حلم ولا علم – الحلقة الثانية عشر- بقلمي/ منى لطفي
مر أسبوع قبل أن يسمح الطبيب لـ ( هبة ) بالخروج من المشفى مع وصف الدواء اللازم لها وتحديد مواعيد الجلسات النفسية, وعندما طلب منه والدها ان يرشح له اسم طبيب متخصص في حالتها في القاهرة تعجب الطبيب من السؤال ولكنه أعطاه اسم طبيب متخصص كما أراد ...
في هذا الاسبوع اختفى ( أمجد ) فلا احد يعلمه عنه شيئا بالمرة, كما أغلق هاتفه المحمول, وغاب عن شركته فلم يستطع أي أحد من عائلته الاهتداء اليه ...
بعد حديث والد ( هبة ) مع ( أمجد ) قرر ( أمجد ) ان يسافر ويبتعد فهو لا يثق في نفسه ان كان قريبا من ( هبة ), لن يستطيع منع نفسه من الذهاب اليها, فالحل هو الابتعاد عنها الى ان تشفى مما هي فيه ثم تقرر بنفسها ماذا تريد , وان كان متأكد انه سيقبل بأي قرار تتخذه الا الابتعاد عنها ...
ركب الطائرة المسافرة الى اليونان لعله يصفي ذهنه فيستطيع اتخاذ القرار الصحيح , وما أن ربط حزام الأمان وسمع كابتن الطائرة يرحب بالركاب ويتمنى لهم رحلة سعيده حتى شرد بفكره مع أميرة خياله واحلامه ( هبة ) , تذكر انه لو سارت الامور مثلما كان مخططا لها لكانا الآن يقضيان شهر العسل سويا , نظر الى الكرسي الخالي بجواره وهو يتخيل وجهها أمامه وماذا كانت لتصنع لو كانت برفقته؟, ترى هل كانت سترتعب من الطائرة ؟ ام تضحك ضحكة طفلة سعيدة بركوبها الطائرة وسفرها ؟؟ هو يعلم جيدا ردود فعلها الطفولية فهي ان فرحت تظهر السعاده واضحة عليها وان غضبت يظهر بوضوح على ملامحها , اغمض عينيه وهو يأخذ نفسا عميقا ويهتف في نفسه:
- آآآه يا ( هبة ) ... وحشتيني .. مش قادر اتصور انى مش هشوفك تانى ...
وفجأة اذ به يفتح عينيه بعد ثوان وقد لمع العزم والتصميم في عينيه وسمع المضيفة تطلب من الركاب الجلوس في مقاعدهم استعدادا للاقلاع .. فمد يده ضاغطا على زر استدعاء المضيفة ونظرة عميقة تلمع في عينيه ....
- لو سمحت يا سيستر بنتى فين ؟, سأل والد ( هبة ) الممرضة المسؤولة عن ( هبة ) فهو لا يستطيع ان ينسى مدى ذعره لدى دخوله غرفة ابنته ليفاجأ بإختفائها!!
وكان قد حضر لإخراجها من المشفى بعد ان كتب لها الطبيب المعالج اذنا بالخروج , حيث قد مكث الاسبوع السابق في فندق بجانب المشفى ليكون قريبا من ابنته ورفض عرض الجد بالمكوث معهم بالرغم من إصراره الشديد ...
انتظر ( يوسف ) سماع الاجابة عن سؤاله عن ابنته فقد خاف ان تكون حالتها قد ساءت وتم نقلها الى غرفة الرعاية المركزة مرة أخرى من دون علمه, ولكن الممرضة صدمته وهى تقول بينما تنظر في بعض الاوراق الخاصة بالمرضى :
- حضرتك قصدك ( هبة يوسف ال....), اشار برأسه بنعم , فرفعت رأسها من فوق الاوراق التى تطالعها ونظرت اليه بابتسامه خفيفة وقالت :
- الدكتور كتب لها على خروج وخرجت انهارده الصبح !!..
تساءل بذعر شديد :
- ايه ؟؟ خرجت انهارده الصبح ؟ خرجت ازاى لوحدها ؟ دى مريضة وفاقده الذاكرة ازاى تسيبوها تخرج لوحدها انا هوريكو انا....
قاطعته قائلة باستغراب :
- هو ايه دا اللى ازاى ؟ مريضة حالتها اتحسنت والدكتور كتب لها على خروج يبقى فين المشكلة ؟؟ وبعدين مين اللى قال لحضرتك انها خرجت لوحدها هى ما خرجتش لوحدها !! خرجت مع جوزها ...
هتف بدهشة شديدة :
- اييييه ؟؟ جوزها ؟؟؟
نظرت الى الورق الذي بحوزتها ثم قرأت منه وهى تجيب:
- ايوة ..أ.( أمجد علي الدين ) جه انهارده الصبح وخلص اجراءات خروجها وخدها و مشي من زمان ...
دهش ( يوسف ) من الخبر واتجه خارجا من المشفى وهو غير واعي لما حوله حتى انه قد شكر الممرضة بعبارات قصيرة غير مترابطة, أوقف سيارة اجرة حيث دل السائق على عنوان مزرعة جد ( أمجد ) وهو يهدد ويتوعد في سره , بينما انطلقت السيارة الى وجهتها....
ما ان فتحت ( سميرة ) الباب حتى دخل ( يوسف ) كالعاصفة وهو يصرخ قائلا :
- هو فين الاستاذ.. البيه.. سليل الحسب والنسب ؟؟, خليه يجيلي هنا يوريني نفسه !!
حضر الجميع سريعا على صوت صراخه وهتف الجد بدهشة :
- اهلا اهلا أ .( يوسف ) اتفضل ارتاح فيه ايه ؟؟ ايه اللي حصل ضايقك بالشكل دا ؟؟؟
نظر اليه ( يوسف ) وهو يحاول ان يتمالك نفسه فأولا و أخيرا لا ذنب للجد بما فعله حفيده فهو كان في غاية الشهامة معه ومع ابنته , حاول تمالك أعصابه وهو يقول بصوت هادئ نسبيا :
- ( أمجد ) فيييين ؟؟؟ حفيدك يا ( علي ) بيه خطف بنتي !!
