخرية وهو يقول واعدا : لا .. انسة ويلكنسون .. لن اصرفك من العمل ، لكننى ساجد طريقة لابعادك ، كونى واثقة من هذا 0
بكل هدوء واثق لرجل طالما له اليد العليا ، استدار وترك المكتب 0
افكار لوارا كانت تضج صاخبة فى راسها بعد رحيله . كل هذا الغضب المشتعل ! مع كل هذا الهدوء البارد ! احست وكانها حشرة سحقتها الارجل ! وكانت سعيدة لجلوسها فى كرسيها ، فهى تحتاج الى شئ صلب يقيها من السقوط وهى تراجع كل ماحدث
اليا تمكنت من اتمام عملها ذلك اليوم .. لقد وعد بان لاتخسر وظيفتها ، ولاشئ سيدفعه الى التراجع .. ويجب ان تتمسك بهذا ، مع ان هذا لايجب ان يمنعها من التفتيش عن وظيفة اخرى . وكيف يمكنها ان تستمر فى العمل لرجل ، على الرغم من رايه وضيع فيها ، اوضح لها بصراحة انه بطريقة او اخرى ، سيجد طريقة لابعادها ؟
حين اتصل جوناس ، بعد منتصف بعد الظهر ، لم تكن فى مزاج يسمح لها بالكلام معه .. ثم عاودها التفكير بانه يتجه الى الانهيار ، ولم يكن من طبيعتها ان تتخلى عن احد . مع انه لابد عرف من لهجتها ان شيئا ما يزعجها ، وسال : هل هناك شئ ؟
كادت تقول لا .. لكنها وجدت نفسها تساله : جوناس .. اقلت لايلين اننى احبك ؟
ندمت على طرحها السؤال ، فهى واثقة ان ايلين اخترعت كل هذا ، بالطريقة نفسها التى جمعت بها بين رحيلها ورحيله فى عطلة الاسبوع .. لكن حين طال الوقت دون ان يرد ، بدات ثقتها تتزعزع ، فسالت : جوناس ؟
رد ببطء : حسنا .. فى الواقع ..
صاحت غير مصدقة : اووه جوناس .. انت لم تفعل !
سارع للاعتذار : اسف .. لم اكن اقصد .. صدقينى .. لكن ..
قاطعته صائحة : لكنك تعرف ان هذا غير صحيح ! تعرف اننى اهتم بامرك ، لكننى لم ادفعك يوما لان تفهم اننى ..
-اعرف .. اعرف .. ولما كنت قلت ما قلته لولا انها دفعتنى .. كانت فى الواقع .. حاقدة ..
هذه هى المرة الاولى التى يتحدث فيها بشئ ضد زوجته وعلمت من هذا ان ايلين لابد كانت كريهة معه .. واكمل : ... كانت تستمر فى القول انها لاتستطيع ان ترى ما ترينه انت بى ، وانها تراهن بانك ستتخلين عنى لحظة تقابلين شخصا اخر . و .. حسنا .. لاقول الحقيقة ، انزعجت ، ثم تذكرت ما قلته عن امكانية ان تكون ايلين متكدرة من صداقتنا ، وتذكرت اننى سخرت من فكرة ان تكون غيورة ، وكنت غاضبا الى درجة اننى رغبت ان اجعلها تغار حقا .. فقلت لها ، انه لن يهمك اى شخص اخر ، لانك نحبيننى 0
لم تكن روح لوارا المعنوية مرتفعة حين انهت مكالمتها مع جوناس .. فقد قال لها انه مستعد للاتصال بايلين ، وسيتحمل سخريتها حين يتراجع عما قال لها . وتذكرت حساسيتها حين يسخر منها احد ، ومنعته من فعل هذا .. فماذا يهم على اى حال ؟ فقد تعرضت للاذلال ، حتى لم يعد هناك من مزيد . لكن ، لو ان ايلين تحب جوناس كما يدعى روب ، فهى مؤمنة انهما معا بحاجة لمن يضرب راسيهما ببعضهما بسبب استغلالهما لكل فرصة لايلام بعضهما 0
واخترعت عذرا كى لاتقابل جوناس ذلك المساء .. وبقدر ما هى مشفقة اسفة عليه ، لن تستطيع مواجهته ، حتى انها تمنت لو لم تكن تعرفه ، ولاتعرف شيئا عن وحدته ، لتتمكن من ابعاده عن حياتها وتحصل على بعض السلام والهدوء من روب ماكفرسون ولسانه اللاذع كانت ممتنة لان روب تمكن من تحيتها بشكل متمدن فى الصباح التالى . كانت تتخوف طوال الطريق الى عملها من تجدد العدائية بينهما والتى قد تطحن اعصابها .. فهى تعرف ان لامواعيد لديه اليوم خارج المكتب .. لكن ، على الاقل ، مع صباح الخير هذه كان يفتح فمه ليقول شئ غير الصياح فى وجهها ومهاجمتها مع ان اسمها لم يمر من فمه بعد التحية كالمعتاد 0
-صباح الخير .. رو ..
