العدو الخفي

34K 385 6
                                    

ما ان دخلت لوارا عبر باب المبنى الحديث الذى يحوى مكاتب شركة دارموند حتى رفعت ذقنها عاليا وبشكل اكثر قليلا من المعتاد ، وقطعت المدخل المفروش بالسجاد السميك ، لتتوجه فورا الى مكتب الاستعلامات 0
قالت للشابة الانيقة المظهر ، الموظفة هناك : انا لوارا ويلكنسون .. لدى موعد مع السيدة شارب 0
ردت الفتاة بلطف : فى الثانية عشرة والنصف .. اليس كذلك ؟ انتِ مبكرة بضع دقائق .. لكن اذا احببت ان تستقلى المصعد الى الاعلى طابق فى المبنى ، فستجدين السيدة شارب ، ثالث باب الى اليسار 0
شكرتها لوارا وتحركت باتجاه المصعد .. بدات معدتها تتقلص حين انطلق المصعد ، لكنها كانت تعرف ان السبب لم يكن منه ، فهى بالكاد تحس انه يتحرك .. خرجت من المصعد فى الطابق الاعلى ، وحين لم تشاهد احدا حولها اخذت بضعة انفاس تهدئ بها روعها قبل ان تتجه الى الباب الذى وصفته لها موظفة الاستقبال .. دقها الثابت على الباب اجيب عليه على فورا : ادخل 0
منتديات ليلاس
دخلت لوارا ، ولم تخدعها ابدا الابتسامة التى شاهدتها على وجه المرأة التى رفعت راسها عن عملها على الطابعة وقالت : انسة ويلكنسون ؟ عظيم ، لن يتاخر عليك .. لو سمحت بالجلوس بضع دقائق 0
ادركت لوارا انها لم تستدع الى هنا لمقابلة السيدة شارب ، لكن لمقابلته هو .. كائنا من كان ، وان ابتسامة المرأة لها كانت حقيقية . جلست حيث اشارت السيدة شارب ، لابد انها سكرتيرته .. هل هو مدير دائرة الموظفين اذا ؟
-اتمانعين لو اكملت الطباعة ؟ لايبدو اننى ناجحة فى شئ هذا اليوم 0
نظرت لوارا الى المرأة ، فقدرت بانها فى منتصف الثلاثينات من عمرها .. واجابت : لا .. بالطبع لا امانع 0
ثم ادارت نظرها فى الغرفة 0
ولانها اعتادت على مظهر مكتبها القائم فى شركة غولدر وبروك لا يمكنها الا ان تصف مكتب السيدة شارب بالمخملى المترف : ظلال رقيقة من اللون الاخضر الفاتح تغطى الجدران ، السجاد على الارض اخضر قاتم ، وبامكانها المراهنة على ان السيدة شارب لم تمزق يوما جواربها النايلون وراء هذه الطاولة الاكثر حداثة 0
لطالما افسدت جواربها بسبب طاولتها العتيقة .. حتى انها فقدت القدرة على العد لكثرة المرات التى تمزقت فيها الجوارب من قوائم طاولتها وطاولة رئيسها فى مكتبه الملاصق لمكتبها . وتذكرت انها اضطرت اكثر من مرة الى شراء اوراق زجاج لتنعم الخشب ، وبعد ازالة الخشونة من الطاولات ، وضعت لصوقا لاخفاء الشظايا الحادة غير المرتبة 0
ذلك الصباح ، من يوم الاثنين ، كانت قد دخلت المكتب ، لكنها لم تتجه فورا كما تفعل الى طاولتها ، بل توقفت بالباب ، تنظر حولها الى الجدران الصفراء .. ماذا سيقول السيد مكدونالد ، رئيسها الجديد حين يراها ؟ حاولت ان ترى مكتبها عبرعينيه . من المؤكد انه ليس مما اعتاد عليه .. والمكتب المخصص له المجاور لمكتبها نسخة مماثلة عن مكتبها هذا ، لون الدهان نفسه ، قذر داكن ، مع انها لم تلاحظ هذا حتى اليوم . وماذا سيقول عن الطاولات العتيقة المزرية ؟
شركة دارموند .. اوستراليا والتى من المفترض ان تكون الان المكتب الرئيسى ، تقع فى الناحية الاخرى من سيدنى ، وسيجد السيد مكدونالد ان مكتبه الجديد يختلف كثيرا عن مكتبه القديم .. فقد القت نظرة على مبنى شركة دارموند بعد ان اصبح من الواضح ان عملية شرائها لشركة غولدر وبروك امر جدى ، ووجدت ان المبنى حديث وواجهته من الزجاج الملون .. ولاحظت بناءه القوى ، الذى يبدو انه سيبقى راسخا لسنوات طوال ، على عكس المبنى الذى يحوى مكاتب شركة غولدر وبروك ، والمعرض للسقوط بين لحظة واخرى 0
