حلم ولا علم – الحلقة الخامسة – بقلمي/ منى لطفي
وصل ( أمجد ) لمكتبه قبل الميعاد المحدد للعمل بنصف ساعه كعادته يوميا لم يرى احدا من طاقم السكرتاترية دخل الى مكتبه وما أن خلع سترة بدلته الرصاصية اللون وشمر عن ساعديه السمراوين القويتين حتى سمع طرقا على باب المكتب فعقد حاجبيه استغرابا ونظر الى ساعته ليرى انه ما زال هناك اكتر من ثلث ساعه لبدء الدوام الرسمي , هز كتفيه بلامبالاه وامر الطارق بالدخول فتح الباب وسمع صوت خطوات وكان ينظر الى شاشة الكمبيوتر وهو يركز في شئ معين امامه ولم يلتفت الى الداخل حتى شعر بشئ يوضع امامه على المكتب وهمس رقيق يسبقه رائحة ورود نضرة والصوت الخافت يقول :
- صباح الخير, قلت اكيد لسه ماشربتش القهوة فعملت حسابك معايا...
رفع نظره الى صاحبة الصوت ونظر اليها متفاجئ قليلا ولكنه حاول ان يواري دهشته مجيبا :
- صباح النور, انت جيتي امتى ما شوفتكيش لما دخلت ؟؟
هزت اكتافها واعتدلت في وقفتها مجيبة بابتسامة :
- ابدا, انا جيت وراك على طوول, بس انت ما شاء الله عليك مش بتمشي لا.. بتجري!, اللي عاوز يلحقك يجري وانا طبعا عمرى ما هجري وراك!...
نظر اليها بدهشة ورفع حاجبيه بتساؤل فتداركت نفسها قائلة :
- اقصد علشان الحقك يعني .. قصدى الاسانسير يعني الحق الاسانسير ... , وزفرت بحنق فهي لا تدري ماذا دهاها فهي فجأة نسيت كيفية تركيب الكلام ليخرج في الأخير في صورة جملة مفيدة!, وبدلا من ذلك إذا بها تتعتع في الكلمات وكأنها نسيت مفردات الكلام ذاتها!!...
ضحك ضحكة خافته رفرف لها قلبها وعلّق :
- خلاص خلاص, المعلومة وصلت, انت عمرك ما هتجري ورايا ... وصمت قليلا ثم اكمل قائلا وابتسامة ماكرة تفترش وجهه الرجولي الوسيم:
- علشان تلحقيني!.. احنا مش هنجري ورا بعض يا ( هبة ) احنا هنكمل بعض, واظن الفرق واضح صح؟؟
أومأت برأسا موافقة وهى خجلة وتعض على لسانها هاتفة في سرها : - انت اللى جايبلي الكافية, فعلا شدونى من لساني!, لازم لسانك يلبلب بكلمتين مالهومش لازمة والا ماتكونيش هبة !!...
ثم نظرت اليه مبتسمه وقالت :
- عارف احلى حاجه حصلت دلوقتى ايه ؟؟
هز رأسه بمعنى انه لا يعلم فأكملت قائلة :
- انك ضحكت !! ايوه ما تستغربش تحب اعد لك على صوابع ايدي الواحده عدد المرات اللي شوفتك فيهم يدووب بتبتسم !! انا كان الموضوع دا قلقني بصراحه بس دلوقتى خلاص اطمنت انك ممكن تضحك لا وتقهقه كمان لو جاتلك الفرصة وباذن الله هتيجي ...
سكت أمجد قليلا ثم قال لها بابتسامه خافتة ونظرة حنان عجيبة تشع من عينيه جعلت قلبها يطرق بشدة حتى خشيت أن يغادر قلبها:
- ماشي يا فيلسوفة زمانك, اتفضلي اكتبي طلب باسبوعين من اجازتك السنوية وانا هوافقلك عليه, بس طبعا يتقدم لمدام ( ليلى ) الأول وهى اللى تعرضه عليا , انا بعمل كدا علشان لسه ارتباطنا مابئاش بشكل رسمي لكن تأكدى اول ما هيكون بشكل رسمي انه الكل هيعرفه...
ابتسمت هبة ابسامة سعيدة هادئة فحديثه معها جعلها تحترمه اكثر ومكانته لديها تعلو اكثر, فهو يخاف على سمعتها ولا يريد أن تلوكها الألسن الى أن يصبح ارتباطهما رسميا وقتها سيعلن للجميع عنه, أما الآن وهما في مرحلة التعارف فلا يريد أن يرتبط إسمه إلا بشكل واضح وصريح ورسمي..