وصمتت .. انها تفكر به باسم روب الان .. فالعودة الى مناداته بالسيد ماكفرسون قد يحمل شيئا من السخرية .. جلست خلف طاولتها ، تفكر بانه بعد الذى حدث بالامس لن يرغب فى اسم روب يخرج منها دون تكلف 0
الى ان حل بعد الظهر ، ظنت ان دفئا ما قد بدا بينهما .. فقد ناداها لوارا اكثر من مرة خلال اليوم ، مع انها لم تناده بشئ ، ليس بصوت مرتفع على اى حال ، والاسماء التى كانت تنعته بها كانت بينها وبين نفسها فقط 0
كان فى مكتبه وورقة فى يده يقول لها : ايمكنك ...
حين رن جرس الهاتف ، اشار اليها ان ترد .. لاشئ عدائى يظهر عليه وهو يقف ، ينظر اليها .. لكن ، ما ان عرف من الذى يتكلم معها وقولها : اوه .. مرحبا جوناس 0
حتى اجتمع حاجباه بتقطيبة حادة سوداء . تجاهلته وهى تتحدث الى جوناس الذى كان يطلب الخروج معها تلك الليلة . واحست بنياط قلبها تتمزق لسماع رنة الحرمان فى صوته .. لكنها ليلة امس كانت قد فكرت كثيرا ، وقررت انها اذا توقفت عن رؤيته فان هذا لن يفيده ، وان عليها فى الوقت نفسه ان تحد من مقابلاتهما ، على الاقل الى مرة فى الاسبوع .. فقد بدات تنزعج من فكرة انها تقف فى طريق مصالحته مع ايلين ، كما زرع روب فى نفسها مع انها مازالت لاتصدق هذا ، فقد قررت ان تراقب اى تحسن فى تصرفه نحو زوجته ، فاذا لاحظت هذا ، ستتوقف عن مقابلته الا فى مناسبات . وسالته : الا يمكن ان نفوت هذه الليلة ؟ كنت مسافرة فى عطلة الاسبوع ، وتاخرت فى بعض الاعمال 0
تمنت لو انها ترفع نظرها ، فقد كانت تتوقع ان يكون روب ينظر اليها باستغراب ، لكنها شاهدت السخرية فى عينيه ، وعرفت انه يظنها تحاول ان تذر الرماد فى عينيه حول عطلة الاسبوع لانه مقتنع بانها امضتها مع جوناس 0
سالها جوناس : الى اين ذهبت ، الى بروكن هيل ؟
-اجل 0
-ايمكننا الخروج ليلة الغد اذا ؟ الغد عيد ميلادك اليس كذلك ؟ لا يمكنك البقاء فى المنزل لوحدك غدا .. اتفكرين بانهاء صداقتنا ؟
-لا .. طبعا لا .. وبما ان عيد ميلادى فى الغد ، ساكون مسرورة بقبول دعوتك 0
حين اعادت السماعة مكانها وجدت ان روب قد عاد الى مكتبه .. ومهما كان سبب دخوله ليطلب منها ، يبدو وانه لم يكن مهما . وادركت انهما عادا الى البداية ، واعادت غطاء الالة الكاتبة ، استعدادا للذهاب الى منزلها . لم يعد يناديها باسمها منذ تكلمت مع جوناس .. حتى انه لم يتحدث اليها مطلقا .. ولم تكلمه هى كذلك .. حتى انها تركت المكتب الى منزلها دون ان تودعه
كانت مصممه فى اليوم التالى على ان لاتدع شيئا يكدرها .. خرجت من السرير وفتحت المشتريات التى قدمتها لها جولى .. وارتفعت معنزياتها حين شاهدت زجاجة العطر من جولى ، علبة البودرة من مايك ، والمناديل الحريرية من بونى . كلهم فكروا بها ، واحست بالدفء 0
