حلم ولا علم 8 بقلمي/ منى لطفي

17.3K 514 2
                                    

حلم ولا علم – الحلقة الثامنة – بقلمي/ منى لطفي
بعد ساعة عادت ( علا ) وحيدة وما ان شاهدها ( أمجد ) حتى ذهب اليها رأسا سائلا اياها :
- اومال فين ( هبة ) و ( علاء ) ؟ انت رجعت لوحدك ازاي اساسا ؟؟
ردت عليه منهكة :
- اصبر يا( أمجد), ( هبة ) و ( علاء ) مارجعوش معايا, انا قابلت ( سلوى ) صاحبتي.. كانت عاوزة تشتري فستان خطوبتها وعاوزة تاخد رأيي وانت عارف ( علاء ) مش بيطيق اللف, اول ما وصلنا المحافظة سابنا وقال هيرجع لنا بعد ساعه وهو هيروح البروفة بتاعته علشان حفل الكلية وعرض على ( هبة ) تروح معاه, وبيني وبينك انا حسيت ان ( سلوى ) و ( هبة ) علشان ميعرفوش بعض مش معقوله ياخدوا على بعض بسهولة كدا وخفت هبة ما تنسجمش مع سلوى فقلت لـ( هبة ) لو عاوزة تروح مع ( علاء ) تحضر البروفة ووافقت, احنا خلصنا مشوارنا ورنينا على ( علاء ) قالى هو لسه مطول شوية واخو ( سلوى ) كان في مشوار فرجّعنا, بس ادي الحكاية كلها ...
التمعت عينا ( أمجد ) غضبا وحاول اخفاءه بصعوبة وهو يقول بحدة مكبوتة:
- وهو الاستاذ دا ما قالش هيرجع امتى؟, ثم ازاى ( هبة ) تقعد معاه كل الوقت دا؟, والدها لو سأل عليها اقوله ايه... خرجت معاكي انتي وهو وانت رجعت لوحدك ؟؟
كانت علا تهم بالسير في طريقها للصعود الى غرفتها عندما سمعت عبارته فالتفتت اليه وقالت ببراءة :
- لا ما هو مش هيسأل عليها ؟؟
قطب امجد حاجبيه وسار اليها مستفهما :
- نعم ؟؟ مش هيسأل عليها ؟؟ ليه يعني ؟؟
فاجابته غير عالمة ان اجابتها ستثير عاصفة من الغضب :
- ما هى كلمت باباها استأذنته ووافق وقالها براحتك حبيبتي , على فكرة يا ( أمجد ) البنت دي اخلاقها عالية اووي ما شاء الله عليها لازم تستأذن باباها وصريحه معاه مش بتخبي عليه حاجه ... بصراحه انا بحسدها عليه وبحسدك عليها ..
نظر اليها وقد استرعت انتباهه جملتها الاخيرة :
- نعم ؟ بتحسديني عليها ؟؟
هتفت بحماس وهى تهز رأسها مؤكدة على كلامها :
- اكيييييد !! بنت في منتهى الاخلاق ودمها خفيف وصريحه وواضحه في منتهى البساطة مش ... غامضة ومعقدة زى ناس تانية ...
سألها مستوضحا :
- تقصدي مين بالكلام دا ؟ ومين الناس التانية دوول ؟؟
نظرت اليه بطرف عينها وقالت :
- يعني مش فاهم قصدي مين بالضبط ؟
اشار برأسه نافيا فقالت بغضب خفي :
- ( سارة ) ! هو في غيرها ! بصراحه يا ( أمجد ) أسلوبها مستفز اووي بصراحه وخصوصا مع ( هبة ) وما تزعلش مني انت مش بتوقفها عند حدها وكأن عاجبك تريئتها على ( هبة ) واسلوبها المستفز معاها ..