وفجأة اذ بصوت قوي يدوي قائلا :
- انا مخطفتش حد يا عمي ( يوسف ) !!
فالتفت ( يوسف ) لينظر الى مصدر الصوت حيث ابصره يهبط السلم وسار الى ان وقف امامه فهتف به بحدة شديدة:
- روحت المستشفى علشان اطلع ( هبة ) مالئيتهاش, وعرفت ان انت خدتها, وديت بنتي فين يا ( أمجد ) ؟؟؟
أجاب ( أمجد ) بكل هدوء ونبرة مرتفعة قليلا :
- انا خدت مراتي – شدد على لفظ مراتي - .. مش خطفت بنتك .. و مراتي في بيتها ...اظن من الطبيعي ان الواحد يرجع بيته ؟؟!
صعق ( يوسف ) ثم ما لبث ان تكلم بعصبية شديدة قائلا :
- ايييييييه ؟؟ مراتك ؟؟ بيتها ؟؟؟ انت واعى للي بتقوله ؟؟؟ بنتى علاقتك بيها انتهت لحد كدا !! واظن كفاية اللى جرالها منك .. بس ربنا يسهل واقدر اعالجها من اللي جرالها بسببك !!
سكت ( أمجد) قليلا ثم تحدث بمنتهى الجدّ والصرامة بصوت هدوووءه يخفي الكثييير من الغضب المشتعل بصدره فقال وهو يدير نظراته بين الموجودين :
- مع احترامى لحضرتك ولكلامك بس ( هبة ) مراتي ...!! ومكانها معايا ....أنا !! ومافيش اي قوة تقدر تمنع دا .. حضرتك حبيت تهدى ونتكلم بوضوح ونتفاهم علشان مصلحة ( هبة ).. بنتك اللي هيا مرااااتي ( وشدد على لفظ مراتي ) كان بها .. مارضيتش يبقى اللي يريح حضرتك اعمله, في الاول والآخر حضرتك والد ( هبة ) مراتي, يعني حمايا واحترامك واجب ...
اشتعل ( يوسف ) غيظا من كلمات ( أمجد ) واغمض عينيه قليلا ليأخذ نفسا عميقا واستعاذ في سره من الشيطان الرجيم ثم فتح عينيه ووجّه حديثه (أمجد) قائلا:
- والحل ؟؟
أجاب ( أمجد ) بابتسامة خفيفة :
- الحل.. اننا نقعد مع بعض ونتفاهم علشان مصلحة ( هبة ), لاننا احنا الاتنين أكتر اتنين قريبين منها, وياريت حضرتك تسمع كويس اللي هقوله ...
قاطعه الجد بصرام قائلا :
- مش لوحده اللى هيسمعك يا ( أمجد ), ( هبة ) تهمنا كلنا وتهمنى انا جدا كماان, لازم احنا كمان نفهم اللي حصل دا حصل ليه ؟؟ وايه اللي بيحصل بالظبط ؟؟
هز ( أمجد ) برأسه موافقا على كلام جده ولكنه رغب في ان يقتصر الكلام بينهم هم الثلاثة وعندما حاولت والدته التعليق قال أمجد بابتسامة طفيفة:
- معلهش يا امي, صدقيني دا لمصلحة ( هبة ), كل ما قلّ اللي عارف بالموضوع كان في مصلحتها, انا عارف انك بتحبيها زى ( علا ) تمام بس الدكتور حذرنى من اى حاجه تحصل تخلي ذاكرة ( هبة ) ترجع لها بالقوة ..لازم تاخد وقتها ومن غير اي ضغوط ...
أومأت امه برأسها متفهمة لكلامه بينما توجه ثلاثتهم لحجرة المكتب ....
جلس الثلاثة على الاريكة الجلدية السوداء في حجرة المكتب وبدأ ( أمجد ) الحديث قائلا :
- ارجوك يا عمي تسمعنى كويس وتحاول تفهمنى , اولا ..انا ... انا فعلا كنت قررت انى ابعد عن ( هبة ) ولو بشكل مؤقت لغاية ما الذاكرة ترجع لها وهى اللى تقرر مصير ارتباطنا ولو ان جوايا كنت متأكد انى هعمل كل اللى هي عاوزاه ما عدا انها تبعد عنى.. علشان كدا قررت السفر لانى طول ما انا جنب ( هبة ) مش هقدر امنع نفسي انى أشوفها و أتكلم معاها و أطمن عليها .. القرار دا خدته تانى يوم الكلام اللى حضرتك قولتهولي..., ثم ضحك ضحكة خفيفة مريرة واكمل قائلا :
- تتصوروا انى بعد ما ركبت الطيارة وكانت على وشك الاقلاع انى .. انى .. نزلت منها !!...
نظرا اليه مندهشين فتابع :
- آآه .. بجد .. لاني مرة واحده سألت نفسي سؤال بسيط جدا انت عاوز ايه ؟؟, لاقيتني عاوز اكون جنبها واساعدها في محنتها, مش ابعد عنها واتفرج عليها وهى بتعانى لغاية ما توصل لبر الامان .. لأ... انا جوزها وهعافر معاها لغاية ما نوصل سوا ودراعى دا هو عكازها, وهي ما طلبتش مني اني ابعد.. يبقى أبعد ليه ؟؟؟ اول ما السؤال جه في بالي لاقيتني بطلب من المضيفة اني عاوز أنزل ... وتخيلوا شكلها بأه .. اكييد قالت الراجل دا مجنون؟؟, دا طبعا غير الذعر والهلع اللي سببته لطاقم الطيارة لأنه ممنوع ان راكب يطلب النزول من الطيارة من غير سبب قوي .. وطبعا الكابتن طلب المختصين في المطار وبعد ما فحصوا جواز السفر بتاعى واتأكدوا انى رجل الاعمال المعروف ( أمجد علي الدين ال ...) وافقوا على طلبي, ومع اني راكب درجة اولى وأثبت انى رجل الاعمال المشهور لكن المضيفين وطقم الطيارة كله كانو بيضربوا كف على كف ويقولو اكيد افتكر صفقة كبيرة اووي بالملايين كانت هتضيع منه ؟!..
