حلم ولا علم – الحلقة الحادية عشر – بقلمي/ منى لطفي
وقف ( أمجد ) مستندا الى الحائط يحدق في الفراغ بينما جلس افراد عائلته وكل واحد منهم يدعو و يبتهل الى الله ان يكتب لـ ( هبة ), الشفاء فهم لا يستطيعون تخيل اختفاء ابتسامتها من حياتهم , جلس والدها يتلو آيات الله من مصحف صغير ولسانه لا يكف عن قراءة القرآن وقلبه لا يكف عن الدعاء لصغيرته فهي دنياه وأمله , كان يقرأ وهو لايشعر بالعبرات التى أخذت تتدفق من عينيه وهو يتذكرها في كل مراحل عمرها بدءا منذ كانت رضيعه نهاية بعروس تتحضر لحفل زفافها والذى كان من المفترض ان يقام بعد سويعات, مرورا بذكرى اول مرة تنطق بابا وماما, واول يوم لها في المدرسة, وكيف انها صارت السبب الرئيسي الذي منعه من الانهيار بعد وفاة شريكة الروح والعمر , هى بشقاوتها وطفولتها وبساطتها في الكلام, يدعو الله بقلب مخلص الا يذيقه مرارة فراقها ....
تقدم ( علاء ) من ( أمجد ) ووضع يده على كتفه قائلا :
- ان شاء الله خير يا ( أمجد ) , انا حاسس انها هتقوم بالسلامة, صدقنى انا يمكن معرفتهاش غير مده بسيطة بس كأنى اعرفها من زمان, ( هبة ) انسانه طيبة اووى وربنا هيقف جنبها ان شاء الله ويرجعهالنا بالسلامة..
نظر ( أمجد ) الى اخيه بعيون ذابلة ولا يزال بملابسه التى احتضن بها ( هبة ) ودمها يلوث قميصه وقال بخفوت والم شديدين :
- بئالهم 4 ساعات في العمليات يا ( علاء ) انا هتجنن !!, انا مش متصور انى قاعد هنا زى المشلول ومش عارف الباب دا ايه اللي وراه ؟؟
ثم نظر الى الارض وهو يكمل قائلا ببسمة مريرة :
- آخر مرة سمعت صوتها امبارح بالليل, قولتلها وحشتيني خالي بالك من نفسك ! يمكن كنت حاسس ؟؟ وهى ردت عليا بتضحك وتقول... قال يعني لو جرالى حاجه هتزعل عليا ؟!, زعئتلها وقولتلها ما تقوليش كدا, ردت عليا بشقاوتها... يا عم الحاج هتعملهم عليا كبيرك اسبوع ويبقى كتر الف خيرك وتنسى !! الرجاله مش زينا احنا الستات ممكن نقعد عمرنا كله على ذكرى واحد بس, لكن انتو لكم الف حجة, وحقكم ما قلناش حاجه.. بس علشان تعرفو مين اللي بيزعل بجد على مين ؟؟
ثم نظر اليه وهو يكبت دموعه وتابع :
- انا بأه عاوزها تصحى علشان اقولها انها غلطانه وان الرجاله بتعرف تحزن وتعيش على ذكرى واحده هى كمان بس ... بس .. ترجع يا ( علاء ) ترجع... عاوزها ترجع ...
ثم انخرط في بكاء مرير جعل ( علاء ) يتلقفه بين ذراعيه و كأن دموعه قد هدمت سدا وفاضت على لحيته الخفيفة ووجهه ...قال ( علاء ) وهو يغالب دموعه هو الآخر حزنا على ( هبة ) وعلى حال اخيه الأكبر فهو لا يذكر متى كانت آخر مرة شاهد فيها ( أمجد ) يبكي؟, حتى عند وفاة والدهما لم يبك أو ينهار بهذا الشكل بل صمد وتماسك وكبر قبل أوانه ...:
- هترجع يا ( أمجد ) ان شاء الله... هترجع ....
فُتح باب غرفة العمليات فاندفع الجميع الى الطبيب الذي خرج تبدو على ملامحه الجدية البالغة وكل واحد منهم يسأله نفس السؤال كيف هي ؟ فأشار بيده ليطمأنهم قائلا :
- الحمد لله العملية نجحت, المشكلة ان النزيف كان في جزء حساس من المخ والحمد لله قدرنا نسيطر عليه بس ....