قال بغضب :
- ايه ؟ انا ؟؟ ازاى تقولى حاجه زى كدا ؟ وبعدين انا مش شايف سارة غلطت في حاجه ؟؟ لو على اسلوبها احنا نعرفها من زمان ودى طريقتها قوليلي حاجات ملموسة حصلت لكن حاسة ولا ( هبة ) حاسة انا مش بتعامل على الاحساس انا بتعامل مع واقع مادى هي اهانت هبة بأي شكل ؟؟ اتعاملت معاها بطريقة مهينة ؟؟ لأ ! !.. يبقى الغيرة والحركات الفاضية بتاعت البنات دى انا مش فاضيلها لما تبقى تقلل من احترامها لـ ( هبة ) صدقيني مش هقف اتفرج لكن انا مش مستعد انى اكشّر في وشها لمجرد انك حاسة انها مستفزة!, وابسط دليل على كلامي وعلشان اقولك ان تفكيركم فيها غلط انها جات انهارده علشان تبلغنا بدعوة عيلتها لينا على العشا بمناسبة خطوبتي أنا وهبة القريبة وباباها فعلا كلم جدك يبقى يا ريت بلاش انك حاسيتي وأنها حاسّيت دي ها ؟؟؟.
ما ان التفت للانصراف حتى سمع صوتا يقول بحزن يغلفه برود شديد :
- تقدر تقولها انه مافيش لا خطوبة مرتقبة ولا غير مرتقبة, وتبلّغها انى ممتنة ليها اوي انها اتفضلت واتكرمت وعزمتنا على العشا ومش هملِّي عليك ازاي تتعامل مع ضيوفك فعلا, وبما ان الفروض انا وبابا من ضيوفك فأنا هرفع عنك الحرج .!!
التفت اليها مستفهما :
- قصدك ايه ؟؟
اجابته وهى تشيح بنظرها بعيدا عنه حتى لا يرى الدموع المترقرقه في عينيها والتي جاهدت في حبسها:
- قصدي انى شاكرة لك ولعيلتك الكريمة استضافتك لينا, بس بعد اذنك... مش هينفع الاستضافة تطول اكتر من كدا, فلو ممكن تطلب من السواق يوصلنى انا وبابا لمحطة القطر اكون شاكرة لك ؟؟..
اقترب منها قليلا بينما حاول كلا من ( علا ) و ( علاء ) – الذي دخل مع ( هبة ) وحضر مدافعة اخيه عن سارة منذ البداية – حاولا مقاطعتها ولكنه لم يسمح لهما بالكلام ورفع يده ليسكتهما ويواصل سيره حتى اقترب بجانب ( هبة ) وقال بهدوء مخيف :
- معلهش ممكن تسمعيني تانى كدا انت قلت ايه ؟؟ اظن انى سمعت غلط وبالتالى فهمت غلط ؟!
نظرت اليه نظرة واثقة حاولت ان تجمع فيها اعتزازها بنفسها وقالت ببرود شديد :
- لأ... انت سمعت صح !! وصح اووي كمان !
فأجاب بهدوء ينذر بهبوب العاصفة بينما اعتلت نظرة سوداء فحم عينيه :
- يعني انت عاوزة تمشي ؟!
هتفت بتأكيد :
- ايوة .. دا لو مافيش عندك مانع ؟؟
سأل بهدوء شديد ينذر بقرب هبوب عاصفة هوجاء:
- ولو عندى مانع ؟؟ هتغيري رأيك ؟؟
اجابته بهدوء وببرود شديدين يعاكسان ما يعتمل في داخلها من حزن وأسى :
- لأ .. للأسف .. رأيي غير قابل للنقاش, جواب نهائي زي ما بيقولوا ..
نظر اليها قليلا وقال بهمس لم يسمعه سواها :
- ما توصلنيش للنهاية معاكى!, انت لسه في حساب كبيير لك عندى فما تزوديش فاتورتك وتختبري صبري عليك أكتر من كدا!! ..
قطبت حاجبيها لعدم فهمها ما يعنيه بحديثه ذلك وقالت مستفهمة :
- نعم ؟ حساب ؟؟ وليا أنا ؟؟ وفاتورة ؟؟ معلهش حساب ايه وفاتورة ايه ؟؟
ثم نظرت اليه وتابعت بمنتهى الاستفزاز والغضب البارد :
- انت مالكش اي حساب او حق عندى, اظن واضح؟.. ولو على موضوع الخطوبة.. عادى اتقدمت لي بس اكتشفنا اننا مش مناسبين لبعض وشخصياتنا مختلفة وماحصلشي نصيب, عادى بتحصل في احسن العائلات, الوحيد اللي له حق انه يحاسبنى هو بابا ربنا يخليهولى, وبعده جوزى, وبما انك ولا صفة من الاتنين دول ينطبقوا عليك.. يبقى أظن انه مافيش لك اي وجه حق حتى انك تلمح بالكلام دا ...