هزت رأسها واستأذنت لتنصرف وما ان وصلت للباب حتى سمعت صوته ينادى عليها فوقفت والتفتت اليه تنظر اليه بتساؤل , نهض من مكانه وسار حتى وقف امامها ثم امال براسه ناحيتها ونظر في عينيها وقال :
- ممكن أسألك سؤال ؟؟
هزت راسها ايجابا فهى لا تستطيع ايجاد صوتها من الخجل والدهشة فتابع :
- انت عارفة اسمي ايه صحيح ولا لأ ؟..
عقدت حاجبيها وأجابت بدهشة :
- نعم ؟ اسم حضرتك ؟ ايوة طبعا عارفاه الباشمهندس ( أمجد ) !!
نظر اليها بحنق قليلا وقال :
- نعم ؟! باشمهندس ؟ انا بقول يا ( هبة ) مش يا آنسه ( هبة ) عارفة اسم الشخص اللي اتقدم لك امبارح ولا لأ ؟؟
بلعت ريقها بصعوبة وقالت وهى تهرب بنظراتها منه :
- غريبة السؤال دا ؟؟ لازمته ايه السؤال دا يعني ؟؟
أجابها وهو ينظر اليها وهى مشيحة برأسها جانبا تتهرب من النظر اليه :
- لانى لاحظت انك ولا مرة قلت اسمي, دايما يا اما حضرتك او تكلميني من غير اسماء خاالص!, اييه هو انا بالنسبة لك اللى ما اتسمتش ولا ايه ؟؟؟؟
ابتسمت ورفعت عينيها اليه مجيبة :
- لالا طبعا ايه اللي ما تسمتش دا ؟؟ انت اتسميت اكيد واتسننت كمان!!
اطلق ( أمجد ) ضحكة عالية استغربت لها ( هبة ) واستغرب هو شخصيا لضحكته فمنذ وقت طوييل لم يضحك مثل هذه الضحكة الصادرة من القلب..
كلما مر الوقت عليه تأكد أكثر ان اختياره لهذه الفتاة الانثى في شكلها والطفلة في طبعها صحيح مائة بالمائة, قال بعد ان هدأت ضحكته :
- ممكن بأه طالما سمُّونى وسننوني.. اسمع اسمى علشان اتأكد انك عارفاه ومن غير تزويق؟, اسمي لوحده من غير القاب ولا سيادتك ولا حضرتك ولا حاجه ابدا ممكن ؟؟
نظرت الى عينيه واحست بارتعاشة في قلبها بينما لم يستطع هو ازاحه عينيه عن عينيها وكأن مغناطيس جذب عينيه اليها ومهما حاول لا يستطيع ابعاد عينيه عنها, سمع همس رقيق كهمس العصافير يقول :
- أمجد..
ومالبثت ان فتحت باب المكتب وانصرفت مسرعه تاركة اياه واقفا مكانه وقد أغمض عينيه وكأنه يريد ان يحبس نظرتها في عينيه وهمس شفتيها في أذنيه ....
بعد انتهاء الدوام وانصراف الموظفين قاد أمجد سيارته بعد ان استأذنه سائقه بالانصراف مبكرا لظروف خاصة فأذن له, سار في طريقه حتى ابتعد مسافة صغيرة عن الشركة وما لبث ان لاحظ سيارة صغيرة من الصعب اطلاق لقب سيارة عليها فهى اقرب الى عربة أطفال لعبة صغيرة!, فمن شكلها يظهر كم هى متهالكة قد اكل عليها الزمان وشرب, تذكر انه رآها قبل ذلك في الجراج المخصص للشركة وتساءل في دهشة عن صاحبها وكيف يأمن على نفسه لدى ركوبه هذا الشئ؟, ومالبث ان ضغط على مكابح سيارته بقوة جعلت عجلات السيارة تصدر صريرا عاليا وهو يقف بعرض الطريق قاطعا الطريق أمام هذه اللعبة الكرتونية المسماة مجازا سيارة مطلقا زمورا قوي وقد تبين له قائد هذ المركبه!! ...
ترجل سريعا من سيارته وذهب الى مقعد السائق وفتح بابه بشده هاتفا بغضب شديد :
- انت بتعملى ايه بالضبط ؟؟
رفعت ( هبة ) نظراتها اليه بغضب واضح وأجابته بعصبية شديدة :
- والله انا لدقيقتين فاتوا كنت سايقه عربيتي في طريقي لغاية ما وحش كاسر وقف قدامى فجأة وكان هيتسبب لنا في كارثة لينا احنا الاتنين!, السؤال هو انت اللي فاكر نفسك بتعمل ايه بالضبط ؟؟؟ ...