ثم ضحك ضحكة حزينة وأكمل :
- مايعرفوش ان الصفقة دى صفقة عمري كله, وانها اغلى من ملايين الدنيا دي كلها, وانى مستعد لأي شئ غير انها تضيع مني, انا ما صدقت انها رجعت لي !!
سكت هنيهة ثم زفر بعمق ونظر الى يوسف هاتفا بقلب يحترق من أجل محبوبة عانت كثيرا من صده لها وعاند هو أكثر في الاعتراف بشعوره الحقيقي ناحيتها حتى أنه كان قاب قوسين أو أدنى من فقدانها, ولكنه لن يسكت بعد اليوم, فقد منحه الله فرصة أخرى ليثبت لهبة أنها نجحت فيما فشل فيه كثيرات غيرها, فقد جعلت المضخة التي تعمل بين جنبات صدره بصورة آليه, جعلتها تصرخ هاتفة بعشقها, هو لن يرجع ولو خطوة واحدة الى الخلف, وسيقف بجانبها الى أن تستعيد ذاكرتها, وسيثبت لها يوما بعدج يوم أنه يحبها بل أن قلبه يهفو شوقا اليها, نظر الى يوسف وتحدث بتصميم وعزم:
- صدقني يا عمي انا بخاف على ( هبة ) جدا, ومنايا تخف انهارده قبل بكرة, ودا يجيبني للسبب التانى اللي خلاني اخرّج ( هبة ) من المستشفى اجيبها على هنا ...
نظر اليه جده و ( يوسف ) باهتمام فأكمل قائلا :
- انا بعد ما رجعت من المطار فضلت قاعد المدة اللي فاتت دى كلها في نفس المستشفى مع ( هبة ), ما كنتش بمشي الا قبل معاد الزيارة قبل ما حضرتك تيجي, كنت اتكلمت مع الدكتور فقال لى انه لازم ( هبة ) تطمن لي علشان تقدر تتكلم معايا وان دا مش هيحصل الا لما اقعد معاها كتير وفعلا كنت 24 ساعه معها ما اسيبهاش غير ساعه ما تنام او وقت الزيارة و واحده واحده ابتدت تاخد عليا وتتعود على الكلام معايا, وابتدى التحفظ بتاعها من ناحيتي يقل, ومع الوقت ابتديت احس بنظرتها ليا انها نظرة اعجاب او تقدر تقول بتحاول تفتكرنى ..
تساءل يوسف:
- بس غريبة.. ( هبة ) ما قالتليش خالص انك بتزورها ؟؟..
اجاب أمجد:
- انا طلبت منها دا , وقلتلها انه حضرتك زعلان منى وبتحملنى مسؤولية اللي حصل لانها كانت وقتها معايا, وانك هتضايق لما تعرف انى بزورها , وطبعا سألت عن سبب اللى حصلها قولتلها انها كانت معايا في المكتب وبنتناقش وكالعاده الكلام احتد بيننا فطلعت تجري بجري وراها حصل اللي حصل ...
سأله الجد قائلا بجدية :
- وايه بأه سبب اللي حصل فعلا يا ( أمجد ) ؟؟؟
تطلع اليه ( امجد ) ثم نظر الى ( يوسف ) الذي هز برأسه يريد معرفة سبب ما حصل, فطأطأ برأسه الى أسفل ثم نظر اليهما وقد التمعت عيناه بمرارة الذكرى, وقد ارتسم تعبيرا غامضا لدى تذكره لما حدث يوم ذاك!!...
صحت ( هبة ) من نومها ودارت بعينيها في ارجاء الغرفة غير واعية اين هي, ثم تذكرت انها في منزل ( أمجد ), وان هذه غرفتها, فبعد ان خرجت من المشفى صباحا برفقته جاء بها الى هنا حيث قابلتها عائلته بحفاوة بالغة خاصة الجد ثم استأذنتهم لترتاح في غرفتها حيث اوصلها ( أمجد ) وبعد ان اطمئن عليها تركها لترتاح ...
قامت ( هبة ) وبعد ان اغتسلت ذهبت لتتفحص ثيابها في خزانتها فوجدت ان معظم ملابسها عبارة عن ملابس كاجوال, من الواضح انها تميل الى البساطة والعملية في الثياب, ثم استرعى انتباهها فستانا مغلف بحقيبة بلاستيكية مخصص لحفظ الفساتين فاخرجته من الخزانه ثم خلعت عنه الحقيبة ففوجئت بروعة الفستان وجماله والذي خطف أنفاسها ما إن رأته, وضعته على جسمها ووقفت امام المرآه وهى تتفحصه عليها وتحدث نفسها :
- دا اكيد فستان كتب الكتاب ..( أمجد ) قالي اننا عملنا خطوبة وكتب كتاب مرة واحده لانه كان مستعجل اووى على جوازنا..
ضحكت بسعاده قليلا, هى لا تنكر ان مشاعرها تميل الى ( أمجد ) وبقوة.. مما جعلها تصدق ما يقول, هى بالفعل فاقده للذاكرة ولكنها ليست فاقده لاحاسيسها ومشاعرها, ودقات قلبها التي تتسارع ما أن يقع نظرها عليه أبلغ دليل على ذلك, حيث تخبرها بأنها بالفعل تكنّ له مشاعر عميقة, كما أن حدسها يهمس لها انها لا تتزوج لمجرد الزواج, ولكنها من هذا النوع من البشر الذي يعتبر الزواج لا بد وان يكون مبنيًّا على الحب..