ابتعدت عن الباب نحو داخل الغرفة .. تفكر بالسرعة التى سارت فيها الامور بعد قبول عرض شركة دارموند .. من الافضل لها ان تبدا عملها الان ، لان السيد مكدونالد سيصل قريبا .. فهذا هو يومه الاول هنا .. لكن ، امامها الكثير من العمل تشغل نفسها به 0
ابعدت حقيبة يدها .. رئيسها ، السيد غولدر ، تقاعد يوم الجمعة الفائت .. واليوم سيبدا العهد الجديد . فى البداية ظنت ان شركة دارموند كانت ترغم السيد غولدر على الرحيل ، الى ان قال لها بنفسه ، انه يتطلع بشوق الى اليوم الذى سيوقف فيه عمله ، ليقضى وقتا اطول مع زوجته المريضة ، ثم ، وبعد ان استوعبت حديثه عن التقاعد ، احست بالقلق على مركزها فى الشركة .. فمع كل مظاهر الافلاس ، تدفع الشركة افضل راتب من بين الكثير من الشركات المعروفة .. ورايبها هذا لم يكن ضروريا لها فقط ، بل كذلك لجولى والاولاد .. ولايمكنها تحمل شهر واحد من البطالة بحثا عن وظيفة تعطيها مرتبا مماثلا 0
لكن خوفها هذا تلاشى قليلا حين قال لها السيد غولدر ان الشركة الرئيسية دارموند سترسل من يحل مكانه ، وانه قابل هيوز ماكدونالد ، وانه سيعجبها 0
نظرت لوارا الى ساعتها ، انها العاشرة تماما .. لكن السيد ماكدونالد لم يصل بعد .. ربما مواعيد الدوام مختلفة فى مكاتب دارموند ، ودفنت راسها فى عملها . فى العاشرة والنصف ، مدت يدها دون وعى لترد على الهاتف حين رن جرسه .. وقالت كعادتها : سكرتيرة السيد غولدر تتكلم 0
لكنها سرعان ما انتبهت ، وادركت انها لم تعد سكرتيرة السيد غولدر .. لكن صوتا انثويا سالها قبل ان تتمكن من تصحيح ما قالته : الانسة ويلكنسون ؟
-نعم 0
-صباح الخير ، هنا مكاتب شركة دارموند اوستراليا 0
تغضن وجه لوارا تعجبا .. لكنها قررت ان السيد ماكدونالد لابد قد زار مكتبه القديم قبل المجئ الى هنا . وتوقعت ان تطلب السيدة منها الانتظار لتصلها به . تفكير جيد منه ان يتصل ليقول انه سيتاخر .. لكن الصوت الثابت القادر ، كما يبدو ، تابع : ايمكنك المجئ الى هنا فى الساعة الثانية عشرة والنصف ؟
لم تستطع لوارا اخفاء دهشتها : اتريدين منى المجئ الى مكاتبكم ؟
-فى الثانية عشرة والنصف ، اذاكان الموعد مناسبا 0
-حسنا .. اجل ..
وتساءلت ماذا سيكون الرد لو قالت انها لن تستطيع . وكادت تطرح السؤال البديهى حول سبب طلبها للحضور الى دارموند . لكن الصوت اكمل تعليماته : اسالى عن السيدة شارب .. وداعا انسة ويلكنسون 0
اعادت لوارا السماعة الى مكانها ، وقد تاه فكرها تماما عن اى عمل يمكن ان تقوم به . ما الداعى لان يطلب منها ان تعبر المدينة ، من اقصاها الى اقصاها ، لكى تقدم نفسها فى المكتب الرئيسى ؟ ومن هى السيدة شارب ؟ واين هو السيد ماكدونالد ؟
فجاة جثم الخوف على صدرها بعد ان كان قد هجع عندما قال لها السيد غولدر انها ستبقى فى عملها ، الن ياتى السيد ماكدونالد ليتسلم مهامه ؟ وهل ستعتبر زائدة عن حاجة الشركة ، على الرغم من كل ما قيل عن عدم المساس بمراكز الموظفين ؟ اوه .. لا .. لن يفعلوا هذا .. لقد قال السيد غولدر انهم لن يستغنوا عن احد ... واخذت بعض المواساة من هذه الفكرة ، لكنها لم تجد الراحة ، فالسيد غولدر لم يعد له شان بالشركة ، ودارموند يمكنها الرجوع عن كلمتها دون ان تستطيع عمل اى شئ 0