كاد ( أمجد ) ان يشد شعره من العصبية والغيظ, لن ينسى ابدا الذعر الذي انتابه فور ان تبين له ان ( هبة ) هي سائقة هذا الكائن المسمى سيارة فقال بعصبية وشبه صراخ :
- ايه ؟ عربية ؟؟ انت بتسمي الشئ دا عربية ؟؟ دا عربية الآيس كريم أكبر منها ؟؟ ازاى والدك يسمح لك تسوقي البتاعه دى ؟؟
اضطرت ( هبة ) للترجل من سيارتها فرؤيتها له وهو مشرفا فوقها كالطود بينما هي جالسة أمامه تكاد رقبتها أن تتيبس من طول نظرها اليه لم يعجبها, أر ادت أن تشعر أنها توازيه وتنظر اليه عينا بعين!! ولكن.. ما ان خرجت من عربتها حتى تبينت خطأ ما فعلته فقد اقتربت منه حتى كادت تلمسه ولم يلحظ هو ذلك فلم يحاول ان يبتعد عنها فغضبه قد أعماه عن اي شئ آخر ولكنها استجمعت نفسها وقالت بجدية وهدوء بالغين :
- أولا, مش علشان ربنا مدّيك وراكب وحش الشاشة دا يبقى اى عربية تانية ماتعجبكش تتمسخر عليها, مهما كان لازم نحترم ظروف بعض, وثانيا بأه : والدى عارف انى سواقتى كويسة وجدا كمان علشان كدا سمح لي انى اسوق زوبة لو ما كانش كدا عمر ما كان هيسمح لى انت مش هتخاف عليا زيّه؟؟
ارتفع صوتها قليلا في نهاية حديثها و لم تنتبه لهذا ولكنها فوجئت به يبتسم ابتسامته التى تخطف انفاسها وهمست في سرها:
- بيت ضحتك يا اخي!, لالالالا لازم يمنعو ابتسامتك دي ,انت ممكن تخلى واحد يطب ساكت لو قلبه ضعيف شوية!, انا قلبي بينط زى الفيشار كل مرة بتبتسم بس فيها, يوووه واخرتها بأه؟!..
افاقت من شرودها على صوته وقد تغيرت نبرته فبانت أهدأ قليلا حيث قال :
- مين بأه زوبة دى ؟؟
أجابته باستغراب :
- ها ؟؟ زوبة ؟؟ عرفت منين...
وبترت عبارتها وقد تذكرت انها في خضم انفعالها قد ذكرت الاسم الذي اطلقته على سيارتها الصغيرة من باب الدعابة..
عقدت ساعديها أمامها واجابته بتحد:
- ايوة زوبة عربيتي.. عندك مانع ؟؟ الاسم مش عاجبك تحب أغيره؟؟ تحب أسميه ايه.. هايدي ولا باكينام ؟؟
قال وهو يبتسم :
- لالا باكينام وهايدي اييه انت عاوزاهم يرفعوا عليك قضية سب وقذف علني؟, هي زوبة وما ينفعلهاش الا زوبة ...
سكتت وهي مغتاظة منه ثم ما لبثت ان قالت :
- طيب ممكن تحرك الوحش بتاعك دا علشان اعرف امشي ؟؟ كويس اننا في طريق فرعى مش رئيسي كان زمانك متخانئ مع الناس كلها دلوقتى بوقفتك دي؟؟
قال بهدوء :
- وحش؟؟ طبعا بالنسبة للخنفسة بتاعتك دى عربيتي تعتبر وحش!!, عموما اركنيها كويس وانا هكلم ميكانيكي اعرفه هييجي يقطرهالك لغاية البيت, والعربية دى مش هتتركب تانى مفهوم ؟ وياللا علشان اروّحك في سكتى هاتى شنطتك وحاجتك...
