حلم ولا علم 19 والاخيرة بقلمي/ منى لطفي

22.1K 674 56
                                    

حلم ولا علم – الحلقة التاسعة عشر والأخيرة – بقلمي/ منى لطفي
وصل ( امجد ) و ( هبة ) الى المشفى, اوقف ( امجد ) سيارته امام المشفى كيفما اتفق وترجل سريعا ليفتح الباب الخلفي حيث كانت ( هبة ) راقدة فوق المقعد الخلفي, حملها بين ذراعيه فيما هي تتأوه بصوت مكتوم من الألم , وهو يزفر من بين اسنانه وما ان وصل الى الاستقبال حتى صرخ عاليا:
- بسرعه .. هاتوا الدكتور .. بتولد!!
و فورا استدعى الموظف المسؤول الممرضة الخاصة بقسم التوليد والتى سريعا ما حضرت مع اثنين من المساعديْن ومعهم السرير النقال, و قد اخبروا الطبيب المناوب بوصول حالة ولادة مبكرة فيما اتصل ( امجد ) بالطبيب الذي كان يباشر ( هبة ) قبل تركها اياه فطمأنه انه سيحضر سريعا الى المشفى. وضعوها على السرير النقال وامسك ( امجد ) بيدها فيما شدّت هي على يده و نظرت اليه فمال عليها وسمعها تقول بصوت متقطع من الالم:
- ( امجد ) ...ما تسيبنيش لوحدي ..انا .. انا خايفة !!
فشد على يدها بقوة وهتف بحزم:
- ما تخافيش يا قلب ( امجد ) مش هسيبك ولا يمكن اسيبك..
اتجهوا الى عنبر الولادة وادخلوها الى الغرفة حيث قاموا بتحضيرها, وقام الطبيب المناوب بالكشف عليها فأكد انها في حالة وضع بالفعل, ولم يمر الا دقائق حتى حضر طبيبها الخاص والذي كانت تباشر معه قبل تركها لأمجد, وما ان جهز الطبيب ليدخل ليباشر بعملية التوليد اذ بـ ( امجد ) يضع يده على كتفه قائلا بتصميم:
- معلهش يا دكتور بس انا عاوز احضر الولادة !!
نظر اليه الطبيب مدهوشا وهو يقول:
- نعم؟, حضرتك عاوز ايه؟!, فكرر طلبه فأجابه الطبيب مستنكرا:
- أ. (امجد) ما تخافش الستاف اللي معايا كلهم ممتازين وكويس ان حضرتك جبتها المستشفى هنا, انا بتعامل معهم من زمان ودي احسن مستشفى في البلد عندنا ..
قال ( امجد ) بعناد شديد:
- دكتور انا وعدتها انى مش هسيبها, وبعدين برّه الأب ممكن يحضر ولادة ابنه!
فقال الطبيب بحنق:
- ايوة ,بس الاب بيحضر دروس تدريب لكدا وبيعرفوه لما يكون في اودة الولادة يعمل ايه,احنا هنا الموضوع مش منتشر فا مش بنعمل كدا ..
أصر أمجد على الحضور فكتم الطبيب زفرة حنق والتفتت الى الممرضة قائلا:
- ادي الاستاذ اللبس اللازم علشان هيحضر الولادة ..
ثم نظر الى امجد متابعا:
- جمّد قلبك لأن الموضوع مش سهل زي ما انت فاكر ...
لم تعي ( هبة ) شيئا مما حولها, كل ما كانت تشعر به هو الالم الشديد, وسمعت صوت الطبيب وهو يشجعها وهى تبحث بيدها عن اي شئ تشد عليه وفجأة اذ بيد قوية تعرفها جيدا تمسك بيدها وتشد عليها فنظرت قليلا الى العينين اللتان تنظران اليها من فوق الكمامة الطبية وكانا يبتسمان لها فحاولت الابتسام بدورها وفجأة داهمتها موجة ألم شديدة اندفعت اليها فقبضت بقوة شديدة على يده واذ بها تشعر وكأنها تدور في دوامة ثم صوت صراخ رضيع ولم تدر بأي شئ آخر مما حولها ....
فتحت ( هبة ) عينيها قليلا بينما تسمع اصوات من حولها , رفرفت بعينيها مرات عديدة حتى استقرت الصورة المشوشة امامها ورأت من يميل عليها مبتسما ابتسامة سعيدة وهو يمسك يدها مقبلا اياها و يقول:
- حمدلله على السلامة يا أحلى ...ماما ...
ابتسمت ابتسامة شاحبة هامسة بخفوت بصوت ضعيف:
- امجد, الله يسلمك...
ثم تابعتت بصوت ضعيف مُجهد قليلا ولكنه متلهف:
- هو فين يا ( امجد )؟, شوفته؟, شبه مين؟
جلس بجوارها على الفراش وهو لا يزال ممسكا بيدها وأجاب ضاحكا:
- هو مين ان شاء الله؟, انتِ بردو مش عاوزة تسمعي كلامي؟, اكبر منك بيوم يعرف عنك بسنة, وانا اكبر منك ب 12 سنة!, احسبيها انتي بقه..
قطبت بحيرة وقالت:
- يعني ايه مش فاهمه .. علشان خاطري يا ( امجد ) اشوفه!
أجاب ضاحكا:
- هتزعل منك!, انتِ مصرة على هوّ ليه؟, مع انها في الحقيقة ... هي!
شعّ وجهها بابتسامة سعيدة وهتفت وهى تشد على يده بيديها الاثنتين:
- صحيح يا ( امجد )؟, بنت؟
هز ( امجد ) برأسه ايجابا وهو يقول بإبتسامة عريضة:
- انا مش قولتلك من البداية انها هتكون بنت ان شاء الله؟ وزيّ القمر تمام.. زي مامتها, بس ايه دا؟!
قطبت ( هبة ) متسائلة:
- ايه؟
أجاب رافعا حاجبه الأيمن بإغاظة:
- انا ماكُنتش اعرف انى متجوز بطلة في الريست!
