عناق لا اكثر

4.2K 65 10
                                    


ظلت كلمات ليون ترن في اذن جورجينا لوقت طويل، لا يستطيع تصور الحياة من دونها لكن في اي سياق؟ كصديقة؟ كموظفة؟, كزميلة؟ كحبيبة؟ أم كزوجة؟ كان قلبها يضج في صدرها., واحست برغبة بان تشفى بسرعة.
لاحظت تغيراً كبيراً في علاقتهما. لقد قرب المرض بينهما، , عناية ليون بها، وبكل احتياجاتها، أزالت مرارته وعدم ثقته، واعتقدت أن لديها فرصة حقيقية
دخل غرفتها في أحد الأيام يحمل باقة ورد زهرية كبيرة، وتوهجت وجنتاها..وهي تجلس في السرير فتلقتها.
_ليون ، إنها جميلة، شكراً لك
تنشقت عطرها الرقيق برضى وامتنان . كانت هذه المرة الأول التي يهديها فيها رجل ازهار.
_إنها الشيء الذي احتاجه لإبهاج الغرفة، شكراً لك.
اعلن باقتضاب: إنها ليست مني.
نظرت إلي مقطبة، وتساءلت لماذا لم تلاحظ التوتر على فكه
- ممن هي إذن ؟
ـ عليها بطاقة.. لماذا لا تقرأينها.
التقطت المغلف واخرجت البطاقة "أرجو أن تشفي بسرعة مع الحب ...روبرت"
ابتلعت ريقها : إنها من روبرت.
_طبعاً ، ويرسل لك حبه، أليس كذلك لقد انزعج كثيراً لمرضك. وأنا عانيت  كثيراً لأبعده، .
قطبت جورجينا: ظننته لم يأت كي لا يلتقط عدوى الانفلونزا.
- قلت له إن إمكانية الإصابة كبيرة.. وأن لديه واجباً نحو الآخرين إذا  عليه أن يتجنب الإصابة إذا استطاع .
وافقته جورجينا الرأي لكن هذا لا يعطيه الحق في منع روبرت من رؤيتها.
_تساءلت لماذا لم يزرني، أو حتى يرسل إلي رسالة هل منعت عني رسائله كذلك؟
_أنت تعرفين ما هي مشاعري نحو روبرت.
_واعرف كذلك أنا في بلاد حرة ،و أنت وغد حقير ليون،
وتلاشي منها كل الإحساس الدافئ السعيد.
ارتفع حاجباه، والتوى فمه سخرية : يبدو أنك تتحسنيين.
_انا أحسن فعلاً والفضل لك في هذا، أعرف، لكن حين أستعيد عافيتي بالكامل، أنوي الخروج مع روبرت، ولن تستطيع منعني.
تمنت لو أنه لم يدفعها لقول هنا، بدا من كلامها أنها تهتم لروبرت أكثر منه، لماذا يجب ان يحصل هذا الآن، في الوقت الذي تسير فيه الأمور نحو الأفضل
استغرق شفائها بضعة أيام أخرى، لكن . حين بدأت العمل، احست
بالتعب بسرعة، وكان الجو لا زال مشحوناً بينها وبين ليون، وكأنما يغار من روبرت، مع ذلك، لا تعرف لماذا.
أصبح مكتب الفندق جاهزاً، وانتقل ليون وشينا إليه لم تكن متشوقة للعمل في الغرفة ذاتها مع شينا التي اكتسبت إشراقة جديدة هذه الأيام، لم يكن من الصعب تخمين السبب، وفي أي وقت أرادت جورجينا التحقق من شيء، كانت تجدهما متقاربين.
في اليوم الثاني لعودتها إلى الاستديو، جاء ، روبرت لرؤيتها.. بابتسامة دافئة على وجهه : إذن. لقد عادت المريضة، كيف تشعرين؟
- لا زلت متعبة. قليلاً، ولا أعتقد أني مرضت هكذا من قبل.. شكراً على الورود كانت جميلة.
- لقد نقص وزنك. فهل أنت واثقة من قدرتك على العمل؟
هزت رأسها : أجل لقد اكتفيت من الكسل.
_لم يسمح لي ليون أن أزورك.
ردت بقلق: هذا ما قاله لي، في الواقع غضبت منه لأجل هذا.