اعادت الفستان مكانه ثم أخرجت فستان صيفي بلون التركواز يصل الى منتصف الساق ضيق من النصف العلوي الى الخصر ثم يتسع الى منتصف الساق ويحيط خصرها حزام جلدى على شكل جديلة من اللون الفضي .. وانتعلت حذاء متوسط الكعب فضي اللون..
مشطت شعرها الكستنائي اللامع وتركته طليقا ووضعت ملمع الشفاه عديم اللون, ثم أمسكت زجاجة العطر حيث وضعت بضع قطرات منها وعلمت عندما تنشقت رائحتها انها تحب رائحة الورود, فقد أعجبتها هذه الرائحة بالفعل..
كانت سعيده فيما هي تهبط السلم الى اسفل فهى تشعر انها ستشفى قريبا, فها هي تبدأ بتعلم بعض الاشياء عن نفسها وان كانت بسيطة, فقد علمت أنها تحب العفوية في الملبس, ولا تحب ادوات الزينة الكثيرة, فلم تجد لديها سوى بضعة اشياء محدودة للزينة, كما ان العطر ذو رائحه طبيعيه, وأهم شئ بدأت في تعلمه هو ....( أمجد ), وارتباطهما سوية!! ...
وصلت الى اسفل السلم ثم وقفت قليلا لتتذكر اي اتجاه سلكه ( أمجد ) عندما جاءا صباحا, وقبل ان تتحرك اذا بها تسمع صافرة اعجاب طويلة وصوت يقول بمداعبة خفيفة :
- اييه دا ؟؟ اييه الجمال دا ؟؟ يا بختك يا ( أمجد ) يا خويا ...
التفتت ( هبة ) الى مصدر الصوت بابتسامة مترددة ونظرت اليه وقالت بارتباك :
- عـ ... علاء صح ؟؟ انت جيت المستشفى مع ( علا ) و طنط ( سعاد ) ؟؟
أجابها وهو يضحك ويمد يده لمصافحتها:
- ايوة مظبووط ... بسم الله ما شاء الله عليكي, ويقولو ذاكرتك بعافية.. استني انت بس عليها شوية تشم نفسها وهى ترجعلك هوا, هى تلاقيها بس واخده اجازة شوية !!
نظرت هبة اليه بتعجب وقالت :
- مين دي اللي واخده اجازة وراجعه بعد شوية ؟
ترك يدها وهو يضحك قائلا :
- الذاكرة!, يعنى مين غيرها ؟؟
سكتت قليلا ثم ضحكت فجأة حتى ادمعت عيناها وقالت بينما هى تمسح عينيها :
- انت مش ممكن ! انت ماشاء الله عليك كدا على طوول ؟؟ يعني قصدى واخد الدنيا كلها هزار كدا ؟؟
فضحك وأجاب:
- كفاية واحد مننا واخدها جد هنبقى اتنين!, لا يا ستى انا اتنازلت عن الجد لـ ( أمجد ) اخويا واخدت انا الهزار, ايه رايك انا الكسبان صح ؟؟...
أجابته مدافعة بخجل :
- لا ما لاكشي حق تقول كدا, قصدك تقول ان ( أمجد ) دمه تقيل يعني ؟
قال بضحك وهو يغمزها بطرف عينه :
- يعني حاجه زي كدا ؟؟
هتفت بإعتراض ممزوج بالضحك :
- بالعكس بأه.. ( أمجد ) مافيش زيه في خفة الدم, تصدق ما كان حد بيعرف يخليني اضحك الايام اللي فاتت وينسيني اللى انا فيه الا هو ؟؟
نظر اليها متسع العينين وهو يقول بدهشة بالغة :
- مين دا ( أمجد ) ؟؟
قالت بحنو وابتسامة فرح صغيرة تزين ثغرها بينما تألقت عيناها بنظرة حب:
- هو اللى كان مصبرني وكان بيعرف يخلي الضحكة تطلع مني ..
فردد بدهشة اكبر :
- ( أمجد ) ؟؟؟
نظرت اليه ضاحكة وهى تقول :
- ايه الحكاية انت مزهول اووي كدا ليه ؟؟ كل شوية ( امجد ) ...( امجد ) ؟؟ ايوه هو ( أمجد ) ..
فضحك قائلا :
- طبعا مين يشهد للعريس؟, يا بختك يا عم ( أمجد ), هو فين ييجي يسمع الشعر اللي بيتقال فيه ؟؟...
- وراك على طول, واحسنلك تلم نفسك وتبطل تهريج على اخوك الكبير اكتر من كدا !! ..
التفت ( علاء ) لمصدر الصوت ليطالعه وجه ( أمجد ) المبتسم بغيظ ساخر له وتقدم منهما وهو يتابع فيما يمد يده ليمسك يد ( هبة ) التى اضطربت فور سماعها صوته وتسارعت دقات قلبها :
- ماتحاولشي تشوّه صورتي قدام ( هبة ) ها ...وياللا بأه اتفضل.. زي عوايدك تيجي متأخر دايما.. روح غير هدومك علشان العشا ..
هز ( علاء ) برأسه ضاحكا وهويسير مبتعدا قائلا :
- انا ماشي, على رأي المثل.. العروسة للعريس والجري للمتاعيس
وانصرف تاركا خلفه قلبين يرجفان إحداهما شوقا وشغفا والأخرى تساؤلا ورغبة في معرفة المزيد عن فارسها الوسيم....
التفت ( أمجد ) الى ( هبة ) التى اسدلت نظرها خجلا منه فهى لاتدري الى أي حد سمع كلامها مع اخوه , مال عليها وقال هامسا :
- وحشتيني ...
رفعت عينيها وأجابت وهى ماتزال تهرب بنظراتها :
- انت لحقت ؟ انت لسه سايبنى يدوب من ساعتين ؟؟ بلاش مجاملة ..