لكن الهدايا لم تتوقف عند هذا . فحين دخلت مكتبها ، وبنظرة سريعة نحو باب مكتب روب لاحظت انه مفتوح ، وانه وصل قبلها ، فادارت نظرها عنه بسرعة ، فهو لم يقل صباح الخير ، لكنها شاهدت على مكتبها فازة من اجمل ماراته مليئة بالقرنفل 0
سالت دون وعى : من اين .. ؟
وسمعت صوت روب يرد دون قساوة او لؤم كما كان بالامس ، لكن . بهدوء يقول لها : صباح الخير لوارا .. عيد ميلاد سعيد 0
-هذه منك ؟
-اجل .. منى .. اكنت تظنين اننى كريه لا احتمل طوال الوقت ؟
ماذا يمكنها ان ترد عليه ؟ خصوصا وانه مازال حتى الان بالنسبة لها تلك المخلوق الكرية ، لكنه تذكر ان اليوم عيد ميلادها 0
-شكرا لك .. انها رائعة 0
وتقدمت لتجلس وراء طاولتها 0
بتقدم الصباح ، بدات لوارا تلاحظ ان روب ماكفرسون ، وكمعاملة خاصة لها فى عيد ميلادها ، يتصرف بافضل ما لديه معها اليوم .. الى درجة انه اظهر لها بعض سحره الذى قالت لجولى انه يمتلكه 0
لكن ، ما ان حل بعد الظهر ، حتى بدات تشك فى صدق هذا السحر . فقد دخلت مكتبه لسؤاله . وانتظرت الى ان رفع راسه اليها ، فمكتبه كان مليئا باوراق الحسابات ، وهى اذكى من ان تقطع له حبل افكاره . نظرت الى راسه المنحنى ، فشاهدت شعرات رمادية هنا وهناك فى شعره الاسود ، ودون اى سبب ، دخلت فى حلم عما يمكن ان يبدو ، لنقل بعد عشرين سنة من الان .. لابد انه سيبقى مالكا لذلك الشئ ما حوله .. ذلك الشئ ما الذى يجعله جذابا للنساء .. توقفت فى تفكيرها عند هذه النقطة .. اهو جذاب فعلا ؟ لا تكذبى على نفسك لوارا .. تعرفين انه جذاب .. لكن .. هل هى منجذبة اليه ؟ هل نسيت بسرعة ما احسست به وانت بين ذراعيه ؟ كم اردت ان تتجاوبى معه ؟ هل نسيت بسرعة ذلك الاكتشاف الجديد الذى اكتشفته عن نفسك ؟
قاطع روب افكارها : يبدو ان افكارك تقلقك لوارا 0
وسرها ان يقاطعها ، فهى لم تكن معتادة بعد على مثل هذه الافكار .. وتابع : اهناك شئ استطيع مساعدتك فيه ؟
بدا لها عرضه حقيقيا .. لكنه لن يحصل على لمحة من افكارها .. بحثت فى ذهنها تحاول تذكر السبب الذى اتى بها الى مكتبه ، ثم ، لحسن الحظ ، تذكرت سؤالها وطرحته عليه . فقال لها : هذا شئ لايذكر كى لايبدو عليك القلق هكذا 0
تراجع فى كرسيه وهو يحل لها مشكلتها .. واستدارت لتذهب ، لكنه ناداها ، فوقفت ، ونظره تساؤل مهذبة على وجهها ، منتظرة ان يقول لها ما يريد -كما ترين .. انا غارق فى العمل حتى اذنى اليوم .. ايكون كثيرا عليك لو طلبت منك ان تتاخرى فى العمل هذه الليلة !