قالت باستغراب ودهشة:
- ريست؟!
علّق ضاحكا:
- ايوة الريست!, انتِ مسكت ايدي تقولي بتلعبي ريست ومصممة تهزميني!
فنظرت اليه بطرف عين وقالت:
- ماحدش طلب منك تحضر الولادة, كنت ممكن امسك اي حاجه او ايد اي حد تاني!
حدجها بنظرة استنكار هاتفا بحنق وهو يتخيل أن شخصا آخر كان من الممكن أن يكون مكانه ويمسك هو بيدها فتتشبث به كما فعلت معه!, هتف بقوة حانقة:
- حد؟, حد زي مين؟, هو فيه حد كان يقدر يقربلك وانا موجود؟!, يبقى هو الجاني على روحه...
قالت بلهفة راجية:
- طيب ممكن اشوف بنتي؟, انا حتى لسه معرفش هسمّيها ايه؟
أجابها بهدوء:
- انتِ ان شاء الله ارتاحي دلوقتي, وانا هبلغ الممرضة انك فوقتي والصبح نروح نشوفها!.
قطبت جبينها قائلة بقلق:
- نروح نشوفها؟, ليه ما هما ممكن يجيبوها؟
أجابها محاولا بثّ الهدوء اليها:
- حبيبتي بنتنا نزلت قبل التاسع بأقل من اسبوعين فلازم يحطوها في الحضانه علشان يطمنو عليها, عموما دكتور الاطفال اللي كان حاضر الولادة طمنى ان البنت وزنها نوعا ما كويس يعني 2 كيلو ونص, وصحتها بخير.. بس علشان يطمنو عليها, فانت ارتاحي انهارده, وبكرة نروح نشوفها...
نظرت اليه برجاء وقالت متسائلة بخوف:
- يعني انا ممكن اطلع من المستشفى من غير بنتي؟
فقال بحب مربتا على يدها التي يحتويها بين يديه:
- لا يا حبيبتي, ان شاء الله خير, انتِ بس ارتاحي دلوقتي وكل شئ هيكون كويس ان شاء الله.
أراحت رأسها فوق الوسادة خلفها فيما استمر هو مربتا على شعرها نظرت اليه وقالت هامسة :
- ( امجد )...
وسكتت, فأجاب وعيناه تلمعان من شدة العاطفة:
- عيون وقلب ( امجد )...
سألته بهمس:
- انت عرفت طريقي ازاي؟
قبّل يدها وهو يقول واضعا يدها فوق صدره لتلامس هذه المضخة القوية المسماة القلب والتي تدق بسرعة دقات متواصلة سريعة:
- حبيبي طريقك هو طريقي يبقى ازاي اتوه عنه؟, عموما يا ستي هقولك .. انتِ من يوم ما جيتيلي وانا تعبان وأنا مش ساكت!
شهقت مندهشة فأكمل مبتسما:
- ايه كنت فاكراني لما اصحى هفتكر اني كنت بخطرف من السخونة واني اتهيألي انك كنت موجودة معايا؟!
سكتت خافضة نظرها لاسفل فمد يده رافعا رأسها ناظرا الى عينيها الرماديتين وتابع بهمس حان:
- انتِ مش عارفة انى لو دخلت اودة مليانه ستات وانا مغمي عينيا انى بردو هعرفك!, انا بشمّك يا ( هبة )!, هما مش بيقولوا ان المولود بيعرف مامته من ريحتها قبل ما يتعرف على ملامحها؟, أهو تقدري تعتبريني زي بنتك كدا تمام!, بعرف من ريحتك من ير ما أشوفك!..
ارتسمت ابتسامة خجل لونت كرز شفتيها فيما تخضب وجهها باللون الاحمر القان وأسدلت عينيها هربا من نظراتها التي تشيع الفوضى في حواسها وتلهب قلبها, فقال غامزا بمكر:
- يعني بئيتي أم ولسه بردو بتتكسفي؟!
رفعت عينيها ناظرة اليه بحنق فاستدرك قائلا:
- خلاص.. خلاص.. قلبك ابيض, نرجع تاني لموضوعنا عرفت طريقك ازاي؟,.. بسيطة .. من موبايل حمايا العزيز !!
حدقت فيه بشدة فاغرة فاها بينما استمر هو قائلا:
- اظاهر انك كنت هددت باباكى لو قالى على مكانك انك هتختفي ومش هتكلميه تانى هو شخصيا, وشكلي صعبت عليه بجد خصوصا وانى هتجنن تكونى روحتي فين؟, لاقيته بيلمّح انك اكيد كويسة.. ولو كان حصلك حاجه لا قدر الله.. اكيد كنت عرفت!, فكرت شوية وقلت اكيد هو عارف عنك حاجه لو مش عنوانك يبقى هو بيطمن عليك بطريقة او بأخرى, وفعلا روحت له المكتب لاقيت موبايله موجود على المكتب وهو كان بيصلي وبسرعه اخدت الموبايل وفتشت فيه, انا عارف انك من يوم ما مشيتي من المزرعه وانت رميتي شريحتك علشان منعرفش نوصلك.. فاعتمدت وانا بفتش على الأرقام اللي مش متسجلة باسماء, وفعلا لاقيت رقم غريب متصل عليه كتير اوي, وواضح انه كان بتجيله مكالمات من الرقم دا بس ليه مش مسجله باسم؟! , حفظت الرقم وخلاص.. الباقي بعد كدا كان سهل جداااا إني أوصلك..
ابتسمت قائلة بتهكم :
- وطبعا مع نفوذ ( امجد علي الدين ) كان في غاية السهولة انك تلاقيني..
أطلق ضحكة عميقة وعلّق:
- لا لا لا, الموضوع مش محتاج نفوذ اووي ولا حاجه, هو بس صديق ليا وبالصدفة بيشتغل في شركة الاتصالات اللي انت واخده منها الخط ونفسه يرد لي جميل عملته له من زمان والموضوع ماكملشي نص ساعه عنده في المكتب على ما شربت القهوة العنوان كان معايا ...