قاطعه ( أمجد ) قائلا وهو مقطب جبينه :
- بس ؟؟ بس ايه يا دكتور ؟؟
اجاب الطبيب :
- احنا مش هنقدر نحكم على النتيجه قبل مرور 24 ساعه على الاقل, علشان كدا هى هتفضل في غرفة العناية المركزة لغاية ما تفوق و نشوف النتيجه ..
تساءل أباها بلهفة وقلق :
- طيب نقدر نشوفها يا دكتور ؟؟
ترقب ( أمجد ) اجابة الطبيب بقلق وسمعه وهو يقول :
- لا... للأسف, مش قبل مرور 24 ساعه, لغاية مانشوف الحالة اخبارها ايه, علشان كدا هى هتفضل في العناية المركزة لغاية ما تفوق و نتيجه العملية تبان , عن اذنكم ..
ثم انصرف ... جلس كل منهم وهو يدعي ان تمر الـ 24 ساعه القادمة على خير ... اقترب الجد من والد ( هبة ) وقال :
- أ. ( يوسف ) افتكر قعدتنا هنا دلوقتى مالهاش لازمة, اكتر شئ هينفعها دعانا ليها, تعالى نروّح... انت بتاخد دوا للضغط ودا مش كويس علشانك وبكرة من بدري هنكون هنا ان شاء الله..
هز والدها برأسه رافضا للكلام قبل حتى ان ينتهى منه الجد وقال بجدية وحزن :
- معلهش يا ( علي ) بيه , انا مش همشي من هنا قبل ما بنتي تفوق واطمن عليها, وهاخدها وامشي من هنا, اللي جرالها كتيير أووى, انا عاوزها تفووق بس.. وصدقني انسوا انكم شوفتونا في يوم لان اللى جرا لبنتى عمرى ما اقدر انساه او اسامح فيه ..
أجاب الجد وهو يربت على كتفه ويهز رأسه متعاطفا :
- معلهش انا مقدر حزنك على ( هبة ), وما تفتكرش انى بجاملك.. لكن ( هبة ) معزتها عندى لو اقولك اكتر من ( علا ) حفيدتي مش هتصدقنى ! ( هبة ) دخلت قلوبنا كلنا وحبيناها ومش ممكن ننساها, انا عارف انه حقك طبعا انك تفكر كدا لكن انت دلوقتى زعلان وغضبان من اللي حصل ونصيحه من اخ اكبر.. عمرك ما تاخد قرارات ناتجه عن عصبية او انفعال وفى الآخر اللي يرضيك احنا موافقين عليه ...
نطق جملته الاخيرة وهو ينظر بصرامه الى ( أمجد ) الذى كان يستمع الى الحوار الدائر بينهما ولم يرض بالتدخل في الحديث ولكن لدى عبارة جده الاخيرة التفت وسار حتى وقف امامهما وقال بكل هدوء وجدية :
- الف حمدلله على سلامة ( هبة ) يا عمي .. انا متأكد انها ان شاء الله هتقوم بالسلامة ...
نظر والدها اليه شرزا ولم يجبه ... وما ان بدء ( أمجد ) بالسير مبتعدا حتى عاد ونظر الى والدها وهمس ببطء شديد :
- انا مقدر حالة حضرتك كويس اووي ومراعي الظروف, لكن صدقنى.. ( هبة ) اول ما تقوم بالسلامة مش هتتنقل خطوة بعيد عني .. عن اذنك ....
كاد ( أمجد ) أن يجن من شدة لهفته لرؤية ( هبة ) ولكن كيف وهى في العناية المركزة وممنوع عنها الزيارة .. تقدمت والدته اليه وربتت على كتفه وقالت :
- ( أمجد ) حبيبي .. وقفتك كدا مالهاش لازمة .. تعالى حبيبي روح على الاقل استحمى وغير هدومك انت بيها من امبارح...
نظر الى قميصه الملطخ بدماء.. هبته... هبة خاصته... ثم سكت قليلا قبل ان يجيب :
- مقدرش يا امى ... مقدرش امشي واسيبها .. افرضي فاقت وانا مش موجود .. لالا انا هفضل موجود ...
فقالت والدته :
- طيب على الاقل غير هدومك ..