اعترف متجهما: اعتقد أن دوافعه شخصية، لا علاقة لها بعدوى
الانفلونزا، لازال غير موافق على علاقتنا أليس كذلك؟
هزت جورجينا رأسها. فأكمل: مع ذلك فهو يتودد كثيراً الى شينا.
فلماذا يزعجه هءا
التوت شفتاها؛ لاتسألني.
لاحاجة لروبرت لأن يخبرها كم من الوقت يمضي معها .
_إذن ما رأيك بالخروج هذه الليلة؟ أنت بحاجة إلى شيء يبهجك
قالت دون تردد: بكل سرور روبرت.
بدا راضباً: سأتي لآخذك في الثامنة.
اشتدت قسوة وجه ليون حين أخبرته أنها ستخرج مع روبرت ، وبدأ استيائه بوضوح ولو أنه قال: "ألغي موعد مع روبرت وسأخذك بنفسي، ، لكانت قبلت، والفرحة لا تسعها. لكنه ما كان ليفعل ذلك أبداً، وهذا ما ألمها ألمآ مبرحآ......أخذت تستعد للخروج دون أن تستطيع منع نفسها من الشعور بالحسرة، ..
ليتها كانت مع ليون، لكانت أحست بحماس شديد لا يشبه ذلك الفتور الذي يغلبها الآن.
كانت جورجينا مستعدة تنتظر قبل أن يدق روبرت الجرس بوقت طويل. قالت بابتهاج زائف: لا تنتظرني ليون.
وفاتها أن تلاحظ عبوسه.
كانت متكدرة لتصرف ليون، إلا أنها قررت ألا تترك التفكير به يفسد أمسيتهما، وسوف تستمتع بكل لحظة منها
في السيارة، أبتسم روبرت لها بدفء : أنا مسرور لحظورك
ردت أبتسامته ، وهزت رأسها، فأكمل : ألم يقل ليون شيئاً؟
_ولا كلمة.
ارتفع حاجباه دهشة : لكنه لم يكن راضيا ابداً.....أنا آسف لأنه يعقد حياتك بهذا الشكل
_هذه ليست غلطتك ثم لماذا لا يجب أن تطلب مني الخروج معك؟ لماذا يجب أن تتركه يملي علينا ما يريد؟ إنه وغد حقير ، واعتقد أحياناً أنني أكرهه.
التوت شفتا روبرت : يصعب فهم هذا الرجل، لطالما ادركت هذا. حياته لم تكن سهلة أبداً، ، خاصة بعد انفصال والديه ، ومسؤولية تربية كريغ، ثم كل تلك المتاعب مع أنيتا , اضطر لتقبل الكثير من المحن .، . وهذا ما جعله يشعر بالمرارة
_ولكنه ليس هكذا دائماً. لقد رأيته وهو في مزاج مختلف.. حين يكون إنساناً، حين يكون مثل اي شخص آخر.
_لكن هذا لا يحدث حاليا؟
اعترفت بحزن: لا.
تنهد روبرت: الحياة لا تسير دائماً كما نريدها جينا لذلك علينا أن نستفيد مما تقدمه لنا، والليلة أنت معي
ابتسم وهو يقول هذا، وأدركت جورجينا أنها تظلمه بالحديث عن مشاكلها طوال الأمسية .
ردت له ابتسامته : أنت على حق روبرت. فلنستمتع بامسيتنا .
اذهبا إلى المطعم الصغير ذاته، المطل على البحيرة، احست جورجينا بالاسترخاء، وهو أمر مستحيل مع ليون لماذا لا تستطيع أن تحب روبرت؟ سألت نفسها هذا السؤال بحزن. لن تواجه أية مشاكل معه.
حين خرجا من المطعم، رأت صاحب المركب العجوز يسير على الشاطىء بطء وغليونه في فمة قالت لروبرت: إعذرني دقيقة.
وركضت نحو الرجل لتكلمه وجهه المجعد ازداد تجعيدأ . حين أبتسم
وقالت له : أنا آسفة لأني لم آاي لآراك قبل الآن، فقد أصبت بالانفلونزا.
ـ اجل قال لي السيد اليكسندر هذا، لا زلت تبدين شاحبة.
ليون كلمه عنها وجدت هذا عجيباً
_بشأن مركبك.. يجب ان اعوض عليك ثمنه  فانا اشعر بأسف للأمر.
