الفصل الثالث

26 2 6
                                    

كنت أسير في ممرات المستشفي و بالطبع لم يكن هناك أي صوت يسمع؛ فالساعة تشير إلي الحادية عشر مساءً... لذلك عندما صدر صوت أنين من إحدى الغرف و أنا أمر من أمامها، استطعت أن اسمعه... و كانت غرفة المريض الذي أتى اليوم... توقفت مكاني ثم طرقت الباب بخفة قبل أن أدخل... نظرت إلى المريض وكان فعلاً يأني، حيث كان يحاول الوصول إلى كأس الماء الموجود علي الطاولة الصغيرة التي بجانب فراشه.. و لكنه لم يستطع بسبب مرضه.... سرت ناحيته و أعطيت له كأس الماء، فأخذه مني و بدأ يرتشف منه ببطء... نظرت إلى أنحاء الغرفة و رأيت ذلك الشاب نائماً علي الفراش الآخر.. كان نائماً بهدوء كأنه طفل صغير ولكن تلك القطبة التي بين حاجباه لاتزال موجودة... لا يستطيع أن يتخلص من حمله حتي أثناء نومه علي ما أعتقد.
"شكراً" قاطع تأملي تمتمة المريض، فنظرت له... "علي إيه" اجبته بابتسامة صغيرة ثم أكملت "حاسس بإيه دلوقتي؟ أحسن؟ " سألته و أنا اقترب منه.... "اه الحمد لله، دلوقتي أحسن كتير" تحدث و كان صوته به بحة بسبب مرضه... "تحب اكشف عليك عشان اطمنك؟ " سألته مرة أخري.. "لا مافيش داعي، أنا حاسس إني كويس الحمدلله،  بعدين كدة كدة بكرا الدكتور هيكشف عليا صح؟" سأل لأجيبه بإماءة صغيرة برأسي.. "خلاص يبقي مفيش داعي نكشف دلوقتي، كده كده معروف إني مش هتحمل كتير" أكمل بنبرة حزينة بعض الشيء و هو يلتفت لينظر إلى ذلك الشاب الذي انا متأكدة إنه ابنه.. "ليه بتقول كدة بس؟! هتبقى بخير إن شاء الله" اجبته بنبرة حانية محاولة التخفيف عنه ثم قمت بوضع يدي الصغيرة فوق يده الكبيرة التي شابت و تجعدت و لكن رغم ذلك مازالت تحتوي علي دفء الأب و حنيته.. "هبقي بخير يابنتي، أنا عارف... بس لحد إمتي هفضل أروح مستشفيات و اشوف داكترة؟! لحد إمتي هفضل اخض مراتي و ولادي عليا ؟! أساسا معروف أنه في يوم قريب هنام، بس مش هصحي تاني" تحدث بأسف و هو ينظر إلى بنبرة مليئة بالزهد.. "مش عارفة أقول لحضرتك إيه.. بس انت جاهز إنك تمشي؟ " سألته بعدما جلست علي المقعد الذي أمامه... "أعتقد إني عملت كل ال أقدر عليه عشان أبقى مرتاح في اللحظة ديه" أجاب بثقة.. "يبقي متخفش مش هيزعلوا عليك بس هتوحشهم شوية و ربنا هيحفظلك كل ال بتحبهم" اجبنه بنبرة واثقة أنا أيضاً.. "أعتقد إن هما كمان بقوا مستعدين بسبب تعبي" قال و هو يلتفت لينظر إلى ابنه مجدداً.. "يبقي ده من رحمة ربنا عليك و عليهم، عشان ميتصدموش" قلت له بحزن وانا أتذكر والداي اللذان فارقا منذ مدة طويلة.. "شكلك حصل معاكي كدة" التفت إلي مجدداً و هو ينظر بحزن.. "اهلي" اجبته و أنا ابتسم بألم.. "ربنا يصبرك يابنتي" تحدث بنبرة حانية و هو يربت علي كتفي بعطف... و عندها استقيظ ابنه.. "انت صحيت يا بابا؟ " سأل ببحة في صوته إثر النوم.. "ايوة صحيت يابني" أجابه والده و هو ينظر إليه.. "طب ليه مصحتنيش ؟" سأل ابنه في عتاب.. "مرضتش اقلقك يا يوسف، بعدين متخفش البنوتة الحلوة ديه فضلت جنبي" أجابه والده وهو يشير إلى و حينها التفت يوسف و نظر إلى.. و أعتقد إنه لم يسر من وجودي كثيراً.. "برضو كان لازم تصحيني يا بابا" تحدث و هو لايزال ينظر إلى بإنزعاج... ماذا فعلت له انا الآن؟! ... طيب استأذن أنا" قلت بسرعة وأنا أنظر بلامبالاة و ابتسمت لوالده ،الذي بادلني الإبتسامة، قبل أن أخرج من الغرفة.
أكملت اطلاعي علي بعض المرضي الآخرين ثم اتجهت إلى "الكافتريا"؛ فأنا أحتاج إلى جرعة أخري من القهوة... كالعادة ألقيت التحية علي صابر و بعض العمال و الممرضات الذين رأيتهم ثم جلست علي نفس الطاولة التي جلست عليها منذ عدة ساعات... كانت "الكافتريا" خالية من الناس فقط بعض الأشخاص الذين يبيتون هنا مع مرضاهم، و علي ذكر هؤلاء الأشخاص دخل يوسف إلى "الكافتريا"... و ألقي نظره علي و انا جالسة في مكاني ولكني قررت تجاهله... لماذا دائماً يقع حظي مع المرضي النفسيين؟! لماذا لا اقابل شخص مثل مروان مثلاً ؟!! حسناً حسناً، لن اتذمر الآن؛ فهذا نصيب يا لين... أحضر صابر القهوة إلي و شكرته بهدوء ثم بدأت أشرب منها... يا إلهي لماذا لا ينتهي هذا اليوم؟!! تذمرت بداخلي مجدداً... واضح إنني أحتاج إلى النوم و بشدة.
رأيت يوسف يخرج من "الكافتريا" بهالته الغامضة تلك، ولكن فضلت أن استمتع بقهوتي علي أن انشغل به.

برنامج بدون موضوع حيث تعيش القصص. اكتشف الآن