ولكنه اصر على الرفض فهزت برأسها يأسا من عناده الشديد ثم طلبت من ( علاء ) ان يوصلها هى والجد و ( علا ) الى المنزل وذهبت لتحاول ثانية مع والد (هبة) حيث أقنعته بعد جهد طويل انه من الافضل له ان يذهب معهم كى يأخذ قسطا من الراحه كي يكون بحاله جيده لدى استيقاظ ( هبة )....
مكث ( أمجد ) على كرسي في غرفة الانتظار وبعد فترة دخل عليه اخاه وهو يقول :
- خد يا ( أمجد ) غير هدومك...
نظر اليه ( أمجد ) مستفهما وهو يرى ( علاء ) يمد اليه حقيبة بلاستيكية في حين تابع ( علاء ) :
- آه انت عارف والدتك صممت أجيبلك هدوم نضيفة معايا, واتفضل شوف بأه هتعرف تقعد هنا ازاي بس انت مش هتغلب دي اكبر مستشفى استثمارى وانت من المساهمين الرئيسيين فيها تعتبر المالك يعني من الآخر, فلو قولتلهم يفضولك دور بحاله هيعملوها ....
تناول ( أمجد ) الحقيبة وكان قد حجز جناح له حيث اغتسل وبدل ملابسه ثم خرج لاخيه الذي ناوله علبة عصير وشطيرة ولكنه رفض تناول أي شيء فكل ما يشغله الآن كيف يرى ( هبة ) ؟؟, الى ان اهتدى لطريقة معينة!!....
اقنع ( أمجد ) ( علاء ) بالانصراف قائلا له انه سيخلد الى النوم وانه لو علم شيئا عن هبة سيخبرهم , ثم ذهب الى غرفة العناية وحاول ان ينظر عبر زجاج الغرفة فلم يرى سوى جسدا ملقى على سرير واجهزة كثيرة موصولة به ....نظر حوله قليلا ثم رأى الممرضة المسؤولة عن العناية المركزة فذهب اليها ليقنعها ان تدعه يدخل اليها فرفضت وبشده ولكن بعد الحاح شديد منه اشفقت عليه وعلى حالته وهيئته المزرية فهو كما قال لها زوجها وكان اليوم هو الزفاف فوافقت شريطة الا يمكث اكثر من خمس دقائق كي لا يتسبب لها في مشاكل مع الطبيب المعالج , انفرجت اسارير ( أمجد ) ووافق , وضع ( أمجد ) كمامة على انفه لضمان عدم حدوث تلوث في الهواء للمريضة , فتحت الممرضة له الغرفة وقالت بترجى :
- أ .( أمجد ) خمس دقايق مش اكتر الله يخليكي, انا لولا ان حالتك صعبت عليا اووى ما كنتش وافقت, ما تجبليش جزا ربنا يخليك ..
قال بلهفة وهو يلج الى الغرفة :
- ما تخافيش يا سيستر زى ما اتفقنا
فتركته وذهبت وقد اغلقت الباب خلفه ...
اقترب ( أمجد ) بخفه من السرير الابيض وراعه ما شاهده , فقد كانت ( هبة ) نائمة وجهها شاحب وبشده يحاكى بياضه بياض الوساده التى ترقد عليها وشعرها الفتان يحيط بوجهها الصغير, واجهزة كثيرة لا حصر لها ولا عدد موصولة بجسدها الصغير , تناول ( أمجد ) كرسيا ووضعه بجانب سريرها وجلس عليه ثم مد يده وأمسك بيدها الموصوله بالمحاليل وبجهاز تتبع نبضات القلب في سبابتها, مال على يدها فقبلها وهو يستنشق راحتها وقال بصعوبة وهو يغالب دموعه :
- ( هبة ) ما تسيبينيش , انا مقدرش اعيش من غيرك , انت احلى حاجه حصلت لى , ابتسامتك بتنور دنيتي كلها انا مش متخيل انى اقدر اعيش من غيرها...
ثم ضحك ضحكة صغيرة كلها حزن وتابع :
- انت عارفة .. انا اتعودت على عصبيتك وزعلك معايا!!, حتى عصبيتك وزعلك وحشونى ..