كان فى صوته كثير من السحر .. وعرفت بانه يشير الى واقع ان اليوم عيد ميلادها .. عادة لايزعجها ابذا ان تعمل متاخرة .. لكنها فجاة احست بالريبة نحو ذلك السحر 0
وفجاة لم يعد يبدو لها ذلك الطلب اللطيف بان تعمل وقتا اضافيا ، طلبا ابدا . انه يامرها بان تعمل لوقت متاخر ، كما لاحظت ، ومهما كان اللطف الذى يغلف صوته ، كان يقول لها بوضوح انه قد وجد طريقة ليجعلها تغرق فى العمل ، لانها واثقة الان ان فكرته عن العمل المتاخر لم تكن تعنى العمل لمجرد ساعة او ساعتين ، بل اكثر من هذا ، كى لايبقى لها وقت لتحافظ على الموعد الذى سمعها تحدده لجوناس يوم امس 0
سالت تحافظ على هدوئها المتكلف : الى متى ؟
-نظرا لكل ما امامى الان . اكون محظوظا اذاانهيته فى منتصف الليل 0
تساءلت عما قد يقول لو انها رفضت .. نظرت اليه وكان السحر ما يزال على وجهه ، بينما نظرة فولاذية فى عينيه تشوه ذلك السحر 0
قالت بحلاوة ، تحاول رد بعض سحره الزائف دون ان تنجح فى خداعه : ساكون سعيدة بالبقاء ومساعدتك 0
كان الباب بينهما يبقى عادة مفتوحا طوال النهار ، لكنها اقفلته خلفها وهى تعود الى مكتبها . فلو اضطرت الى الاتصال بجوناس لالغاء موعدهما ، يجب ان تفعل هذا دون ان يسمعها 0
فى الثامنة من ذلك المساء ، كان راسها يدور لكثرة العمل الذى قاما به منذ خروج بقية الموظفين الى بيوتهم .. كانت تجاهد بقسوة كى تمنع روب من ان يراها تضعف .. وبدات تحس بالامتعاض لانه لم يظهر اى دليل على التعب الذى كانت تحسه .. سرعته فى العمل لم تخف ، مع ذلك فقد كان فى المكتب قبلها ذلك الصباح .. كانت تكاد تموت جوعا ، تفكر بالوجبة التى كانت ستتناولها مع جوناس ، تتساءل عما اذا كان سيبقى لها قوة او ميل لتطبخ لنفسها شيئا تسد به رمقها حين تصل الى شقتها 0
فى التاسعة الا ربعا ، وبعد ان كانت قد تقبلت ما قاله روب بانه سيكون محظوظا لو انهى عمله منتصف الليل ، رمى قلمه فجاة وقال : هذا يكفى .. لنذهب وناكل 0
-ناكل ؟
-كلانا لم يتناول طعاما ، واعرف انك لم تتناولى اكثر من ساندويش جبنة اذا ، اطعمك انا 0
كدعوة للعشاء ، كانت لوارا قد تلقت افضل من هذه الكلمات .. لكن فكرة الجلوس وطبق طعام شهى امامها ، كان اغراءا اكثر مما تتحمل مقاومته . اخذها روب الى مطعم فرنسى ، وتبادلا الحديث قليلا قبل ان يبدءا الاكل ...