- مهلك....لم يكن يساوي شيئاً.. أنا الذي أشعر بالذنب، كان يمكن أن تغرقي.
_شكرا لتفهمك . ، للأسف لا أستطيع البقاء معك لنتكلم.. إن مع
صديق سارك مرة أخرى.
ابتسم: سأنتظر هذا بفارغ الصبر يا فتاتي.
عادت إلى روبرت ليوصلها إلى المنزل ، ثم سألها: هل اصعد معك؟
كان يبدو عليه أنه يخشى أن يصب ليون عليه جام غضبه مرة أخرى.
هزت جورجينا راسها نفياً وابتسمت: لا داعي للقلق، لا يستطيع ليون قول او فعل شيء......فانا حرة.
لكنها فتحت الباب بحذر، وتسللت إلى جناحها ، كل شيء، كان صامتاً، وفي ظلام كامل، واحست بالارتياح ، لا بد أنه خرج أو في الفراش لكن، في غرفتها، صدمت صدمة حياتها بعد أن أضاءت النور لتجد ليون جالساً على حافة السرير
صاحت فوراً، وعيناها الخضراوان تلتهبان: كيف تجرؤ على الدخول إلى هنا.
وقف ينظر إليها ووجهه متجهم : كيف كانت امسيتكما؟
ردت بحدة: وكانك تهتم.
_هل استمتعت بها
- طبعاً أستمتعت....روبرت مرافق جيد.
_ وهذا يعني أني لست هكذا
_ليس وأنت في مثل هذا المزاج، أنا لا أعرف حقاً ماذا لديك ضد روبرت
_لا أحب أن أتصورك بين ذراعي أي رجل.
ارتفع حاجباها لهذا التصريح غير المتوقع .
_ولماذا تهتم
- لأنك ملكي.
رددت غير مصدقة : ملكك عم تتحدث؟
تقدم خطوة نحوها ، ينظر في عمق عينيها.
-في يوم ما جورجينا أنوي أن أمتلكك بالكامل.
سرت وخزة خوف في كيانها، تبعتها بسرعة مشاعر اخرى، خشيت أن تفضحها مشاعر عميقة......حميمية جداً......وحساسة.. بصيحة غضب ابتعدت عنه لكنه أمسك بكتفيها، وأدارها مجددا نحوه
_خائفة....جورجينا
لهجته الساخرة، جعلت ذقنها يرتفع ، والتحدي في عينيها: ولماذا اخاف منك؟
ارتجفت زوايا فمه: ليس مني ياصديقتي الجميلة ، بل من نفسك ، من المشاعر التي تقومين بجهد جبار لتخفيها.
ظلت متصلبة، وعيناها الباردتان تخفيان النار التي تشعر في داخلها.
_لست أدري عم تتكلم.
انخفض صوته قليلاً: أوه. لاتحاولي خداعي . فأنت تميلين لي
اتسعت عيناها : أيها الوغد المغرور.
لكنها شكرت ربها لأنه اكتفى بالتفكير بها فقط، ولو عرف أن مشاعرها سجينه له أيضا لكان لديه فعلاً ما يضحك منه.
_أتركني، أيها الوحش ، أكرهك، هل تسمع؟ دعني.
لكن مقاومتها كانت دون جدوى ، والواقع أنه كان متسلياً، فقد اتسعت ابتسامته اندست يده خلف رأسها والأخرى على ظهرها لياسرها ثم سال وعيناه قاتمتان: هل عانقك روبرت الليلة؟
ردت ببرود: أعتقد أن هذا من شاني انا.
ـ هل يؤثر فيك مثلي
_يقتصر تأثيرك علي بإثارة غضبي دائما
- إذن أقترح عليك أن تصبي كل غضبك في عناقي
وقبل ان تستطيع أن تتكلم، كان يضمها له، وراحت مشاعرها تنتشر كالزئبق، ومع أنها حاولت جهدها أن تقاوم بشدة لثوان ، إلا أن هذا كان كل ما استطاعته.. بضع ثوان من مقاومة الأمر المحتم.
لم يكن في عناقة حنان بل حاجة عميقة ملحة، وكأنه يشبع عطشاً طال كبته، وسرعان ما تخلت جورجينا عن افكارها المتعقلة، واستسلمت، تصغي بسعادة إلى نبضات قلبه المجنونة.