حاولت لوارا ان تنسى هواجسها بواسطة العمل الى ان يحين وقت موعدها .. لكن دون جدوى . كما حاولت ان تبقى هادئة ، تقنع نفسها بغباء هواجسها . فتحت خزانة الملفات واخرجت ملف شركة دارموند تفتش فيه عن كل ورقة مراسلة قد تحمل اسم السيدة شارب ، مع انها لم تكن تتوقع ان تجده .. فما من احد فى مركز متنفذ قد يضيع وقته مع سكرتيرة بسيطة فى شركة من الدرجة الثانية . وذكرت نفسها : انها سكرتيرة من الدرجة الاولى ، بعد ان وافتها الكبرياء لتساعدها ، وقد ظنت ان السيدة شارب هذه هى مديرة شؤون الموظفين فى دارموند .. وانها قد تسمع شيئا فى الثانية عشرة والنصف ، تفضل ان لا تسمعه 0
استفاقت من تفكيرها لدى سماع صوت الة الطباعة التى تستخدمها السيدة شارب ، والتى بدت لها من احدث الالات . ومع ان السيدة كانت تنقل ما تطبعه عن دفتر الاختزال ، الا ان لوارا لاحظت ان امامها اخر ما ابتكره العلم من الات . عكس طابعتها القديمة الطراز ، والتى تجد احيانا صعوبة فى اكمال الطبع عليها .. وعادت دائرتها الى مكتبها والى ذلك الصباح من يوم الاثنين 0
كانت قد تفحصت ساعتها مرة اخرى والتقطت حقيبتها متجهة الى غرفة الملابس ..هناك غسلت يديها ، ومشطت شعرها العسلى الاملس حتى مؤخرة عنقها حيث يسترسل من هناك ليتجعد على كتفيها . ثم استقامت بعد اضطرارها للانحناء لتتمكن من النظر الى المرآة التى كانت لا تناسب طولها الذى يزيد عن مئة وسبعين سنتيمترا ، ثم تراجعت تنظر الى نفسها فى البذلة الرمادية والقميص الزهرى .. فمها الجميل غير مبتسم .. وما من احد فى دارموند سيعرف شيئا مما تخفى ... ستبلغ السادسة والعشرين فى الشهر المقبل ، وهى فى سيدنى منذ اكثر من ست سنوات .. ومنذ ذاك التاريخ ، كانت تخفى طبيعتها الدافئة عن الجميع ،ماعدا عائلتها ، وربما السيد غولدر وجوناس . الصورة التى حدقت بها الان كانت مليئة بالوقار الذى طالما هدفت اليه . وفيها البرود الذى قتل المشاعر المشبوبة لاكثر من فرد من افراد الجنس الاخر . فهى لم تكن تهتم بعلاقات عابرة .. وستمر سنوات قبل ان تفكر بالزواج 0
برزت نظرة تصميم على وجهها وهى تخرج من غرفة الملابس .. اذا كان مقدرا لها ان تودع وظيفتها ، فستسمع هذه السيدة شارب ، اذا كانت من تظنها ، رايها الصريح بالاساليب التى استخدمتها دارموند لخداع السيد غولدر 0
فجاة تلاشى كل اهتمام لوارا بافكارها بعد رنين جرس الهاتف الداخلى على طاولة السيدة شارب . وعلمت انها على وشك ان تستدعى الى الباب الاخر الوحيد فى الغرفة عدا الذى دخلت منه .. ضغطت السيدة شارب الزر ، وبدات معدة لوارا تعود الى تقلصها السابق ، ثم توقف التقلص ، بسبب ارتفاع غضب مفاجئ ممزوج بالكرامة ، وقال صوت لطيف من الهاتف الداخلى بكل ثقة بالنفس : ارسلى الانسة ويلكنسون ، ارجوك ، سيدة شارب 0
لم تعجبها ثقته بنفسه حتى قبل ان تراه .. ما ازعجها انه كان واثقا ان السكرتيرة الصغيرة من شركة غولدر وبروك ، ستترك كل شئ من يدها لتهرع مستجيبة لاستدعائه ، حتى انه لم يسال : هل وصلت الانسة ويلكنسون ؟ لقد كان واثقا انها هنا .. وقفت ، رافعة الراس حتى زاوية متعجرفة . واستدارت السيدة شارب اليها : السيد ماكفرسون سيقابلك الان 0
-السيد ماكفرسون ؟ روب ماكفرسون ؟
ابتسمت السيدة شارب : هذا صحيح .. ولاحاجة لابقائه منتظرا 0
اغمضت لوارا عينيها قليلا ، وقد تشوشت افكارها وهى تستدير الى الباب .. روب ماكفرسون يريد رؤيتها ؟ حتى دون ان تقرا اوراق دارموند هذا الصباح لتقول لها انه رئيس مجلس الادارة ، فانها تتذكر بوضوح توقيعه . كتابته واضحة جريئة ، ولاعيب فيها ، رسائله واضحة مباشرة .. وهو يريد ان يراها !