ثم مال عليها متابعا بهمس:
- على فكرة بأه.. القهوة بتاعتك وحشتني اوووي, ياللا شدّي حيلك وقومي بالسلامة احسن انا بئالي زمااان ما شربتهاش ..
أومأت برأسها قائلة:
- ان شاء الله, بس نطمن على بنتنا الاول, وربنا يعدي اليومين الجايين دول على خير وتخرج من هنا بالسلامة..
قطب ( امجد ) حاجبيه قليلا وقال:
- نبرتك مش مريحاني!, ( هبة ) احنا بينَّا بنت دلوقتى محتاجه باباها ومامتها مع بعض, حرام نحكم عليها انها تتشتت بيننا وهي لسه جايه الدنيا, ( هبة ) انا بحبك, يمكن طريقة تعبيري عن الحب دا غلط وبيظهر لك في شكل تملك وتحكم بس... انا كدا .. المارد اللى جوايا انت خرجتيه .. وماينفعشي يدخل تاني!, انتِ حولتيني لإنسان تاني خاالص, انسان كنت بهرب منه.. لكن لما دوقت حبك وعرفتك اكتر خوفي انك تروحي مني كبر اكترر, كان عندي استعداد اني احارب الدنيا كلها حتى لو ....انتِ!, بس ما تضعيش مني...
شدت على يده وقالت بخفوت:
- عارف .. يوم ما وقعت في المكتب وانت شلتني وجبتلي الدكتور, يومها حاسيت انك الفارس بتاعي, الفارس اللي كنت بسمع عنه في القصص والحواديت, ولما اتقدمت لي عشمت نفسي انك ممكن تكون اعجبت بيّا, يعني مجرد اعجاب ما كونتش طمعانه في الأول في أكتر من كدا, لكن لاقيتك بتقولي وبمنتهى البرود على حكاية جدك وانك لازم تتجوز علشان الشركة وكلام كتير خلاني افوق واعرف انه كل دا كان حلم!, وانك انت الفارس اللي كنت بحلم بيه لكن ماي نفعش يكون غير بس في الـ حلم!, ولما بعدت وفكرت.. بابا قالي لو انا بحبك بجد لازم اتمسك بيك واحاول اوصلّك احساسي دا, وفعلا وافقت وجينا معاك المزرعه, واتفاجئت بوشّ تانى خاالص لـ ( امجد ) بيه اللي كنّا كلنا بنسميه – رجل التلج – لاقيت انسان عصبي وعنيد ومش بيقبل الا بكلمته هو وبس, خُفت.. خفت منك!, علشان كدا رفضت ارتباطنا.. لكن انت ماقبلتش دا, وصممت على اللي في دماغك, وحاطيتني قدام الامر الواقع بصرف النظر ان بابا كان في صفك لانه عارف ومتاكد انى بحبك, وانت كمان بتحبني, لكن انت ما استنيتش عليا يا امجد, ما حاولتش تخليني أغير رأيي بالراحه والهدوء, لأ.. إنت اتعاملت مع الموضوع على انه صفقة من صفقاتك أو اني موظفة عندك وانت رئيسي وعليك الأمر وأنا عليّا السمع والطاعة, ونفس الشئ اتكرر في الفرح, صحيح أنا وافقتك, لكن انا كنت رافضة في الأول وقلت لك استنى لما ترجع لي الذاكرة, وإنت عملت كل اللي في وسعك انك تأثر عليا وتخليني أوافق, ولما الذاكرة رجعت لي وغضبت منك لأنك خبيت عليا السبب الحقيقي للحادثة بتاعتي, لاقيتك مُصِرّ على رأيك.. ما اديتنيش وقت كافي انى اصفى فعلا, انا عارفة انك كنت خايف تخسرني وخوفك دا هو اللي خلاك تخسرني فعلا!, أنا متأكد هاني كنت عاوزة مساحة أغضب فيها وأزعق وأثور بس كنت ههدى بعد ما أخرج شحنة الغضب اللي جوايا, كنت منتظرة منك إنك تمتص غضبي دا وتفهمني وتديني المساحة اللي انا كنت عاوزاها, وبعد كدا ما كانش هيبقى ليا عذر اني أبقى مصرة على الغضب منك, لكن انت بردوا تعاملت معايا بمنتهى الاستخفاف وقلت لي بصراحه لو معتبراها استبداد يبقى هو استبداد, عاوزة تغضبي تزعلي بس وانتي معايا, ما ينفعش... انا كنت عاوزة اقعد مع نفسي وأفكر وأحلل اللي حصل مع نفسي, لو كنت فضلت انت عمرك ما كنت هتسمح لي انى حتى أفكر في اللي حصل, وللمرة المليون بردو يا امجد تتجاهل رغبتي وإرادتي وتتعامل معايا بمنتهى الاستبداد لدرجة إني حاسيت إني في نظرك واحده فاقدة للأهلية!, لحظة ما سيبتني بعد ما أمرتني إني مش هروح في حتة وانك مستنيني علشان نتغدى وقتها فكرت ولاقيت قودامي حل من اتنين.. يا الحق نفسي وامشي وانا شايله معايا ذكريات حلوة اووي منك, يا اما ارضخ لك.. وساعتها فعلا.. كنت هحس انى واحده مسلوبة الاراده واني بئيت شخصية كارهاها ورفضاها, انسانة سلبية, ومن غير شخصية, وبالتالي كنت هكره حبك دا اللي وصلني لكدا, ففضلت انى ابعد وجوايا ذكرى جميلة منك.. ابنك او بنتك .. بس مقدرتش ابعد يا ( امجد ), اخترت افضل في نفس المكان اللي انت فيه, كفاية عليا إني احس اني قريبة منك وانك جانبي .. انا فعلا مقدرشي اعيش من غيرك ولا من غير حبك, الموضوع كله اني كنت عاوزاك تسألني انا عاوزة ايه؟, مش اكتررر!!