مد يده ليمسك بذقنها مديرا وجهها اليه وقال وعينيه تتشربان نظرة عينيها :
- انا عمرى ما اعرف لا ابالغ ولا اجامل, انا بقول اللى في قلبي, ودلوقتي ممكن سمو الأميرة تتكرم وتقبل انها تيجي معايا علشان زمانهم كلهم في انتظارك مولاتي الأميرة!!
ضحكت بخجل في حين توردت وجنتيها حياءا من تدليله لها, وتأبطت ذراعه متجهة معه حيث مكان تواجد الجميع...
بعد تناول طعام العشاء اجتمع الجميع في الحديقة حيث يحتسون الشاي, قاطع ( أمجد ) أحاديثهم الدائرة قائلا :
- معلهش.. بعد اذنكم يا جماعه, عاوز ازف لكم بشرى جميلة ...
نهض واقفا من مكانه وامسك بيد ( هبة ) لتقف هي الأخرى امامه ومال اليها ناظرا في عينيها وتابع بابتسامة حب :
- عمى ( يوسف ) فرّح قلبي انهرده بموافقته اننا نتمم فرحنا انا و ( هبة ) يوم الخميس اللى جاي ...
دهشت ( هبة ) ثم ما لبث وجهها ان احمر خجلا وهربت بعينيها الى الارض فيما بادر الجميع بتقديم التهانى وتقدم ( يوسف ) من ابنته يحتضنها ويقبلها على جبينها قائلا :
- مبروووك يا حبيبتي الف الف مبرووك, انا لو مش متأكد ان ( أمجد ) بيحبك فعلا و هيحافظ عليك ويصونك انا كنت أجلت الموضوع لغاية ما ربنا يكتب لك الشفا, لكن اعمل ايه؟, خلى بالك جوزك عنيييييد جدا, ولما بيحط حاجه في دماغه مش بيهدا غير لما بينفذها ...
عندما نظر ( يوسف ) الى وجه ابنته تأكد من صواب قراره بموافقة ( أمجد ) على الاسراع بالزفاف في حين انه كان متخوفا من هذه الخطوة خاصة بعد ان حكى له ( أمجد ) السبب الذي جعلها تركض بهذه الحالة الهيستيرية, وقد تأكد تماما من أن أمجد لا ذنب له بما حدث بل إنه مجنيّا عليه تماما كـهبة!
لكن, ما يقلقه هو عندما تستعيد هبة ذاكرتها, ترى هل ستلومه لاتمام الزفاف وهو يعلم ان ما حدث كان بسببه؟, ولكنها لا تعلم حقيقة ما حدث وانه بالفعل مظلوم !!
جلس ابوها ينظر اليها والى سعادتها وهى تجلس بجوار ( أمجد ) يتحدثان معا وابتسامة خفيفة تزين شفتيه ويتذكر وجهها حيث صعد اليها في وقت سابق - للإطمئنان عليها - بعد حديثه مع الجد و ( أمجد ) وكيف كانت نائمة في هدووء وكأنها لم تنم منذ زمن طوييل ...
قالت ( هبة ) لـ ( امجد ) بمعارضة خفيفة :
- معقول يا ( أمجد) ؟؟ فرحنا يوم الخميس ؟؟ يعني بعد 3 ايام ؟؟ انت بتتكلم جد ؟؟
قال ضاحكا وهو يمسك يدها في حين جذبتها بعيدا عنه في خجل منه ومن الجالسين حولهما :
- آه طبعا بتكلم جد, احنا مش بنهزر هنا ! واحمدى ربنا انى ماخالتهاش انهارده!, مع انى بصراحه كنت بفكر فيها يوم خروجك من المستشفى يبقى يوم فرحنا, وتبقي ترتاحى يا ستي بعد كدا زى ما انت عاوزة!, بس رجعت وقلت لأ.. انا عاوزك تكونى كويسة وتكون صحتك تمام لانى بصراحه عاوزك تتمتعى بيوم فرحنا , انا عاملك مفاجأة جمييلة ..
نظرت اليه وتعابير حانية ومشاعر عميقة تطل من عينيها الرماديتين جعلته يسبح فيهما وهمست بصوت كهمس العصافير:
- انا مش عاوزة اى حاجه غير انك بعد الجواز ما تندمش انك اتسرعت .. بُص يا ( أمجد ) انا مش عاوزاك تتمم الجواز علشان دا واجب عليك او انك حاسس انك المفروض تعمل كدا, أمجد انا فاقده الذاكرة لكن معنديش القلب فهتخاف عليا من الصدمة!, علشان كدا انا بفضّل اننا ننتظر شوية لغاية ما اشوف العلاج اللى انا باخده هيوصلنا لفين ...
نظر اليها أمجد بكل جدية وقال :
- لو فاكرة انى هتجوزك عطف وشفقة وواجب تبقي غلطانه, ابسط حاجة لو دا صحيح يبقى اقف جنبك لغاية ما تقفى على رجليكي من تانى وتخفي وخلاص, لكن انا بعد اللي حصل بئيت مش عاوزك تغيبي عن عيني لحظة واحده, ودا مش هيحصل غير لما نتمم الفرح ويتقفل علينا باب واحد ...
نظرت اليه متسائلة :
- ممكن أسألك سؤال ؟؟
أومأ برأسه موافقا فتابعت :
- ايه سبب الخلاف اللي كان بيننا وخلانى اجري بالشكل دا ؟؟؟
سكت قليلا ثم أجاب بهدوء ونظرة غامضة سادت عينيه :
- ابدا.. انت حضرتك كالعادة لازم تجادلى في أي حاجة أطلبها منك, كنت عاوزك تبطلي شغل بعد الجواز بس انت بردو كالعاده اتنرفزت ورفضت ومرضتيش باللي بقوله وخدت في وشك وخرجت وانت بتجري حصل اللي حصل وللاسف مالحقتكيش..
علقت ضاحكة :
- تصدق انى ظلمتك ؟!