توقفت ، اصابعها تمسك مقبض باب مكتبه .. ليس امامها الان اى وقت لكى تعيد ترتيب افكارها المشوشة .. فبعد لحظات ، ستواجه رئيس مجلس ادارة شركة دارموند اوستراليا ، دارموند عبر البحار . والله وحده يعرف كم هى الشركات التابعة لها . رفعت راسها مجددا ، وادارت المقبض لتدخل 0
على الفور لاحظت ان الرجل الذى كان ينظر اليها هو رجل لا يضيع ذرة وقت . يبدو انها تاخرت لحظات عن اجابة طلبه ( ارسلى الانسة ويلكنسون ) لانه فى هذه اللحظات اصبح مشغولا بمكالمة هاتفية . استدارت لتقفل الباب ، ثم واجهت الغرفة مجددا لترى ان عينيه لازالتا مثبتتين عليها ، على جسدها ثم على وجهها . وبينما صوته السلطوى يصدر الاوامر ، بقيت نظرته كما هى تكمل تفحصه لها . بعض من تكبرها عاودها وهى ترد له نظرته .. خمنت انه طويل القامة اذا وقف ، ورات ان له شعرا اسود كالليل ، وعينين مماثلتين سوادا ، كانت له طلعة خشنة قاسية صارمة ، فمه صارم يعطى الانطباع بالقسوة ، الى ان يتفرس المرء جيدا بشفته السفلى 0دون سبب ظاهر برزت كلمة العاشق الى راسها ، فاشاحت بصرها عنه لاول مرة . كان هناك دليل على الحساسية فى تلك الشفة السفلى تقول لها انه لم يبلغ سنة الظاهر هذا .. وكم هو .. سبعة وثلاثون .. ثمانية وثلاثون ؟ دون ان تكون له حصته من مغامرات الهوى ... وابعدت تفكيرها بسرعة عن مثل هذه الافكار .. مابالها تفكر بمثل هذه الامور ؟ انها متاكدة من عدم اهتمامها من بعيد او قريب بحياته العاطفية .. لكن ، بطريقة غريبة .. كان وجود هذا الرجل يثير فيها احاسيس لم تذكر يوما انها فكرت بوجودها 0
وقع نظرها على جهاز تسجيل رسائل مماثل للذى راته على مكتب السيدة شارب .. ثم نسيت امره تماما بعد ان عاودها التفكير بسبب استدعائها الى هنا . لايمكن ان يكون السبب هو ابلاغها عدم الحاجة اليها ، وعاودها بعض من ثقتها الضائعة بنفسها .. فلا مجال لان تتصور ان رئيس مجلس الادارة الافخم للشركة الضخمة هذه قد يكون هو من سيقول لها ان خدماتها لم تعد مطلوبة .. ربما كان يريد معرفة شئ نسى ان يسال عنه السيد غولدر .. مع انها لا تظن ان هذا الرجل يمكن ان ينسى شيئا .. ربما يظنها قادرة على اعطائه لرد دون ان يزعج السيد غولدر فى تقاعده .. فهى تعاطت مع الكثير من الامور السرية .. مع ذلك ، لماذا يجب ان تاتى الى هنا لتراه وهو قادر على رفع سماعة الهاتف ومكالمتها .. وتوقفت افكارها فجاة بعد ان انهى مكالمته 0
اسند ظهره الى كرسيه ، مسترخيا غير مباليا ، لكن وميض المكر كان فى عينيه وهذا لايمكن سوى لابله ان لايلاحظه . مد يده الاكثر من قادرة ، يشير الى مقعد قريب من طاولته ، ولمحت ازرار قميص من البلاتين تجمع اسفل كمّهمعا من تحت سترته السوداء 0
-اجلسى انسة ويلكنسون 0
كانت لوارا تحس بعينيه تتبعان كل حركاتها وهى تتقدم لتجلس . بدا لها انه لايهتم كثيرا بالمجاملات العادية ، بابتلعت تحيتها التى حضرتها له . وقالت وهى تحس بقليل من قلة الراحة حين لم يضف شيئا على اوامره لها بالجلوس : اردت رؤيتى .. على ما اعتقد 0
خرجت كلماتها منها باردة ، واحست بسعادة لهذا . حتى انها اعتقدت ان برودة كلماتها كانت تتناسب مع مظهرها المتحذلق ، لكنها شاهدت لمعان شئ فى عينيه ، ولو لوقت متناه فى الصغر ، حين سمع لهجتها ، لكن ذلك الوميض اختفى فورا 0
