الفصل السابع

10 2 0
                                    

"بس هو كده هيفوق أمتي؟" كان هذا السؤال من امينة التي كانت تنظر إلي والدها المغلق العينين علي فراشه... فنحن الآن جميعاً هنا بغرفته بعد أن عدت انا و يوسف و وجدنا الممرضات قد نقلوا عمي مراد إلى غرفته.. "متقلقيش كلها نص ساعة بالكتير" اجبتها بابتسامة علي وجهي و انا اربت علي كتفها ثم نظرت إلى ساعة يدي و وجدت أن الساعة تشير إلي الرابعة و النصف صباحاً، أي أن الشمس ستشرق عما قريب..
وجهت نظري إلى يوسف الذي يعانق والدته النائمة في تعب و إرهاق شديدين ثم نظرت إلى زينة التي حالتها مازالت مزرية.. أشفق عليها كثيراً و لكنني لا استطيع ان افعل لها شئ.. كما أنني صدقت يوسف عندما قال إنه حاول و لكنه فشل؛ فقد كان الصدق يتضح في عينيه..
"انا هاروح أجيب حاجة اشربها، بعد اذنكم" تحدثت في هدوء لينظر الجميع إلى و لكن لم يتفوه أحد بشئ، لذلك نهضت من مكاني بجانب امينة و توجهت إلى باب الغرفة ثم خرجت.
كانت المشفى هادئة للغاية، لا يصدر صوت من أي غرفة و لكني حمدت الله علي ذلك في داخلي فهذا يعني أن جميع الحالات مستقرة في هذا الطابق.. أكملت سيري حتي وصلت إلي المصعد و دخلته و لكن لم يغلق الباب فقد جاء شخص علي آخر لحظة... و قد كان يوسف.
ابتسمت له في تعب دون قول شئ فقط أسندت ظهري علي جدار المصعد و هو جاء و وقف بجانبي دون قول شئ.. نظرت له و كان واضح علي وجهه الإرهاق الشديد.. "تشرب معايا قهوة ؟" سألته في قليل من الحماس.. "ياريت و كمان عايز ادخن سيجارة" أجاب بعد أن نظر لي.. "اوه! بدخن كمااان" قلت بتفاجؤ فلم يقل هو شئ فقط ابتسم ابتسامة صغيرة.
خرجنا من المصعد و سرنا خارج المشفى حتي وصلنا إلى الكافتريا و طلبت من أحد العمال أن يجلب كوبين من القهوة.. "طب إيه مش هنعد؟" سأل يوسف و هو يشير إلى الطاولات عندما لم نجلس.. فهززت له رأسي بمعنى لا.. "طب هنعمل إيه؟" سأل باستغراب هذه المرة.. "استني بس القهوة تيجي" قلت له بعدها لم يقل هو شئ حتي جاءت القهوة، أخذنا الكوبين ثم خرجنا من الكافتريا و عدنا مرة أخري إلي المشفى.. "يابنتي بقولك عايز ادخن تقومي جايبنا هنا" تذمر يوسف من خلفي.. "خليك ورايا بس" قلت دون أن التفت له... وصلنا إلى المصعد و دخلناه مرة أخري قبل أن اضغط علي الزر الذي يؤدي إلي آخر طابق ثم التفت إلي يوسف الذي سأل في ملل "هنعمل إيه في آخر دور ؟".. "هنشوف الشروق و إحنا بنشرب القهوة !" قلت بحماس و انا ابتسم و لكنه لم يبادلني اي منهما فتبدلت ملامح وجهي إلى الاستغراب.. "إيه عايز إيه تاني احسن من كدة ؟" سألته و انا اعبس بوجهي.. " لا ولا حاجة خالص.. ممكن أكون عايز أطمن على بابا مثلاً أو حتي اعرف هعمل إيه مع زينة بس ديه حاجات تافهة ملكيش انتي دعوة بيها" أجاب باستهذاء و هو ينظر لي بملل.. "على فكرة باباك كويس الحمدلله و هيتحسن كمان و موضوع زينة إن شاءالله تكلم باباك فيه لما يتحسن.. فك بقى" قلت له و ادفعه بمزاح ولكنه لم يقل شئ.. "انت شخص سلبي جداً علي فكرة" قلت بصراحة.. "لأ ابوس ايديك بلاش نرجع نحللني تانى" تذمر ليجعلني اضحك علي شكله بعدها فتح باب المصعد و خرج كلانا معا.. صعدنا السلم الذي يؤدي إلي السطح بعد ذلك توجهنا إلى السور ثم جلسنا و استندنا عليه.