رفع نظره اليها وأكمل بحزن :
- انا كنت محضرلك مفاجأه لشهر العسل .. كنا هنروح جزيرة في البحر الكاريبي, جزيرة كلها نخل ومايه زى اللي بتشوفيها في الافلام الاجنبية الرومانسية ... فاكرة لما قولتيلي يا ترى الجزر دى موجوده فعلا ولا كلام افلام؟, وكنت بتضحكى وانت بتقولى الناس اللي بيروحو هناك مايتهيأليش زيّنا ؟!! انا بأه كنت عاوز اثبت لك انهم هما اللى مش زيك ولا في زيك ابدا ... علشان خاطرى اصحى وانا اوعدك مش هزعلك تانى ابداااااا ارجووكى يا ( هبة ) ارجوووكى ...
دخلت عليه الممرضة تستعجله ليذهب فقد اقترب موعد مرور الطبيب على حالات العناية المركزة .. وقف ( أمجد ) ونظر الى ( هبة ) قليلا ثم مال عليها وطبع قبلة طويلة على جبينها وتركها وذهب وهو يلتفت كل خطوة لينظر اليها الى ان غادر العناية المركزة ....
في اليوم التالى وبعد مرور ال 24 ساعه على اجراء العملية الكل كان مجتمع في صالة الانتظار ينتظرون الطبيب المسؤول عن حالة ( هبة ) كي يطمئنهم على الحال , اتى الطبيب ووقف يدير نظره بينهم ثم قال:
- الحمد لله يا جماعه المؤشرات الحيوية بتاعت الآنسه ( هبة ) كويسة نقدر نقول انننا اجتزنا مرحلة الخطر ..ففرح الجميع وصاروا يهنئون بعضهم البعض على نجاة ( هبة ) ولكن الطبيب قال فجأة :
- بس في حاجه !!
تساءل ( يوسف ) بقلق واضح:
- حاجة ايه يا دكتور ؟؟ انت لسه حضرتك قايل انها الحمد لله العملية نجحت..
أجاب الطبيب وهو يوزع نظراته بينهم مشفقا عليهم مما سيقوله :
- هى المفروض كل المؤشرات الحيوية عندها سليمة لكن هى للاسف رافضة تصحى !!
فقال ( أمجد ) وهو مقطب جبينه :
- يعني ايه رافضة تصحى ؟؟ هو بأرادتها ؟؟
فقال الطبيب بهدوء :
- للاسف يا استاذ ( أمجد ) الانسة (هبة ) رافضة الرجوع لعالم الاحياء, عقلها الباطن مدي اوامر لمخها بكدا .. علشان كدا هى في ....كوما ...غيبوبة يعني لكن للاسف هتفوق منها امتى منقدرش نحدد لانها مش غيبوبة مرضية هى الوحيدة اللى تقدر تحدد امتى عاوزة ترجع لنا تانى ؟؟....
وكان وقع الخبر كالصاعقة تماما عليهم جميعا وفجأه اذ بيوسف يهجم على ( أمجد ) ماسكا بياقته قابضا على عنقه وهو يصرخ غاضبا :
- انت السبب , انت السبب , منك لله .. ذنب بنتي في رقبتك ,, حسبي الله ونعم الوكيل حسبي الله ونعم الوكيل ,, يااااااااااااااارب ,,, و....وقع مغشيا عليه!! ...
سريعا امر الطبيب باحضار السرير النقال وحضر الممرضون وادخلوه سريعا الى حجرة الطوارئ وبعد قليل خرج الطبيب ليطمئنهم على حالة ( يوسف ) قائلا :
- بسيطة ان شاء الله, الضغط علي عليه فجأه من الزعل واحنا علقناله محاليل وشوية وتقدروا تاخدوه معكم وانتم مروحين بس لازم يبعد عن اي انفعالات, والدوا والاكل بمواعيد ونظام, لو عاوزين ممكن ارتب لكم ممرضة تكون معاه ...
فقال الجد :
- شكرا يا دكتور بس احنا هنعتنى بيه, وتأكد اننا لو احتاجنا ممرضة اكيد هنبلغك..
ثم التفت الى ( سعاد ) و ( علا ) وتابع بصرامة :
- أ.( يوسف ) مسؤوليتكم انتو الاتنين مش عاوزين نضيع البنت وابوها كفاية البنت ربنا يقومها بالسلامة..., وهو ينظر الى ( أمجد ) نظرة مليئة بالحنق والغيظ ..