-اذا .. انت لوارا ويلكنسون .. أوه .. اجل انسة ويلكنسون .. ارد رؤيتك 0
ومع ان كلماته كانت رقيقة منخفضة الصوت ، الا انها احست ان هناك لمسة شريرة من العداء فيها . حاولت ان تتذكر لعلها فعلت شيئا خاطئا وهى تعمل لدى السيد غولدر قد لايروق للمالكين الجدد .. عدا بعض الهفوات العادية البسيطة ، كانت الامور فى شركة غولدر وبروك تسير بسهولة ونعومة قالت له ، اخذة زمام المبادرة فى ادارة المعركة على ارضه ، لانه كما بدا ، غير مستعجل على تنويرها عن سبب وجودها هنا : تقول هذا وكانك تؤمن اننى مخطئة فى شئ ما 0
رد عليها كلامها ، دون ان يكون كلامه مستساغا : انا بعيد عن ان احكم على اى خطا لك ، لكن حين يتكرر ذكر اسمك امامى بهذا الالحاح ، خلال الاسابيع السابقة ، حين واجهت مشكلة لوارا ويلكنسون مجددا هذا الصباح .. تبادر لى ان الوقت قد حان لان اراك 0
تمكنت لوارا ، وفى الوقت المناسب ، من منع عينيها عن الاتساع عجبا لتكشف عن دهشتها . وصدمها ان يكون رئيس مجلس الادارة يعرف اسمها عدا عن انه يظنها مشكلة امامه . وماذا يعنى بالضبط يكلمة اخطاء لها ؟ واستقامت فى مقعدها ، تظهر فى عينيها نظرة عداء مماثلة له : لا استطيع التفكير بسبب يجعلنى موضع نقاش كثير سيد ماكفرسون 0
تجاهل روب ماكفرسون ملاحظاتها ، وطافت عيناه عليها مجددا ، مع انها واثقة انه لم يفوت اى تفصيل لها من النظرة الاولى ، ثم قال ، متعمدا كما ظنت : لا استطيع القول اننى اجد اى خطا فى ذوق بريستونز 0
-بريستونز ؟
لم تحب تقييمه لها ، ولم تحب الحديث الذى بدا ياخذ منحنى شخصيا .. انها هنا للعمل .. ولاتظنه يطريها بقوله انه لا يستطيع ان يجد خطا فى ذوق بريستونز .. ثم من هو بريستونز هذا ؟ الشخص الوحيد الذى تعرفه بهذا الاسم هو جوناس .. بتردد سالت : جوناس ...
فجاة ، زال اى ادعاء باللطف عن الرجل ، واكد لها : جوناس بريستونز ..
لم يعد هناك اى تساهل فى تصرفاته بعد ان عاد الى مشكلة لوارا ويلنكسون مجددا .. مما اعطاها انطباعا انه ولو كان يعرف جوناس ، فان اسمه ذكر عرضيا .. واكمل يقول : منذ نوقش موضوع شراء شركة غولدر وبروك لاول مرة ، حدثت ضجة جانبية كبيرة حول موضوع لوارا ويلكنسون 0
-ضجة .. ؟
حاولت ان تفكر ، لكن الضباب ملا راسها ، وهى التى لم تسمع يوما بشئ مما جرى مع دارموند ولم تقابل يوما احدا من مسؤوليها ، فكيف لها ، وهى سكرتيرة للسيد غولدر ، ان تثير ضجة لها علاقة بالمفاوضات .. ولم تستطع ان تزيد شيئا على كلمتها السؤال "ضجة ؟ "
وقال : كان من المهم ، اذا اردنا ان تسير الاتفاقية دون معوقات ، ان نصل الى اتفاق يلحظ ان لايحصل اى تغيير للموظفين .. السيد غولدر ، والسيد بروك معا ، اصرا على هذا ... وانا شخصيا كنت موافقا .. من وجهة نظرى ، سنحتاج الى المزيد من الموظفين ، لا ان نطردهم 0
كانت لوارا سريعة التفكير الا انها لم تستطع مجارته فى افكاره ، اذ وجدت صعوبة فى معرفة سبب قول كل هذا لها 0
لكنها سالت : لكن ما شان كل هذا بى ؟
نظر اليها روب ماكفرسن مقطبا ، وكانها لاتعرف السبب ، وكانها تلعب لعبة خاصة بها . وقال ببرود : ساقول لك ما شانك بكل هذا .. بسبب .. صداقتك .. مع بريستونز ، كادت المفاوضات تصل الى كارثة 0
شهقت لوارا : صداقتى مع جوناس ؟
كيف يمكن لصداقتها معه ان تحطم الاتفاق ؟ وارادت ان تضحك .. الامر سخيف !