مال عليها مقبلا جبينها ممسكا بيدها ونظر في عينيها وعينيه ترسلان رسائل شوق ملتهب جعل دمها يجري ساخنا كالعسل الدافيء في أوردتها وهمس أمام شفتيها لتضرب أنفاسه الساخنة بشرتها الحليبية:
- بحبك, بحبك أوي يا هبة, بحبك ومقدرش أعيش من غيرك, بحبك وآسف على كل دمعة كنت السبب انها تنزل من عينيكي اللي بموت فيهم دول, بحبك وسامحيني إني مش عاوزك تفارقيني لحظة واحدة , هبة الطفل لما بيبص حواليه مايلاقيش مامته بيتجنن ويقعد يعيط, أنا كدا!!..
نظرت اليه في ذهول بينما تابع بوله وعشق سرمدي يلون صوته الأجش ونظراته العاشقة:
- ما تستغربيش يا هبة, أنا يمكن أكبر منك بـ 12 سنة, لكن أنا طول عمري وانا واخد الدنيا جد, يمكن علشان تربيتي كانت كدا , أو لأني مرة واحدة بعد وفاة والدي الله يرحمه حاسيت اني المسؤول عن اخواتي, غير طبعا تربية جدي ليا, انتي دخلتي حياتي زي النسمة الرقيقة الطرية في جو كله حر وشمس, خفت تسيبيها , خفت تزهقي مني, انا كنتلا بموت لما كنت بشوفك وانتي بتضحكي مع علاء أخويا أو أي حد عارفة ليه؟, مش قلو ثقة فيكي انما عدم ثقة فيا أنا!, لأني كنت متأكد انك مبهورة بيا وكنت مرعوب تفوقي من النبهار دا وتلاقي اني منفعكيش!, انتي واحده دمك خفيف وبتحبي الضحك والهزار واللي عاوزاه بتقولي من غير زوق عكسي خالص, طبيعة شغلي الظروف اللي مريت بيها خليتني انسان متحفظ اوي, ومنغلق على نفسي, كنت بحس بخوف رهيب لو لمحت أي حد قريثب منك, كنت بقول لو عملت مقارنة أكيد انا اللي هخسرها وبالثلث كمان!, علشان كدا كنت مستبد ومتملك معاكي, هي دي الطريقة اللي انا حاسيت انها تضمن لي أنك ما تضيعيش مني بعد ما لاقيتك, لأني وقتها كنت هموت بجد يا هبة!!!..
رفعت هبة يدها ممسدة وجنته وقالت بحنان ونظرات حب تلمع في رمادي عينيها:
- لو كنت عملت مقارنة بينك وبين أي حد كنت إنت اللي هتفوز بدون أي منافس!, ولسبب بسيطة جدا.... انت كسبت قلبي من زمان, من قبل حتى ما تعرف انه في بنت عندك في طقم السكرتارية الكتير دول اسمها هبة!, من قبل ما تاخد بالك من البنت اللي لبست نضارة مخصوص علشان خايفة من نظراتها تخونها وتفضح حبها الكبير ليك!, أيوة يا أمجد... أنا لبستها علشان أعرف أبص عليك براحتي وأنا مطمنة ان النضارة مخبية نظراتي ليكي وعينيا الملهوفة عليك!!, أمجد أنا...أنا كنت بعاقب نفسي طول المدة دي, ولعلمك بقه... أنا كنت بروح لك الشركة وأشوفك وانت خارج, وبابا انا مكلمتوش غير لما خد باله مني في مرة, يعني لما كلمته كان من فترة قريبة يمكن أقل من شهر, وكان رافض اللي انا بعمله, بس أبو حجاج طلعلا مش سهل, لمح لك انى موجودة وأنا متأكده أنه كان عارف انه تلميحه هتفهمه وتتصرف على أساسه, وعلاء اخو كانا هددته انه لو قالك يبقى المرة دي لما أهرب محدش هيعرف لي طريق بجد وهو خاف من جناني دا, أمجد... أنا ضايعه من غيرك, رشا زميلتي في الشقة سألتني اذا كنت هقولك بعد ما أولد على مكاني وقتها انا قلت لها معرفش بس كنت بكدب عليها وعلى نفسي لأني عارفة ومتأكدة إني أول ما أولد انت اول واحد هكون عاوزة أشوفه, وكنت متاكده انى انا هطلب منها وانا داخله أولد انها تبعت لك علشان تكون معايا, أمجد أنا مش بس بحبك لا انا بموووت فيك أنا......
لم يستطع أمجد تمالك نفسه وتناول شفتيها مقاطعا إياها في عناق شغوف ملتهب أودعه عشقه وشوقه إليها, ولم يتركها الا بعد فترة طويلة عندما شعر بحاجة كليهما الى الهواء للتنفس!!..
أسند جبهته الى جبهتها وقال من بين أنفاسه اللاهثة:
- بحبك, وهفضل أقولها لغاية آخر نفس في صدري, بحبك وعلشان خاطرك سامحت ( صابر ) و ( سميرة ) لانهم على الاقل خدوا بالهم منك, يمكن لو ما كانشي ( صابر ) ساعدك الله اعلم كنت هتروحي فين, وعلشان خاطرك كمان مرة سامحت ( علاء ) اخويا االلي خبا عليا مكانك و كان شايفني قدامه وانا هتجنن علشانك بس هو ما ارضاش يخون ثقتك فيه وعلى كلامك انه كان واثق انك انت اللي هتكلميني ان ما كانش دلوقتي يبقى على الاقل بعد ما تولدي علشان انت عمرك ما هترضي تحرمي طفل من ابوه..
هزت برأسها وقالت بخفوت مؤكدة كلامه:
- فعلا .. عمري ما كان هيجيلي قلب انى ابعدك عن ابنك ..
ابتسم مقاطعا:
- بنتي !! , ابتسمت بحب فيما تابع هو قائلا:
- وكانت احلى حاجه انيكنت موجود وبنتي جاية للدنيا, انا مانكرشي ان فيه وقت كنت حاسس انه هيغمى عليا وانه فعلا شئ صعب.. بس سبحان الله وانت بتشوفي روح بتخرج من روح, انا جه عليا لحظات حسيت انى عاوز اضرب الدكتور.. ليه سايبك تتعذبي؟, اومال هو لازمته ايه؟, يتصرف يديكي بنج او اي حاجة!!, بس الدكتور شرح لي بعدين السبب.. وانه الولادة الحمد لله كانت طبيعية ودا طبيعي..