وبينما كانا يشربان القهوة ، قال لها روب انه لن يحضر الى المكتب فى اليوم التالى0
واضاف : شكرا على المساعدة .. انا اكره ان اترك عملى نعلقا ، كما اننى ساحتاج الى بعض هذه الحسابات فى الغد
-لكنك كنت قادرا على تدبير امرك دونى ، الم يكن هذا ممكنا ؟
-اكنت سترتاحين وانت تعرفين اننى اسهر لانهى عملى ؟
-او لن ترتاح ؟
قالت بمثالية ، تحاول ان تريه انها لم تنخدع كثيرا باساليبه لابعادها عن جوناس 0
-ساكون دائما سعيدة بمعاونتك 0
لكن روب ابتسم .. واحست بالسرور فى تلك اللحظة لوصول الساقى يعرض المزيد من القهوة ، فرؤية بسمته جعلتها تحس بردة فعل غريبة فى صدرها .. لابد انه سوء الهضم .. ورفضت المزيد من القهوة .. مع انها لا تذكر انها شكت يوما من عسر هضم 0
كانت الساعة تقارب الحادية عشرة حين اوصلها روب امام منزلها . خرج من السيارة ليقف معها على الرصيف وهى تشكره بلطف على العشاء .. ثم وهى على وشك البدء بصعود السلم الحجرى العريض ، قال ، كما فعل فى الصباح : عيد ميلاد سعيد 0
بينما كانت تبحث عن شئ تقوله ، وكل ما كان مطلوبا منها ان تقول عمت مساء احست بذراعيه تلفانها ، وبفمه يلامس وجنتها ، ثم يبعدها عنه بحزم ويقول عمت مساء لوارا 0
-عمـ .. عمت .. مساء 0
وركضت الى الباب ، دون ان تلتفت ، وفتحت الباب لتدخل ، ثم وقفت بصمت للحظات ، تصغى الى صوت محرك سيارته يدور ثم يبتعد ، عندما فقط ابتعدت عن الباب 0
كما كان كل يوم تقضيه فى دارموند مليئا بالعمل .. لم يكن اليوم التالى استثناء .. وكانت لوارا ممتنة لهذا .. فهى لم تكن ترغب فى التفكير بقبلة التهنئة بعيد الميلاد التى تلقتها من روب ليلة امس .. وانهت يومها بشريط مسجل ملىء بالرسائل ، مع ان جوانا بيريجيه لم تتصل ، ولا بالامس كذلك . ووجدت لوارا نفسها تدندن بنغم خفيف وهى تغطى الطابعة امامها .. تقنع نفسها انها مسرورة لانها انهت نهارعمل جيد 0
بعد ان تناولت وجبة العشاء ، ونظفت الصحون ، وجدت الوقت الكافى لتبادل حديث شيق مع عائلتها ، كانت دائما تكتب اليهم مرة فى الاسبوع . وارادت الاتصال بهم ليلة امس لتشكرهم على الهدايا .. لكنها عرفت ان الولدين نائمان حين اوصلها روب ليلة امس ، فاجفلت الامر الى اليوم 0
مع توقعها سماع صوت جولى ياتى بهيجا عبر الهاتف ، فقد عرفت على الفور ان هناك شيئا خاطئا .. اوه .. جولى كنت تبذل جهدها لتبدو مرحة ، وكانت ناجحة ، لكن اذنا لوارا كانتا تلتقطان المرح الزائد ، واحست بالتوتر فى صوت جولى كلما طال الحديث بينهما 0
شكرتها لوارا على الهدايا ، وعلمت ان مارك وبونى فى الخارج ، فطلبت منها ايصال شكرها اليهما للهدايا .. وسالتها جولى : هل خرجت الى مكان لطيف ليلة امس ؟ فكرت حين لم تتصلى انك خرجت للاحتفال عرفت لوارا ان جولى لاتلومها لعدم الاتصال ، لكن قناعتها زادت بان جولى كانت تتوقع منها ان تتصل ليل امس .. وكانت مستعدة كما هى الان لمحاولة خداعها بجو زائف من الحبور 0
فسالتها : ما الخطب .. جولى ؟
-الخطب ؟ .. لماذا .. لاشئ ؟
لكن كلامها لم يكن له وقع الصدق .. ذلك التردد قبل ان تقول لاشئ جعلها تقول : بل انت قلقة حول شئ ما 0