سكتت ( هبة ) قليلا تحاول ان تعي ما سمعته ثم رفعت رأسها قليلا ونظرت اليه باستفهام وقالت :
- ايه ؟؟ معلهش ممكن تقول تانى كدا اصلي سمعي على أده ؟؟ اقفلها واركنها وتروحنى ومش هركبها و و و و ؟؟ معلهش انا في حلم ولا علم ؟؟ اذا كان بابايا اللي اسمه بابا اللي مهما كان عمرى ما اكسر له كلمة.. عمره ما امرنى كدا!, ولا قالى تعملي وما تعمليش, ولو كان شايف ان في سواقتى لعربيتي فيها خطر هو اول واحد كان مانعنى وماكنتش هقدر اخالف امره مهما كان, دا لأنه هو بابا.. لكن حضرتك بأه بأي صفة تقولى اعملى وما تعمليش ها ؟؟
اقترب برأسه منها ونظر في عينيها وقال بتصميم وجدية :
- بصفتى خطيبك ولو بشكل مش رسمي وزوجك المرتقب. اظن واضح؟, ياللا احنا ضيعنا وقت كتير ووقفتنا في الشارع هتبتدي تلفت الانتباه ..
أجابته حانقه :
- انا لسه ما قولتش رأيي في موضوع الخطوبة دا!, وبعدين لو دى طريقتك اوامر وهتنتظر منى انى انفذها من غير ما اقول رأيي فاحنا لسه فيها وانت قلت بلسانك لسه مش رسمي يعني ماحدش يعرف حاجه يبقى خلاص ..
التفت لها بعد ان كان بدأ يسير باتجاه سيارته واقترب منها بهدوء خطر وهمس بلهجئة هادئة ولكنها مرعبة وعينيه تبرقان ببريق مخيف جعل الذعر يدب في اوصالها ولكنها حاولت ان تتمالك نفسها والا يظهر عليها خوفها بينما تكلم هو قائلا :
- ايه ؟؟ ماسمعتش سمعيني تانى كدا ؟؟ لسه مش رسمي وترجعي في كلامك ؟؟ صدقيني تبقى غلطة عمرك!, وبعدين لو والدك عرف انك رفضتيني علشان خايف عليك من ركوب الشئ دا هو اول واحد هينتقد كلامك دا ..
ما ان همت بمقاطعته حتى امسكها من ذراعها بقوة وهتف بنزق من بين اسنانه :
- كلمة زياده مش عاوز اسمع, هتجيبي شنطتك وتعملى اللي قلتلك عليه, والا انا على اتم استعداد انى اشيلك هيلا بيلا كدا واحطك في العربية, اظن واضح ؟؟
خافت ( هبة ) من نظرة عينيه المصممة وشعرت أنه قادر على فعل ما هددها به, فأومأت براسها على مضض وفعلت كما أمرها..
ما ان استقرت في مقعدها بجانبه حتى اندفعت السيارة في طريقها ,, مكثت ( هبة ) صامته لا تتكلم بينما كان هو يلوم نفسه لانفعاله عليها فهو لا يستطيع ان يقلع عن عادة الانفعال والغضب السريع خاصة عندما يخالف احد ما اوامره ولكنها ليست اي شخص انها.. ( هبة )!..
وصلا حتى منزلها وعندما فتحت الباب استعدادا لمغادرة السيارة قال لها ( أمجد ) بهدوء نسبي وهو ينظر على الطريق امامه:
- هاكلم الميكانيكي يقطرلك عربيتك ويجيبهالك هنا, بلغى سلامى لوالدك وانا هكلمه علشان اقوله بمعاد السفر بالظبط, هو هيكون في اجازة نهاية الاسبوع تمام؟؟
أومأت برأسها ولم ترد عليه فزفر بضيق بينما خرجت هي واغلقت الباب وراءها وما ان هم بتحريك السيارة حتى شاهد حقيبة الكمبيوتر المحمول خاصتها, من الواضح انها قد نسيته في استعجالها بالنزول فتناوله وسارع ليلحق بها ليعطيها اياه ولو سنحت له الفرصة يطيب خاطرها بكلمتين فهو قد انفعل عليها بشدة....
ما ان وصل للطابق الذي تسكنه ( هبة ) حتى رأى منظرا جعله لا يريد تطييب خاطرها ولكنه يريد وضعها على ركبتيه وان يوسعها ضربا او ان يمسكها ويهزها من كتفيها هزا شديدا حتى تصطك اسنانها بشدة!, فقد فوجيء برؤيتها واقفة مع جارها الشاب ( اشرف ) -ابن السيده المسنه جارتها والتى قابلها يوم ان اتى لمقابلة والد ( هبة ) واكتشف سفرهما – كانا في غاية الانسجام وكانت تضحك عن شئ يحكيه لها..