ابتسمت قائلة :
- يعني انت بأه عندك خبرة دلوقتى؟
أبعد وجهه قليلا عنها وأجاب ضاحكا:
- تقدري تقولي كدا و .....
ثم بتر جملته متسائلا :
- قصدك ايه بخبرة؟, اوعي تكوني ناوية تعمليها تاني؟, لا لا لا انا مش مستعد اني اشوفك بتتعذبي تاني بالشكل دا!, انسي ... الحمد لله.... هبة عندي بالدنيا كلها!!...
نظرت اليه مبتسمة وقالت :
- وانت عند ( هبة ) اغلى من الدنيا كلها ..
فنظر اليها مبتسما وعقّب:
- هي قالت لك؟
قطبت وقالت بابتسامة حائرة متسائلة:
- هي مين دي اللي قالت لي؟
أجاب بمكر:
- ( هبة )!, عاوزة تقولي انها قالت لك؟, طب ازاي؟
هتفت بذهول حائر:
- هو ايه دا اللي ازاي؟, انا أقول لنفسي ازاي يعني يا امجد؟
غمزها مجيبا بخبث:
- لا يا قلب ( امجد ).. بنتي هي اللي قالت لك!!
نظرت اليه مصعوقة وهى تكرر كلمته:
- بنتك !! .. انت هتسميها ...
فقاطعها قائلا بحب:
- ( هبة ) ... احلى واغلى اسم عندي, انتِ ربنا بعتك ليّا هبة من عنده علشان تصحي القلب النايم عندي, وهي ربنا وهبها ليا هبة من عنده علشان تنقذ اللي بيننا, يبقى انتو الاتنين هبة ربنا ليا! ...
مدت هبة ذراعيها وطوقت عنقه وهي تقول والدموع تلمع في مقلتيها:
- انا عارفة انى تعبانه وجسمي مكسّر, بس انا هتعب اكترر لو ما اخدتنيش في حضنك حالا.. انا محتاجاه اووي !!
طوقها ( امجد ) بذراعيه محتضنا إيّاها بقوة حانية وهو يتناول شهيقا عميقا هاتفا من أعماق قلبه:
- ياااااااه وحشتيني .. وحشتيني اووي اووي يا قلب ( أمجد )...
دخلت عائلة ( امجد ) غرفة ( هبة ) وهم فرحين لوصول أول حفيدة لهم, فقد اتصل بهم ( امجد ) وبشّرهم بولادة هبة و قدوم ( هبة أمجد علي الدين )..
لم تستطع الأم حبس دموعها التى كانت تجري على وجنتيها فرحة وهى ترى ( هبة ) راقدة على الفراش وبجوارها ( امجد) والفرحة مرسومة على وجهيهما, نهض ( امجد ) مفسحا المجال لعائلته ووالدها لتهنئتها, قبّل ابوها جبينها وقال لها بحنو:
- حمدلله على سلامتك يا حبيبة بابا, اومال فين ( هبة ) الصغيرة ؟
أجابته بأبتسامة شاحبة صغيرة:
- الله يسلمك يا بابا, ( هبة ) في الحضّانة, انهارده الدكتور طمنا عليها بس ان شاء الله هيجيبوهالي اشوفها بكرة, مش محتاجة تقعد أكتر من كدا ..
اقترب الجد و ( علا ) وهنئوا ( هبة ) على سلامتها وباركوا لـ ( امجد ), بينما اقترب ( علاء ) الذي بارك لـ ( هبة ) ثم اقترب ليصافح ( امجد ) مهنئا إياه وقال وهو يضحك:
- ألف مبرووك يا بوس, تتربى في عزك ان شاء الله ..
أجاب ( امجد ) مبتسما:
- الله يسلمك يا ( علاء ), وبالمناسبة.. لك عندي واجب لازم اديهولك!
قال ( علاء ) متسائلا :
واجب؟, واجب ايه....
ولم يكمل عبارته فقد شعر بقذيفة تنطلق في وجهه والتي لم تكن سوى لكمة شديدة من قبضة يد ( امجد ), شهق جميع الموجودين فيما وضع ( علاء ) يده على مكان اللكمة في وجهه مندهشا بينما اقترب ( امجد ) منه فاتحا ذراعيه مبتسما وهو يقول :
- كنت لااااازم اديهالك, ما كانش ينفع اشوفك قدامى من غير ما أفشّ غلِّي .. ودلوقتى بقه.. الله يسلمك يا عم بنتي!
ثم أحاط شقيقه بذراعيه وسط دهشة علاء الفائقة وشهقات الموجودين التي تحولت الى ضحكات ...
خرجت ( هبة ) من المشفى بعد بضعة ايام مصطحبة معها ( هبة ) الصغيرة, وكانت الفرحة لا تسع ( امجد ) وتملأ وجهه بإبتسامة فخر ذكوري بإبنته وزوجته الحبيبة, بينما يسير بجانبهما... امرأته وابنته.. حياته التى لن يفرط بها مهما كان ..
ما ان دخلا الى المنزل حتى تعالت الزغاريد من ( حسنية ) و ( سميرة ), واجتمع أفراد العائلة حولهما مباركين عودتها الى كنف العائلة مرة أخرى مع هبة أولى الأحفاد, ذهبت سعاد لإلقاء نظرة على تجهيزات الغذاء بينما جلس الجد ويوسف يتبادلون الحديث المرح, وتكفلت علا بالذهاب للتأكد من ترتيب جناح هبة وأمجد في حين كان علاء بالخارج, ابتسمت ( هبة ) وهي تجلس حاضنة ابنتها النائمة كالملاك بين ذراعيها, اقترب منها أمجد ومال عليها هامسا:
- بيقولو ان الولد لو بيشبه باباه اكتر يبقى الزوجة كانت بتحب جوزها اكترر والعكس لو بيشبه الأم يبقى الزوج هو اللي كان بيحب مراته اكترر, انا شايف ان هبة حتة منك.. يبقى مين فينا بأه اللي بيحب التاني اكتررر؟ والدليل موجود ...