واخذ دماغها يبحث فى الامكانيات وهى تصغى الى جولى تحاول التاكيد ، وبكل قوة ، ان كل شئ على مايرام . وقفز المال الى تفكيرها .. مع ان جولى كانت معتادة على تدبير امر نفسها فى ميزانية ضيقة . ربما يحتاج مارك ، او بونى الى شئ جديد لا تستطيع جولى ان تتحمل ثمنه .. كانت على وشك ان تسال ، ومستعدة لاستخدام كل اللياقة التى تبرع فيها لتخبرها انها ستحصل على ما تريد .. فذلك الفستان الجديد الذى توفر له المال يمكنه الانتظار شهرين اخرين .. لكن شيئا قالته جولى فى وقت سابق عاد الى ذاكرتها ، واصبحت واثقة ان السبب فى توتر صوت جولى ، له شان ببونى .. لقد قالت جولى ان مارك وبونى فى الخارج .. ومزحة قديمة العهد فى العائلة كانت تقول ، انه ما عدا ايام الاثنين ، لايمكن ان يتزحزح بونى من المنزل قبل ان ينهى كل واجباته المدرسية . وفى مثل هذا الوقت يكون راسه دائما مدفونا بين دفتى كتاب 0
... سالت ، وهى تعلم ان هناك شيئا غير طبيعى اخرج جولى عن مرحها المعتاد 0
منتديات ليلاس
-ماذا خرج بونى يفعل جولى ؟
ساد صمت مذهول فى الناحية الاخرى ، ثم سمعت جولى تكاد تشهق 0
-كيف عرفت ؟
اذا الامر يتعلق بالاولاد : ارجوك قولى لى جولى .. لن استطيع النوم الليلة الا اذا عرفت 0
ثم اضافت لتضغط عليها : ساحضر باكرا فى الغد الى المنزل اذا لم .. بل الليلة اذا ع ...
ونجحت الخدعة .. على مضض بدات جولى تقول كل شئ ، وذكرتها بحديثهما يوم الاحد عن زواجها حين كان بونى فى الخارج يصلح عجلة مارك . لكنه لم يكن فى الخارج طوال الوقت .. فقد دخل المنزل وسمع ما كانتا تقولانه بوصوله الى باب غرفة الجلوس 0
وتلاشى الادعاء بالبهجة من صوت جولى ، واصبح صوتها دون تعبير وهى تكمل : انه مصمم على ان يترك المدرسة اخر الفصل . يقول انه لن يدعك تضحين بنفسك لاجلنا 0
صاحت لوارا برعب : اوه .. جولى ...
-اعرف .. اعرف . لقد جادلته بكل ما جادلتنى به . لكنك تعرفين انه دائما يفكر بكل شئ بنفسه ، ولقد ادخل راسه انك تحبين شخصا ، وانك لا تسمحين لهذا الحب بالاستمرار لانك لن تتمكنى بعدها من مساعدتنا . ولقد ادار ظهره لفكره الذهاب الى الجامعة .. وهو مصمم على ترك المدرسة والحصول على عمل .. و .. و .. انا لا استطيع اقناعه بترك الفكرة  . فكرت لوارا بمشكلة بونى طوال المساء .. سفرها اليه لن يفيد .. فاذا لم تستطيع امه ان تقنعه فلن تتمكن هى من اقناعه . الا اذا خرجت بفكرة رائعة لا يمكن لعقله الذكى ان يكتشف زيفها 0
نامت ليلتها قلقة ، ولم تندهش فى الصباح لرؤية التعب فى عينيها ووجهها .. لكن وتفكيرها مثقل بالقلق ، لم يعد ما يبدو عليه وجهها يشكل لها مشكلة 0
لم يكن روب قد وصل حين وصلت المكتب ، ولم يكن تفكيرها منصبا على عملها حين انفتح الباب بعد عشر دقائق . حين رفعت عينيها المتعبتين اليه ، لم يكن لديها فكرة كم واقفا ينظر اليها 0
قالت باختصار : صباح الخير 0
اقفل الباب وتقدم الى طاولتها .. ولم يرد عليها التحية .. وكانما تلك القبلة التى طبعها على خدها لم تحدث ابدا امام استمراره بهذه النظرات المتفرسة الصامتة .. ثم قال : تبدين وكانك لم تاوى الى فراشك 0
ثم زادت لهجته حدة : ام ان هذه هى المشكلة ؟ انت لم تاوى الى فراشك .. برفقة احد ؟
شرارة الغضب التى اشتعلت فيها لقوله المهين كانت اول شرارة للحياة احست بها منذ استيقظت . ارادت ان تقول له ان يذهب الى الحجيم .. لكنها كبحت غضبها ...