صعد الدرجات الباقية من السلم سريعا وسرعان ما أطل عليهما وهو يقول وهو يلهث من سرعته في صعود السلم ويضع ذراعه على كتفيها وقد لفت بوجها ناحيته مذعورة مما يحدث ولكنه ضغط على كتفيها وكأنه يحذرها من أن تكذبه فيما سيقوله :
- نسيتي اللاب توب بتاعك يا ( هبة ) كويس انى لحقتك , ثم ما لبث ان التفت لـ ( أشرف ) المندهش مما يراه واكمل وهو يمد يده اليمنى لمصافحته بابتسامة ترحيب مزيفة بينما ذراعه اليسرى ما تزال تطوق كتفي ( هبة ) صافحه ( أشرف ) بينما تابع ( أمجد ) وهو يبتسم ابتسامة ظفر غريبة لم تفهمها هبة :
- أزيك عامل ايه؟, طبعا فاكرنى؟, انا خطيب ( هبة ) اللي كنت جيت من فترة سألت عليهم وكانو مسافرين.. انت اول واحد تسمع الخبر السعيد دا... انهارده بس ( هبة ) فرحتنى بقبولها لخطوبتي ليها ..
سحب ( أشرف ) يده من ( أمجد ) وهو مندهش وينظر الى ( هبة ) نظرات حزينة زائغة وهو يقول :
- غريبة يعني ما قولتيش يا (هبه) ؟؟ عموما احنا نفرحلك اووى انت انسانه ممتازة وتستاهلى كل خير..
ثم التفت الى ( أمجد ) وتابع :
- حطها في عينيك.. يا بختك بيها!!..
وانصرف الى شقته بعد أن رماها بنظرة أسف وحزن صغيرة!!
ما ان انصرف حتى دفعت ( هبة ) أمجد بعيدا وبقوة و قد التفتت تحدثه بعصبية وغضب شديدين :
- انت فاكر نفسك فين بالضبط؟؟ ازاى تتكلم معايا وتتصرف معايا بالاسلوب دا ؟ وبعدين ايه حكاية الخطوبة دى ؟ لسه مافيش حاجه.. انا كنت مأجلة قرارى لغاية ما اقابل عيلتك, لكن واضح كدا ان ردي هيتأجل خاالص؟؟
نظر اليها باستفهام وهو يزم عينيه بنظرة سوداء قائلا :
- يعني ايه؟, افهم من كلامك دا ايه ؟
أجابته بثقة هي أبعد ما تكون عنها وقد اختض قلبها في صدرها من تلك النظرة السوداء التي رمقها بها من بين فحم عينيه المشتعل, ولكنها حاولت التماسك وببرود زائف أجابت :
- افهم اللى تفهمه, بس خلاص.. خلصت بأه!, انا عمر ما حد اتحكم فيا تيجي انت وفي اقل من نص يوم تعاملنى المعاملة دى و ...
بترت عبارتها فجأة فقد لاحظت من يصعد السلم من الجيران, زفر أمجد بحنق وضيق وقال ببرود يخفي غضبا مكبوتا:
- طالما الكلام هيطول اعتقد يبقى عندكو في البيت احسن صح ؟
لم تعره انتباها فهى قد سأمت من اسلوبه العنيف , فتحت الباب ودخلت ولم تطلب منه الدخول ولكنه لم ينتظرها ودخل خلفها, سمع صوتها وهى تتحدث مع والدها الذي ما لبث ان اتى وهو مبتسم الوجه فعلم انها لم تجد الوقت لتخبره بشئ فسارع بمصافحته رادّا تحيته بابتسامة صغيرة:
- اهلا بحضرتك يا عمي.. تسمح لي اقول عمى ؟؟
فأومأ يوسف مرحبا وهو يقول:
- طبعا يا أمجد, انت في مقام ابني مهما كان ..
شجعه حديث يوسف على الكلام فقال:
- معلهش انا عاوز احكمك بيني انا و ( هبة )..
فقال ابوها بضحك :
- انتو لحقتوا ؟؟ عموما مش هنتكلم واحنا واقفين اتفضل في الصالون..