ضحكت هبة وما ان همت بالرد عليه حتى حضرت ( سميرة ) وتعبير القلق مرتسم على وجهها وهى تقول بارتباك:
- سي ( امجد ) معلهش.. فيه واحده مصرة تقابل حضرتك!
اعتدل أمجد واقفا بينما صمت الجد ويوسف فيما قال مقطبا جبينه:
- واحدة؟, مين دي؟, فركت سميرة يديها بتوتر وأجابت بخوف:
-الـ..الـ...
تنهد أمجد بنفاذ صبر وقاطعها هاتفا:
- الـ.... مين يا ( سميرة ) ما تقولي؟
فقالت سريعا:
- الانسة ( سارة )!
قطب حاجبيه بقسوة مخيفة وقال بينما عيناه تتراقص فيهما شرارات غضب ناري:
- مين؟, انا مش قلت ومنبه انه لو هوّبت هنا تطلبوا لها البوليس؟, انتو....
وإذ بصوت ضوضاء وجلبة ثم اندفعت أمامهم فتاة لم تعرفها (هبة) لأول وهلة, ولكنها ببعض من التدقيق عرفتها, واندهشت للتغيّر الذي طرأ عليها, فقد كانت مهملة المظهر ووجهها شاحب ليست كالتى كانت تراها قبلا وكأنها خارجة من مجلة ازياء, التفت ( امجد ) الى ( سارة ) وهتف بغضب متوحش:
- انت مافيش فايده فيكي؟, انا مش سبق وحذرتك اكتر من مرة انك تبعدي عننا؟, مش مكفيكي اللي حصل لكم؟, مستنية ايه؟, عاوزاني أموتك انتي وعيلتك واحد واحد المرة اللي جاية؟, لكن واضح كدا انه مافيش حل تاني معاكي!
قالت سارة ببكاء مرير:
- ارجوك يا ( امجد ) ارحمني.. والدي راجل كبير مش حمل بهدله!...
أجاب بقسوة شديدة:
- انا ماليش دعوه, والدك غلط ولازم يتحمل نتيجة غلطه, وأول غلطة غلطها انه ماعرفش يربيكي كويس!
التفتت ( سارة ) الى ( هبة ) ثم تقدمت اليها قائلة:
- انا عارفة انى غلطت وفي حقك انت بالذات بس بابا هيتسجن لو ما سددشي القروض اللي عليه!, ارجوكى.. اعملو فيا انا اي حاجه الا هو.. هو عمره ما بخل عليا بحاجه ابدااا, كان بيتهيالي انى مش ممكن ييجي عليا اليوم واشوف بابا مكسوور بالشكل دا.. انا مستعدة لأي حاجه.. اي حاجه...
التفتت ( هبة ) الى ( امجد ) وقد اعطت ابنتها الى سميرة التى اتجهت بها الى خارج الغرفة بينما قالت ( هبة ) وهى تقف لمواجهة ( امجد ) :
- هو ايه الموضوع بالظبط يا ( أمجد )؟
عقد أمجد يديه وقال محرّكا كتفيه ببرود:
- ابدا ...( فريد ) بيه والدها عمل قروض كتيرة بضمانات وهمية وكان مرتب في دماغه انه هيجوزهالي علشان اساعده في سداد القروض دي.. علشان يعرف ينصب عليا انا كمان.. ويدخلني معاه في مشاريع وهمية من مشاريعه, انا كنت عارف وساكت.. بس لأن الهانم بنته اتعودت ان بابا لازم يشتري لها اللي هي عاوزاه, صممت انها تتجوزني, ما تعرفش ان مش (امجد علي الدين) اللي ممكن يتضحك عليه بكلمة ولا حركة وكنت ساكت مراعي الجيرة لكن – واقترب منها وقد انزل ذراعيه متوعدا اياها شاهرا سبابته في وجهها – لما توصل انها تكون عاوزة تخسّرني اغلى حاجه في حياتي يبقى ساعتها ماينفعشي اسكت ..
صرخت ( سارة ) باكية :
- انت كنت بتعاقبني انا في صورة بابا..
قال ساخرا:
- تصدقي ماكنتش فاهم انك هتتأثري اووي كدا بحبس ( فريد) بيه والدك؟, الصراحه انا قلت انه كبيرك دمعتين وتسيبيه وتسافري تمام زى ما والدتك عملت وسافرت عند اختها في كندا ...
قالت وهى مختنقه بدموعها :
- ماقدرتش .. ماقدرتش اسيبه في الظروف دى لوحده وأسافر!, ما انكرشي اني كنت هسافر فعلا ويوم السفر اول ما شوفته افتكرت الاب الحنين اللي عمره ما قال لي على حاجه لأ... اللي كان بيركبني على ضهره يعمل لي حصان.. اللي اي حاجه مهما كانت لو طلبتها منه.. كان يجيبهالي على طول, وانا ماكانش يهمني منين.. أد ما كان يهمني ان اللي عاوزاه يجيلي, لغاية ما شوفته يوم سفري انا وماما وهو موطّي راسه للارض, ساعتها بس.. حسيت أد ايه انا واحده وحشة وانانية..
تقدمت ناحية هبة ووقفت امامها مواصلة بترجي:
- ارجوك ... ارجوك يا ( هبة ) انا عارفة انك انت اكتر واحده انا اذيتك, ومش عارفة اقولك ايه, بس ارجووكي.. ارجووووكي.. ساعديني, اقنعي ( امجد ) انه يكلم البنك ويرضوا يدوا لـ بابا فرصة تانية, ( امجد ) عميل مهم اووي عندهم و زي ما خلاهم يرفعوا ضده قضية ويبتدوا يفتشوا في الدفاتر القديمة يقدر يقنعهم انهم يدوه فرصة اخيرة ..