وسالته بحلاوة : اتظن ان العنب مازال حصرما لمجرد انك لم تنجح كثيرا ؟
ابتلعت ريقها بصعوبة ، وانسحبت من حال الغضب بعد مشاهدة الثورة فى وجهه ، فقد بدا لها انها تعترف بما يتهمها به . دون كلمة اخرى شد فكيه معا ، واستدار عنها ، ودخل مكتبه 0
عدة مرات ، خلال الساعات التى تلت ، حين كان يعود تفكيرها الى بونى ، كانت ترفع راسها لتجد روب ينظر اليها عبر الباب المفتوح ، ونظرة غير لطيفة على وجهه .. لم تكن ترغب فى ان تعطيه فكرة عما يقلقها ، فليضع الاستنتاجات كما يريد ، فهى لم تكن مستعدة لسماع اى شئ حول جوناس ، لدرجة القول لرئيس ادارة دارموند ان يذهب الى الجحيم .. لو انه حسب ان قلقها كان حول علاقتها بجوناس 0
مر روب قرب طاولتها بعد الحادية عشرة بقليل .. ولتعرف ماذا يريد يجب ان تقول لمن يتصل به ، سالته قبل ان يختفى : هل ستعود ؟
نظرته قالت لها ان لاشان لها بهذا .. قبل ان تدرك لماذا تريد ان تعرف ، وقال ببرود : ليس قبل ساعتين 0
عليها حقا ان تراجع اعلانات الوظائف الشاغرة فى الصحف اليوم ... فمما يبدو لها ، ستضطر الى تحمل مزاجه العكر طوال بعد الظهر... ثم نسيت كل شئ عنه حين عاد التفكير ببونى يزعجها 0
اخذت فرصة الغداء دون ان تشعر بالرغبة فى الاكل .. حاولت تناول سندويش ، لكنها قضمت نصفه فقط ، مع انها ارتشفت كل قهوتها قبل التفكير بالعودة الى المكتب ... لم يكن روب قد عاد بعد ، وهذه نعمة من الله . جذبت طابعتها نحوها وبدات تطبع .. ثم تذكرت انه قال لها انه سيغيب ساعتين . وهذا يعنى انه يمكن ان يكون عاد خلال غيابها .. قام ببعض الاعمال .. ثم غادر ليتغذى ، فتوقفت عن الطباعة . الافضل ان ترى ما اا كان قد ترك لها شيئا تطبعه 0
مدت يدها الى الة التسجيل ، وادارتها . كانت يدها لاتزال ممدودة الى الالة حين انفتح الباب الخارجى . دون ان تصدق ، نظرت الى الشاب الطويل الذى دخل لتوه .. وتحركت اصابعها اليا لتطفىء الة التسجيل .. ثم تلاشى كل شئ من ذهنها ..
صاحت ، تقف على قدميها : بونى .... ماذا تفعل هنا بحق الله !
*****

هل تجرؤين للكاتبة جيسيكا ستيل حيث تعيش القصص. اكتشف الآن