ابتعد عنها، وابتسامة خفيفة ترتجف على شفتيه أما قلبها فكان يضرب بسرعة مؤلة.
قال ساخراً: كنت أعرف أنك ستعودين إلى رشدك
وضمها مجدداً وقد تبددت قوته ، وأفلتت منها تنهيدة مجنونة، ودفنت اصابعها في شعره تشده إليها، وتلاشى كل شيء حولها، لم تعد تشعر سوى به وبأحاسيسها الدفينة، وفقدت كل الأشياء اهميتها
قال بصوت ثقيل بائس:  جورجينا.....أريدك.
وهي تريده أيضاً . لكن في مكان ما من الجزء الواعي من عقلها، كانت أجراس الإنذار تقرع
_لا.. ليون.
_بلى،،،،جورجينا.
ودفعته عنها، وتراجع راسها إلى الخلف وهي تتطلع إليه مذعورة، كانت عيناها تعكسان ما يعتبر في داخلها، لكنها كانت مصممة الا تستسلم لأهدافه
عاد يضمها قائلاً : أنت تبادليني الشعور نفسه لاتستطيعين انكار ذلك.
- بل أستطيع ليون .
كلمات شجاعة ، ولو أن صوتها فضح إحباطها.
_اللعنة جورجينا لايمكنك أن تفعلي هذا بي لن أسمح لك
بدا مجروحاً تعيساً مثلما وشعر تماماً
أبتلعت ريقها بصعوبة وحزن وسألها: هل هكذا تعاملين روبرت هل تشجّعينه ثم تخذلينة في اللحظة الأخيرة
لم يتركها لترد: حسن جداً، اسمي ليس روبرت، ولا أسمح لأية امراة أن تجعلني أبدو احمقا.
_أنا لا أحاول هذا ليون .
_إذن......ماذا تفعلين؟
_أنا......أنا أحافظ على نفسي. لا استطيع الاستجابة لرجل أكرهه.
_منذ لحظات لم يبدو الأمر هكذا.
_لقد انجرفت......وأنا آسفة.
_آسفة؟.....وهل يكفي الأسف؛
صاحت: اللعنة عليك ليون ماذا يمكن أن أقول غير هذا؟
اخذت فتحات أنفه تتسع وتضيق وهو ينظر إليها: تكسبين لا اريد أن افرض نفسي عليك، لكن، تذكري كلماتي، ستأتين إلى متوسلة في وقت غير بعيد
- لا أظن هذا
رد بثبات: لكنني أعرف هذا....سأتركك الآن في غرفتك الصغيرة
الموحشة ، لكنك في يوم ما ستكونين لي.
انهارت جورجينا على السرير بعد أن خرج، وإحساسها يتأرجح بين الراحة وخيبة الأمل كانت سعيدة لأنها لن تستسلم لو انها تشعر بالإحباط والمرارة.....احست بالإذلال كذلك لأنها كشفت هذا القدر من مشاعرها أمامه، وعرفت أن الغد سيكون مؤلما. كيف ستواجهه مجدداً خلعت ملابسها وارتدت ثوب النوم، ثم قررت استخدام الحمام، فتحت الباب بحذر، وكان كل شيء
ساكنا ، لكن حين خرجت، كان ليون يتقدم فتسارعت انفاسها وقالت بصوت منخفض وهي تمر قربه: ليلة سعيدة.
قال بخشونة: لو كنت تعرفين ما هو الأفضل لك، لما استعرضت نفسك هكذا
كانت تعرف أنها أخطأت.....رفعت رأسها وسارت متعالية، تتمنى وجود قفل للباب كي تقفله على نفسها.
مرت بقية الأسبوع دون أن تراه كثيراً، كان يخرج كل ليلة، وكانت تفترض أن شينا هي التي تأخذ الكثير من وقته....هل هذه هي طريقته في الانتقام منها؟ لم تكن جورجينا قد أحست بمثل هذا الغم في حياتها كلها.....ثم مساء الجمعة، قال لها
فجأة: ألغي كل مشاريعك للغد، سنخرج، معاً
جعد العبوس جبينها في الوقت عينه الذي أحست فيه بالحماس :نحن؟
- هذا صحيح...انا وانت....نحن فقط....يوم كامل معاً.....ألن يكون ممتعا؟
قالت ببرود: ليس لدي الرغبة في قضاء اليوم معاك.