نظرت ( هبة ) الى ( امجد) ثم اليها وقالت بهدوء :
- امشي انت يا ( سارة ) دلوقتى وان شاء الله خير..
قالت ( سارة ) بإنكسار:
- انا عارفة انك أد كلمتك.. علشان كدا هستنا خبر منك يفرحني..
خرجت ( سارة ) بينما التفتت ( هبة ) الى ( امجد ) مقطبة جبينها وقالت :
- ايه الموضوع بالظبط يا ( امجد )؟
اشار اليها بالجلوس وجلس بجوارها ثم أجاب:
- لا موضوع ولا حاجه, زي ما قالت لك بالظبط باباها (فريد) بيه كان واخد قروض كتيرة من بنك بضمانات وهمية, وللاسف كان مرتب نفسه مع الموظف المسؤول عن موضوع القروض دي, لما بنته عملت اللي عملته, بعد الحادثة لما فقدتي الذاكرة, جمعت عن شغله معلومات وعرفت بكل حاجه بيعملها أو عملها وسكت مارضيتش اعمل اي شئ, واكتفيت بتحذيرها, كنت عارف انه الموضوع غيرة مجنونة ولمت نفسي اني ماصدقتكيش من الأول, وحاولت امنعها عن الوصول ليكي, وكررتها تاني مرة ورجعت تلعب نفس الدور الخسيس دا من تانى ساعتها قلت خلاص لازم ألم يفوق جااااامد, وفعلا الموظف اتقبض عليه وابوها دلوقتى بيواجه احتمال انه يقضي اغلب عمره الباقي في السجن .....
مالت ( هبة ) عليه واضعه يدها على يده وقالت بخفوت :
- ( امجد ) انا مش هدافع عنها, لانه بالنسبة لي اي شئ يجرالها هيّ عمره ما هيهز فيا شعرة, اللي بجد انا زعلانه عشانه هو باباها, وخصوصا لو كان زي ما قالت كدا.. مراته اللي هي مامتها سابته وسافرت, انت تقدر تلاقي حل تنجده بيه من دخول السجن صح؟
نظر اليها ( امجد ) مندهشا وهو يقول :
- ايه؟, انت بتقولي ايه؟, عاوزاني انا أخرّجه من السجن؟, بعد كل اللي بنته عملته فيكي وفيا دا ؟
أجابته بهدوء:
- كفاية كسرتها قدامى, كفاية انها مش عارفة تحط عينيها في عيني, انت ممكن تضمنه عند البنك وتساعده في شركته, تدخّله معاك من الباطن في مشاريع ليك بحيث انه يكسب ويسدد وانا متاكده انك تقدر ...
أمسك بيديها بين راحتيه ناظرا الى عينيها وهو يقول بحب :
- ويلوموني في حبك, انا مهما لفيت.. عمري ما هلاقي في طيبتك وحنانك أبدا, ربنا ما يحرمني منك ابداا انت و ( هبة ) الصغيرة ....
الخاتمة... بقلمي/ منى لطفي..
دخل ( امجد ) غرفتهما, ليفاجأ بـ ( هبة ), أطلق صفيرا عاليا, بينما تقف هي أمام المرآة تتأكد من زينتها حيث كانت مرتدية فستانا طويلا باللون النيلي مشغولا يبهر الابصار وتحمل في يدها اميرتها الصغيرة, فمال عليها يحملها بين ذراعيه وهو يقول ضاحكا :
- بسم الله ما شاء الله اللي يشوفكم يقول فولة وانقسمت نصين..
فقالت ( هبة ) بغيظ:
- فين دا؟, واخده لون عينيا الرمادي ولون شعرك الاسود..
أجاب ضاحكا وهو ينظر الى ابنته النائمة بين ذراعيه كالملاك:
- وواخده لونك الابيض ودقنك الصغيرة, وبؤك اللي زي حباية الفراولة و ...
قاطعته هاتفة:
- ايه ايه ايه, حيلك.. حيلك.. انت بتعاكس بنتي ولا بتعاكسني؟
قال بضحك وهو يغمزها بمكر:
- انا بعاكس البنت وامها.. فيه مانع؟
أجابته وهى تميل على ابنتها الساكنة بين ذراعي والدها :
- لا ابداا بس انت نسيت اهم حاجه الـ 111 المعقودين عقدة واشنيطة دوول فاكرهم؟
نظر اليها متسائلا وقال:
- مالهم؟
قالت ضاحكة:
- زي ما ربنا قدرني وفكيت عقدتك, بإذن الله هيقدرني وأفكها لها...
وضحكت وهى تركض خارجة سابقة له في حين نظر اليها نظرة توعد تعلم تماما أنه لن يتركها حتى يقتص من سخريتها منه ووقتها سيجدها أكثر من مرحبة بهكذا عقاب!!
إنضما بعد ذلك للضيوف الذين حضروا للإحتفال بعقيقة ( هبة أمجد علي الدين ) ...
**************************************************
- هبة حبيبتي كدا غلط يا ماما ما ينفعشي..
كتفت الصغيرة ذراعيها والتفتت الى ( هبة ) وقد عقدت حاجبيها سوية وقالت:
- وهو ايه دا اللي مث ينفع دا؟
نظرت اليها ( هبة ) وهى تهز برأسها يأسا من ابنتها وهى تقول بابتسامة مهادنة إيّاها:
- يا حبيبتي ماينفعشي, سيبي اخوك نايم يا ( هبة ).. رُزْ ايه اللي عاوزاه ياكله بس؟, حبيتي دا لسه نونو يدوب شهرين مش بياكل زيك انت كبيرة ما شاء الله 3 سنين بتاكلى وشاطرة..
قالت ( هبة ) الصغيرة بعناد طفولي:
- بلدوووو!, انا عاوزاه يكبيي ( يكبر) وياكل معايا, هو قعد كتييييي ( كتييير ) اووي صغييي ( صغيير), خليه يكبييي (يكبررر) بأه!