حبس ( علا ) و ( علاء ) أنفاسهما لكلام ( هبة ) فهذه المرة الاولى الذي يستطيع كائنا من كان ان يقف بوجه اخيهما الكبير ويعترض على كلامه بل ويقذف بأوامره عرض الحائط , أمسك ( أمجد ) بذراعها بشده حتى انها شهقت من الالم وقال من بين اسنانه :
- انت كدا جبتي آخرك معايا .. قلت لك قبل كدا ما تستفزنيش وتختبري صبري لكن انت مصرة ! ماشي اتلقي اللي يحصلك بأه!! بس علشان تكونى عارفة.. سفر من هنا ممنوع, ومش هتتنقلي خطوة واحده الا بأمرى أنا !!.. أظن واضح ؟؟؟
- ولـ اااااااااااد....
التفتت ( أمجد ) لمصدر هذه النبرة االعاليه فمنذ ان كان عمره 8 سنوات لم ينادى عليه بلقب " ولد " مطلقا , فوجئ بجده وهو يتقدم اليه ممسكا بعصاته العاجية وهو يهتف بغضب ويقف بجانبه ( يوسف ) والد ( هبة ) :
- انت نسيت نفسك يا ( أمجد)؟؟ ازاى تتكلم معاها بالاسلوب دا ؟؟ دول مهما كان ضيوفك ؟؟ انا مندهش ؟؟ همّ مش في سجن!, هم مشرفني بحضورهم ووقت ما يحبوا يرجعوا بيتهم هنوصلهم معززين مكرمين لغاية باب بيتهم كمان .. انا مستغرب.. ايه الاسلوب دا ؟؟ دى عمرها ما كانت طريقتك ولا اخلاقك ؟؟
ثم التفتت الى( يوسف ) الواقف بجانبه وقد سمع المقطع الاخير من كلام ( أمجد ) ولم يعجبه ما سمعه ابداا ولكنه لم يعلق تاركا الجد ينهي حديثه الى النهاية فيما قال الجد بهدوء نسبي وهو يجتهد ليلتقط انفاسه :
- معلهش يا أ. (يوسف) حقك عليا .. مش عارف ابرر االكلام اللى انت سمعته دا بايه ؟؟, لكن صدقنى انت وبنتك هنا في بيتي معززين مكرمين, وانا اللي بعرض عليك ضيافتى, قبلتها هتشرفني واشيلك فوق راسي ... رفضتها حقك وما اقدرش اقول حاجه بس اتعشم انك تقبل ضيافتى لكم وانا اتعهد لك ان حفيدي مش هيضايق ( هبة ) ولا هيتعرض لها لا بالخير ولا بالشر, وانا عمرى ما رجعت في كلمة قلتها ..
نظر اليه يوسف بضيق حاول اخفائه فيكفيه غضب الجد على حفيده الكبير, وأجاب :
- طلبك على عيني وراسي يا ( علي الدين ) بيه , لكن الموضوع في الاول والاخر يخص ( هبة ) بنتى وانا عمرى ما اجبرتها على حاجه هى مش عاوزاها, هي قدامك اسألها حضرتك ..
التفت الجد الى ( هبة ) واقترب منها مستندا الى عصاه بسهوله في حين وقف ( أمجد ) مديرا لهم ظهره ناظرا من النافذه المطلة على الحديقة ونظر ( علا ) و ( علاء ) الى بعضهما البعض وتبادلا النظرات مع امهما التى اتت مسرعه على صرخة الجد واستمعا لكلام الجد مع ( هبة ) حيث قال :
- انت عارفة يا ( هبة ) غلاوتك عندى في اليومين دوول زادت ازاى .. لو عاوزة تفرحي قلب راجل عجوز رجله والقبر.. اقبلي ضيافتى.. وانا اتعهد لك انه يبعد عن طريقك خاالص, لكن لو مش واثقة في كلمتى مقدرش اجبرك ..
ثم سكت في انتظار سماع جوابها لطلبه , تحدثت ( هبة ) بخفوت فقد قاربت اعصابها على الانهيار فاليوم الذي بدأ بداية سعيده كاد ينتهى بمثل هذه الاحداث المريرة , نظرت الى الجد وقالت :
- طلبات حضرتك أوامر..