دخلوا غرفة استقبال الضيوف وطلب والد ( هبة ) من ابنته ان تقدم شيئا للضيف وهى بدون شعور أحضرت كوبا من القهوة التى يحبها واتجهت حاملة الصينية لتقديمها حيث يجلسان, وما ان وصلت حيث يجلسان حتى سمعت صوت ضحكاتهما طرقت الباب ودخلت وسارت حتى وضعت صينيه التقديم على الطاولة امامه وكانت قد وضعت قطعه من كعكة القهوة التى صنعتها يوم امس بجانب كوب القهوة ,وحينما استدارت لتخرج من الغرفة ناداها والدها طالبا منها المكوث معهم, فجلست على كرسي غير بعيد عنهما.. بينما انهمك ( أمجد ) في تناول قطعة الكعك وهو يتلذذ بها, ما ان رأته حتى اشفقت عليه رغما عنها, فيبدو انه جائع وكان الأوجب ان تعرض عليه تناول الطعام ثم ما لبثت ان تذكرت ما فعله بها وقاله حتى ذهبت الشفقة من قلبها وحاولت أن تقسو بقلبها عليه هاتفة في سرها موبخة نفسها بعنف كفاكي ضعفا وخذلانا, هل نسيتي أوامره لك وكيف يريد التحكم بكل شيء يخصك؟, لم يبق سوى أن يعد عليكي أنفاسك؟!, استطاعت بذلك تمالك نفسها في حين وجه ابوها لها الكلام بجدية :
- مالكيش حق يا هبة.. أمجد عنده حق ! انا كم مرة قلتلك العربية دى خطر ما تركبيهاش ؟! لكن عنادك دا مش ممكن! انا معاه في رأيه ! خلاص العربية دى ما تتركبشي تانى ..
قاطعته قائلة وهى مندهشة مما تراه فهذا ليس والدها من يتكلم ماذا تراه أخبره ليجعله يتكلم بهذه الطريقة الآمرة الناهية الـ....زاجرة!! :
- ايوة يا بابا بس ...
قاطعها بحزم :
- من غير بس !! خلاص .. وبعدين كويس ان أمجد وضح لـ أشرف هو يبقى مين بالضبط, لانه ممكن يشوفك معاه تانى ومش عاوزين حد يتكلم, وعموما انت قلت الموافقة المبدئية, ومنتظرين بس لما تقابلي عيلته الكريمة علشان تكونى مطمنه من مباركتهم لارتباطكم ..
فغرت ( هبة ) فاها دهشة فمن الواضح انه حكى لوالدها الاحداث بطريقة مغايرة, فهي تجزم أنه حكى كالتالي.. هو شاهد عربتها واعترض على ركوبها لها ولهذا قام بايصالها وعند مشاهدة ( أشرف ) جارها لهما سارع بتقديم نفسه لكى لا يتكلم احد من الجيران عنها بأي شكل !!..
كادت أن تضرب كفا بكف!, لا تعلم أتفرح لاصراره على الارتباط بها .. أم تغضب منه لطريقته في التصرف وكأنها غير موجودة ؟؟ ولكنك تكون مخطأ أشد الخطأ يا ( أمجد ) اذا ظننت انك استطعت حشري في الزاوية.. فانا سأقبل ولكن لأجعل منك ( أمجد ) فارسي الذي أتمناه....
انصرف ( أمجد ) بعد ان انهى قهوته وقد مد يده مصافحا اياها وقال بصوت منخفض وهو يقبض على يدها :
- تسلم ايدك الكيكة كانت تحفه, شكلك استاذه في كل حاجه تخص القهوة , منتظر اليوم اللى تعمليهالى فيه واحنا في بيتنا على شوق .
ثم ضغط بيده على يدها قبل ان يفلت اصابعها بصعوبة و كأنه لا يريد افلات يدها من يده ...
تتتالت الايام بعد ذلك ولا احد من العمل يعلم بتقدم ( أمجد ) للارتباط ب ( هبة ) التى قدمت طلب اجازة لمدام ( ليلى ) كما قال لها ( أمجد ) حيث أشّر على الطلب بالموافقة....
اتى يوم السفر وكان مشمسا ورائعا فارتدت ( هبة ) بنطال من الجينز كحلى اللون وتي شيرت اصفر فوقه جاكيت جينز قصير باللون الكحلي وحذاء رياضي.. , قامت بتصفيف شعرها على هيئة ذيل حصان طويل, وقد جهزت حقيبتها حيث قامت بوضع ملابسها العملية التى تحتاجها في سفرتها ولم تأخذ سوى فستانيْن للسهرة وبدلة رسمية للاحتياط مع حقيبة صغيرة بها ادوات الزينه والاكسسوار ...
حضر ( أمجد ) ليقلها هي ووالدها, سمعت صوته في ردهة المنزل مع والدها.. خرجت من غرفتها وما لبث نظرها ان وقع عليه وكان يرتدي زيا غير رسمي تشاهده عليه لأول مرة, كانت ثيابه عبارة عن بنطلون وقميصا من الجينز الغامق مما أكسبه وسامة فوق وسامته... تناول من يدها الحقيبة ساحبا اياها خلفه, واصر على حمل حقيبة والدها هى الاخرى ونزلوا سوية وركبوا السيارة منطلقين الى المزرعه ....