زفرت ( هبة ) بغيظ وأجابت حانقة:
- ييجي يشوف اللي بيقولي شبهك, فين دا؟, عاوزاه يكبر بالأمر المباشر يا بنت ( امجد )؟, لا يا حبيبتي دي مافيهاش اوامر, وبعدين يا بنتي – ومسدت باصبعها بين حاجبي ابنتها مكملة – حبيبتي فكي الـ 111 العقدة والشنيطة دوول الله يهديكي ...
واذ بصوت يتحدث بمرح قائلا :
- مين اللي مزعل روح ( امجد )؟
قفزت ابنته ركضا اليه حيث رمى بحقيبة اوراقه متلقفا اياها بين ذراعيه وهو يقول:
- ايه يا روح بابا مين اللي ضايقك؟
نظرت الى امها بغيظ ثم التفتت اليه قائلة متذمرة شاكية:
- ماما!, قولتلها خلي ( يوثف ) يكبيييي مش ياضييييييه (راضية )!
نظر أمجد الى زوجته الواقفة أمامه تنظر اليهما بدهشة قائلا بضحك مكتوم مقلدا نبرة ابنته :
- ايضييي ( ارضي ) يا ماما !!
لتضرب أمها كفا بكف وتنصرف وهي تهمهم بكلمات دهشة ساخرة...
----------------------------------------------------------في المساء بعد ان نام الاطفال دخلت هبة بكوب القهوة الى امجد الّذي كان راقدا على سريرهما يطالع اوراقاً في يده, وضع الاوراق من يده عندما اقتربت منه ثم تناول منها كوب القهوة وهى تجلس بجواره وتقول:
- انا مش عارفة الناس كلها بتشرب قهوة علشان تسهر وانت بتشرب قهوة علشان تنام!
غمزها بخبث فيما هو يرتشف اول رشفة ويقول:
- انتِ قهوتك غيير يا قلب ( امجد )..
ثم ما لبث ان تنهد عميقا وتابع مغمضا عينيه:
- الله .. تسلم ايديكي ... احلى كوباية قهوة بشربها .. هي دي اللي جابت رجلي! .
ثم وضع الكوب بجواره وقال لها بابتسامة:
- غمضي عينيكي يا قلب ( امجد ), ليكي عندى مفاجأة جميلة..
قالت بحب:
- يا حبيبي انا مش عاوزة حاجه, كفاية عليا انت وهبة ويوسف, ربنا ما يحرمني منكم ابدااااا يا رب..
قال مبتسما :
- لا بس الهدية دي مفاجأة!, غمضي عينيكي ياللا ...
أغمضت عينيها وسرعان ما سمعته يقول :
- افتح يا سمسم ..
فتحت عينيها ففوجئت بورقتين امسكت بهما وقرأتهما لتترقرق الدموع في عينيها ثم ألقت بذراعيها حوله وهى تهتف بسعادة بالغة:
- معقولة يا ( امجد )؟, عمرة؟, عمرة يا ( امجد )؟
أجابها وهو يشدد من احتضانه لها :
- ايوة يا قلب ( امجد ), انا كنت وعدتك بيها, هنسيب الولاد مع ماما وباباكي ( كان والدها وسعاد قد تزوجا بناءا على نصيحة الجد نفسه لأمجد فأمه بحاجة لأنيس في حياتها, ووافقت سعاد وسط ضغط من أبنائها بعد أن كانت تخشى من غضبهم عندما صرح يوسف برغبته لأمجد الذي فاجيء أمه بموافقته على هذا الإرتباط, والآن وقد تزوجا أصبحا مقيمين معهم في منزل المزرعة والذي لم ترغب هبة بتركه والذهاب للسكن في منزل أمجد بالقاهرة, فوظّف أمجد شوكت بصورة دائمة في منصب مدير شركته هناك وتفرغ هو لمتابعة شركة العائلة ) ما هيصدقوا, وجدي هيفرح بيهم طبعا غير ( علا ) و ( علاء ) اللي روحهم في الولاد, هنسافر اسبوعين مكة والمدينة ايه رايك في المفاجأة دي؟
ابتعدت هبة عنه قليلا لتنظر اليه بحب طغى على نظراتها ولون صوتها بعشق خالص وهي تقول:
- احلى مفاجأة يا حبيبي, ربنا ما يحرمني منك ابداا يا حبيب قلبي, ما كنتش اعرف انى لما حلمت بيك انه الحلم هيبقى علم حلو أوي كدا!
علّق بإبتسامة:
- ويا ترى انهي احسن.. الحلم و لا العلم؟
فنظرت اليه قائلة بهمس:
- مافيش أدنى مقارنة الحلم دا خيال.. لكن العلم وااقع واحلى من الخيال كمان.....
لم يمهلها إكمال عبارتها فإحتضنها بقوة بين ذراعيه معانقا اياها بشدة عناقا تمنّا معه ان يطول الى الابد ....
- تمت بحمد الله -
وخلصت... " حلم ولا علم " , كل واحد فينا له حلم يتمنى يكون علم, بس يا ترى لما يتحقق بنندم اننا في يوم حلمناه؟!, في مقولة سمعتها بتقول: عندما تحلم فإحلم بحرص... فقد يتحقق حلمك يوما ما !!....
أتمنى تكونوا قضيتوا وقت ممتع مع أبطال روايتي, وإلى لقاء آخر قريبا بإذن الله مع حكاية جديدة من حكاياتي و... إحكي ياشهرزاد (منى لطفي) ........
أستودعكم الله الذي لا تضيع عنده الودائع......

تمت بحمد الله وفضله في 25 مارس 2013 اول عرض على جروبي الجواز وسنينه فمنتديات حكاوينا الادبية وجروبي حكاوي شهرزاد منى لطفي ومنتديات روايتي الثقافية..

🎉 لقد انتهيت من قراءة حلم ولا علم رواية شرقية كاملة بقلمي/ منى لطفي 🎉
حلم ولا علم رواية  شرقية  كاملة  بقلمي/ منى لطفيحيث تعيش القصص. اكتشف الآن