وكانت هذه أكبر كذبة في حياتها، لكن ما النتيجة؟ لن يقود هذا سوى الى تحطيم قلبها.
قال بثبات: ليس لديك خيار.
وكان يعني ما يقوله
أخذت نفساً عميقاً، غير ثابت.
_وإلى أين سنذهب؟
- وفي نزهة، يجب أن تستيقظي باكراً، أنوي الانطلاق حوالى الثامنة.
_وهل تريدني أن أحضر الطعام.
لوح بيدة : اهتمت بكل هذا.....ارتدي شيئا دافئاً فربما برد الطقس.
تلك الليلة لم تنم جورجبنا جيدا.. تتشوق لليوم التالي، ولا تتشوق إليه،......كانت أفكارها مشوشة من مشاعرها نحو ليون، ولم تكن تعرف ماذا يدور في رأسه
لماذا دعاها للخروج معه؟ لماذا لم يطلب من شينا؟ هل في نيته أن يغازلهما معآ؟ لن تقبل بأن تشاركه مع احد أو أي شيء آخر..... فلماذا وافقت؟ لماذا هي ضعيفة دائماً أمامه؟
نهضت من السرير قبل السابعة بقليل، وأستحمت ثم بعد تفكير طويل ارتدت بنطلوناً أبيض وقميصاً قطنيآ اخضر قصير الأكمام .. ووضعت كنزة بيضاء في كيس، مع فرشاة شعر، وكريم للفم، ومحارم ورقية، ثم نزلت إلى المطبخ لتعد القهوة والتوست ورأت ليون هناك.
_ااه...جيد.....انت جاهزة....أعددت إبريق قهوة..أتريدين فنجاناً؟
دل ارتفاع حاجبيها على دهشتها لتهذيب الذي هبط عليه فجأة،
_شكرا لك
صب القهوة بينما وضعت التوست في الحماصة...ولأول مرة منذ زمن بعيد جلسا معاً إلى الطاولة....إنه ينوي شيئاً.....لقد تجاهلها تماماً لعدّة أيام، وفجأة تغير جذرياً. وستمضي معه يوماً بكامله!!
ما ان أنهيا الطعام ، حتى اقترح الرحيل ، لكنه حين قاد السيارة باتجاه القرية أوقفها هناك، نظرت إليه باستغراب ، وفتح لها الباب.
_تعالي.
سالت والارتياب في صوتها : ماذا يجري؟ ظننت أننا ذاهبان في نزهة
- هذا صحيح، لكن من نوع مختلف.
اتسعت ابتسامته، وأمسك بيدها، فاضطرت للسير معه كانها تلميذة مدرسة ، لكن المشاعر التي كانت تنتابها لم تكن مشاعر طفلة. حين أمسكها بيدها تدافعت في كيانها انفعالات لم يسبق أن احست بها من قبل.
فجأة لاحظت وجود مركب بمحرك مربوط إلى الرصيف الخشبي. كان يجرها باتجاهه.
وقال لها متفاخراً: سيكون لنا طوال اليوم.
ولوح لبوب الذي كان جالس في مكانه المعتاد، على حافة الرصيف، يدخن غليونه...لوحت جورجينا له بدورها، ورأت الفضول في عينيه، وأرادت أن تقول له: هذه مفاجأة لي بقدر ما هي لك ، بل أكثر من مفاجأة في الواقع، إنها صدمة، نزهة على مركب ، بعيداً عن أي شخص آخر، وفي أبعد مكان يستطيعان الوصول إليه......اية افكار شيطانية تدور في رأس ليون الآن؟
لم يكن المركب كبيراً جداً، لكن شكله كان جميلاً، وله قمرة يمكن أن ينام فيها شخصان، ومطبخ صغير ، ومساحة للجلوس والطعام ، كان خشبه مصقولا جداً، والنحاس يلمع ، قال يشرح: إنه لأحد الأصدقاء.
وأخذ يفك الحبال التي تربطه إلى الرصيف،
_أتحسن قيادته؟
- لست غبيآ لأخرج به دون أن أحسن القيادة.
وابحر إلى المياه العميقة وسط البحيرة.....ثم على طول شاطئها.