نظر اليه متسائلا فقالت :
- آه.. بصراحه قلت في بالي لا تكون طلعت متجوز ومخبي وراك 3 عيال بأمهم ؟؟
بُهت ( أمجد ) قليلا واجاب :
- لالالا أبدا, انا عمري ما اعمل كدا, و إلا ماكانش والدك وافق عليا اساسا, بس ايه اللي خلاكى تفتكرى ان الموضوع فيه واحده ست ؟؟
أجابت بتلقائية :
- ابدااا حسبة بسيطة .. اللي يخلي واحده تطلع تجري بالاسلوب دا حاجه من اتنين يا سمعت خبر مش كويس عن حد عزيز اووي عليها, يا اما عرفت ان جوزها خانها ....
نظرت اليه عميقا وفجأه اذ بها تضع يدها على رأسها وهى تئن فأمسك ( أمجد ) بيدها وهو يقول بلهفة :
- ( هبة ) مالك يا حبيبتي فيه ايه ؟؟
أجابت وهى تمسد صدغيها بيديها :
- معرفش يا ( أمجد ) صداع مرة واحده معرفش من ايه؟, وجامد اووي ..
أوقفها ونهض معها ونظر الى الجميع متعذرا بأن هبة تشعر بالتعب وانها تود الخلود للراحة.., وانصرف مصطحبا اياها الى غرفتها يرافقهما ( يوسف ) ليطمئن على وحيدته ...
حالما اطمئنا عليها بغرفتها جاءت ( علا ) حاملة كوب من الحليب المحلى الدافئ وهى تقول :
- انا جبتلها كوباية لبن دافي بعسل نحل تشربها, هتخليها تعرف تنام كويس ومش هسيبها غير لما اطمن عليها ...
شكرها ( يوسف ) و ( أمجد ) حيث ربت ( أمجد ) على راسها وتركها مع ( هبة ) وانصرف مع عمه الذي سأله عن سبب ذلك التعب المفاجيء الذي ألم بابنته بينما يسيران في الممر الطويل الذي يفصل بين الغرف, فأجاب ( أمجد ):
- الدكتور كان قالى انه كل ما حاجه تحصل تخليها تفتكر موقف مشابه او كل ما الذاكرة تحاول ترجع هيحصلها كدا, عموما انا هكلمه بكرة ان شاء الله علشان أطمن أكتر..
انصرف كل منهما الى غرفته و ( أمجد ) يفكر في قرارة نفسه انه قد اتخذ القرار الصحيح لاتمام الزفاف, فهو يعلم جيدا أنها متى ما استعادت ذاكرتها فستصر على الانفصال ولن تمنحه الفرصة لشرح الأمر لها, ولكن بعد اتمام الزواج فسيعمل على أن تعلم بالدليل القاطع مدى حبه وعشقه لها وانه لو اقتضى الامر ان يسخر كل دقيقة من عمره ليؤكد لها مدى حبه فهو لن يتأخر ابدا ...
ما يهمه الآن ان يبتعد عما يثير ذاكرتها, فهو في غنى عن اي تعقيدات اضافية, يكفيه ما حدث الى الآن, كما لا بد له ان يتأكد من ابتعاد انسان بعينه عن مدار هبة, ويعمل على ألّا يستطيع الوصول اليها, ولم يكن هذا الشخص سوى ....( سارة ) ..
اقسم بداخله بأنه لو صدر منها أي فعل يضر بـ ( هباه ) فهو لن يتوانى عن التصرف معها وبقسوة شديده, فمن يأذي ( هبة ) لن يتوانى عن نفيه كليا عن وجه الارض, هو لن يسكت عما تسببت به من أذى لهبة, ولكن الانتقام طبق يفضل أن يؤكل باردا, وقد تعهد أنه عندما ينتهي منها ستتمنى لو لم تولد قط !!
مرت الايام السابقة عن الزفاف كلمح البصر, وعلمت ( هبة ) ان ( أمجد ) كان قد قام بتجهيز طابق كامل في الفيلا لهما قبل الحادث حيث كان من المفروض ان يتزوجا بعد الحادث بيوم وعندما سألت عن فستان الزفاف اخبرتها ( علا ) ان الفستان بجميع لوازمه هدية من ( أمجد ) وانه قد اشتراه لها من باريس وانها لن تراه الا يوم الزفاف, وعندما استغربت كيف وهو لايعلم مقاسها قالت ( علا ) بمرح :
- يا سلام وهو يعني كان يعرف مقاسك في فستان كتب الكتاب اللي خلاه يعرفه قبل كدا يخليه يعرفه دلوقتى ....
خجلت ( هبة ) فيما نهرتها والدتها التى اصرت على ( هبة ) ان تناديها ( ماما سعاد ) كما كانت تناديها قبل الحادث .. حكى والد (هبة) لابنته عن طفولتها وعن والدتها المتوفاة وانها كانت تعمل لدى ( أمجد ) وكيف خطبها فيما تذكرت كلام ( أمجد ) وهو يداعبها قائلا :
- تعبتيني على ما وافقتي, ما كانشي ناقص غير انى اخطفك!!
قالت بمرح :
- واللي انت عملته دا ايه مش خطف ؟؟, تحطنى قدام الامر الواقع في كتب الكتاب!, انت بجد في منتهى الغرور ...
اعتمد أمجد الصارحة المطلقة في كل ما رواه لها عن علاقتهما وكل ما مرّا به منذ بداية ارتباطهما, متبعا لتعليمات الطبيب ولكنه لم يذكر اسم ( سارة ) مطلقا فلو استطاع لمحى اسمها من على وجه الارض كلية ...
وقفت ( هبة ) تنظر الى نفسها في المرآه - بعد ان ارتدت الفستان وقد ارتدت معه الطقم الماسي المطعم بالياقوت الذي عرفت انه شبكتها من ( أمجد ) - وذلك في جناح الفندق الذي سبق واختاره ( أمجد ) للزفاف, وكان مفاجأه على حد قوله, فهو فندق خمس نجوم يطل على النيل, وقد ابهرها منظر الجناح الخاص بالعرائس والذي ينطبق تماما على اسمه ( الف ليلة وليلة )..