لكن رغبة الضحك تلاشت بسرعة وهى تنظر الى روب ماكفرسون ، لم يكن فى عينيه السوداوين اى وميض من الضحك ، وهو يقول لها : كان نيكولاس ماكداف قاسيا فى اصراره على صرف موظف واحد على الاقل من الخدمة 0
علق الاسم فورا فى راسها تذكرت انها قرات فى اوراق الشركة هذا الصباح ان نيكولاس ماكداف هو احد مدراء الشركة ، وهذا يعنى انه احد افراد مجلس الادارة .. فهل كان صوته ضروريا لعملية الشراء ؟ لكنها لم تقابله من قبل ، ولا كان جوناس يعرفه .. فهو لم يذكره امامها يوما .. ومع ذلك فهناك شخص واحد اراد نيكولاس هذا الخلاص منه قبل ان يصوت لمصلحة الاتفاق .. فهل كان هذا الشخص .. هى ؟ لابد هذا .. لكنها لم تستطع ان تفكر بما يمكن ان يكون لنيكوس ضدها 0
منتديات ليلاس
تعاظم القلق داخلها ، لادراكها ان امنها الخاص مهدد ، ومعه ازداد اقتناعها بانها الشخص الذى اصر نيكولاس ماكداف على الخلاص منه . احساسها بالخطر كان اساسه ما يمكن ان يعنيه هذا لجولى والاولاد فيما اذا خسرت وظيفتها ، فقد انساها هذا التفكير نيكولاس ماكداف وكذلك شان جوناس وماهى علاقته بكل الامر . وكل ما احست انها بحاجة اليه ، هو فقط الرد على سؤال طغى على كل ماعداه : هل استدعيتنى الى هنا لتقول لى اننى مصروفة من العمل ؟
-واضح ان عملك يعنى الكثير لك .. لقد مضت سنوات كثيرة منذ صرفت موظفا بنفسى 0
الطريقة التى قالها فيها جعلتها تدرك دون ادنى ريب انه مازال قادرا على تحمل ان يفعل مثل هذا العمل القذر مرة اخرى اذا وجده ضروريا ... وسالت : هذا .. السيد ماكداف .. يريد طردى .. اليس كذلك ؟
لم يرد على سؤالها .. وجلست بوضوح انه يعتقد بانها تعرف اكثر مما تظهر .. وانها تمثل دور البلاهة لغرض فى نفسها .. وتابع يقول : بعيدا عن اننى رايت الوقت قد حان لرؤية الشوكة التى فى خاصرة نيكولاس .. الا ان هناك سببا اخر لرغبتى فى رؤيتك 0
اخذ تفكير لوارا يبحث فى كل الاتجاهات .. لقد بدات تهدا اكثر الان ، مع ان ثقتها بنفسها لم تكن على المستوى الذى ترغبه .. لكن حلقها كان اقل جفافا وهى تحاول تبريد صوتها كى لاتفضح شيئا مما يدور فى نفسها . واخترعت كلاما من حيث لا تدرى : سيد ماكدنالد ؟
-اجل .. فهيوز مكدونالد ، لسوء الحظ ، اصيب بحادث سيارة فى نهاية الاسبوع . ومما قاله لى الاطباء ، ستمر ثلاثة اشهر قبل ان يتمكن من القيام بعمله 0عدة امور اتضحت فى ذهنها ، احدها ان مجئ مكدونالد لاستلام العمل مكان السيد غولدر ، ليس بخرافة . امر اخر سجله تفكيرها ، هو ان السيد روب ماكفرسن وجد الوقت الكافى ليتحدث شخصيا مع اطباء السيد مكدنالد .. وبرز واقع كبير وشديد الاهمية ، هو ان السيد ماكفرسون سيلتزم بوعده للسيد غولدر حول عدم صرف احد من الخدمة على الرغم من معارضة نيكولاس ماكداف هذا0
قالت بصوت اجش : اتقول ... ؟
صمتت .. عليها ان توضح الامور قبل ان يبلغ الشك منها مبلغه ، ابتلعت ريقها بشدة وحاولت مرة اخرى : اتقول ان السيد هيوز مكدنالد ، حين يعود الى متابعه عمله ، سابقى سكرتيرة له ؟
رد ببرود : اذا كانت هذه رغبتك ، لقد قال لى السيد غولدر انك اكثر كفاءة من اى سكرتيرة اخرى استخدمها فى حياته .. وليس لدى سبب يدفعنى الى عدم تصديقه . وانا واثق انك وهيوز ستتفقان معا ..