استدارا حول الجزيرة التي أعجبتها من قبل، وكان هناك جزر اخرى اصغر حجماً أرادا استكشافها، لكنهما لم يستطيعا الاقتراب بسبب الصخور.
قال ليون: يمكن أن نرمي المرساة بعيداً، وناخذ القارب الصغير.. لكن هناك أماكن أكثر جمالاً يجب ان نراهاً.
بعد عشر دقائق اخرى، ظنت جورجيا انهما بلغا طرف البحيرة الأخر....ودهشت حين اكتشفت أن هناك مضيقاً يؤدي إلى بحيرة اخرى، اكبر مساحة، لاتبلغ العين نهايتها .
صفقت بحبور الأطفال : لم أكن اعرف.
ضحك ليون، وأبحر قرب الشاطى..قال: هذه تعود إلى البحر المفتوح وإلى الجزر : سكاي، راسي، سارت روفا، سكانياي
_رائع، هل نستطيع زيارة إحداها؟
نسيت ريبتها وخوفها من قضاء الكثير من الوقت معه. إنه شخص مختلف....يجعلها تشعر وكان هذا اليوم يعني له مثلما يعني لها ، ونسيا شينا كما نسيا روبرت....كان الوجود لهما فقط ولا أهمية للبقية راح يريها مناظر واماكن لم تتوقع أن تراها وتمتعت بكل دقيقة تمر.
بصمت لامست ذراع ليون، وأشارت إلى ثعالب الماء التي كانت تلهو على الشاطىء أخذا يراقبان المخلوقات البنية، تلعب في الماء الضحل....لم تدرك جورجينا كم كانت قريبة من ليون، وهما يشاهدان تلك المناظر الخلابة. وهو يستدير أحست بآلاف الوخزات الصغيرة على بشرتها.
ارادت الابتعاد، لكن قوة داخلية أجبرتها على البقاء.
نظرت إلى يديه على الدفة، يدان قويتان ، واظافر مربعة مقلّمة، يداه جزء من جسده القوي المليء بالسيادة، ، ومنذ ليال، احتظنتها ذراعاه هاتان.
لفتها الفكرة بدفء سريع، وتسارعت نبظاتها، أشاحت نظرها عنه نحو الغيوم التي تدفعها الريح عبر سماء زرقاء صافية ، لكن حين عادت عيناها إليه كان يراقبها ، وفي تعبيره شيء جعل حنجرتها تطبق.
كان في نظرته شوق غريب، ولو أنه تلاشى على الفور لم تستطع تجاهل ما رأت، وسألت: هل أعد قليلاً من القهوة.
كانت بحاجة لأن تضع مسافة بينهما، وأجفلت حين خرج صوتها مختنقاً
قال بلهجة اعمق واكثر رجولة ما سمعته من قبل : فكرة رائعة.
أحست وكانها بحاجة إلى أن تنتزع نفسها عنه في هذه الدقائق القليلة تطور بينهما وفاق لم تألفه من قبل ، احست بالتناغم بقربها منه، مع ذلك كانت تعرف أنه من الجنون أن تدع هذا الموقف يتطور أكثر.. فهو سيأخذها ويستغلها ، لكنه لن يحبها أبداً، ليس كما تحبه.
في المطبخ الصغير، بعيداً عن نظره، اغمضت عينيها، تحتاج إلى لحظات تستعيد توازنها.. فهذا اليوم سيكون طويلاً وصعباً ولن تجري على فضح نفسها فهذا سيقود إلى تدميرها.
وضعت غلاية الماء على النار، وأخرجت الحليب من البراد وهي تفكر ستكون نزهة عظيمة.
ما أن أنهت القهوة حتى اخذتها له ، لكنها هذه المرة ابتعدت إلى الجهة الأخرى  من قمرة القيادة، مدعية مراقبة الأمواج المتكسرة على المقدمة.. وإلا فكيف تتمكن من إبعاد عينيها عنه؟
لكن بعد دقائق صمت ، انجذبت عائدة إليه، واستدارت لتجلس على المقعد الثابت تراقبه كان ينظر أمامه مباشرة، ويبدو كأنه لم يلاحظ تبديل مكانها لكن حين تكلم، وجدت أنه كان يراقب كل حركة تفعلها.
قال بابتسامةالساخرة: هل تشعرين بالأمان أكثر هناك جورجينا؟
_ماذا تعني؟
_اوه...أظنك تعرفين .