نظرت الى نفسها وفستانها وزينتها وهى لا تكاد تتبين ملامحها حيث شعرت انها سندريلا التي تنتظر اميرها ... سمعت ( علا ) تقول وهى ترتب لها وشاح الزفاف :
- بسم الله ما شاء الله, ربنا يكون في عونك يا ( أمجد ), انا متاكده ان عقله هيطير اول مايشوفك ...
في حين تقدمت منها حماتها وهى تمسح عبرة هاربة وتقول وهى تحتضنها :
- الف الف مبرووك يا بنتي, ماتتصوريش سعادتي انهارده أد اييه, ربنا يتمم لكم فرحتكم بخير يارب, وافرح بولادكم ... تضرجت وجنتى ( هبة ) بحمرة الخجل ... وسمعت صوت طرقات الباب ووالدها يخبرها ان عريسها بانتظارها ...
فتحت الباب ( علا ) وتقدمت ( هبة ) حيث طالعها والدها الذى التمعت الدموع في عينيه واقترب منها مقبلا اياها وهو يقول :
- الحمد لله انى عشت وشوفتك عروسة زي القمر, ربنا يباركلك في جوزك ويرزقكم الذرية الصالحه يا بنتي يارب...
ثم تأبط ذراعها وقد أخفت وجهها بطبقة شفافة من وشاح الزفاف الأبيض الهفهاف من قماش الشيفون ...
سارت مع والدها حتى وصلا الى السلم حيث هبطت الى الأسفل برفقته وسط زغاريد الفرح التي انطلقت من أفواه بعض النساء المدعوات, وصوت موسيقى الزفاف يتبعها, وهى لا تكاد تعي شيئا مما يقولون فصوت دقات قلبها قد طغى على كل ما عداها, ثم رفعت نظرها ما ان وقف والدها أسفل الدرج وسقط نظرها عليه واحتبست أنفاسها ... أمعقول ما تراه؟, هل هذا الامير الوسيم الذي يقف منتظرا اياها هو عريسها هي ؟؟ انها لا تصدق!, لابد انه حلم ؟! وإن كان حلم فهي لا تريد الاستيقاظ منه !!...
تقدم ( أمجد ) حتى وقف امامها في حين صافح حماه الذي قدمها له وقد اخفضت رأسها خجلا ونظرت الى الارض في حين قام هو برفع الغطاء عن وجهها واحتبست انفاسه مما يرى من جمالها واشعاعها كالنجمة المضيئة و مال على جبينها يقبلها قبلة طويله وهو يهمس لها :
- مبروووووك ...., ثم تأبط ذراعها ووقفا استعدادا للزفاف ....
دخلا القاعه وقد جلسا في المكان المخصص للعروسين وطوال الوقت لم يترك يدها حتى عندما صدح المطرب المشهور بأغاني الفرح رفض ان يترك يدها حيث جاءت صديقاتها - التى قد دعتهم بناءا على تعليمات يوسف والذي أشار عليها بأسماء صديقاتها كي تدعوهن لحضور زفافها ولم يعلمن شيئا عن أمر فقدانها للذاكرة فهي لم تنفرد بهن الا قليلا – ليجذبنها لتشاركهم الرقص ولكنه رفض وأصر ....
صدحت موسيقى لحن الزفاف ( الفالس ) وتقدما العروسان ليفتتحا الرقص وضع يديها حول رقبته وأحاط خصرها بذراعيه وتمايلا على الالحان الراقصة ولم يدع نظره يغيب عنها فقالت بخجل وهى تبتعد بنظرها عنه :
- ( أمجد ) مش كدا ؟؟ انا بتكسف ... شيل عينك شوية رقبتي تعبتني من كتر ما انا لوياها بعيد ...
فضحك بسعاده وقال :
- اشيل عيني ؟؟ طيب ولو شلتها عنك تحبي احطها على ميين؟؟, اختاريلي انت واحده احطها عليها ؟؟
فغرت فمها دهشة ثم قالت بغضب خفيف وهى تقطب جبينها :
- انت هتبتديها من اولها ؟؟ لا يا عم ان كان كدا مش لاعبه ... ألف وارجع تاني !! انت حر..آه هقولهم عيلة و غلطت ورجعت في كلامها ...
ضمها اكثر اليه وقال ضاحكا بحب :
- تلفي ايه ؟؟ هو دخول الحمام زي خروجه ؟؟ لو هتلفي يبقى هتلفي معايا نخرج احنا الاتنين من هنا مع بعض .. وبعدين رقبتك تعبتك من كتر ما انت لاوياها هناك.. هاتيها هنا!, خليني أمتع عيني بأحلى عينين شوفتها في حياتي ...
انتهت الرقصة وسط تصفيق من الحاضرين ثم انضم اليهما باقي الضيوف في الرقصة التالية ...
جاء وقت تقطيع كعكة الزفاف المكونة من عشرة أدوار حيث حضرت وسط دخان كثيف ملون وقد تزينت بشرائط ملونة وقاما بصعود سلم صغير لتقطيعها, حيث تبادلا بعد ذلك اطعام بعضهما البعض منها, ثم افتتحا مائدة الطعام والتي كان تضم كل ما لذ وطاب وما خطر ومالم يخطر على بال الحاضرين من اصناف شهية وحلويات ...
اوشك الزفاف على الانتهاء وتلقيا التهانى من المعارف والاصدقاء ووصّتها والدته عليه ووصّته عليها وهكذا فعل والدها الذي ضمها طويلا واخبرها ان تستمتع بوقتها وانه في انتظارها عند عودتها من شهر العسل والذي جعله ( أمجد ) مفاجأة لها – وكان والدها قد اخبرها بالترتيبات التى سبق واتخذوها من عمله مع ( امجد ) وسكنه معهم ولكن في شقه منفصلة في العليّة حيث قام ( أمجد ) بتجهيزها كشقة لوالدها حتى لا يشعر بعدم الراحه في اقامته معهم مع تأكيده انه لن يستخدمها الا اثناء النوم فقط – ما ان تركها والدها حتى مالـ ( أمجد ) على اذنها هامسا :
- ايه حكاية ابوكى دا ؟؟ لا معلهش يعني.. فرحان ببنته ومبسوط ماقولناش حاجه.. لكن مش كل شوية حضن وبوسة انت خلاااص بئيتي ملكية خاصة دلوقتى ..