-لكن .. الازال السيد ماكداف هذا .. يريد طردى ؟
رفع روب ماكفرسون حاجبه قليلا وقال : السيد ماكداف .. هذا ؟
واضح انه لايصدق انها لاتعرف لماذا يكرهها هذا الرجل .. ثم تابع : المسالة تتعدى ما ذا كان يريد ام لا .. فانا لاارغب فى ان يبدا كل الموظفين عندكم بالتساؤل عن استقرار وامن وظيفتهم ، لو اننى انحنيت امام الضغط للتخلص من احدهم ، خصوصا وان هذا الشخص مشهود له بكفاءته 0
مما قاله روب ماكفرسون ، اتضح لها انه قاوم محاولات ماكداف لطردها ، لكن الضغط مازال موجودا ، وعرفت ان هذا الضغط سيبقى يزعجها بعد عودتها الى مكتبها ، اذا لم تعرف ماذا يحمل هذا الانسان ضدها ، وسالت : لماذا يريد صرفى من العمل ؟
تلقت نظرة حادة متفرسة من روب ماكفرسون زادت من المها .. وعلمت انه لن يقول لها الا متى شاء .. لكنها لم تنتظر طويلا .. وقال لها بغموض : لانه اب محب بشكل خاص 0
هذا الخبر لم يثر افكارها .. اكثر الاباء محبون لابنائهم ، ولاترى ان هذا سبب لهذا الاب بالذات لان ينقم عليها . واضاف روب ماكفرسون : نيكولاس ماكداف ، يعبد الارض التى تسير فوقها ابنته .. تعرفين بالطبع ان جوناس بريستونز رجل متزوج ؟
زاد هذا الحديث من ارتباك لوارا . وتساءلت ما اذا كان السيد ماكفرسون قد تعمد ذكر جوناس كى يربكها مجددا .. فقد لاحظت انها لو لم تكن تعرف ان جوناس متزوج ، فهو لن يعتذر لانه اول من قال لها . وقالت باختصار : ايلين .. زوجة جوناس تركته منذ سنة 0
سالها بحدة : اتعرفين ايلين ؟
-التقينا من قبل ....
لم تعبها لهجته الحادة .. ولم يعجبها كذلك كل هذا الحديث .. انزعاجها كان عظيما من ملاحظتها بانه قادر على توجيه الحديث فى اى اتجاه يختاره بغض النظر عما اذا كان هذا يهمها ام لا . ولم تعد تهتم كذلك باعتراض نيكولاس ماكداف على عملها فى دارموند بهذه القسوة ، فقد قال لها روب ماكفرسون ان عملها مؤمن ، وتستطيع ان تتفهم عدم رغبته فى ان يشعر بقية العمال بان وظائفهم مهددة .. فهو فى فترة من الصعب فيها ايجاد عمال مهرة ، لايريد ان يخاطر بخلق اضطراابات فى مواقع العمل ، او ان يتخلى عنه رجال يعتمد عليهم . اخذت نفسا عميقا محاولة للسيطرة على الغضب الذى تصاعد داخلها ، وقالت : اذا كان الامر سيان عندك سيد ماكفرسون ، افضل ان تبقى حياتى الخاصة شخصية لى . فهى لاتؤثر ابدا فى الطريقة التى انفذ بها واجباتى .. ولا ارى اى سبب لان تدخل صداقتى لجوناس بريستونز فى نقاش عمل 0
للحظات ، ساد صمت مطبق فى المكتب العصرى .. وشاهدت عينيه تضيقان . بدت عليه نظرة قاسية ، وادركت ان احدا من موظفيه لم يجرؤ يوما على ان يتحدث اليه كما فعلت ... ثم ، وعيناه مستمرتان فى النظر اليها ، لاحظت ان النظرة القاسية استرخت ، بينما بقيت نظرة المكر فى عينيه ، وقال بصوت هادئ : انت يائسة للاحتفاظ بوظيفتك . اليس كذلك ؟
كانه يقول لها ببرود انه لاحظ تماما انه قد هز كيانها المتحذلق حين ظنت ان وظيفتها ستنتزع منها ، ثم ، ومع بقاء بروده ، تركها دون اى شك حول قساوته : اظن انه من الافضل ان نوضح امرا واحدا ، وفى الحال ، انسة ويلكنسون .. طالما انت فوق ذلك المقعد ، وطالما استمر فى دفع مرتبك ، سنتناقش باى امر واره مناسبا للنقاش 0
لم تكن لوارا قد تلقت كلاما فى حياتها بهذه الطريقة السلطوية .. ولم تستطع قول اى شئ ، حتى ولو كان عقلها قادرا على الوصول الى فكرة ... روب ماكفرسون لم يرفع صوته ، ولكن كان فى لهجته الفولاذ الذى لايلين .. ولقد احست به 0
واكمل بنفس اللهجة القاسية الباردة : اذا قررت ، ولمصلحة الشركة ، ان هناك امورا محددة فى حياتك الخاصة تحتاج الى البحث فيها ، بغض النظر عن اية مشاعر حميمة قد يثيرها ذلك البحث .. ولايكن لديك شك فى هذا 0
مع كل محاولاته لان يبدو مسترخيا ، فلا جدال حول لهجته .. ومع كل الصعوبات التى احست بها فى الجلوس بهدوء واستيعاب كلامه ، وفى تلك اللحظة ، لم تعد تثق بانه قد يسحب وعده ببقائها سكرتيرة لهيوز مكدونالد . ابتلعت لوارا ريقها بقوة تكبح غيظها . وقالت : حسن جدا سيد ماكفرسن .. لقد اوضحت لى ان لاخيار امامى سوى الجلوس هنا والاستماع لما تريد ان تقوله 0
لو ظنت انها قادرة على التلاعب بالكلمات معه ، والخروج منتصرة لوجدت نفسها مخطئة ، فقد استرخى فى مقعدها الى الوراء ، وجاء صوته حريريا ، يحك ذقنه بيده 0
-لمجرد اعلامك اذ كنت لاتعرفين هذا الواقع ، فان نيكولاس ماكداف هو والد ايلين بريستونز 0صاحت لوارا بدهشة : والد ايلين !