انفرجت اسارير الجد في حين تابعت هي قائلة :
- حضرتك عزيز عليا انا ووالدى وضيافتك لينا شئ يشرفنا اكييد ولو حضرتك متأكد انى مش هسبب ضيق او قلق من اى نوع يشرفنى انى اقبل ضيافتك ليا انا ووالدى ..
ثم نظرت الى والدها وأكملت :
- بس دا بعد اذن بابا طبعا ..
التفت الجد الى والدها الذي قال :
- ما اقدرش ارد لحضرتك طلب بعد كرمك ومقابلتك الحلوة لينا بس بعد اذنك انا بطلب بنفسي من ( أمجد ).. انه مالوش دعوه ببنتي تانى ويبعد عنها نهائي, لانه بعد اذنك وعلى أد ما انا بحترم حضرتك وكلمتك صدقنى لو ضايقها بأي شكل من الاشكال مش هسكت ..
نظر اليه الجد ثم نظر الى ( أمجد ) الذي لم يلتفت او يشارك في الحديث الدائر وقال بمنتهى الجدية :
- تأكد يا يوسف بيه لو حفيدي ضايق ( هبة ) بأي طريقة يبقى حط نفسه في موقف صعب معايا انا شخصيا ...
هز ( يوسف ) برأسه مطمئنا من تأكيد الجد على كلامه في حين استأذنت ( هبة ) للصعود الى غرفتها ترافقها ( علا ) وبعد ان ذهب الجميع و ( أمجد ) لا يزال ينظر من النافذة اقترب منه اخاه وربت على كتفه وقال :
- غلط ! غلط يا ( أمجد ) ! طريقتك غلط !.. مش دي الطريقة ابدا اللي تقنعها بيها بجديتك في الارتباط بيها, في مليون طريقة تانية لكن عمر القسوة والتهديد ما كانوا بينهم خاالص, انت كل اللي هتنجح فيه انك تخليها تبعد عنك اكترر ..
أجاب ( أمجد ) بجمود دون ان يلتفت اليه :
- ودا طبعا شئ يفرّحك!! ..
قطب ( علاء ) حاجبيه ورفع يده عن كتف ( أمجد ) وقال متسائلا :
- نعم ؟.. شئ هيفرحني! مش فاهمك يا ( أمجد ) انت قصد....
ولم يكمل عبارته حبث قاطعته قبضة كالصاعقة أمسكته من عنقه فيما هتف أمجد بعنف مكبوت :
- من ساعة ما جات وانت حاطط عينك عليها مش كدا ؟؟, تقدر تقولي غبتو فين انهارده ؟؟, خدتها وروحتو فين ؟؟ ها.. جاوب ؟؟..
حاول ( علاء ) ان يبعد يد ( أمجد ) عن عنقه وقال بعد ان نجح وبصعوبة في ذلك وقد اخذ يسعل بشدة :
- انت مش طبيعي يا ( أمجد ), انت واعى لنفسك انت بتقول ايه ؟؟ ازاى تشك في اخوك والبنت اللى انت عاوز ترتبط بيها ؟؟ لا.. انت اكيد مش طبيعي ..
ثم تركه وغادر منصرفا دون أن يمهله فرصة للرد على اتهاماته, في حين جلس ( أمجد ) على أقرب كرسي واضعا رأسه بين يديه الاثنتين وهو يهتف بتعب وأسى :
- لا مش طبيعي, ولا حاجه بئت فيا طبيعيه من يوم ما شوفتها, لكن احساسي انها ممكن تبعد عنى بيقتلنى, اعمل ايه انا تعبت تعبت؟! ....
مرت الايام واقترب يوم الاحتفال السنوي الذي يقيمه الجد في المزرعه بمناسبة نهاية السنه المالية وتوزيع الارباح على المساهمين وبم انه يملك 60% من الاسهم فهو له حق الادارة ...لم يقترب ( أمجد ) نهائيا من ( هبة ) وحاول الابتعاد عنها واذا صدف و تقابلا يعاملها بمنتهى الاحترام كما يعامل الضيف تماما , لا تنكر هبة انها افتقدت للاوقات التى شهدت اقترابهما من بعضهما البعض ومناوشتهما ونزهاتهما سوية , افتقدت نظراته وهمساته الدافئة, ولكنها لا تستطيع نسيان دفاعه المستميت عن هذه الـ( سارة ) .. لم ترها ثانية في المزرعه ولا تعلم ماذا حدث بخصوص دعوة العشاء , ولا تريد ان تعلم .. فهى تدعو من الله ان تمر باقي الاجازة سريعا لتعود الى منزلها هى ووالدها وقد قررت تقديم استقالتها فلم تعد تستطيع العمل معه ثانية ..