دار معظم الحوار بين ( أمجد ) ووالدها الذي كان يجلس بجانبه واكتفت هى بادلاء بعض التعليقات من حين لآخر في حين انها ممتعضة من جلوسها خلف ( أمجد ) , فكانت تريد الجلوس خلف والدها فهي تشعر أنها في مكانها هذا وكأنها مراقبة, ولكنها لم تستطع سوى الجلوس كما هي الأن فقد سارع بفتح باب السيارة لها, فكان ان اصبحت خلفه وكانت تلاحظ انه بين حين وآخر ينظر اليها في مرآة السيارة الخلفية الأمر الذي اخجلها وبشدة وكانت تدعو الله ان يصلوا وجهتهم سريعا ...
أوقف ( أمجد ) السيارة في باحة مليئة بالنباتات المبهجة للنظر وقد ساعدها في الخروج من السيارة بعد ان خرج والدها ومال عليها يهمس في اذنها بابتسامة تشع من عينيه اضطرب لها قلبها:
- حمدلله على السلامة يا ....عروسة ..
رفعت نظرها اليه متفاجئة وقالت بشدة :
- لسه ما بئيتش عروسة ؟!
اجابها بابتسامة ماكرة :
- هتبقى أن شاء الله هتبقي!, كونى متاكده من كدا... وبأسرع مما تتخيلي ..
ما ان همت بالرد عليه حتى سمعت صوت باب يفتح, التفتت فوجدت فتاه شابة لا يتعدى عمرها 20 عاما تقترب راكضة بسرعه منهما ورمت بنفسها بين ذراعي ( أمجد ) وهى تصيح قائلة :
- ( أمجد ) وحشتنى اوووى اووى ايه الغيبة الطويلة دى خلاص نسيت لولو ؟؟
نظرت ( هبة ) الى وجهه ولفت نظرها تبدل معالمه عند ابتسامته التى كانت من اعماق قلبه وهتف :
- حبيبتي ( لولو).. هو انا أقدر؟, انت مش اختى الصغيرة بس.. لا وبنتى كمان..
ابعدت نفسها عن ذراعيه وهى تبتسم ثم التفتت ل ( هبة ) ووالدها الواقفين مبتسمين من حرارة اللقاء الذي يبين مدى تعلق عائلة ( أمجد ) به والذي يدل على بره وحبه لهم بالمقابل , سلمت ( علا ) على والد ( هبة ) ثم التفتت لتسلم على ( هبة ) وهى تغمز ( أمجد ) وتقول:
- تصدق زوقك خطييير ما كنتش اعرف ان اخويا الكبير نمس بالشكل دا ...
فنهرها ( أمجد ) بمزاح :
- بنت عيب ماتكسفيش ( هبة ) – بعد ان لاحظ خجلها من كلام اخته – واكمل قائلا وهو يلتفتت لينظر الى ( هبة ):
- مع ان معاكى حق فعلا ...
ثم دعاهم للدخول وما ان دخلوا من الباب حتى شاهدت ( هبة ) سيدة تتقدم منهم واضح عليها ان عمرها يناهز ال 50 عاما وان كانت لا تظل تحتفظ بلياقتها البدنيه, تتقدم منهم باحترام وهدوء وبسمه حنان تزين شفتيها وتقول وهي تمد يديها لابنها الذي تلقفهما بين يديه:
- اهلا اهلا ( امجد ) وحشتني يا حبيبي , قبل ( امجد ) يديها ومال عليها مقبلا وجنتيها وهو يقول :
- ازيك يا أمي وحشتيني جدا .. ربتت امه على وجنته بحنو وقالت :
- وانت اكتر يا حبيبي ..
ثم التفتت الى ( هبة ) ووالدها حيث رحبت بهما ثم التفتت الى ( أمجد ) قائلة :
- كان عندك حق في كل اللى قلته عن ( هبة ) يا حبيبي فعلا زى ما وصفتهالنا ..
ثم وجهت كلامها ل( هبة ) وتابعت :
- ( أمجد ) كلمنى عنك كتير وعن السيد والدك - الذي اشار لها برأسه يشكرها لترحيبها بهما – ثم أكملت موجهة حديثها لابنها البكر:
- ( أمجد ) حبيبي جدك منتظركم في الصالون انت عارف انه صحته مش اووي والا كنت شوفتو في استقبالكو معانا ..
قال والد ( هبة ) :
- لا طبعا خليه مرتاح واحنا نروح لغاية عنده ..