تركهم ( أمجد ) وذهب الى الطبيب فهو الى الآن لا يستطيع ان يصدق ما قاله الطبيب , دخل الى مكتب الطبيب حيث اشار عليه بالجلوس وبعد ان جلس استفهم منه اكثر عن الحالة فأعاد عليه نفس الكلام مرة اخرى فسأله ( أمجد ) ان كان هناك ما يستطيع عمله ليساعد على استيقاظها من غيبوبتها فقال الطبيب:
- على حد علمى انتو مكتوب كتابكم صح ؟
هز( امجد ) برأسه موافقا فقال الطبيب :
- في الغيبوبة بيكون فيه جزء صغير في المخ واعي للى حواليه, علشان كدا في بعض الحالات بننصح اهل المريض انهم يتكلموا معاه في زيارتهم ليه ويحاولوا يفكروه بأحداث وذكريات جميلة, دى ممكن تنشط المخ وتخلى المريض عاوز يفوق من غيبوبته اللى فرضها على نفسه .. بس ممكن أسال حضرتك سؤال ؟؟
خمّن ( امجد ) ماهية سؤال الطبيب واشار بالموافقة فتابع الطبيب :
- واضح جدا انه في عامل نفسي غير الوقعه وأثرها وعلشان نقدر نحط ايدينا على السبب لازم لو فيه اي شئ حضرتك شاكك انه ممكن يكون السبب النفسي دا تقولى عليه, يعني مثلا سبب وقوعها اييه ؟؟
سكت ( أمجد ) قليلا ثم روى للطبيب منذ دخول ( هبة ) فجأة الى غرفة المكتب حتى لحظة سقوطها غارقة في دمائها ...
استمع الطبيب اليه ثم هز برأسه وقال :
- زي ما توقعت بالظبط ...الوقت اللى هتفوق فيه هيعتمد على مدى ارادتها للرجوع للحياة تانى, علشان كدا اى ذكريات او حاجات سعيده حاول تفكرها بيها واضح جدااا ان شعورها من ناحيتك قوى اووي علشان كدا انت تقدر تنمى الشعور دا وتخليه يصحى وهو اللي هيشدها لينا تانى ...
ذهب ( أمجد ) الى غرفة الرعاية ومكث ينظر من خلال الزجاج الى الجسد النائم امامه ثم عزم واتجه الى الباب وهمّ بفتحه فسمع صوت نسائيا ينهره بصرامه :
- هاي ! انت رايح فين ؟ وكالة هى من غير بواب ! ممنوع يا سيد !
ثم تقدمت منه وهى تشيح بيدها بصرامه قائلة :
- لو سمحت امشي من هنا دا ممنوع..
التفت ناظرا اليها ليجد انها ممرضة اخرى واضح ان هذه هي فترتها النهارية, رمقها بحدة وهو يقول بعصبية مكبوتة :
- امشي انت من وشي الساعه دى ...
وفتح الباب فأمسكت بذراعه وهى تصرخ بالممرضين لكى يساعدوها في منع هذا الرجل المجنون من الدخول وقالت :
- انت ايه ؟ فاكر نفسك ....
فوجئت بصوت الطبيب المسؤول عن الحالة وهو يقول بصرامه :
- خلاص يا سيستر انا اديته الاذن انه يدخل خليه يلبس الحاجات اللازمة ودخليه ...
استعد ( أمجد ) للدخول كما فعل في اليوم السابق ودخل الى غرفة العناية وجذب الكرسي ووضعه بجانب السرير حيث جلس عليه بجانبها ومد يده آخذا بيدها مقبلا اياها مستمرا في الكلام معها يحكي لها كيف انه في غاية الاشتياق لها, وانبرى يتحدث معها في ذكريات عديدة جمعت بينهما حتى مر موعد الزيارة فغادر مقبلا اياها على جبينها واعدا اياها بانه سيأتى ثانية ...
استقر ( أمجد ) في جناحه في المشفى الذي يملك غالبية أسهمه, بينما تولت ( علا ) ومدام ( سعاد ) أمر العناية بـ ( يوسف ) والذي استعاد عافيته بالتدريج واصبح يذهب لزيارة ابنته حيث يقوم بالحديث اليها كما قال الطبيب وكان ( أمجد ) يختفي في هذه الاثناء كى لا يراه وينفعل ثانية ويحدث ما لا يحمد عقباه ...