كما أن هناك والدها الذي تبدل حاله هذه الايام, فكثيرا ما يجلس مع الجد وعندما تدخل عليهما يصمتان ولا تعرف لما ؟؟..
ومن ناحية أخرى فقد تقربت من مدام ( سعاد ) واحبتها كثيرا, وقضت معها اوقات كثيرة وهى تعتنى باحواض الورود خاصتها , وأيضا وهى تخيط مفارش يدوية , كما اصبحت ( علا ) بمثابة شقيقة لها و ( علاء ) اصبح شقيق ثان لها, وأسرّ لها باحلامه وماذا يطمح أن يصير في المستقبل..
وطدت هبة علاقتها مع جميع الاسرة حتى الخدم..( سميرة ) و ( حسنية ) و ( سعيد ) السائس والذي كان يرافقها لدى نزهاتها على شمس بأمر من السيد كما كان يخبرها, ففرحت ان الجد يحرص عليها ولهذا أمر السائس بملازمتها , هى لم تسأله من هو السيد ؟ ولكن لابد انه الجد اليس كذلك ؟؟؟
الوحيد الذي اصبحت علاقتها معه جدية تماما وتبدلت اكثر من 180 درجة هو ( أمجد ), ولكن لقد قاربت الاجازة على الانتهاء وستعود سريعا لبيتها حيث الامان قبل ان يدخل ( أمجد ) حياتها ويتحول من مجرد حلم الى علم ...
جاء يوم الحفل وكانت قد احضرت معها فستانين لحضور الحفلة قامت بالاغتسال وقبل ان تهم بارتداء ثوبها سمعت طرقات على الباب فتسائلت من ؟, سمعت صوت ( علا ) يطلب الاذن بالدخول فسمحت لها , دخلت ( علا ) - وكانت ترتدى ثوب السهرة خاصتها وهو ذهبي اللون ينسدل على الارض بطوله قصير الاكمام واطلقت شعرها الغجري الفتان ووضعت قليل من مساحيق التجميل فظهرت كالفراشة فاتنة – وضعت ( علا ) علبة طويلة بيضاء اللون عليها امضاء مصمم ازياء مشهور على السرير والتفتت الى ( هبة ) وقالت وعينيها تدمعان :
- ممكن اطلب منك طلب؟ , هزت ( هبة ) برأسها ايجابا وهى مستغربة من حالة ( علا ) التى تابعت :
- انا عارفة انك عاملة حسابك وجايبه فستان معاكى للحفلة بس ممكن تقبلي منى الهدية دي اتمنى اشوفك لابساها وزوقي يعجبك ...
اقتربت ( هبة ) من العلبة وفتحتها وابعدت الورق الشفاف وامسكت ما بداخل العلبة ليظهر لها فستان قطع أنفاسها من قمة روعته ....

فنظرت الى ( علا ) وهى ماتزال ممسكة اياه وقالت باستغراب شديد:
- هدية ليا انا ؟؟, ليه يا ( علا )؟, احنا مافيش بيننا الكلام دا ؟؟ وبعدين ..... دا شكله غالى اووى ..
ثم قرأت اسم مصمم الازياء المدون على بطاقة مثبتة على العلبه وشهقت قائلة :
- ايلي صعب !! أشهر مصمم فساتين لبنانى !! معقولة ! دا الفنانات بيلبسوا من عنده وهما رايحين مهرجان كان ولّا الاوسكار مثلا .. ليه يا ( علا ) ؟؟
أجابت ( علا ) وعينيها تدمعان من فرحتها لاعجاب ( هبة ) بالفستان:
- انا ماليش اخوات بنات, وانت ربنا عوضنى بيكي, يبقى مستكترة انى اجيب لاختى هدية غالية وهى اغلى حاجه عندى ؟!
تركت ( هبة ) الفستان على السرير واندفعت لتحتضن ( علا ) قائلة من بين دموعها :
- وانا وربنا العالم انت بئيتى اكتر من اختى كمان انت و ( علاء ) عوضتونى الاخوات اللي ربنا ما قسمهومش ليا .. وانا بحبكم اووي ...