فوغزته في خاصرته حيث تأوه وقالت :
- لا والله ؟؟ دا بابا وانا بنته يعني ايه يعني ؟؟؟؟
نظر اليها متوعدا وهو يقول :
- طيب يا بنت ( يوسف ) اما خليتك تبطلي لماضة ما بئاش انا!!, لا وهعرفك كويس اووى يعني ايه يعني ؟!
ورفع لها حاجبه بمكر في حين انها ارتبكت ولم تستطع الرد عليه ...
جاءت تسير بين المدعوين وهى تتمختر في فستان سهرتها الأسود كسواد قلبها حتى اذا وصلت الى العروسين اللذان كانا واقفين لتحية الضيوف قبيل انصرافهما وقفت خلف ضيف كان يقوم بتهنئة العروسين, وما ان انصرف حتى ظهرت هي بكامل هيئتها والتي ما إن رآها ( أمجد ) حتى ماتت ابتسامة الترحيب على شفتيه وهو ينظر مذهولا غاضبا متسائلا فهو قد حرص على ألا يحضر الزفاف الا من كان معه بطاقة دعوه حتى نزلاء الفندق رفض حضورهم حفل الزفاف فكيف أتت ؟؟....
نظرت ( هبة ) اليه دهشة من وجومه ثم نظرت الى الفتاة التي وقفت امامها بكامل زينتها وهيئتها والتى لم تكن سوى ...(ساااارة )!!
لا تدري ( هبة ) لما انقبض قلبها فجأة عندما رأت هذه الفتاة واندهشت من ( أمجد ) الذي لم يقوم بعملية التعارف بينهما كما فعل مع باقي الضيوف حيث كان يميل هامسا في اذنها اسم الضيف حتى وان كان من صديقاتها وقد التقى بهم قبل الزفاف حتى لا يشعر اي شخص بأي شئ غريب , مدت ....( سارة ) يدها لمصافحة ( هبة ) والتي صافحتها وسط شعورها بالغرابة من نفسها وبهذا الاحساس الغريب الذي انتابها ما إن رأتها, ولما هذا الشعور الذي كان يخالجها بأنها يجب أن ترفض مصافحتها!!, ولكنها رمت ما توارد الى عقلها جانبا وشدت من قامتها وهي تحدث نفسها أن سبب شعورها ذاك هو عدم اخبار امجد لها بمن تكون..
مدت سارة يدها بعد ذلك الى ( أمجد ) والذي نظر اليها شذرا ونقل نظراته الى يدها الممدودة أمامه لثوان وسرعان ما صافحها ضاغطا بقسوة على يدها حتى أنها كتمت تأوها وقد خامرها الشك أنه يتمنى لو كان عنقها هو الذي بين يديه الآن بدلا من يدها!!..
آثر امجد مصافحة هذه الافعى الملعونة ليس عن خوف منها ولكن حتى لا يثير الاقاويل في نفس ( هبة ) , قالت ( سارة ) بابتسامة خبيثة ولمعة مكر في عينيها :
- مبروووك الف مبروك يا عرايس .. مبرووك يا ( هبة ) ..
ثم نظرت الى ( أمجد ) طويلا وتابعت :
- مبروووك يا .....( موجي ) !!, ثم ضحكت ضحكة سخرية صغيرة وابتعدت تاركة ( هبة ) وهي تقف غاية في الذهول والدهشة من طريقتها في مخاطبة ( أمجد ),مندهشة لا تعلم لما كان للقب ( موجي ) الذي نادته به هذه الفتاة هذا الوقع السيء في نفسها؟, فهى تكاد تجزم انها سمعته قبل ذلك ولكن متى وأين ؟؟؟, لا ... تعلم!!
والتفتت ( هبة ) الى ( أمجد ) تسأله بجدية خفيفة :
- مين البنت دى يا ( أمجد ) ؟؟ شكلها مش مريح ! وايه حكاية ( موجي ) دي ممكن أعرف ؟؟
نظر ( أمجد ) اليها وهو يحاول جاهدا ايجاد اجابة مقنعة, فقد أفقدته مفاجأة حضور ( سارة ) سرعة بديهته في الرد على ( هبة ), في حين ظلت ( هبة ) واقفة في انتظار سماع جوابه وهي تنظر اليه نظرة مليئة بالشك.. , أغلق ( أمجد ) عينيه وزفر عميقا وهو يدعو الله ان يلهمه الجواب الصائب ....
ترى ما سيكون جواب ( أمجد ) ؟؟ وهل ستقتنع ( هبة ) ؟؟ وما هي مفاجأة ( أمجد ) لعروسته في شهر العسل ؟؟ وماذا تخطط ( سارة ) لهدم سعادة العروسين وهل ستنجح في خطتها ؟؟؟ تابعوا معنا القادم من حلقات ...( حلم ولا علم ) لمعرفة الاجابة .....
- يتبع –
أنت تقرأ
حلم ولا علم رواية شرقية كاملة بقلمي/ منى لطفي
Romanceحلم ولا علم بقلمي/منى لطفي الملخص قديما قالوا "إذا حلمت فاحلم بحرص فقد تتحقق أحلامك يوما ما!!!" لم تكن "هبة" تعتقد أن حلمها بـ.. "أمجد".. ممكن أن يتحول الى حقيقة، ولكنه استيقظت ذات يوم لتفاجأ أن الحلم أصبح..علماً!... ولكن.. تئثرى.. هل سيطابق الواقع...