جلس ( أمجد ) بجانبها وبدأ الكلام معها مثلما يفعل دائما وهو ممسكا يدها ثم قال لها بحب :
- فيه حاجه لازم ارجعهالك...
اخرج الدبلة وخاتم الزفاف من جيب سترته والبسها اياهم ثم قبل يدها وهو يقول :
- دوول مكانهم هنا وهيفضلوا هنا .. واوعي تفكري تقليعهم من ايدك ابداااا, ( هبة ) لـ ( أمجد ) و ( أمجد ) لـ ( هبة ) ومافيش حاجه هتفرق بينهم ابدااااااا...
ثم قبل يدها وأسند جبينه على اصابعها واذ به يشعر بارتعاشة طفيفة بين يديه فرفع رأسه مذعورا وهو يرى ارتعاشة طفيفة لا تكاد تظهر في اصابع يدها, صعق ولم يصدق عينيه, وفجأة اذ به يسمع أزيزا صادرا من الجهاز المسؤول عن حالة القلب , ارتعب مما يرى وقام مسرعا وهو يهتف :
- دكتور , دكتووور , هاتولي دكتور بسرعه ,
حضرت الممرضة سريعا وبعد ان عاينت الوضع اتصلت بالطبيب وفجأة اذ بغرفة العناية تمتلئ بالاطباء والممرضات واستطاع الطبيب المعالج اقناعه بعد جهد طويل ان ينتظر بالخارج ...
أخذ ( أمجد ) يروح ويجئ بالمكان كالليث المحبوس في قفص ..وهو يزفر ويخبط قبضة يده براحة الاخرى ... مر وقت طويل قبل ان يخرج الطبيب المعالج وباقي طاقم الاطباء وقف الطبيب امامه ينظر له بجدية بالغه وتعبير وجهه صارم للغاية مما جعل قلب ( أمجد ) يوشك على الكف عن النبض وشحب وجهه وتفصد عرقه غزيرا من جبينه وهو يبتلع ريقه بصعوبة ويقول بفزع :
- خير يا دكتور طمني ؟!
تنهد الطبيب طويلا ووضع يده على كتف ( أمجد ) وقال :
- حضرتك قوي ولازم تستحمل المفاجأة علشان انت اللى هتبلغ عيلتك ووالدها اومال ابوها بأه هيعمل ايه ؟؟؟
اخفض ( أمجد ) رأسه واخذ يهزها يمنة ويسرى وهو يعبث باصابعه في شعره ويقول بحزن مختنق بدموع لم تذرف بعد :
- لا .. لا .. مش مصدق .. مش ممكن ...
فقال الطبيب وشبح ابتسامه يلوح في وجهه لم يرها ( أمجد ) :
- ليه ؟؟ انا قولتلك احنا دكاترة بس مانعرفش الغيب ومش منجمين وربنا هو الشافي المعافي واحنا اسباب في ايد المولى عز وجل ...
رفع ( أمجد ) راسه بحدة ناظرا بدهشة الى الطبيب وهو يقول باستغراب شديد :
- قصدك ايه يا دكتور ؟؟
أجاب الطبيب وهو يضحك بملئ فيه :
- ما تبئاش تنسى تعزمنى ع الفرح يا عرييس ....
سكت ( أمجد ) هنيهة ليستوعب كلام الطبيب ثم ما لبث وجهه ان ارتاح وابتسامه واسعه ارتسمت عليه لم يعرفها منذ الحادث وقال وهو يمد يديه ليمسك الطبيب من ذراعيه وضحكة تتراقص في صوته :
- بجد ؟؟ والله ؟؟؟ بجد يا دكتور ؟؟ ( هبة ) فاقت ؟؟؟ ( هبة)؟؟
أومأ الطبيب برأسه ايجابا وهو يضحك وقال :
- ايوة بجد وانا امرت بنقلها لاوضة عادية ..
اندفع ( أمجد ) يهتف :
- اوضة ؟؟؟ لالالا اكبر جناح عندكم هنا تنزل فيه و ...
بتر عبارته ومال على الطبيب يقبله فرحا وهو يتابع :
- معلهش يا دكتور من فرحتي انت .. انا .... مش عارف .....