ابتعدت ( علا ) عن أحضان ( هبة ) وقالت ضاحكة :
- لالالا اوعى!!, تحبيني انا اه.. لكن ( علاء ).. اوعى!, في ناس هنا مخهم شمال لو سمعوكى ممكن يرتكبوا جناية!!....
قطبت ( هبة ) جبينها وقالت متسائلة :
- مش فاهمه قصدك ايه يا ( علا ) ؟؟
فغمزتها ضاحكة وهى تسير الى الباب :
- ماتستعجليش هتفهمى وفي اقرب وقت ..
وخرجت تاركة ( هبة ) تسبح في حيرتها ...ما ان همت بارتداء الثوب حتى سمعت صوت طرق على الباب ثانية ولم تكن قد ابدلت ثيابها بعد تسائلت من اجابها والدها انه يريد الحديث معها .. سريعا وضعت اسدال الصلاة عليها وفتحت له الباب بعد ان دخل جلس على الاريكة الموجوده بجانب سريرها واشار اليها لتجلس بجانبه وما ان جلست حتى امسك بيدها قائلا بحنو :
- اخبار عيون بابا ايه ؟ مابئيتش اعرف اقعد معاكى زى زمان ولا بئيتي تدلعيني وتتدلعي عليا زى الاول, وحشتيني يا هوبا..
امسكت يد والدها وقبلتها قائلة :
- ربنا يخليك ليا يا بابا, عموما هانت.. كلها كم يوم ونرجع بيتنا بالسلامة, وترجع ريما لعادتها القديمة وهدلعلك دلع اللي هوا يا ابو حجاج ...
مسح والدها بحنو على شعرها وقال :
- مش لو ريما رجعت وما جاش اللي يخطفها من ابو حجاج!! ..
قطبت حاجبيها وقالت بإبتسامة شك :
- ايه يا ابو حجاج ماحدش يقدر ياخد ريما منك ابدا ..
سكت والدها ثم قال :
- عاوز اسألك سؤال يا (هبة ) بس تجاوبي بصراحه زى ما عودتك؟..
أجابت :
- اتفضل يا بابا أسأل ..
التفت بكامله اليها وقال وهو يضع عينيه في عينيها :
- انت مش هيوحشك المزرعة وناسها ؟؟؟
قالت وقد هربت بعينيها بعيدا عنه :
- اكيد يا بابا طبعا, الناس دوول عاملونا بمنتهى الاحترام كفاية ان جدي – وكان الجد قد طلب منها منذ البداية ان تناديه جدي – جه في صفي ضد .... ضد حفيده, ومدام ( سعاد ) و ( علا وعلاء ) حتى الناس اللي بتشتغل هنا كلهم هيوحشونى ..
فقال لها بمكر :
- وأمجد؟؟
قالت باندفاع :
- ايوة طبعـ...
ثم قضمت كلمتها وعضت لسانها وتابعت :
- ماله يا بابا ؟؟ عادى يعني هو بعد كلام جده معاه بصراحه ما كانش بيعترض طريقي خالص ..
فقال لها ابوها بجدية :
- عارفة ليه ؟؟ لانه عارف انك لو زعلت تانى منه هنمشي منها ومش هتقعدى ثانية واحده .. انت مسألتيش نفسك ليه اللي اسمها ( سارة ) دى ما عادتش بتيجي هنا ؟؟
فنظرت اليه متسائلة في حين تابع :
- ( أمجد ) اللي طلب منها ما عادتش تيجي, وفهمها بالمحسوس كدا ان طريقتها في الكلام معاه قودامك والتعامل معاك مش كويسة وانها لازم تحترمك لان احترامك من احترامه هو شخصيا ..
هتفت بدهشة :
- ايه ؟؟ امتى دا حصل ؟؟ وليه ما حدش قالي ؟؟
فقال ابوها :
- انت كنت رافضة اي كلام عنه, بل بالعكس كم مرة حاول يكلمك وانت تصديه!, خاف لو كلمناكى عنه او حد جاب سيرته العناد يركب دماغك وتصري انك تمشي, شوفتى بأه أد ايه هو بيراعى مشاعرك ولو على حساب مشاعره.. انا لما نهرته يوم كلامه معاكى دا كان الطبيعي كنت لازم افرمله لكن مش معنى كدا ان رأيي فيه اتغير ..