اشارت لهم والدة ( أمجد ) مدام ( سعاد ) باتجاه الغرفة وتقدمتهم هى و ( أمجد ) حيث وصلوا الى غرفة استقبال الضيوف وقلب ( هبة ) يدق في صدرها باضطراب ووجل فهي تشعر وكأنها في انتظار امتحان شديد الصعوبة ...
فتح ( أمجد ) باب الغرفة حيث جده, بعد ان طرقه وسمعوا صوتا أجشا قويا يأمر الطارق بالدخول , تقدمتهم ( سعاد ) فوالد ( هبة ) ثم ( هبة ) و ( أمجد ) الذي شعر بقلقها ومال عليها خلسة هامسا لها :
- جمدى قلبك, انا اللى هتجوزك, وانا اخترتك وخلاص, مقابلتك بعيلتي وبالأخص جدي بناءا على رغبتك انت.. اتماسكي واوعى تحسيسيه انك مش واثقة في نفسك, دا جدي وانا عارفه كويس اوي, جايز هو كبير في السن لكن عقله لسه عقل شاب عنده 20 سنه وبنفس الذكاء والمكر ايام شبابه!!..
أومأت برأسها وتقدمت معه لتسلم على جده, صافح (أمجد) جده مقبلا يده وقبل جبينه ثم ابتعد ليسمح لها بالتقدم للسلام على جده الذي انشغل بالترحيب بوالدها, وما ان نظر اليها ليرحب بها ورفعت عينيها اليه حتى رأت فيهما نظرة قوية تشبه الى حد بعيد نظرة ( أمجد ) وواضح جدا الشبه بينهما حتى في البنية وتقاسيم الوجه وان كان ( أمجد ) أطول من جده ولكنها علمت انه عندما يكون ( أمجد ) بعمر جده سيكون على نفس الهيئة, صافحها الجد بانشداه وهو يقول بصوت قوي خافت لا يصدق ما يراه أمامه :
- انت ( هبة )؟ مش ممكن !! كأن الزمن بيعيد نفسه تانى !! نفس النظرة ونفس لون الشعر حتى الملامح فيها شبه غريب مش ممكن الصدفة دى!!..
قطب ( أمجد ) حاجبيه وتقدم حيث كان جده ما يزال يمسك بيد ( هبة ) بين أنامله وهو يقول لجده :
- معلهش يا جدي صدفة ايه دى وملامح مين ؟؟
أجابه جده وهو يضع يده الاخرى فوق يده الممسكة بيد ( هبة ) :
- جدتك يا ( أمجد ) ...( فريدة ) هانم.. نفس الملامح والابتسامه, كأنى رجعت بالزمن لورا اكتر من 50 سنة لما كانت بنت 20 سنة وانا 23 وشوفتها بالصدفة في بيت حد من قرايبنا, ساعتها على أد الصالة ما كانت مليانه ضيوف لكن عيني ما جابتش غيرها زي هي بالضبط عينها ما جابتش غيري, وفي شهر كنا متجوزين.. دى اعظم مفاجأه ممكن تجيبهالى يا ( أمجد ), انا دلوقتى بس حسيت بسعاده جمييلة وانا شايف ( فريدة ) زي ما تكون رجعت لى من تاني!! ...
فغر ( أمجد ) فاه من الدهشة في حين حدق جميع الموجودين في وجوه بعضهم البعض مستغربين مما قاله الجد ( علي الدين ) ...
ترى ماذا كان يقصد الجد بكلامه؟؟ هل سيعترض على اختيار ( أمجد ) لهبة عروسة له ؟ وما ذا سيكون رد فعل ( هبة ) تجاه الجد ؟ وهل ستظل على خوفها منه ام ان خوفها سيتحول الى خوف من نوع آخر ؟؟ فبدلا من ان تخشى قبول الجد لها فردا في العائلة هل سيتحول ليصبح خوفا مما يريده منها جده ان تكون مكانتها في العائلة؟؟؟ تابعونا لتعلموا اجابات الاسئلة مع الحلقات القادمة من...
( حلم ولا علم ) .....
- يتبع -
أنت تقرأ
حلم ولا علم رواية شرقية كاملة بقلمي/ منى لطفي
Romanceحلم ولا علم بقلمي/منى لطفي الملخص قديما قالوا "إذا حلمت فاحلم بحرص فقد تتحقق أحلامك يوما ما!!!" لم تكن "هبة" تعتقد أن حلمها بـ.. "أمجد".. ممكن أن يتحول الى حقيقة، ولكنه استيقظت ذات يوم لتفاجأ أن الحلم أصبح..علماً!... ولكن.. تئثرى.. هل سيطابق الواقع...