بينما الطبيب يضحك سعيدا ببهجة هذا الشاب الذي كان قد نسي طعم الحياة بعدما حدث لخطيبته ...
اندفع ( أمجد ) ليرى ( هبة ) والممرضات يقمن بازالة الاجهزة استعدادا لنقلها لجناحها الذي امر ( أمجد ) بتجهيزه لها وقال في نفسه :
- اوعدك يا ( هِبايا ) ما في شئ ولا قوة في الارض هتقدر تبعدك عن عينيا تانى, انت اغلى ( هبة ) ربنا وهبهالى, وانا هحافظ عليك بروحى يا اغلى من روحى .
علم الجميع بالخبر المفرح باستيقاظ ( هبة ) من الغيبوبة وذهبوا الى المستشفى لرؤيتها ....
كان ( أمجد ) بالطبع اول من حضر الى غرفة ( هبة ) بعد انتقالها , دخل وجلس بجانبها وراقبها حتى بدأت ترفرف برموشها وتفتح عينيها حيث فوجئت بالرؤية ضبابية اول الامر ومالبث الضباب ان انقشع وفتحت عينيها التى ما ان رآها ( أمجد ) حتى سارع بالتهليل بها بسعاده قائلا وهو يمسك بيدها :
- حمدلله على السلامة يا ( هبة ), يا أحلى حاجه في حياة ( أمجد ), كدا كنت هتموتيني من الخوف عليك ؟؟
نظرت اليه باستغراب ولم تتكلم فتابع بابتسامة سعيدة :
- لكن خلاص ولا يهمك , اهم شئ رجوعك ليا بالسلامة واول حاجه هعملها بعد ما تخرجى من هنا اننا نتجوز على طول انا مش عاوزك تغيبي عن عيني لحظة واحده يا نور عيني ...
قطبت ( هبة ) حاجبيها قليلا ثم فوجئت بانفتاح الباب على اتساعه ودخول اشخاص كثيرة واذ بواحد منهم يركض اليها ليحتضنها وهو يبكى ويقول :
- ( هبة ) حبيبتي حمدلله على السلامة الف حمد والف شكر ليك يارب انا ما كنتش اقدر اعيش ثانية واحده من غيرك يا قلب ابوكى ...
دفعته ( هبة ) برفق في صدره ليبتعد فتستطيع رؤيته جيدا وقالت بارتباك :
- با ...با ..بابا ؟؟ حضرتك ..بابا ؟؟
ضحك ابوها وهو يقول :
- ايه يا ( هبة ) الوقعه خلتك هادية اووي كدا ليه ؟؟ نسيتي ابو حجاج ولا ايه يا هوبا ؟؟؟
نظرت اليه باستغراب ما لبث ان تحول الى فزع في حين تحول تعبير والدها الى خوف وهو يمسكها ويقول بفزع :
- ( هبة ) حبيبتي .. مالك ؟؟ في ايه ؟؟
قالت باضطراب ودموعها تهطل من عينيها :
- انا .. انا .. مش فاكرة حاجه .. ابداا .. ابداا .. ابداا ...
احتضنها والدها وهو يبكى هاتفا :
- لطفك يا...رب ..
في حين تقدم ( أمجد ) مسرعا وهو يجلس من الناحية الاخرى للفراش ويمسك يدها ناظرا في عينيها هاتفا بلوعة:
- ( هبة ) حبيبتي .. انا (أمجد ) .. بصيلي كويس يا ( هبة ) .. ركزى .. ها .. ( أمجد ) ... ( أمجد ) يا ( هبة ) .... دكتوووور....
ومالبث ان قام من فوره ليأت بالطبيب الذي حضر مسرعا وأمر باخلاء الغرفة من الموجودين وانتظاره خارجا....
خرج الطبيب بعد ان قام باعطاء ( هبة ) حقنة مهدئة , نظر اليه الجميع متسائلا فقال وهو يسعل قليلا ليجلي حنجرته :
- احم ... للأسف.. الآنسه ( هبة ) بتعانى من فقدان في الذاكرة ..