فقالت بهمس :
- يعني ايه يا بابا مش فاهمه ؟؟
أجاب يوسف وهو ينهض واقفا :
- ماتستعجليش يا حبيبتي, هتفهمى قريب اووى, ودلوقتى اجهزى علشان ما ينفعشي تتأخري عن الحفلة, واعرفي ان اي حاجه بابا عملها دا علشان مصلحتك مفهوم يا ( هبة )؟..
قامت من فورها وارتمت بين ذراعيه وهي تؤكد قائلة :
- اكيد يا بابا, اي شئ بتعمله بيكون فيه مصلحتى وانا موافقة وانا مغمضة ..
سألها وهو ينظر اليها :
- اكييد ؟؟
فهزت براسها ايجابا فتابع بابتسامة أبوية حانية :
- ابقي افتكرى كلامك دا يا ( هبة ) كويس..
وانصرف وهى مندهشة, ترى ما الذي حدث اليوم؟, الكل يتصرف بطريقة غريبة الأطوار معها, وحين تهم بالسؤال تكون الاجابه ستفهمين بعد قليل!!..
ارتدت الفستان فكانت كالبدر ليلة اكتماله جففت شعرها وسرّحته وتركته طليقا ثم وضعت احمر شفاه كرزى اللون ولبست حذاء عال احمر اللون ووضعت بضع نقاط من عطر الورود وامسكت بحقيبة سهرة حمراء صغيرة من الساتان الاحمر مطعم بالالماس الصناعى وكان الحذاء والشنطة بداخل الصندوق مع الفستان ...
عندما فتحت باب الغرفة للخروج فوجئت بمدام ( سعاد ) امامها فابتسمت وقالت :
- اهلا يا مدام ( سعاد ) اتفضلي حضرتك ..
دخلت ( سعاد ) الحجرة وعيناها تلمع من الفرحة وقالت :
- بسم الله ما شاء الله عروسة زى القمر ..
قالت ( هبة ) :
- الله يخليكي حضرتك يا مدام ...
فقاطعتها سعاد قائلة بحنو :
- بلاش كلمة مدام دى, ممكن تقوليلي يا طنط , او لو عاوزة تفرحيني بجد تقوليلي يا ماما!, انا عارفة ان محدش يقدر يملا مكان المرحومة والدتك.. بس ربنا العالم انت معزتك في قلبي من معزة ( علا ) بنتي تمام....
هزت ( هبة ) برأسها موافقة .. فيما اخرجت ( سعاد ) علبة قطيفة كانت تضعها في حقيبة ورقية مكتوب عليها اسم اشهر متجر للمجوهرات ( تيفاني ) وقالت :
- ممكن تقبلي الهدية المتواضعه دى مني ؟؟ دي هدية من ام لبنتها و يا ريت ما تكسيفينيش ...
اضطربت ( هبة ) ولم تعلم ماذا تقول فهى من ناحية لا تريد اغضاب السيدة ( سعاد ) ومن ناحية اخرى الهدية باهظة الثمن وهى خجلة من قبولها ولكن ( سعاد ) حزمت امرها بالنيابه عنها وفتحت العلبة ليطالعها طقم من الياقوت الاحمر المطعم بالالماس فقالت ( هبة ) :
- الله يا مدا..,
نظرت ( سعاد ) اليها .. فتداركت قائلة :
- يا ماما ( سعاد ) الهدية جميلة اووى زوق حضرتك يجنن بس دي غالية اووى ..
أجابت سعاد بابتسامة خفيفة :
- الغالي للغالي, والغالي ما يهاديش الا الغالي, ويسلم زوق اللي اختارها !!..
ما ان همت ( هبة ) لتستفهم منها حتى تعالت الطرقات على الباب وسمعا من يناديهما لبدء حضور الضيوف , نزلتا الى الاسفل حيث شاهدت والدها ما ان وصلت الى الطابق الارضي وهويتحدث مع الجد وعندما شاهدها مال الى الجد حيث تحدث معه ثم تقدم الاثنان اليها وقال ابوها و عيناه تغيمان بالدموع :
- ما شاء الله ما شاء الله, والله وكبرت يا ( هبة ) وربنا ادانى العمر انى اشوفك في يوم زي دا, عقبال ما افرح بولادك يارب ..