وكانت ابتسامته ابتسامة الوحش المفترس، أو الصياد وكانت هي الفريسة! واكمل: اعتقد انك تجدين القرب مني أكثر خطرأ
ردت : وهل يدهشك هذا
_أبدأ انت ببساطة تمثلين الدور الحقيقي.
قطبت: عم تتحدث؟
- كلانا يعرف أن الأمر سينتهي بنا كعاشقين .
أحست بخيبة أمل شديدة، إنها محقة ، كل ما يهمه هو مجرد علاقة عابرة،،،ولا شيء غيرها.
_أنت فقط تلعبين اللعبة القديمة قدم الزمن، واجعليني انتظر .
ردت بحرارة : لا، أنا لا أفعل هذا.
_لا؟
نظرته الباردة ولدت أحاسيس جديدة، وتساءلت كم تستطيع تحمل هذا الوضع اليوم كان قد بدأ توه وها هو قد تسبب لها بالتوتر.
أرتشفت قليلاً من قهوتها، وتمسكت بالكوب، تتمنى لو كان عنق ليون.....احيانا كانت تشعر انها تكره ، بقدر ما تحبه
لم يقل المزيد، لكن البسمة لم تفارق شفتيه، ثم اخذ يصفر بصوت. منخفض وهو يقود المركب، كان ينتعل حذاء قماشياً بلون رمادي، وبنطلوناً رمادياً أيضاً يبرز خصره النحيل كان قميصه القطني الأبيض نصف مفتوح، يكشف عن بشرة شديدة السمرة، ولم يكن فيه غرام واحد من الوزن الزائد بل كان كتلة عضل
قاسية متناسقة، ، وهو الآن يستغل اضطرابها
أنهت القهوة، وأخذت الكوبان لتغسلهما.. ربما تستطيع البقاء هناك.
ونظرت إلى القمرة بمقاعدها البنية الثابتة، وستائرها المتناسقة، وماتت الفكرة لحظة ولدت
_جورجينا ، ماذا تفعلين عندك آنا بحاجة لصحبتك.
على مضض، أطاعت أوامره
_ما الذي اخرك
_كنت أتفرج على المكان.
هز رأسه وكأنه راض: مركب جميل، أليس كذلك؟
_لمن هو؟
- إنه ملك لآيان ستيوارت ، لكنه معروض للبيع ، فلا وقت لديه للاستمتاع به وهو يدير شؤون النزل، وأنا افكر بشرائه لأضعه في تصرف نزلاء الفندق ....فما رأيك؟
نظرت إليه بحاجين مرفوعين : وهل يهمك رأيي؟
_طبعا
لم تصدقه ومع ذلك اعتبرتها فكرة جيدة، وقالت له : يمكنك كذلك تأجيره  لمن يرغب في عطلة بحرية.
- اقتراح ممتاز، هل ترغبين في استلام الدفة؟.
هزت جورجينا راسها دون تفكير : لا أعتقد. فانا لم اقد مركبا بهذا الحجم
_إنه أمر سهل جداً، ، سأعلمك تعالي
لم يعد لها خيار.
_هذا هو الصمام .
ووضع يدها عليه.
واكمل: والباقي بسيط مجرد تحريك الدفة، تماماً كالسيارة ،دعيه يجري بنعومة، ولن تواجهك أية مشاكل .
كانت ذراعه عن كتفيها وكانت ممتنة لأنها أرتدت ثياباً محتشمة، وإلا لما تمكنت من تحمل هذا الوضع.
حتى وهي تعتقد أنها تتصرف بشكل جيد، بقي واقفاً خلفها، يزيد نبضات قلبها سرعة .
قالت: اعتقد انني عرفت الطريقة.
لكن وكأنها لم تتكلم.
قال : بإمكاناك الاقتراب أكثر هنا
أدارت الدفة، وعلى الفور وضع يده على ذراعها.
_بلطف أكثر جورجينا انت لا تديرين دفة دبابة .
كانه لا يعي التشوش الذي يتسبب به...ام أنه يتعمد هذا واعتقدت أنه يفعل ذلك عمداً، فدغدغة مشاعرها هذه كانت مدروسة. وهو يعرف أن لا خلاص لها منه الآن حتى ولو ارتكبت غلطة على المقود لن يضيرهما شيء على صفحة المياه الفسيحة هذه.