شهق الجميع في حين استفسر ( يوسف ) قائلا :
- ازاى يعني يا دكتور ؟؟
فقال الطبيب شارحا :
- زي ما قلتلكم قبل كدا, الوقعه كانت في منطقة حساسة في المخ, وواضح ان النزيف أثر على مركز الذاكرة, وللاسف فقدان الذاكرة مش بيبان غير لما المريض يفوق من الغيبوبة, ولو تفتكرو انى قلتلكم اننا هنستنى لغاية لما تفوق علشان نعرف النتيجه ؟!.... دي كانت من ضمن الحاجات اللى متوقعنها والعلاج بيكون على حسب تحسن الحالة, كل ما يكون المريض مستقر نفسيا ومافيش اي اضطرابات, كل ما يكون علاج فقدان الذاكرة اسهل واسرع .. هنعتمد على الادوية اللازمة واهم شئ الراحه النفسية وما نضغطشي على المريضة علشان تسترجع ذاكرتها هى هتفتكر بس في الوقت المناسب, ممكن أ. ( أمجد ) تيجي معايا علشان فيه بعض المعلومات اللي ممكن تساعدنى في علاج الحالة ...
ذهب ( أمجد ) مع الطبيب وبعد انتهائه من مقابلة الطبيب ذهب الى جناح ( هبة ) حيث دخل ووجد عائلته في غرفة الانتظار التابعه للجناح دخل غرفتها فوجد والدها يقرأ القرآن وهى نائمة كالملاك, تقدم حتى فراشها ووقف ينظر اليها قليلا في حين سمع والدها وهو يختم قراءته ثم ما لبث ان نهض وتقدم اليه ووقف بجانبه وقال :
- زعلان عليها دلوقتى؟؟ يا ما قولتلك انا ماليش غيرها .. وللاسف صدقتك لما أكدتلى انك عاوزها وهتصونها وتحميها من اي حد ممكن يأذيها, ما جاش في بالي ان الحد دا ممكن يكون انت !!...مش هسامحك ابدا يا ( أمجد ) لو حصل لبنتي حاجه, أظن كفاية أوي لغاية كدا, انا هاخدها وارجع بيتنا تانى وتكمل علاجها وهى معايا, وانت لو فعلا بتعزها وعاوز مصلحتها اعتقها لوجه الله .. خليني احاول ارجع ( هبة ) بنتي من تانى ...
ثم تركه وانصرف في حين جلس ( أمجد ) بجانبها على الفراش وقال بذهول حزين ودمعته تخط على وجنته بينما يمسك بيدها :
- معقولة ؟؟ اسيبك يا ( هبة ) ؟؟ معقولة حد يسيب روحه بإيده؟؟, والدك بيقول لو بحبك اعمل اللي يساعدك انك تخفي؟, وانا هثبتله انى بحبك .. وهثبت لك انتي كمان .. انا ماقولتهاش وانت واعية وسامعانى, ومعرفش هقدر اقولهالك تانى ولا لأ ؟؟ بس صدقيني انا فعلا بحبك .. ولا عمرى حبيت ولا هحب تانى غيرك ابداااااا يا ( هبة ) اوعى تنسي دا ابداااااااااا.....
ثم مال عليها مقبلا اياها على جبينها ونظر اليها قليلا ثم وضع يدها بجانبها ووقف ينظر اليها قليلا قبل ان يستدير و..... ينصرف ....
ترى هل سينفذ ( أمجد ) طلب ( يوسف ) والد ( هبة ) وينفصل عنها ؟؟؟...وهل هذ هو الحل لاستعادة ( هبة ) ذاكرتها أم أن ل ( أمجد ) رأي آخر ؟؟...و.. هل سينتهى الحلم عند هذا الحد ؟؟؟ ...
تابعونا في القادم من حلقات ( حلم و لا علم ) لمعرفة الاجوبة عن هذه الاسئلة.......
- يتبع –
أنت تقرأ
حلم ولا علم رواية شرقية كاملة بقلمي/ منى لطفي
Romanceحلم ولا علم بقلمي/منى لطفي الملخص قديما قالوا "إذا حلمت فاحلم بحرص فقد تتحقق أحلامك يوما ما!!!" لم تكن "هبة" تعتقد أن حلمها بـ.. "أمجد".. ممكن أن يتحول الى حقيقة، ولكنه استيقظت ذات يوم لتفاجأ أن الحلم أصبح..علماً!... ولكن.. تئثرى.. هل سيطابق الواقع...