"همم شايف إيه دلوقتي ؟" سألت يوسف الذي كان يخرج سيجارة و يشعلها قبل أن يضعها في فمه و يبدأ بتدخينها.. "سماء" أجاب بلامبالاة.. "سطحي كمان" علقت فنظر لي بعتاب.. "إيه انا بقول رأيي بصراحة.. بعدين تعرف انا شايفة ايه ؟" سألته.. " إيه" سأل هو أيضاً.. "شايفة منظر يهبل.. السما بتجهر نفسها عشان تستقبل الشمس و هي في أجمل حالاتها" قلت له بتأمل و انا أنظر إلى السماء.. "والله !" قال بسخرية.. "بطل غلاسة.. لازم يبقي في حتة خيال كدة عشان نشوف الحاجة بشكل أعمق و أجمل" قلت معللة.. "يعني مثلاً جوازتك من زينة ديه هتفيدك كتير لو انفصلتوا و انت اتجوزت تاني، لأن اكيد في علي الأقل كام حاجة اتعلمتهم من الجوازة ديه ف مش هتعك لو حبيت واحدة بجد بقي" أكملت عندما لم يجيبني بشئ.. "هممم" هذا كل ما تفوه به هو.. "انت فهمت انا عايزة اقول إيه؟" سألته.. "اكيد اكيد" أجاب بسخرية مما جعلني اضربه علي رأسه لكنه لم يفعل شئ فقط قهقه.. "تحب اوريك مفاجأة ؟" سألته بحماس.. "وريني" قال بملل فاقتربت منه و أخذت سيجاراته من يده قبل أن أضعها في فمي و ابدأ انا في تدخينها ثم نظرت إليه لأجد علامات الدهشة تملئ وجهه مما جعلني اقهقه.. "عمري ما كنت أتوقع إنك تكوني مدخنة" تحدث بتعجب مما جعلني انظر له بثقة و انا استمر في التدخين.. "من أمتي ؟" سأل و هو يشير إلى السيجارة التي بين أصابعي.. "من بدري و المفروض إني بطلت يعني بس بشرب واحدة كده كل فين و فين" اجبته بصراحة.. "طلعتي مش سهلة انتي كمان" قال و يغمز بعينيها.. "متحكمش علي كتاب من عنوانه" قلت ببساطة ثم أرجعت نظري إلى السماء.. "بص" قلت له و انا أشير إلى الأعلي فرفع عينيه إلي السماء.. "هتشرق دلوقتي" قلت بهمس و انا أتأمل السماء و انتظر ظهور الشمس بسعادة.. و ما هي إلا ثواني حتي بدأت تظهر الشمس في مشهد لن يستوعبه العقل البشري أبداً.. التفت إلي يوسف مجدداً و وجدته يتأمل المنظر في هدوء.. "زي ما ربنا بيطلع الشمس كده و يضبطها في مكان مش هنتحرق فيه من قربها ولا هنتجمد فيه من بعدها هيحللك كل مشاكلك و يخلصك من كل حاجة شاغلة تفكيرك.. بس انت أعمل ال عليك و سيبه يتصرف بعد كدة" همست له فنظر لي بابتسامة علي وجهه.. "مش انا لوحدي ال تركبتي غريبة علي فكرة.. انت كمان كدة" قال و هو ينظر لي بتأمل.. "اممم يعني إحنا حلة و لقيت غطاها ؟" سألته بسخرية.. "شكلنا كدة" قال و هو يقهقه.. "يالهوييي" صرخت فجأة.. "إيه في إيه ؟" سأل في فزع.. "مشربناش القهوة!!! بردت خلاص" تذمرت و انا انظر إلى كوب قهوتي.. "يا شيخة حرام عليكي وقعتي قلبي" أجاب و هو يدفعني بعيداً عنه.. "انا عايزة اشرب قهوة دلوقتي" أكملت تذمري و انا أنظر إليه.. "طيب يالا ننزل نجيب" قال ببساطة.. "لأ مانا مش عايزة أنزل من هناااا" اجبته بتذمر أيضاً.. "اممم لأ مشكلة" قال بسخرية.. "عايزة قهوة!!!" قلت بنبرة بكاء.. "بس يا ماما بس ربنا يهديكي" قال و هو يربت علي كتفي.

برنامج بدون موضوع حيث تعيش القصص. اكتشف الآن