شدت عن أسنانها وركزت على ما كانت تفعله ، وتمتم بصوت ناعم: استرخي، أنت متوترة كاوتار الكمان.
وستبقى هكذا طالما يقف وراءها مرت خمس دقائق، عشرة، ربع ساعة. ثم ساعة استقام في وقفته لكنه لم يبتعد كان ينظر حوله، .. الريح تعبث بشعره، وهو يصفر لحنا سعيداً، كانت الكدمة على رأسه تكاد تختفي.
ولم تعد تحتمل ذلك الوضع فقالت: بإمكانك اخذ الدفة مرة اخرى.
- وهل اكتفيته
_أظن أننا اقتربنا من البحر المفتوح ولا أشعر بثقة كافية للتعامل معه.
كانت هذه هي الحقيقة والكذبة معاً.
_هذا المكان يدعى انرسارند وسنلقي المرساة قرب ساوث رونا.
ما أن جلس وراء الدفة حتى تحركت جورجينا مبتعدة متنفسة بسهولة أكثر
نظر ليون إليها وابتسم، وبدا أنه يعرف بالضبط ما تشعر به
حين نظرت جورجينا إلى ساعتها ذهلت إنها قرابة الظهر، وبدا لها أنهما انطلقا منذ وقت قصير.
سأل : جائعة؟ .
هزت رأسها إيجاباً.
_سنأكل بعد أن نلقي المرساة. بعد ساعةربما، هل يناسبك هذا
هزت كتفيها: كما تريد
استدارت تميل فوق السياج تراقب الماء المزبدة حول المركب. هذا اليوم سيكون فعلاً للذكرى.
تناولا الطعام على سطح المركب كانت سلة الطعام الموضوعة في المركب قبل صعودهما، مليئة بالطعام.. سندويشات سلمون مدخّن بيض سلطة ومناديل ورقية.... كل شيء أنيق، مرتب ومتمدن .
ثم لمحا قلمة، راقبها ساعة او اثنتين. ولم يلحظ أحد منهما الغيوم الرعدية تتجمع، إلى أن بدأت قطرات المطر تنهمر.
قال ليون: يبدو أن هناك عاصفة قادمة سنلجأ إلى الجانب المحمي من الريح في الجزيرة .
كانت جورجينا تخاف العواصف وكان أخوتها يسخرون منها، ويدعونها بالجبانة، وحاولت جهدها لتتغلب على هذا الحرف، لكن هذا شيء لم تتمكن من السيطرة عليه. الآن وهي تشعر بالتوتر المألوف يسيطر عليها، تركت ليون وأسرعت إلى الأسفل، الى أمان القمرة النسبي.
كان يتجه إلى خليج سينقذهما من أسوأ ما في العاصفة. لكن، قبل أن يصله كان المطر ينهمر كستارة والريح تتلاعب بالمركب وكأن علبة ثقاب تمسكت جورجينا بحافة المقعد الثابت تصلي أن يصلا إلى مكان آمن.
القى ليون المرساة مع أول لمعان مبهر للبرق شق السماء، ووضعت جورجينا يدها على اذنيها ودفنت وجهها بوسائد القعد، تنتظر انفجار الرعد، لامست يد ليون كتفها في الوقت ذاته .. فصرخت خوفاً....استدارت غريزياً وتعلقت به ، غير مبالية بقميصة المبلل، تشده إليها.
قال بنعومة جديدة في صوته:،جورجينا.. جورجينا.. كل شيء على مايرام
استدارت تنظر إليه
ـ أنا آسفة. لا استطيع السيطرة على نفسي. أنا أخاف العواصف. إنه الشيء الوحيد الذي أخاف حقاً.
قال يبعدها عنه بلطف: دعيني اخلع هذه الملابس المبللة.
خلع ملابسه، حذاء ، وجواربه .. اخرج منشفة من الحمام وراح يجفف نفسه، ثم لف المنشفة، حول خصره.
كانت جورجينا في قبضة الذعر القوية، ولم تشعر بعدم الراحة لما يفعل , حين لمع البرق التالي، فرت إلى ذراعي ليون، تصيح وصوتها يرتجف خوفاً.
_ضمني إليك.. ضمني إليك. أرجوك لاتتركني

ليلة نام السهر _مكتوبة_حيث تعيش القصص. اكتشف الآن