ثم تقدم الجد اليها وسلم عليها ومال مقبلا وجنتيها وقال :
- بسم الله ما شاء الله .. انا قلت هو الفرق 30 سنه بس ..... بس اعمل ايه خطفك منى ؟...
فقالت هبة وهى خجلى :
- مين دا اللي خطفنى منك يا احلى جد؟, محدش يقدر يعملها ..
أجاب الجد ضاحكا :
- لا قدر وعملها!! ..
قطبت جبينها وابتدأت معدتها تتلوى فهى تشعر ان هناك شيئا يجري في الخفاء, وفجأه وقع نظرها عليه وكأن كل من بالغرفة اختفى ولم يبق سواهما, لم يستطيعا رفع ناظريهما عن بعضهما, انحبس الهواء في صدره من جمالها, كان يريد ان يطير بها ليحبسها في برج عاجي فلا يراها سواه, فهى تثير لديه غريزة رجل الكهف في الدفاع عما هو له ..
اما هى فقد انجذبت اليه بشده في بدلته السوداء التوكسيدو وربطه عنقه الفراشة الساتان الاسود, تقدم اليها ومد يده فوضعت يدها في يده بدون شعور وتعالت الالحان الراقصة من جيتار ( علاء) فرقصا ولم يلتفتا الى اي شخص آخر..
مكثا يرقصان حتى انتبهت انها في شرودها قد قادها الى الحديقة الى ركن منعزل منها, ولكنها كانت ما تزال تستمع الى صوت االوسيقى ...ابتعدت عنه واخفضت راسها خجلا فمد يده ورفع وجهها اليه وهمس :
- بصي في عينيا ..
رفعت عينيها لترى نظرة في عينيه جعلت قلبها يرفرف بين جنبيها فما كان منه الا ان تابع بصوت أجش من فرط الانفعالات التي تمور بداخله :
- مبروووك ...
تساءلت بهمس خافت وابتسامة خفيفة تلون شفتيها الكرزتين:
- الله يبارك فيك, بس مبرووك لك انتم!, الارباح ماشاء الله السنه دى ضعف السنه اللى فاتت ..
قال أمجد بابتسامة حانية :
- دى ارباح الشركة انا ماليش دعوه بيها, انا ببارك على ارباحى انا!!
قطبت قليلا ثم ابعدت ذقنها عن ملمس يده فوقعت يده جانبه وقالت :
- ارباحك ؟ مش فاهمه تقصد ايه بالضبط ؟؟؟
قال بخبث :
- انت ارباحى يا ملاكى الفتان ...
تلوت معدتها واحست بشعور يشبه الاغماء وتساءلت بضعف وذهول:
- ازاى يعني؟؟
مال عليها ونظر الى عينيها وقال :
- فاكرة انت قولتيلي انى ماليش كلام معاكى طول ما انا مبني للمجهول لغاية ما اكون مبني للعلوم ؟!! وانا دلوقتى مبني للمعلوم!! ....
نظرت اليه مصعوقة فيما اكمل كلامه قائلا بابتسامة منتشية ترتسم على شفتيه الحازمتين :
- اقدم لك زوجك ( أمجد ) يا زوجتى العزيزة ( هبة ), والطقم اللى انت لابساه دا شبكتك!!, الدبل والخواتم هنلبسهم في الحفلة, احنا اللى هنفتتح البوفيه لان انهارده يا زوجتى العزيزة مش حفلة الارباح.. لا .. انهارده حفلة بمناسبة عقد قرآني أنا ( أمجد ) عليكي يا... عروسة!! ...
زاغ بصر ( هبة ) واحست بسحابة سوداء تلفها ثم هوت الى تلك الدوامة التي تلفها لتغرق في قاعها ولكن تلقفتها ذراعي ( أمجد ) قبل ان يلمس جسدها الأرض!!...
ترى ماذا سيكون رد فعل ( هبة ) عندما تفيق ؟؟ وهل ستستسلم للامر الواقع ام ستصر على الانفصال لان الزواج تم من دون علمها ؟؟ وكيف وافق ابوها على ذلك ؟؟؟ وهل سترضخ ( سارة ) هى الاخرى للامر الواقع ام ستحاول وبشده انتزاع ( أمجد ) ...
تابعونا في الحلقات القادمة من ( حلم ولا علم )...
- يتبع -

حلم ولا علم رواية  شرقية  كاملة  بقلمي/ منى لطفيحيث تعيش القصص. اكتشف الآن