بدا شئ من تماسكها يتلاشى بعد ان القى روب ماكفرسون هذه المعلومات فى وجهها .. ففى المناسبات النادرة التى ذكر جوناس فيها حماه ، كان يقول فقط والد ايلين ولم يشر اليه مرة باسمه 0
ثم ، وقبل ان تتمكن من بدء الربط بين كل الاحداث لتصل الى سبب رغبة ماكداف بالخلاص منها .. طرح روب ماكفرسون المسالة بوضوح امامها كى لايكون هناك مجال للخطا حول السبب الاساسى لطلبها الى المكتب الرئيسى هنا فقال : لقد سبق وقلت لك عن مقدار حب نيكولاس ماكداف لابنته .. وبسبب هذا الحب بالضبط ، رغب فى ان يتاكد من انها لن تعرف لحظة الم .. استطيع القول ، انه مؤمن بانك ومن خلال بريستونز ، تسببت لها بذلك ، ولهذا عانى الامرين ليزيلك من عداد الموظفين . فمنذ ان بدات اجراءات الاستيلاء على شركة غولدر وبروك ، واصبح على معرفة بانك من عداد الموظفين ، كاد يزهق انفاسى فى محاولته لان اوافق على صرفك من العمل 0
-لكن ...
حاولت لوارا مقاطعته ، لكنها عرفت انها تضيع جهدها .. فقد وصل روب ماكفرسون الى لب الموضوع ، واذا كان متساهلا معها من قبل ، فقد توقف عن هذا منذ خمس دقائق حين تحدته بانها لاتريد ان تناقش معه حياتها الخاصة 0
نظر مباشرة الى عينيها الزرقاوان القاتمتان ، وقال لها دون اظهار اية مشاعر : انا اعترض بشدة على تلقى الالتماسات فى كل فرصة متاحة ، للخلاص منك . لكننى اجد نفسى ، ولاسباب اخرى ، فى وضع اضطر معه لان اتحمل الضغط 0
تساءلت لوارا فى نفسها عن هذه الاسباب الاخرى . لم تكن تظن ان رجلا فى مركزه مضطر لتحمل اى شئ لا يروق له ، مع انها فهمت انه انما قصد التجانس والتفاهم ضمن مجلس الادارة .. ومما لاشك فيه ، ان هناك الكثير من الفروقات فى الاراء على هذا المستوى ، انه كرئيس مجلس الادارة ، مضطر لان يستبقى الامور سائرة قدر المستطاع .. لكن ما كان يقوله الان ... ؟
قاطعها صوت روب ماكفرسون مجددا : كما ذكرت سابقا .. طرح اسمك مجددا هذا الصباح .. وكان هذا فى معرض ذكر حادثة هيوز مكدونالد ، وانك الان دون رئيس مباشر .. عندها فكرت انه حان الوقت لان القى نظرة على تلك الانثى التى اصبحت مصدر قلق كبير لى ، كما هى لنيكولاس ماكداف 0
مال الى الامام وقد استرخى فكه المتصلب ، وتابع : انا اخشى كثيرا انسة ويلكنسون ، اننا لو اردنا معا ان نحصل على ما ترغب به قلوبنا ، انت ان تحتفظى بوظيفتك التى تعنى لك الكثير ، وانا ان احصل على بعض السلام مع نيكولاس ماكداف ، عليك ان تتخذى قرارا بخصوص بريستونز 0
شهقت لوارا : بريستونز ؟
-اعتقد ، انسة ويلكنسون ان عليك التفكير جديا بان تتراجعى عن صلتك العاطفية ببريستونز ...وبينما هى جالسة دون ان تعى تماما ما يعنيه ، اعطاها النور الكافى لما تحاول ان تفهمه ، وقال بسهولة : انا متاكد ان نيكولاس ماكداف سينظر الى وجودك معنا نظرة افضل لو توقفت عن ان تكونى عشيقة بريستونز !

هل تجرؤين للكاتبة جيسيكا ستيل حيث تعيش القصص. اكتشف الآن